قال C تعالى : اعلم بأن صاحبة العادة المعروفة إذا رأت الدم زيادة على عادتها المعروفة يجعل ذلك حيضا ما لم يجاوز أكثر الحيض فإن جاوز ردت إلى أيام عادتها فيجعل ذلك حيضا وما سواه استحاضة لأن طبع المرأة لا يكون على صفة واحدة في جميع الأوقات فيزداد حيضها تارة باعتبار قوة طبعها وينقص أخرى بضعف طبعها وأمر الحيض مبني على الإمكان فإذا لم تجاوز العشرة فالإمكان قائم في الكل وإن جاوز العشرة فقد صارت مستحاضة لما رأت زيادة على العشرة " قال A : المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها " ولأن ما رأته بعد معروفها تبع لمعروفها إذا لم يجاوز العشرة وحكم التبع حكم المتبوع فأما بعد المجاوزة تجاذبه جانبان فإن اعتباره بأيامها يجعله حيضا واعتباره بما زاد على العشرة يجعله استحاضة فيترجح هذا الجانب لأنه ما ظهر إلا عند ظهور هذه الاستحاضة فالظاهر أنه .
صفحة [ 179 ] كان لداء في باطنها .
فإن جاءت المرأة تستفتي فقالت كانت عادتي في الحيض خمسة والآن أرى الدم في اليوم السادس فقد اختلف فيه مشايخنا : .
قال أئمة بلخ أنها تؤمر بالاغتسال والصلاة لأن حال الزيادة متردد بين الحيض والاستحاضة فلا تترك الصلاة مع التردد ولأن هذه الزيادة لا تكون حيضا إلا بشرط وهو الانقطاع قبل أن يجاوز العشرة وذلك موهوم فلا تترك الصلاة باعتبار أمر موهوم .
وكان " محمد بن إبراهيم الميداني " C تعالى يقول : لا تؤمر بالاغتسال والصلاة وهو الأصح لأنها عرفناها حائضا بيقين وفي خروجها من الحيض شك ودليل بقائها حائضا ظاهر وهو رؤية الدم وهذه الزيادة لا تكون استحاضة إلا بشرط الاستمرار حتى تجاوز العشرة وذلك الشرط غير ثابت فتيقناها حائضا لا تؤمر بالاغتسال والصلاة حتى يتبين أمرها فإن جاوز العشرة فحينئذ تؤمر بقضاء ما تركت من الصلوات بعد أيام عادتها واعتبر هذا بالمبتدأة لا تؤمر بالاغتسال والصلاة مع رؤية الدم ما لم تجاوز العشرة .
ومما ذكر " محمد " C تعالى في هذا الباب من المسائل : امرأة عادتها في الحيض خمسة في أول كل شهر فرأت ثلاثة أيام دما في أيامها ثم انقطع سبعة أيام أو ستة أيام ثم رأته يوما أو أكثر فخمستها المعروفة هي الحيض في قول " أبي يوسف " C تعالى بناء على جواز ختم الحيض بالطهر وأن طهر ما دون خمسة عشر كالدم المتوالي عنده .
وعلى قول " محمد " C تعالى الثلاثة الأولى هي الحيض لأنه لا يرى ختم الحيض بالطهر .
ولو أنها رأت في أول العشرة يومين دما وفي آخرها يومين دما : فذكر الشيخ الإمام " برهان الدين " C تعالى أن قوله خمستها حيض إذا كان اليومان الآخران هما اليوم العاشر والحادي عشر أما إذا كان اليومان التاسع والعاشر فالكل حيض عند " أبي يوسف " C تعالى .
ولم يكن شيء من ذلك حيضا في قول " محمد " C تعالى لأن الطهر غالب فصار فاصلا بين الدمين وواحد منهما بانفراده لا يمكن أن يجعل حيضا فإن لم تر في أولها يومين دما لم يكن شيء من ذلك حيضا عندهم جميعا .
وإن رأت في أولها يومين دما ورأت اليوم العاشر والحادي عشر والثاني عشر دما كانت خمستها هي الحيض في قول " أبي يوسف " C تعالى لأن الطهر قاصر فهو كالدم المتوالي .
وعند " محمد " الثلاثة الأخيرة هي الحيض بطريق البدل فإن الإبدال ممكن لأنه يبقى بعده إلى مدة حيضها الثاني مدة طهر كامل .
فإن رأت في أول خمستها يوما دما ويوما طهرا حتى جاوز العشرة كانت خمستها حيضا في قولهم جميعا لأن ابتداء الخمسة .
صفحة [ 180 ] وختمها كان بالدم والطهر المتخلل قاصر .
فإن طهرت أول يوم من الشهر ثم رأت يوما دما ويوما طهرا حتى جاوز العشرة : فاليوم الأول ليس بحيض عندهم جميعا لأنه لم يسبقه دم وهو في نفسه طهر وإنما جوز " أبو يوسف " C تعالى ابتداء الحيض بالطهر بشرط أن يتقدمه دم الاستحاضة . والأربعة الباقية من أيامها حيض في قول " أبي يوسف " C تعالى لأنه لا يرى ختم الحيض بالطهر إلا إذا تعقب دما .
وعلى قول " محمد " حيضها ثلاثة وهي الثاني والثالث والرابع من أيامها فإن الخامس كان طهرا وهو لا يرى ختم الحيض بالطهر وإن وقف على العشرة كان ما بعد اليوم الأول حيضا كله .
وإن رأت يوما دما قبل رأس الشهر ومن أول الشهر يوما طهرا أو يوما دما إلى تمام العشرة فاليوم الأول وجميع ذلك حيض إلى اليوم العاشر فإنها لم تر فيه دما ولا بعده وما سوى ذلك وجد فيه شرط الإمكان فجعل حيضا .
وإن جاوز العشرة فخمستها المعروفة هي الحيض في قول " أبي يوسف " C تعالى .
وقال " محمد " : حيضها ثلاثة أيام وهي الثاني والثالث والرابع من معروفها لأنها طهرت في اليوم الأول والخامس وهو لا يرى بداية الحيض ولا ختمه بالطهر