الأصل في وجوب الزكاة في البقر " حديث رسول الله A في مانعي الزكاة : لا ألفين أحدكم يأتي يوم القيامة وعلى عاتقه بعير له رغاء فيقول يا محمد يا محمد فأقول لا أملك لك من الله شيئا ألا قد بلغت ولا ألفين أحدكم يأتي يوم القيامة وعلى عاتقه بقرة لها ثغاء فيقول يامحمد يا محمد فأقول لا أملك لك من الله شيئا ألا قد بلغت ولا ألفين أحدكم يأتي يوم القيامة وعلى عاتقه فرس لها حمحمة فيقول يا محمد يا محمد فأقول لا أملك لك من الله شيئا ألا قد بلغت " إذا عرفنا هذا فنقول ليس فيما دون ثلاثين بقرة سائمة صدقة وفي ثلاثين منها تبيع أو تبيعة وهي التي لها سنة وطعنت في الثانية وفي أربعين منها مسنة وهي التي تم لها سنتان وبهذا أمر رسول الله A " معاذ بن جبل " - Bه - حين بعثه إلى اليمن واختلفت الروايات فيما زاد على الأربعين فقال في كتاب الزكاة وما زاد على الأربعين ففي الزيادة بحساب ذلك .
ولم يفسر هذا الكلام وفي كتاب اختلاف " أبي حنيفة " و " ابن أبي ليلى " - رحمهما الله تعالى - قال : إذا كان له إحدى وأربعون بقرة فقال " أبو حنيفة " - C تعالى - عليه مسنة وربع عشر مسنة أو ثلث عشر تبيع وهذا يدل على أنه لا نصاب عنده في الزيادة على الأربعين فإنه تجب فيه الزكاة قل أو كثر بحساب ذلك .
وروى " الحسن " عن " أبي حنيفة " - رحمهما الله تعالى - أنه لا يجب في الزيادة شيء حتى تبلغ خمسين ففيها مسنة وربع مسنة أو ثلث تبيع .
وروى " أسد بن عمرو " عن " أبي حنيفة " - رحمهما الله تعالى - أنه ليس في الزيادة شيء حتى تكون ستين ففيها تبيعان وهو قول " أبي يوسف " و " محمد " و " الشافعي " - رحمهما الله تعالى - ثم لا خلاف أنه ليس في الزيادة شيء إلى سبعين ثم بعد ستين الأوقاص تسع تسع وإن الواجب في كل ثلاثين تبيع وفي كل أربعين مسنة حتى إذا كانت سبعين ففيها مسنة وتبيع وفي ثمانين مسنتان وفي تسعين ثلاثة أتبعة وفي المائة مسنة وتبيعان وفي مائة وعشر مسنتان وتبيع وفي مائة وعشرين إن شاء أدى ثلاث مسنات وإن شاء أدى أربعة أتبعة فإنها ثلاث مرات أربعون وأربع مرات ثلاثون .
وجه قول " أبي يوسف " و " محمد " - رحمهما الله تعالى - " حديث " معاذ " أن النبي A قال : لا تأخذوا من أوقاص البقر شيئا " وفسروا الأوقاص بما بين الأربعين إلى الستين ولأن مبنى زكاة السائمة على أنه لا يجب فيها الأشقاص دفعا للضرر عن أرباب الأموال حتى أن في الإبل عند قلة العدد أوجب من خلاف الجنس تحرزا عن إيجاب الشقص فكذلك في زكاة البقر لا تجوز الأشقاص لأنها عيب . ووجه رواية " الحسن " - C تعالى - أن الأوقاص في البقر تسع تسع بدليل ما قبل الأربعين وبعد الستين فكذلك فيما بين ذلك لأنه يلحق بما قبله أو بما بعده ووجه الرواية الأخرى أن نصب النصاب بالرأي لا يكون وإنما يكون طريق معرفته النص ولا نص فيما بين الأربعين إلى الستين فإذا تعذر اعتبار النصاب فيه أوجبنا الزكاة في قليله وكثيره بحساب ما سبق وحديث " معاذ " - Bه - المراد به حال قلة العدد في الابتداء فإن الوقص في الحقيقة اسم لما لم يبلغ نصابا وذلك في الابتداء يكون وقيل المراد بالأوقاص الصغار وهي العجاجيل وبه نقول أنه لا شيء فيها .
قال : والجواميس بمنزلة البقر وقد بينا هذا فيما سبق من زكاة الغنم .
قال : وذكورها وإناثها في الصدقة سواء وكذلك في الأخذ لا فرق بين الذكور والإناث في زكاة البقر بخلاف زكاة الإبل فإنه لا يؤخذ فيها إلا الإناث وهذا لتقارب ما بين الذكور والإناث في الغنم والبقر وتباين ما بينهما في الإبل وقد بينا هذا في زكاة الإبل .
فإما الخيل السائمة إذا اختلط ذكورها وإناثها ففيها الصدقة في قول " أبي حنيفة " - C تعالى - إن شاء صاحبها أدى عن كل فرس دينارا وإن شاء قومها وأدى عن كل مائتي درهم خمسة دراهم .
وعند " أبي يوسف " و " محمد " و " الشافعي " - رحمهم الله تعالى - لا شيء فيها فإن كانت إناثا كلها فعن " أبي حنيفة " - C تعالى - فيه روايتان ذكرهما " الطحاوي " - C تعالى - وإن كانت ذكورا كلها فليس فيها شيء إلا في رواية عن " أبي حنيفة " - C تعالى - ذكرها في كتاب الآثار .
وجه قولهم " قول رسول الله A : ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة " وفي " الحديث أن النبي A قال : عفوت لأمتي عن صدقة الخيل والرقيق " إلا أن في الرقيق صدقة الفطر ولأنه لا يثبت للإمام حق الأخذ بالاتفاق ولا يجب من عينها شيء ومبنى زكاة السائمة على أن الواجب جزء من العين وللإمام فيه حق الأخذ بدليل سائر الحيوانات واحتج " أبو حنيفة " - C تعالى " - بحديث " ابن الزبير " عن " جابر " أن رسول الله A قال : في كل فرس سائمة دينار أو عشرة دراهم وليس في المرابطة شيء " وأن " عمر بن الخطاب " - Bه - كتب إلى " أبي عبيدة بن الجراح " - Bه - وأمره بأن يأخذ من الخيل السائمة عن كل فرس دينارا أو عشرة دراهم ووقعت هذه الحادثة في زمن مروان فشاور الصحابة - Bهم - " فروى " أبو هريرة " : ليس على الرجل في عبده ولا في فرسه صدقة " فقال " مروان " " لزيد بن ثابت " ما تقول يا " أبا سعيد " فقال " أبو هريرة " عجبا من " مروان " أحدثه بحديث رسول الله A وهو يقول ماذا تقول يا " أبا سعيد " قال " زيد " : صدق رسول الله A وإنما أراد فرس الغازي فأما ما حبست لطلب نسلها ففيها الصدقة فقال كم فقال في كل فرس دينار أو عشرة دراهم والمعنى فيه أنه حيوان سائم في أغلب البلدان فتجب فيه زكاة السائمة كالإبل والبقر والغنم إلا أن الآثار فيها لم تشتهر لعزة الخيل ذلك الوقت وما كانت إلا معدة للجهاد وإنما لم يثبت " أبو حنيفة " - C تعالى - للإمام ولاية الأخذ لأن الخيل مطمع كل طامع فإنه سلاح والظاهر أنهم إذا علموا به لا يتركونه لصاحبه وإنما لم يؤخذ من عينه لأن مقصود الفقير لا يحصل به لأن عينه غير مأكول اللحم عنده وأما الإناث قال في إحدى الروايتين التي ذكرها " الطحاوي " - C تعالى - أنه لا شيء فيها لأن معنى النماء فيها من حيث النسل وذلك لا يحصل بالإناث المفردات وفي الأخرى قال يمكن أن يستعار لها فحل فيحصل النماء من حيث النسل وأما في الذكور المنفردين لا شيء فيها في ظاهر الرواية لأن معنى النسل لا يحصل بها وبزيادة السن لا تزداد القيمة في الخيل بخلاف سائر الحيوانات ومعنى السمن غير معتبر لأن عينه غير مأكول عنده فلهذا قال لانعدام النماء لا شيء عليه فيها وفي رواية الآثار جعل هذا قياس سائر أنواع السائمة فإن بسبب السوم تخف المؤنة على صاحبها وبه يصير مال الزكاة فكذلك في الخيل .
السائمة صدقة " لأن رسول الله A قال حين سئل عن البغال والحمير : لم ينزل على فيها إلا هذه الآية الجامعة فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره " ولأنها لا تسأم في غالب البلدان مع كثرة وجودها والنادر لا يعتبر إنما يعتبر الحكم العام الغالب فلهذا لا تجب فيها زكاة السائمة والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب . "