قال : من أصاب ركازا وسعه أن يتصدق بخمسه على المساكين وإذا اطلع الإمام على ذلك أمضى له ما صنع لأن الخمس حق الفقراء والمساكين وقد أوصله إلى مستحقه وهو في إصابة الركاز غير محتاج إلى حماية الإمام فكان هو في الحكم كزكاة الأموال الباطنة وإن كان محتاجا إلى جميع ذلك وسعه أن يمسكه لنفسه لقول " علي " رضى الله تعالى عنه وإن وجدتها في قرية خربت على عهد فارس فخمسها لنا وأربعة أخماسها لك وسنتمها لك أي نعطيك الخمس منها أيضا ولأن وجوب الخمس في المصاب باعتبار أنه مما أوجف عليه المسلمون فلا يكون الوجوب على المصيب خاصة فهو في كونه مصرفا كغيره .
ولو رأى الإمام في خمس الغنائم أن يصرفها إلى الغانمين لحاجتهم وسعه ذلك فكذلك هذا المصيب في الخمس وإن تصدق بالخمس على أهل الحاجة من أولاده وآبائه جاز لأنه لما جاز له وضعه في نفسه عند حاجته ففي آبائه وأولاده أولى وهو نظير خمس الغنائم إذا رأى الإمام أن يضعه في أولاد الغانمين وآبائهم .
قال : وما جبي من الخراج فهو لجميع المسلمين يعطى الإمام منه أعطية المقاتلة وفي نوائب المسلمين . والحاصل أن ما يجبى إلى بيت المال أنواع أربع : .
أحدها : الخمس ومصرفه ما قال الله تعالى : { " واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه " } الأنفال : 41 الآية قال " عطاء بن أبي رباح " سهم الله وسهم الرسول واحد . وقال قتادة ذكر اسم الله تعالى لافتتاح الكلام فكان الخمس يقسم على عهد رسول الله A على خمسة ثم سقط سهم رسول الله A بموته عندنا . وقال " الشافعي " C تعالى هو مصروف إلى كل خليفة بعده لأنهم نائبون منا به محتاجون إلى ما كان محتاجا إليه من جوائز الوفود والرسل .
ولنا أن الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم أجمعين ما رفعوا هذا السهم لأنفسهم وكان لرسول .
صفحة [ 18 ] الله A بسبب النبوة ولم ينتقل ذلك إلى أحد بعده فهو نظير الصفي الذي كان يصطفيه لنفسه وكذلك سهم ذوي القربى سقط بوفاة رسول الله A عندنا . وبيانه في كتاب السير وبقي المصرف لليتامى والمساكين وابن السبيل . وجاء في الحديث أن الخلفاء الراشدين قسموا الخمس على ثلاثة أسهم لليتامى والمساكين وأبناء السبيل .
والنوع الثاني : الصدقات والعشور وقد بينا مصارفها .
والنوع الثالث : الخراج والجزية وما يؤخذ من صدقات بني تغلب وما يأخذ العاشر من أهل الذمة ومن أهل الحرب إذا مروا عليه فهذا النوع مصروف إلى نوائب المسلمين .
ومنها : إعطاء المقاتلة كفايتهم وكفاية عيالهم لأنهم فرغوا أنفسهم للجهاد ودفع شر المشركين عن المسلمين فيعطون الكفاية من أموالهم ومن هذا النوع إيجاد الكراع والأسلحة وسد الثغور وإصلاح القناطر والجسور وسد البثق وكرى الأنهار العظام .
ومنه أرزاق القضاة والمفتين والمحتسبين والمعلمين وكل من فرغ نفسه لعمل من أعمال المسلمين على وجه الحسبة فكفايته في هذا النوع من المال .
والنوع الرابع : تركة من لا وارث له من المسلمين أو من يرثه الزوج أو الزوجة فقط فإن الباقي مصروف إلى بيت المال وما يوجد من اللقطة إذا لم يعرفها أحد فهو موضوع في هذا النوع من بيت المال ومصروف هذا النوع نفقة اللقيط وتكفين من يموت من المسلمين ولا مال له . وهو معنى قول " محمد " C تعالى : فعلى الإمام أن يتقي الله في صرف الأموال إلى المصارف فلا يدع فقيرا إلا أعطاه حقه من الصدقات حتى يغنيه وعياله وإن احتاج بعض المسلمين وليس في بيت المال من الصدقات شيء أعطى الإمام ما يحتاجون إليه من بيت مال الخراج ولا يكون ذلك دينا على بيت مال الصدقة لما بينا أن الخراج وما في معناه يصرف إلى حاجة المسلمين بخلاف ما إذا احتاج الإمام إلى إعطاء المقاتلة ولا مال في بيت مال الخراج صرف ذلك من بيت مال الصدقة وكان دينا على بيت مال الخراج لأن الصدقة حق الفقراء والمساكين فإذا صرف الإمام منها إلى غير ذلك للحاجة كان ذلك دينا لهم على ما هو حق المصروف إليهم وهو مال الخراج .
قال : وما أخذ من صدقات بني تغلب وضع موضع الخراج لما مر وما أخذ من صدقات أهل بلد رد على فقرائهم كما أمر به رسول الله A " معاذ بن جبل " Bه .
وحكى " ابن المبارك " عن " أبي حنيفة " رحمهما الله تعالى قال لا تخرج الزكاة من بلد إلى بلد إلا لذي قرابة وقد بينا هذا .
قال : وإذا لم يبق محتاج من أهل تلك البلدة .
فإن كان بقرب منهم محتاج فهو أحق من فقراء غيرهم لقربهم فلو وضعها الإمام في أهل الحاجة من غيرهم وسعه ذلك فإن أخرجها إلى غيرهم جاز وهو مكروه وقد تقدم بيان هذا الفصل .
قال : ومن كان غنيا ولم يقر وليس في الديوان اسمه ولا يلي للمسلمين شيئا لم يعط من الخراج شيئا لأنه مشغول بالكسب لنفسه ولا يعمل للمسلمين عملا فلا يستحق شيئا من مالهم .
قال : وتجب للإمام نفقته في بيت المال قدر ما يغنيه يفرض له ذلك لما روى أن " أبا بكر " Bه لما استخلف رآه " عمر " يحمل من متاع أهله فقال إلى أين يا خليفة رسول الله فقال إلى السوق أبيع متاعا لأهلي لأنفقه في حوائجي فجمع الصحابة وفرضوا له كل يوم درهمين وثلثي درهم أو ثلاثة دراهم وثلثي درهم على ما اختلفت الروايات فيه إلا أنه روى أنه أوصى إلى " عائشة " عند موته أن ترد ذلك كله حتى قال " عمر " Bه رحمك الله يا " أبا بكر " لقد اتعبت من بعدك " وعمر " في خلافته كان يأخذ الكفاية من بيت المال على ما روى عنه أنه قال إن الجزور ينحر كل يوم والعنق منه لآل " عمر " أما " عثمان " Bه فكان لا يأخذ شيئا من بيت المال لثروته ويساره وأما " علي " فكان يأخذ على ما روى أنه قال إن مالي من مالكم كل يوم قصعتا ثريد .
فالحاصل أن الإمام إذا كان غنيا فالأولى أن لا يأخذ وإن كان محتاجا أخذ كفايته وكفاية عياله على ما أشار الله تعالى إليه في حق الأوصياء { ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف } .
قال : ولا شيء لأهل الذمة في بيت المال وإن كانوا فقراء لأنه مال المسلمين فلا يصرف إلى غيرهم وكذلك لا يرد عليهم مما أخذ منهم العاشر شيئا لأن المأخوذ صار حقا للمسلمين .
ومن الناس من قال إذا كان محتاجا عاجزا عن الكسب يعطى قدر حاجته لما روى أن " عمر بن الخطاب " Bه رأى شيخا من أهل الذمة يسأل فقال ما أنصفناه أخذنا منه في حال قوته ولم نرد عليه عند ضعفه وفرض له من بيت المال ولكن الحديث شاذ فلم يأخذ به علماؤنا ورأوا أن من الترغيب له في الإسلام أن لا يعطى من مال المسلمين شيئا ما لم يسلم .
قال : وأمير الجيش في الغنيمة بمنزلة رجل من الجند إن كان فارسا فله سهم الفرسان وإن كان راجلا فله سهم الرجالة " لأن النبي A كان يجعل سهمه في الغنيمة كسهم واحد من المسلمين " وكذلك من جاهد بعده من الخلفاء الراشدين وقد كان للنبي A من الغنائم ثلاث حظوظ خمس الخمس وصفي يصطفيه لنفسه من درع أو سيف أو جارية وسهم كسهم أحدهم فخمس الخمس والصفي كان هو مختصا به أخذهما .
صفحة [ 20 ] بولاية النبوة فليس من ذلك شيء لأمراء الجيوش وبعده بقي السهم فهو لأمراء الجيوش كما كان يأخذه رسول الله A والله أعلم بالصواب