صفحة [ 199 ] قال : C العاشر من ينصبه الإمام على الطريق ليأخذ الصدقات من التجار وتأمن التجار بمقامه من اللصوص وقد روي أن " عمر بن الخطاب " - Bه . أراد أن يستعمل " أنس بن مالك " - C تعالى - على هذا العمل . فقال له أتستعملني على المكس من عملك فقال ألا ترضى أن أقلدك ما قلدنيه رسول الله A والذي روي من ذم العشار محمول على من يأخذ مال الناس ظلما كما هو في زماننا دون من يأخذ ما هو حق وهو الصدقة إذا عرفنا هذا فنقول العاشر يأخذ مما يمر به المسلم عليه الزكاة إذا استجمعت شرائط الوجوب لأن " عمر بن الخطاب " - رضي الله تعالى عنه . لما نصب العشار قال لهم خذوا مما يمر به المسلم ربع العشر ومما يمر به الذمي نصف العشر فقيل له فكم نأخذ مما يمر به الحربي فقال كم يأخذون منا فقالوا العشر فقال خدوا منهم العشر . وفي رواية خذوا منهم مثل ما يأخذون منا فقيل له : فإن لم يعلم كم يأخذون منا فقال : خذوا منهم العشر وإن " عمر بن عبدالعزيز " - C تعالى - كتب إلى عماله بذلك وقال أخبرني به من سمعه من رسول الله A ثم المسلم حين أخرج مال التجارة إلى المفاوز فقد احتاج إلى حماية الإمام فيثبت له حق أخذ الزكاة منه لأجل الحماية كما في السوائم يأخذ الإمام الزكاة لحاجته إلى حمايته وكما أن المسلم يحتاج إلى الحماية فكذلك الذمي بل أكثر لأن طمع اللصوص في أموال أهل الذمة أكثر وأبين .
قال : وما يؤخذ من المسلم إذا وجب أخذه من الكافر يضعف عليه كصدقات بني تغلب فأما أهل الحرب فالأخذ منهم على طريق المجازاة كما أشار إليه " عمر " - رضي الله تعالى عنه - ولسنا نعني بهذا أن أخذنا بمقابلة أخذهم فأخذهم أموالنا ظلم وأخذنا بحق ولكن المراد أنا إذا عاملناهم بمثل ما يعاملوننا به كان ذلك أقرب إلى مقصود الأمان واتصال التجارات وإذا لم نعلم كم يأخذون منا نأخذ منهم العشر لأن حال الحربي مع الذمي كحال الذمي مع المسلم فإن الذمي منا دارا دون الحربي فكما يضعف على الذمي ما يؤخذ من المسلم فكذلك يضعف على الحربي ما يؤخذ من الذمي .
قال : فإن مر على العاشر بأقل من مائتي درهم لم يأخذ منه شيئا وإن علم أن له في منزله مالا لأن حق الأخذ إنما يثبت باعتبار المال المرور به عليه لحاجته إلى الحماية وهذا غير موجود فيما في بيته وما مر به عليه لم يبلغ نصابا وهذا إذا كان المار مسلما أو ذميا وقال .
صفحة [ 200 ] في الحربي في كتاب الزكاة هكذا وفي الجامع الصغير والسير الكبير قال : إلا أن يكونوا هم يأخذون من تجارنا من أقل من مائتي درهم فنحن نأخذ أيضا حينئذ ووجهه أن الأخذ منهم بطريق المجازاة ووجه رواية كتاب الزكاة : أن القليل عفو شرعا وعرفا فإن كانوا يظلموننا في أخذ شيء من القليل فنحن لا نأخذ منهم ألا ترى أنهم لو كانوا يأخذون جميع الأموال من التجار لا نأخذ منهم مثل ذلك لأن ذلك يرجع إلى غدر الأمان وإذا كان المرور به نصابا كاملا أخذ من المسلم ربع العشر ومن الذمي نصف العشر ومن الحربي مثل ما يأخذون من تجارنا عشرا كان أو أقل أو أكثر .
قال : فإن ادعى المسلم أن عليه دينا يحيط بماله أو أن حوله لم يتم أو أنه ليس للتجارة صدقة على ذلك إذا حلف لإنكاره وجوب الزكاة عليه وقد بينا مثله في السوائم . وكذلك إذا قال هذا المال ليس لي صدقة مع يمينه ولم يأخذ منه شيئا لأن ثبوت حق الأخذ له إذا حضره المالك والملك فكما أن حضور المالك بدون الملك لا يثبت له حق الأخذ فكذلك حضور الملك بدون المالك ولأن المستبضع فوض إليه التصرف في المال دون أداء الزكاة وليس للعاشر أن يأخذ غير الزكاة .
قال : ويصدق الذمي أيضا فيما يصدقة فيه المسلم لأنه من أهل دارنا فأما الحربي فلا يصدق على شيء من ذلك لأنه إن قال لم يتم الحول ففي الأخذ منه لا يعتبر الحول لأنه لا يمكن من المقام في دارنا حولا وإن قال على دين فالدين الذي وجب عليه في دار الحرب لا يطالب به في دارنا وإن قال ليس للتجارة فهو ما دخل دارنا إلا لقصد التجارة فما معه يكون للتجارة إلا أن يقول لغلام في يده هذا ولدي أو لجارية في يده هذه أم ولدي لأن النسب يثبت في دار الحرب كما يثبت في دار الإسلام فأمومية الولد تثبت بناء على نسب الولد فتنعدم المالية فيهما بإقراره فلا يأخذ منه شيئا فإن قال المسلم دفعت صدقتها إلى المساكين صدقه على ذلك لو حلف بخلاف السوائم لأن في عروض التجارة كان الدفع إلى المساكين مفوضا إليه قبل المرور به على العاشر وفي السوائم كان حق الأخذ للإمام .
قال : ولا يؤخذ لعاشر مما يمر به المكاتب واليتيم وإن كان وصية معه لما بينا أنه إنما يأخذ الزكاة ولاتجب الزكاة في كسب المكاتب ولافي مال اليتيم .
قال : وإذا أخبر التاجر العاشر أن متاعه مروي أو هروي واتهمه العاشر وفي فتحه ضرر عليه حلفه وأخذ منه الصدقة على قوله لأنه ليس له ولاية الإضرار به وقد نقل عن " عمر " - Bه - أنه قال لعماله لا تفتشوا على الناس متاعهم ثم لو أنكر وجوب الزكاة فيه .
صفحة [ 201 ] صدقة مع اليمين فكذلك لو أنكر الزيادة .
قال : و " التغلبي " والذمي في المرور على العاشر سواء لأن الصلح مع بني تغلب على أن يؤخذ منهم ضعف ما يؤخذ من المسلم فلا تجوز الزيادة عليه .
قال : وإن أخذ من الحربي العشر لم يطالب به مرة أخرى ما دام في أرض الإسلام لما روى أن نصرانيا خرج بفرس من الروم ليبيعه في دارنا فأخذ منه العاشر العشر ثم لم يتفق له بيعه فلما عاد به ليدخل دار الحرب طالبه العاشر بعشره فقال إني كلما مررت عليك لو أديت إليك عشره لم يبق لي شيء فترك الفرس عنده وجاء إلى المدينة فوجد " عمر " - Bه - في المسجد مع أصحابه ينظرون في كتاب فوقف على باب المسجد فقال أنا الشيخ النصراني فقال " عمر " وأنا الشيخ " الحنفي " فما وراءك فقص عليه القصة فعاد " عمر " إلى ما كان فيه فظن أنه لم يلتفت إلى كلامه فرجع عازما على أداء العشر ثانيا فلما انتهى إلى العاشر إذا كتاب " عمر " سبقه أنك إن أخذت مرة فلا تأخذ مرة أخرى .
قال : النصراني إن دينا يكون العدل فيه بهذه الصفة لحقيق أن يكون حقا فأسلم ولأن تجدد حق الأخذ باعتبار تجدد الحول والحربي لا يمكن من المقام في دارنا حولا .
قال في الكتاب إلا أن يتجدد الحول ومراده إذا لم يعلم الإمام بحاله حتى حال الحول فحينئذ يأخذ منه ثانيا لتجدد الحول كما يأخذ من الذمي .
قال : فإن رجع إلى دار الحرب ثم عاد عشره ثانية وإن كان في يومه ذلك لأنه بالرجوع التحق بحربي لم يدخل دارنا قط . ألا ترى أنه في الدخول يحتاج إلى استئمان جديد ولأن الأخذ منه لأجل الأمان وقد انتهى ذلك برجوعه فدخوله ثانيا يكون بأمان جديد فلهذا يأخذ منه .
قال : وإذا مر العبد بمال مولاه يتجر به لم يأخذ منه العشر إلا أن يكون المولى حاضرا أم إذا كان المال بضاعة في يد العبد للمولى فهو غير مشكل كما لو كان بضاعة مع أجنبي وأما إذا كان المال كسب العبد وهو مأذون فإن كان عليه دين يحيط به فلا زكاة عليه فيه وإن لم يكن عليه دين فإن كان المولى معه يأخذ منه الزكاة وإن لم يكن المولى معه ففي كتاب الزكاة يقول لا يأخذ منه الزكاة ثم رجع وقال لا يأخذ منه شيئا . وفي الجامع الصغير يقول يأخذ منه ربع العشر في قول " أبي حنيفة " - C تعالى - ولا يأخذ منه في قولهما وفي المضارب إذا مر على العاشر بمال المضاربة كان " أبو حنيفة " - C تعالى - يقول أولا يأخذ منه الزكاة ثم رجع وقال لا يأخذ منه شيئا وهو قول " أبي يوسف " و " محمد " - رحمهما الله تعالى - ولا أعلمه رجع في العبد أم لا وقياس قوله الثاني في المضارب يوجب أن لا يأخذ من العبد شيئا أيضا . وجه قوله الأول .
صفحة [ 202 ] أن المضارب له حق قوي يشبه الملك فإنه شريك في الربح وإذا صار المال عروضا يملك التصرف على وجه لو نهاه رب المال لا يعمل نهيه فكان حضور المضارب كحضور المالك . وجه قوله الآخر أن المضارب أمين في المال كالمستبضع والأجير وإنما فوض إليه التجارة في المال لا أداء الزكاة والزكاة تستدعي نية من عليه فإن كان قوله الثاني في العبد أنه لا يأخذ منه أيضا فلا حاجة إلى الفرق وإن لم يرجع في العبد فوجه الفرق أن المأذون يتصرف لنفسه حتى إذا لحقته العهدة لا يرجع به على المولى فكان في أداء ما يجب في كسبه كالمالك بخلاف المضارب فإنه نائب في التصرف يرجع بما يلحقه من العهدة على رب المال فلا يكون له ولاية أداء الزكاة .
قال : وإذا مر على العاشر بمال ومعه براءة بغير اسمه يقول هذه براءة من عاشر كذا مر به رجل كان هذا المال معه مضاربة في يده فإن حلف على ذلك كف عنه لأنه أخبر بخبر محتمل . وهو أمين فيصدقه على ذلك كما لو قال أديتها إلى المساكين .
قال : وإن مر به على عاشر الخوارج فعشره لم يحسبه له عاشر أهل العدل قال : لأن ذلك لا يجزئه من زكاته ومعناه أنهم يأخذون أموالنا بطريق الاستحلال لا بطريق الصدقة ولا يصرفونه مصارف الصدقة وصاحب المال هو الذي عرض ماله للأخذ بالمرور عليه فلا يسقط به حق عاشر أهل العدل في الأخذ منه .
قال : ولا يجزى في الزكاة عتق رقبة ولا الحج ولا قضاء دين ميت ولا تكفينه ولا بناء مسجد والأصل فيه أن الواجب فيه فعل الإيتاء في جزء من المال ولا يحصل الإيتاء إلا بالتمليك فكل قربة خلت عن التمليك لا تجزى عن الزكاة وإعتاق الرقبة ليس فيه تمليك شيء من العبد لأن العبد يعتق على ملك المولى ولهذا كان الولاء له وكذلك الحج فإن ما ينفقه الحاج في الطريق لا يملكه غيره وإن أحج رجلا فالحاج ينفق على ملك المحجوج عنه ذلك المال وكذلك قضاء دين الميت فإنه لا يملك الميت شيئا وما يأخذه صاحب الدين يأخذه عوضا عن ملكه وكذلك تكفين الميت فإنه ليس فيه تمليك من الميت فإنه ليس من أهل الملك ولا من الورثة لأنهم لا يملكون ما هو مشغول بحاجة الميت وكذلك بناء المسجد ليس فيه تمليك من أحد .
قال : ولا يعطى من الزكاة كافر إلا عند " زفر " - C تعالى - فإنه يجوز دفعها إلى الذمي وهو القياس لأن المقصود إغناء الفقير المحتاج على طريق التقرب وقد حصل .
ولنا " قوله A : خذها من أغنيائهم وردها في فقرائهم " فذلك تنصيص على الدفع إلى فقراء من .
صفحة [ 203 ] تؤخذ من أغنيائهم وهم المسلمون .
قال : ولا بأس بأن يعين به حاجا منقطعا أو غازيا أو مكاتبا لأن التمليك على سبيل التقرب يحصل به والمكاتب من مصارف الصدقات بالنص . قال الله تعالى : { " وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله " } ويدخل في هذا الحاج المنقطع أيضا ثم هو بمنزلة ابن السبيل وابن السبيل من مصارف الصدقات وكذلك يقضي دين مغرم بأمره ويجوز ذلك إذا كان المديون فقيرا لأنه يملكه أولا ثم يقضي دينه بأمره بملكه . ألا ترى أن من أمر انسانا بقضاء دينه كان له أن يرجع عليه إذا قضاه ولا يكون ذلك إلا بعد التمليك منه .
قال : ويجزئه أن يعطي من الواجب جنسا آخر من المكيل والموزون أو العروض أو غير ذلك بقيمته وهذا عندنا وقد بيناه .
قال : وإن أعطى من جنس ماله وكان من الأموال الربوية فلا معتبر بالقيمة عندنا خلافا " لزفر " - C تعالى بيانه إذا كان له مائتا درهم نبهرجة فأدى منها أربعة دراهم جيادا تبلغ قيمتها خمسة نبهرجة لا يجوز عندنا إلا عن أربعة دراهم وعلى قول " زفر " - C تعالى - يجوز عن الكل لأن في القيمة وفاء بالواجب ولا ربا بين الله تعالى وبين العبد ولكنا نقول ليس للجودة قيمة في الأموال الربوية عند مقابلتها بجنسها وأداء أربعة جياد كأداء أربعة نبهرجة فلا تجزيه إلا عن مثل وزنه .
قال : رجل له على آخر دين فتصدق به عليه ينوي أن يكون من زكاة ماله لا يجزئه إلا عن مقدار الدين إن كان المديون فقيرا لأن الواجب في المال العين جزء منه والدين أنقص في المالية من العين ولا يجوز أداء الناقص عن الكامل فإن أراد الحيلة فالوجه أن يتصدق عليه بقدر الزكاة من العين ثم يسترده من يده بحساب دينه وكذلك أداء زكاة الدين عن دين آخرلا يجوز بأن كان له مائتا درهم على رجل وخمسة على فقير فأبرأه من تلك الخمسة ينوي به زكاة المائتين لم يجزئه لأن هذا الدين يتعين بالقبض وما أبرأ الفقير منه لا يتعين فكأن دونه في المالية ولأن مبادلة الدين بالدين لا تجوز في حق العباد فكذلك في حقوق الله تعالى والواجب من كل دين جزء منه فأما إذا كان الدين كله على الفقير فوهبه له أو أبرأه منه ينوي عن زكاة ذلك الدين يجزئه لأن الواجب جزء من ذلك الدين وقد أوصله إلى مستحقه فيجوز وهو كما لو وهب النصاب العين كله من الفقير .
قال : وإن كان المديون غنيا فوهب له ما عليه بعد وجوب الزكاة قال في الجامع : يضمن مقدار الزكاة للفقراء وقال في نوادر الزكاة : لا يضمن شيئا لأن وجوب الأداء ينبني على القبض وهو لم يقبض شيئا وفي رواية الجامع قال صار مستهلكا حق الفقراء بما صنع فهو كما لو وجبت الزكاة .
صفحة [ 204 ] عليه في مال عين فوهبه لغني وهذا أصح لأنه بتصرفه يجعل قابضا حكما كالمشتري إذا أعتق العبد المشتري قبل القبض يصير قابضا . وأما مال المضاربة فعلى رب المال زكاة رأس المال وحصته من الربح وعلى المضارب زكاة حصته من الربح إذا وصلت يده إليه كان نصابا أو كان له من المال ما يتم به النصاب عندنا .
و " للشافعي " C تعالى ثلاثة أقاويل في نصيب المضارب :