قال الشيخ الإمام الأجل الزاهد شمس الأئمة " أبو بكر محمد بن أبي سهل السرخسي " C تعالى إملاء : .
اعلم بأن ما اختصره الحاكم من تصنيف " محمد بن الحسن " في الحيض قاصر مبهم لا يتم المقصود به فوقعت الحاجة لهذا إلى الاستعانة بما خرجه المشايخ وما .
صفحة [ 147 ] اختاروا من الأقاويل فيه فذكرت ذلك في شرح الكتاب فوقع في البيان بعض البسط لهذا فنقول وبالله التوفيق : .
الحيض في اللغة هو الدم الخارج ومنه يقال حاضت الأرنب وحاضت الشجرة إذا خرج منها الصمغ الأحمر .
وفي الشريعة اسم مخصوص وهو أن يكون ممتدا خارجا من موضع مخصوص وهو القبل الذي هو موضع الولادة والمباضعة بصفة مخصوصة فإن وجد ذلك كله فهو حيض وإلا فهو استحاضة .
والاستحاضة استفعال من الحيض " قالت " فاطمة بنت قيس " Bها لرسول الله A إني أستحاض فلا أطهر فقال A ليس ذلك دم حيض إنما هو عرق امتد أو داء اعترض توضئي لكل صلاة " أشار إلى أنه فاسد لا يتعلق به ما يتعلق بالصحيح .
والفرق بين الصحيح والفاسد من الدماء من أهم ما يحتاج إلى معرفته في هذا الكتاب فنقول : .
الفاسد من الدماء أنواع فمنها ما نقص عن أقل مدة الحيض لأن التقدير الشرعي يمنع أن يكون لما دون المقدر حكم المقدر وينبني على هذا اختلاف العلماء في أقل مدة الحيض : .
عندنا ثلاثة أيام ولياليها .
وقال " ابن سماعة " عن " أبي يوسف " رحمهما الله تعالى يومان والأكثر من اليوم الثالث .
وروى " الحسن " عن " أبي حنيفة " رحمهما الله تعالى ثلاثة أيام بما يتخللها من الليالي وذلك ليلتان .
وقال " الشافعي " C تعالى يوم وليلة .
وقال " مالك " C تعالى بقدر ما يوجد ولو ساعة احتج بأن هذا نوع حدث فلا يتقدر أقله بشيء كسائر الأحداث أقربها دم النفاس .
لكنا نقول في الفرق بينهما أن دم النفاس يخرج عقيب خروج الولد فيستدل بما تقدمه على أنه من الرحم فلا حاجة إلى التقدير فيه بالمدة .
فأما الحيض فليس يسبقه علامة يستدل بها على أنه من الرحم فجعلنا العلامة فيه الامتداد ليستدل به على أنه ليس بدم عرق ثم قدره " الشافعي " C تعالى بيوم وليلة تحرزا عن الكبر فقال : لما استوعب السيلان جميع الساعات عرفنا أنه من الرحم فلا حاجة إلى الاستظهار بشيء آخر .
ونحن قدرنا بثلاثة أيام بالنص وهو ما " روى " أبو أمامة الباهلي " Bه أن النبي A قال أقل الحيض ثلاثة أيام وأكثره عشرة أيام " وهو مروي عن " عمر " و " علي " و " ابن مسعود " و " ابن عباس " و " عثمان بن أبي العاص الثقفي " و " أنس بن مالك " Bهم والمقادير لا تعرف قياسا فما نقل عنهم كالمروي عن رسول الله A .
و " لأبي يوسف " C تعالى أن الأكثر من اليوم الثالث يقام مقام الكمال لمعنى وهو أن الدم من المرأة لا يسيل على الولاء لأن ذلك يضنيها ويجحفها ولكنه يسيل تارة وينقطع أخرى .
وجه رواية .
صفحة [ 148 ] " الحسن " C تعالى أن في الآثار ذكر التقدير بالأيام فجعلنا الثلاثة من الأيام أصلا وما يتخللها من الليالي يتبعها ضرورة .
ومن الدماء الفاسدة أن يتجاوز أكثر مدة الحيض فإن أكثره مقدر شرعا فلا يكون لما زاد عليه حكمه إذ يفوت به فائدة التقدير الشرعي وإليه " أشار رسول الله A بقوله المستحاضة تدع الصلاة أيام اقرائها " .
وعلى هذا ينبني اختلافهم في أكثر مدة الحيض فعندنا عشر أيام ولياليها لما روينا من الآثار .
وقال " الشافعي " C تعالى خمسة عشر يوما " لقوله A في نقصان دين المرأة تقعد إحداهن شطر عمرها لا تصوم ولا تصلي " والمراد زمان الحيض والحيض والطهر يجتمعان في الشهر عادة ولهذا جعل الله تعالى عدة الآيسة والصغيرة ثلاثة أشهر مكان ثلاثة قروء فيتعين شطر كل شهر للحيض وذلك خمسة عشر يوما .
ولكنا نقول ليس المراد حقيقة الشطر ففي عمرها زمان الصغر ومدة الحبل وزمان الإياس ولا تحيض في شيء من ذلك فعرفنا أن المراد ما يقارب الشطر وإذا قدرنا بالعشرة فقد جعلنا ما يقارب الشطر حيضا .
فأما أقل مدة الطهر خمسة عشر يوما عندنا و " الشافعي " C تعالى .
وقال عطاء تسعة عشر يوما قال : لأن الشهر يشتمل على الحيض والطهر عادة وقد يكون الشهر تسعة وعشرين يوما فإذا كان أكثر الحيض عشرة بقي الطهر تسعة عشر .
ولكنا نقول : إن مدة الطهر نظير مدة الإقامة من حيث إنها تعيد ما كان سقط من الصوم والصلاة وقد ثبت بالأخبار أن أقل مدة الإقامة خمسة عشر يوما فكذلك أقل مدة الطهر ولهذا قدرنا أقل مدة الحيض بثلاثة أيام اعتبارا بأقل مدة السفر فإن كل واحد منهما يؤثر في الصوم والصلاة وقد ثبت لنا أن أقل مدة السفر ثلاثة أيام ولياليها فكذلك هذا فأما أكثر مدة الطهر فلا غاية له إلا إذا ابتليت بالاستمرار حتى ضلت أيامها ووقعت الحاجة إلى نصب العادة لها فحينئذ فيه اختلاف .
قال " أبو عصمة سعد بن معاذ " المروزي لا يتقدر أكثر طهرها بشيء ولا تنقضي عدتها أبدا لأن نصب المقادير بالتوقيف لا بالرأي .
وكان " محمد بن إبراهيم الميداني " يقول يتقدر أكثر الطهر في حقها بستة أشهر إلا ساعة . قال : لأن الطهر المتخلل بين الدمين دون مدة الحبل عادة وأدنى مدة الحبل ستة أشهر فقدرنا أكثر مدة الطهر بستة أشهر إلا ساعة فإذا طلقها زوجها تنقضي عدتها بتسعة عشر شهرا وعشرة أيام إلا ثلاث ساعات لجواز أن يكون الطلاق في أول الحيض وهذه الحيضة لا تحسب من العدة فتحتاج إلى عشرة أيام وثلاثة أطهار كل طهر ستة .
صفحة [ 149 ] أشهر إلا ساعة وثلاث حيض كل حيضة عشرة أيام .
وكان " الزعفراني " يقول : أكثر الطهر يتقدر في حقها بسبعة وعشرين يوما لأن الشهر يشتمل على الحيض والطهر وأقل الحيض ثلاثة فبقي الطهر سبعة وعشرين يوما .
وكان " أبو سهل الغزالي " يقول : بأنه يتقدر أكثر الطهر في حقها بشهرين فقد لا ترى المرأة الحيض في كل شهر عادة .
ومن الدماء الفاسدة ما جاوز أكثر مدة النفاس وينبني عليه اختلاف العلماء في أكثر مدة النفاس .
فعندنا أربعون يوما .
وقال " الشافعي " C تعالى ستون يوما .
وقال " مالك " C تعالى سبعون يوما وإنما قدرنا بالأربعين " لحديث " عبدالله بن باباه " Bه وكان من التابعين أن النبي A قال تقعد النفساء بينها وبين أربعين يوما إلا أن ترى طهرا قبل ذلك " وفي " حديث " أم سلمة " Bها أن النبي A قال تنتظر النفساء ما بينها وبين أربعين صباحا إلا أن ترى طهرا قبل ذلك " .
وفي الحقيقة بيننا وبين " الشافعي " C تعالى اتفاق لأن أكثر النفاس أربعة أمثال أكثر الحيض إلا أن عنده أكثر الحيض خمسة عشر يوما فأربعة أمثاله ستون يوما وعندنا أكثر الحيض عشرة فأربعة أمثاله أربعون يوما .
ومن الدماء الفاسدة ما تراه الحامل فقد ثبت لنا أن الحامل لا تحيض وذلك مروى عن " عائشة " Bها وعرف أنها إذا حبلت انسد فم رحمها فالدم المرئي ليس من الرحم فيكون فاسدا .
ومن الدماء الفاسدة ما تراه الصغيرة جدا لأنه سبق أوانه فلا يعطى له حكم الصحة إذ لو جعلناه حيضا حكمنا ببلوغها به ضرورة وذلك محال في الصغيرة جدا .
واختلف مشايخنا في أدنى المدة التي يجوز الحكم فيها ببلوغ الصغيرة : فكان " محمد بن مقاتل الرازي " C تعالى يقدر ذلك بتسع سنين لأن النبي A بنى " بعائشة " Bها وهي بنت تسع سنين والظاهر أنه بنى بها بعد البلوغ وكان " لأبي مطيع البلخي " ابنة صارت جدة وهي بنت تسعة عشرة سنة حتى قال فضحتنا هذه الجارية .
ومن مشايخنا من قدر ذلك بسبع سنين " لقوله A مروهم بالصلاة إذا بلغوا سبعا " والأمر حقيقة للوجوب وذلك بعد البلوغ .
وسئل " أبو نصر محمد بن سلام " رحمهما الله تعالى عن ابنة ست سنين إذا رأت الدم هل يكون حيضا ؟ فقال : نعم إذا تمادى بها مدة الحيض ولم يكن نزوله لآفة .
وأكثر المشايخ على ماله " محمد بن مقاتل " C تعالى لأن رؤية الدم فيما دون ذلك نادر ولا حكم للنادر .
ومن الدماء الفاسدة ما تراه الكبيرة جدا إلا أن " محمدا " C تعالى ذكر في نوادر الصلاة أن العجوز الكبيرة إذا رأت الدم مدة .
صفحة [ 150 ] الحيض كان حيضا .
وكان " محمد بن مقاتل الرازي " C تعالى يقول : هذا إذا لم يحكم بإياسها أما إذا انقطع عنها الدم زمانا حتى حكم بإياسها وكانت بنت تسعين سنة أو نحو ذلك فرأت الدم بعد ذلك لم يكن حيضا .
وكان " محمد بن إبراهيم الميداني " C تعالى يقول : إن رأت دما سائلا كما تراه في زمان حيضها فهو حيض وإن رأت بلة يسيرة لم يكن ذلك حيضا بل ذلك بلل من فم الرحم فكان فاسدا لا يتعلق به حكم الحيض فهذا بيان أنواع الدماء الفاسدة .
فصل : ألوان ما تراه المرأة في أيام الحيض ستة السواد والحمرة والصفرة والكدرة والخضرة والتربية .
أما السواد فغير مشكل أنه حيض " لقوله A دم الحيض أسود عبيط محتدم " والحمرة كذلك فهو اللون الأصلي للدم إلا أن عند غلبة السوداء يضرب إلى السواد وعند غلبة الصفراء يرق فيضرب إلى الصفرة ويتبين ذلك لمن اقتصد .
والصفرة كذلك حيض لأنها من ألوان الدم إذا رق وقيل هو كصفرة السن أو كصفرة التبن أو كصفرة القز وأما الكدرة فلون كلون الماء الكدر وهو حيض في قول " أبي حنيفة " و " محمد " رحمهما الله تعالى سواء رأت في أول أيامها أو في آخر أيامها .
وقال " أبو يوسف " C تعالى إن رأت الكدرة في أول أيامها لم يكن حيضا وإن رأت في آخر أيامها يكون حيضا قال لأن الكدرة من كل شيء تتبع صافيه فإذا تقدمه دم أمكن جعل الكدرة حيضا تبعا فأما إذا لم يتقدمها دم لو جعلناه حيضا كان مقصودا لا تبعا وهما يقولان ما يكون حيضا إذا رأته المرأة في آخر أيامها يكون حيضا إذا رأته في أول أيامها كالسواد والحمرة لأن جميع مدة الحيض في حكم وقت واحد .
وما قاله " أبو يوسف " C تعالى فيما إذا كان النقب من أعلى الظرف فأما إذا كان النقب من أسفله فالكدرة يسبق خروجها الصافي وهنا النقب من أسفل فجعلنا الكدرة حيضا وإن رأته ابتداء .
وأما الخضرة فقد أنكر بعض مشايخنا وجودها حتى قال " أبو نصر بن سلام " سئل عن الخضرة كأنها أكلت قصيلا على طريق الاستبعاد .
وذكر " أبو علي الدقاق " أن الخضرة نوع من الكدرة .
والجواب فيها على الاختلاف الذي بينا .
وأما التربية فهو ما يكون لونه كلون التراب وهو نوع من الكدرة .
وقد روي عن " أم عطية " وكانت غزت مع رسول الله A ثنتي عشرة غزوة قالت كنا نعد التربية حيضا والأصل فيه قوله تعالى : { " ويسألونك عن المحيض قل هو أذى " } البقرة : 222 وجميع هذه الألوان في حكم .
صفحة [ 151 ] الأذى سواء .
وروي أن النساء كن يبعثن بالكرسف إلى " عائشة " Bها لتنظر فكانت إذا رأت كدرة قالت لا حتى ترين القصة البيضاء يعني البياض الخالص والقصة الطين الذي يغسل به الرأس وهو أبيض يضرب لونه إلى الصفرة فإنما أرادت أنها لا تخرج من الحيض حتى ترى البياض والله سبحانه وتعالى أعلم .
فصل اعلم بأن حكم الحيض والنفاس والاستحاضة لا يثبت إلا بظهور الدم وبروزه وقد روي عن " محمد " C تعالى في غير الأصول أن حكم الحيض والنفاس يثبت إذا أحست بالبروز وإن لم يظهر وحكم الاستحاضة لا يثبت إلا بالظهور وفرق بينهما فقال : .
للحيض والنفاس وقت معلوم فيمكن إثبات حكمهما باعتبار وقتهما إذا أحست بالبروز والاستحاضة حدث كسائر الأحداث ليس له وقت معلوم لاثبات حكمه فلا يثبت حكمه إلا بالظهور والفتوى على القول الأول لما روي أن امرأة قالت " لعائشة " رضي الله تعالى عنها إن فلانة تدعو بالمصباح ليلا لتنظر إلى نفسها فقالت ما كانت إحدانا تتكلف لذلك على عهد رسول الله A ولكنها تعرف ذلك بالمس فهو إشارة منها إلى الظهور ولأن ما لم يظهر فهو في معدنه والشيء في معدنه لا يعطى له حكم الظهور ما لم يظهر .
إذا عرفنا هذا فنقول للمرأة فرجان داخل وخارج فالفرج الخارج بمنزلة الإليتين من الدبر فإذا وضعت الكرسف فإما أن تضعه في الفرج الداخل أو في الفرج الخارج فإذا وضعته في الفرج الخارج فابتل الجانب الداخل من الكرسف كان ذلك حيضا وإن لم ينفذ إلى الجانب الخارج لأنه صار ظاهرا بهذا القدر من الخروج وإن وضعته في الفرج الداخل فابتل الجانب الداخل من الكرسف لم يكن حيضا .
فإن نفذت البلة إلى الجانب الخارج نظر فإن كانت القطنة عالية أو محاذية لحرف الفرج كان حيضا لظهور البلة وإن كانت متسفلة لم يكن حيضا وعلى هذا لو حشى الرجل إحليله بقطنة فابتل الجانب الداخل من القطنة لم ينتقض وضوؤه .
وإن تعدت البلة إلى الجانب الخارج نظرنا : فإن كانت القطنة عالية أو محاذية لرأس الإحليل انتقض وضوؤه وإن كانت متسفلة لم ينتقض وضوؤه .
وهذا كله ما لم تسقط القطنة فإن سقطت فهو حيض وحدث سواء ابتل الخارج أو الداخل لظهور البلة .
ولو أن حائضا وضعت الكرسف في أول الليل ونامت فلما أصبحت نظرت إلى الكرسف فلو كانت طاهرة حين وضعت الكرسف ونامت ثم انتبهت بعد طلوع الفجر .
صفحة [ 152 ] فوجدت البلة على الكرسف فإنه يجعل حيضا من أقرب الأوقات وذلك بعد طلوع الفجر أخذا باليقين والاحتياط حتى يلزمها قضاء العشاء إن لم تكن صلت