وقد روي عن " محمد " C تعالى في غير رواية الأصول أنها لا تؤمر بذلك حتى يستمر بها الدم ثلاثة أيام وهو اختيار " بشر بن غياث " .
ووجهه : أنها على يقين من الطهارة وفي شك من الحيض لجواز أن ينقطع فيما دون الثلاث فلا يكون حيضا واليقين لا يزال بالشك فتؤمر بالصوم والصلاة فإن استمر بها الدم ثلاثة أيام علم بأنها كانت حائضا فعليها قضاء الصيام إذا طهرت .
والأصح هو الأول فإن الله تعالى وصف الحيض بأنه أذى وقد تيقنت به في وقته فيتعلق به حكمه وإنما يخرج المرئي من أن يكون حيضا إذا انقطع لما دون الثلاث وفي هذا الانقطاع شك فحكمنا بهذا الظاهر وتركنا المشكوك وجعلناها حائضا لا تصوم ولا تصلي فإذا انقطع دمها لتمام عشرة أيام فهو حيض كله فإن جاوز العشرة واستمر بها الدم فحيضها عشرة أيام من أول ما رأت الدم وطهرها عشرون يوما لأن أمر الحيض مبني على الإمكان لتأيده بسبب ظاهر وهو رؤية الدم وإلى العشرة الإمكان موجود فجعلناها حيضا .
وإذا انقطع لتمام العشرة كان الكل حيضا فبزيادة السيلان لا ينتقص الحيض وإذا كانت العشرة حيضا فبقية الشهر وذلك عشرون يوما طهرها لأن الشهر .
صفحة [ 154 ] يشتمل على الحيض والطهر عادة .
وعن " أبي يوسف " C تعالى أنها تأخذ بالاحتياط فتغتسل بعد ثلاثة أيام ثم تصوم وتصلي سبعة أيام بالشك ولا يقربها زوجها حتى تغتسل بعد تمام العشرة وتقضي صيام الأيام السبعة لأن الاحتياط في باب العبادات واجب ومن الجائز أن حيضها أقل الحيض فتحتاط لهذا .
وهو ضعيف فإنا قد عرفناها حائضا ودليل بقائها حائضا وهو سيلان الدم فلا معنى لهذا الاحتياط .
وكان " ابراهيم النخعي " C تعالى يقول ترد إلى عادة نسائها يعني نساء عشيرتها .
وهذا ضعيف أيضا لأن طباع النساء مختلفة حتى لا تجد أختين أو أما وابنة على طبع واحد وكذلك المرأة يختلف طبعها في كل فصل فكيف يستقيم اعتبار حال نسائها في معرفة مدة حيضها .
و " للشافعي " قولان : .
أحدهما : أن حيضها يوم وليلة أقل مدة الحيض أخذا باليقين .
والثاني أن حيضها سبعة أيام بناء على العادة الظاهرة وإليه أشار رسول الله A في قوله تحيضي يعلم الله ستا أو سبعا كما تحيض النساء في كل شهر وتطهر .
وهذا ضعيف أيضا فإن اعتبار العادة عند عدم ظهور ما يخالفها وقد ظهر هنا ما يضاد الطهر وهو سيلان الدم فكان الحكم له إلا إذا تعذر الإمكان .
هذا إذا كانت مبتدأة فأما صاحبة العادة إذا استمر بها الدم فحيضها أيام عادتها عندنا .
وقال " الشافعي " C تعالى يحكم لون الدم فما دام على لون واحد من السواد والحمرة فهو حيض . واستدل بالحديث الذي روينا دم الحيض أسود عبيط محتدم والمراد به البيان عند الاشتباه .
ولنا " قوله A المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها " وهذه مستحاضة فترد إلى أيام أقرائها وبهذا اللفط تبين أن أقل مدة الحيض ثلاثة أيام لأن الأيام اسم جمع وأقله ثلاثة . ومراده A من الحديث الآخر بيان لون الدم في أصل الخلقة وقد يختلف ذلك باختلاف الأغذية والطباع كما بينا .
وقال " مالك " C تعالى المستحاضة تستظهر بثلاثة أيام بعد أيامها للاختبار فإن طهرت وإلا اغتسلت وصلت .
وما روينا من الحديث حجة عليه فقد اعتبر رسول الله A أيام أقرائها من غير زيادة و " قال " لفاطمة بنت أبي حبيش " " حين استحيضت انتظري الأيام التي كنت تحيضين فيها فإذا مضت فاغتسلي وصلي ولم يأمرها بالاستظهار بعدها بشيء . " .
فصل هو دائرة الكتاب الأصل عند " أبي يوسف " وهو قول " أبي حنيفة " رحمهما الله تعالى الآخر أن الطهر المتخلل بين الدمين إذا كان أقل من خمسة عشر يوما لا يصير .
صفحة [ 155 ] فاصلا بل يجعل كالدم المتوالي .
ومن أصله أنه يجوز بداية الحيض بالطهر ويجوز ختمه به بشرط أن يكون قبله وبعده دم فإن كان بعده دم ولم يكن قبله دم يجوز ختم الحيض بالطهر ولا يجوز بدايته به .
وإن كان قبله دم ولم يكن بعده دم يجوز بداية الحيض بالطهر ولا يجوز ختمه به .
ومن أصله أنه يجعل زمانا هو طهر كله حيضا بإحاطة الدمين به .
وحجته في ذلك أن الطهر الذي هو دون خمسة عشر يوما لا يصلح للفصل بين الحيضتين فكذلك للفصل بين الدمين .
وبيانه أن أقل مدة الطهر الصحيح خمسة عشر يوما فما دونه فاسد وبين صفة الصحة والفساد منافاة والفاسد لا تتعلق به أحكام الصحيح شرعا فكان كالدم المتوالي وبيانه من المسائل : .
مبتدأة رأت يوما دما وأربعة عشر طهرا ويوما دما فالعشرة من أول ما رأت عنده حيض يحكم ببلوغها به وكذلك إذا رأت يوما دما وتسعة طهرا ويوما دما .
واحتج " محمد " C تعالى في الكتاب على " أبي يوسف " C تعالى فقال : الدم المرئي في اليوم الحادي عشر لما كان استحاضة كان بمنزلة الرعاف فلو جاز أن تجعل أيام الطهر حيضا بالدم الذي ليس بحيض لجاز بالرعاف ولأن ذلك الدم ليس بحيض بنفسه فكيف يجعل باعتباره زمان الطهر حيضا .
والجواب " لأبي يوسف " C تعالى : أنه خارج من الفرج فلا يكون كالرعاف ألا ترى أن المرأة إذا كانت عادتها في الحيض خمسة فرأت ستة دما ثم أربعة طهرا ثم يوما دما فإنها تصير مستحاضة في اليوم السادس باعتبار المرئي في اليوم الحادي عشر ولو كان ذلك كالرعاف ما صارت به مستحاضة في اليوم السادس .
وكذلك لو رأت بعد ستة دما أربعة عشر طهرا ثم ثلاثة دما فهذه الثلاثة تكون استحاضة فلو كان الدم المرئي في اليوم السادس الذي هو استحاضة بمنزلة الرعاف لكانت الثلاثة حيضا لتمام الطهر خمسة عشر .
قال " أبو يوسف " C تعالى : وقد يجوز أن يجعل الزمان الذي هو حيض كله صورة طهرا حكما . فكذلك يجوز أن يجعل الزمان الذي هو طهر كله صورة حيضا بإحاطة الدمين به وإذا ثبت جواز هذا في جميع المدة ثبت في أوله وآخره بطريق الأولى لكن إذا وجد شرطه وهو أن يكون قبله دم وبعده دم ليكون الدم محيطا بالطهر .
وبيان هذا الأصل من المسائل على قوله في امرأة عادتها في أول كل شهر خمسة فرأت قبل أيامها بيوم دما ثم طهرت خمستها ثم رأت يوما دما فعنده خمستها حيض إذا جاوز المرئي عشرة لإحاطة الدمين بزمان عادتها وإن لم تر فيه شيئا وكذلك لو رأت قبل خمستها يوما دما ثم طهرت أول يوم من خمستها ثم رأت ثلاثة دما ثم .
صفحة [ 156 ] طهرت آخر يوم من خمستها ثم استمر الدم فحيضها خمستها عنده وإن كان ابتداء الخمسة وختمها بالطهر لوجود الدم قبله وبعده .
وروى " محمد " عن " أبي حنيفة " رحمهما الله تعالى أن الشرط أن يكون الدم محيطا بطرفي العشرة فإن كان كذلك لم يكن الطهر المتخلل فاصلا بين الدمين وإلا كان فاصلا وعلى هذه الرواية لا يجوز بداية الحيض ولا ختمه بالطهر .
قال : لأن الطهر ضد الحيض فلا يبدأ الشيء بما يضاده ولا يختم به ولكن المتخلل بين الطرفين يجعل تبعا لهما كما قلنا في الزكاة أن كمال النصاب في أول الحول وآخره شرط لوجوب الزكاة ونقصانه في خلال الحول لا يضر .
وبيان هذا من المسائل : لو رأت يوما دما وثمانية طهرا ويوما دما أو رأت ساعة دما وعشرة أيام غير ساعتين طهرا وساعة دما فالعشرة كلها حيض لإحاطة الدم بطرفي العشرة .
ولو رأت يوما دما وسبعة طهرا ويوما دما لم يكن شيء منه حيضا على هذه الرواية بخلاف الرواية الأولى .
وروى " ابن المبارك " عن " أبي حينفة " رحمهما الله تعالى مع هذا شرطا آخر وهو أن يكون المرئي في أكثر الحيض مثل أقله فإن وجد هذا الشرط فالطهر المتخلل لا يكون فاصلا وإن لم يوجد كان فاصلا ولم يكن شيء منه حيضا وهو قول " زفر " C تعالى .
ووجهه : أن الحيض لا يكون أقل من ثلاثة أيام وهو اسم للدم فإذا بلغ المرئي هذا المقدار كان قويا في نفسه فجعل أصلا وما يتخلله من الطهر تبعا له وإن كان الدم دون هذا كان ضعيفا في نفسه لا حكم له إذا انفرد فلا يمكن جعل زمان الطهر حيضا تبعا وبيان هذا من المسائل : .
لو رأت يوما دما وثمانية طهرا ويوما دما لم يكن شيء منه حيضا على هذه الرواية لأن المرئي من الدم دون الثلاث .
ولو رأت يومين دما وسبعة طهرا ويوما دما فالعشرة حيض لأن المرئي بلغ أقل مدة الحيض .
وكذلك إن رأت يوما دما وأربعة طهرا ويوما دما وثلاثة طهرا ويوما دما فالعشرة حيض على ما بينا .
والأصل عند " محمد " C تعالى وهو الأصح وعليه الفتوى أن الطهر المتخلل بين الدمين إذا كان دون ثلاثة أيام لا يصير فاصلا فإذا بلغ الطهر ثلاثة أيام أو أكثر نظر : فإن استوى الدم بالطهر في أيام الحيض أو كان الدم غالبا لا يصير فاصلا وإن كان الطهر غالبا يصير فاصلا فحينئذ ينظر إن لم يمكن أن يجعل واحد منهما بانفراده حيضا لا يكون شيء منه حيضا وإن أمكن أن يجعل أحدهما بانفراده حيضا إما المتقدم أو المتأخر يجعل ذلك حيضا وإن أمكن أن يجعل كل واحد منهما بانفراده حيضا يجعل الحيض أسرعهما إمكانا ولا يكون كلاهما حيضا إذ لم يتخللهما طهر تام .
وهو .
صفحة [ 157 ] لا يجوز بداية الحيض بالطهر ولا ختمه به سواء كان قبله وبعده دم أو لم يكن ولا يجعل زمان الطهر زمان الحيض بإحاطة الدمين به .
ووجهه أن الطهر معتبر بالحيض فكما أن ما دون الثلاث من الحيض لا حكم له ويجعل كحال الطهر فكذلك ما دون الثلاث من الطهر لا حكم له فيجعل كالدم المتوالي .
وإذا بلغ ثلاثة أيام فصاعدا فإن كان الدم غالبا فالمغلوب لا يظهر في مقابلة الغالب وإن كانا سواء فكذلك لوجهين : .
أحدهما : قياس وهو أن اعتبار الدم يوجب حرمة الصوم والصلاة واعتبار الطهر يوجب حل ذلك فإذا استوى الحلال والحرام يغلب الحرام الحلال كما في التحري في الأواني إذا كانت الغلبة للنجاسة أو كانا سواء لا يجوز التحري فهذا مثله .
والثاني : وهو الاستحسان أن المرأة لا ترى الدم على الولاء لأن ذلك يضنيها فيقتلها فباعتبار هذه القاعدة لا بد أن يجعل بعض الزمان الذي لم يكن فيه الدم معتبرا بالحيض وعند ذلك يغلب الدم على الطهر عند التساوي فلهذا جعلناه كالدم المتوالي .
فأما إذا غلب الطهر الدم يصير فاصلا لأن حكم الغالب ظاهر شرعا وإذا صار فاصلا بقي كل واحد من الدمين منفردا عن صاحبه فيعتبر فيه إمكان جعله حيضا كأنه ليس معه غيره وإن وجد الامكان فيهما جعل المتقدم حيضا لأنه أسرعهما إمكانا وأمر الحيض مبني على الإمكان ثم لا يجعل المتأخر حيضا لأنه ليس بينهما طهر خمسة عشر يوما ولا بد أن يتخلل بين الحيضتين طهر تام وأقل الطهر التام خمسة عشر يوما وبيان مذهبه من المسائل : .
مبتدأة رأت يوما دما ويومين طهرا ويوما دما فالأربعة حيض لأن الطهر المتخلل دون الثلاثة .
ولو رأت يوما دما وثلاثة طهرا ويوما دما لم يكن شيء منه حيضا لأن الطهر بلغ ثلاثة أيام وهو غالب على الدمين فصار فاصلا وكذلك إن زادت في الطهر .
فإن رأت يوما دما وثلاثة طهرا ويومين دما فالستة كلها حيض لأن الدم استوى بالطهر في طرفي الستة فصار غالبا .
ولو رأت يوما دما وأربعة طهرا ويوما دما لم يكن شيء منه حيضا لأن الطهر غالب وكذلك لو رأت يومين دما وخمسة طهرا ويوما دما ما لم يكن شيء منه حيضا لأن الطهر غالب .
ولو رأت ثلاثة دما وأربعة طهرا ويوما دما فالثمانية حيض لاستواء الدم بالطهر .
ولو رأت ثلاثة دما وخمسة طهرا ويوما دما فحيضها الثلاثة الأولى لأن الطهر غالب فصار فاصلا والمتقدم يمكن أن يجعل بانفراده حيضا فجعلناه حيضا .
ولو رأت يوما دما وخمسة طهرا وثلاثة دما فحيضها الثلاثة الأخيرة لما بينا .
فإن رأت ثلاثة دما وستة طهرا وثلاثة دما فحيضها الثلاثة الأول لأنه أسرعها إمكانا .
فإن قيل : قد استوى الدم بالطهر هنا فلماذا لم يجعل كالدم المتوالي ؟ .
قلنا : استواء الدم بالطهر إنما يعتبر في مدة الحيض وأكثر مدة الحيض .
صفحة [ 158 ] عشرة والمرئي في العشرة ثلاثة دم وستة طهر ويوم دم فكان الطهر غالبا فلهذا صار فاصلا .
والأصل " عند الحسن بن زياد " C تعالى : أن الطهر المتخلل بين الدمين إذا كان دون ثلاثة أيام لا يصير فاصلا فإذا بلغ الطهر ثلاثة أيام كان فاصلا على كل حال ثم ينظر إن أمكن أن يجعل أحدهما بانفراده حيضا يجعل ذلك حيضا كما بينا قبل من مذهب " محمد " وإنما خالفه في حرف واحد وهو أنه لم يعتبر غلبة الدم ولا مساواة الدم بالطهر وبيانه من المسائل : .
مبتدأة رأت يوما دما ويومين طهرا ويوما دما فالأربعة حيض .
وكذلك لو رأت ساعة دما وثلاثة أيام غير ساعة طهرا وساعة دما فالكل حيض .
فإن رأت يومين دما وثلاثة طهرا ويوما دما لم يكن شيء منه حيضا على قوله لأن الطهر المتخلل بلغ ثلاثة أيام وواحد منهما بانفراده لا يمكن أن يجعل حيضا .
وإن رأت يوما دما وثلاثة طهرا وثلاثة دما فعنده الثلاثة الأخيرة حيض .
ولو كانت رأت أولا ثلاثة دما كان الحيض هذه الثلاثة وإن رأت ثلاثة دما وثلاثة طهرا وثلاثة دما فالحيض عنده الثلاثة الأولى لأنه أسرعهما إمكانا والله أعلم