( قال C ) وإذا أراد الرجل أن يغيب فقال له امرأته كل جارية تشتريها فهي حرة حتى ترجع إلى الكوفة ومن رأيه أن يشتري جارية كيف يصنع قال إذا حلف بهذه الصفة يقول نعم فيريها بهذه الكلمة أنه حلف على الوجه الذي طلبت وهو يعني بني تغلب أو غيره من أحياء العرب أو ينوي بقلبه واحد الأنعام فإنه يقال نعم والإنعام هي الإبل والبقر والغنم قال الله تعالى والإنعام خلقها لكم الآية فإذا عني هذا لم يكن حالفا فإن أبت إلا أن الزوج هو الذي يقول كل جارية أشتريها فهي حرة قال فليفعل ذلك وليعن بذلك كل سفينة الزوج هو الذي يقول كل جارية أشتريها فهي حرة قال فليفعل ذلك ولعين بذلك كل سفينة جارية قال الله تعالى وله الجواري المنشآت في البحر كالإعلام والمراد السفن فإذا عني ذلك عمل بنيته لأنها ظالمة له في هذا الاستحلاف ونية المظلوم فيما يحلف عليه معتبرة وأن حلفته بطلاق كل امرأة يتزوجها عليها فليقل كل امرأة أتزوجها عليك فهي طالق وهو ينوي بذلك كل امرأة أتزوجها علي رقبتك فيعمل بنيته في ذلك لأنه نوى حقيقة كلامه فلا يحنث إذا تزوج على غير رقبتها فإن كان إنما عنى أن لا أتزوج على اطلاقك فهذه النية تعمل فيما بينه وبين الله تعالى ولا يحنث إذا تزوج امرأة أخرى وكذلك أن عني بقوله فهي طالق من الوثاق فنيته صحيحة فيم بينه وبين الله تعالى وإن قال كل امرأة أتزوجها فأطؤها فهي طالق وعني الوطء بقدمه فهو يدين فيما بينه وبين ربه لأن المنوي من محتملات لفظه وقال بعض مشايخنا رحمهم الله ينبغي أن يدين في هذا الموضع في القضاء لأنه نوى حقيقة كلامه فالوطء يكون بالقدم حقيقة إلا أنا نقول الوطء متى أضيف إلى النساء فهو حقيقة من الجماع دون الوطء بالقدم وإنما يراد الوطء بالقدم إذا ذكر مطلقا غير مضاف إلى النساء فلهذا لا يدين هنا في القضاء وهو مدين فيما بينه وبين الله تعالى رجل أتهم جارية أنها سرقت له مالا فقال أنت حرة أن لم تصدقيني وخاف المولى أن لا تصدقه فتعتق فما الحيلة فيه قال تقول الجارية قد سرقته ثم تقول بعد ذلك لم أسرقه فيتيقن أنها صدقته في إحدى الكلامين ولا تعتق وأن قال لأمرأته أنت طالق أن بدأتك بالكلام وقالت له المرأة بعد ذلك وإن ابتدأتك بالكلام فجاريتي حرة فالحيلة فيه أن يبدأ الزوج بالكلام لأن المرأة قد كلمته بعد كلامه خاطبته بيمينها فلا يكون الزوج مبتدئا لها بالكلام بعد يمينه وإن كانت اليمين منهما جميعا فالحيلة فيه أن يكلم كل واحد منهما صاحبه معا على ما ذكره في الجامع إذا حلف رجلان فقال كل واحد منهما لصاحبه إن ابتدأتك بالكلام فالتقيا وسلم كل واحد منهما على صاحبه معا لم يحنث كل واحد منهما في يمينه لأن المبتدئ بالشيء من يسبق غيره بذلك الشيء فإذا اقترن كلامه بكلام صاحبه لم يكن مبتدئا رجل قال والله أنا لا أجلس فما أقوم حتى أقام يعني حتى يقويني الله على ذلك فيقيمني فإنه لا يحنث وهو صادق في يمينه لأن المذهب عند أهل النية والجماعة أن أفعال العباد مخلوقه الله تعالى قال الله تعالى خلقكم وما تعلمون فلا يقوم أحد ما لم يقمه الله تعالى وقيل في قوله D : { يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله } أن المراد هذا وهو أن العبد لا يستغني في شيء من أقواله وحركاته عن الله تعالى وهو نظير ما قال في كتاب الإيمان في الجامع الصغير إذا حلف ليأتينه غدا إلا أن لا يستطيع وهو يعني بذلك القضاء والقدر فإنه تعمل نيته ولا يكون حانثا في يمينه بحال ولو قال لأمته أنت حرة أن ذقت طعاما حتى أضربك فأنفت الأمة فالحيلة أن يهبها لولده الصغير ثم يتناول الطعام فلا يحنث في يمينه لأنه صار قابضا لولده بنفس الهبة فإنما يوجد الشرط وهي ليست في ملكه فلا يتحقق قال وسئل أبو حنيفة C عن امرأة قالت لزوجها اخلعني فقال أنت طالق ثلاثا أن سألتيني الخلع أن لم أخلعك فقالت المرأة جاريتي حرة أن لم أسألك قبل الليل وجاء إلى أبي حنيفة C قال أبو حنيفة C سليه الخلع فقالت لزوجها أسألك أن تخلعني فقال أبي حنيفة C لزوجها قل قد خلعتك على ألف درهم تعطيها لي فقال لها الزوج ذلك فقال أبو حنيفة C لها قولي لا أقبله فقالت فقال أبو حنيفة C قوما فقد بر كل واحد منكما في يمينه لأن شرط برها في اليمين أن تسأله الخلع وقد سألته وشرط بر الزوج أن يخلعها بعد سؤالها وقد فعل فإنما عقد يمينه على فعل نفسه خاصة وقد وجد ذلك منه فلم يقع عليها شيء حين ردت الخلع وهذه المسألة تصير رواية فيما إذا قالت المرأة لزوجها اخلعني فقال الزوج خلعتك على كذا أنه لا يقع الفرقة ما لم تقل المرأة قبلت بخلاف ما إذا قالت اخلعني على كذا فقال قد فعلت فإنه لا تقع الفرقة لأنها إذا لم تذكر البدل كان كلامها سؤالا للخلع لا أحد شطري العقد إلا أن في النكاح لا فرق بين أن يذكر البدل وبين أن لا .
يذكر فإن وجوب المهر يستغني عن التسمية هناك ولا يعتمد الرضى ووجوب البدل في الخلع لا يكون إلا باعتبار التسمية وباعتبار تمام الرضا فلهذا فرقنا بين ما إذا ذكر البدل وبين ما إذا لم يذكره وذكر الخصاف C في كتاب الحيل نظير هذه الحكاية فقال أن بعض من كان يتأذى منه أبو حنيفة C جرى بينه وبين زوجته كلام فامتنع من جوابه فقال أن لم تكلمني الليلة فأنت طالق فسكتت وامتنعت من كلامه فخاف أن يقع الطلاق إذا طلع الفجر فطاف على العلماء رحمهم الله في الليل فلم يجد عندهم في ذلك حيلة فجاء إلى أبي حنيفة C وذكر له ذلك فقال هل أتيت أستاذك فجعل يعتذر إليه ويقول لا فرج لي إلا من قبلك فذكر أنه قال له اذهب فقل للذين حولها من أقاربها ادعوها فماذا أصنع بكلامها فإنها أهون علي من التراب وأسمعها من هذا بما تقدر فجاء وقال ذلك حتى ضجرت وقالت بل أنت كذا وكذا فصارت مكلمة له قبل طلوع الفجر وخرج من يمينه وهذه الحكاية أوردها في مناقب أبي حنيفة C وقال أنه قال للرجل ارجع إلى بيتك حتى آتيك فاتشفع لك فرجع الرجل إلى بيته وجاء أبو حنيفة C في أثره فصعد مأذنة محلته وأذن فظنت المرأة أن الفجر قد طلع فقالت الحمد لله الذي نجاني منك فجاء أبو حنيفة C إلى الباب وقال قد برت يمينك وأنا الذي أذنت أذان بلال Bه في نصف الليل قال وسئل أبو حنيفة C عن أخوين تزوجا أختين فزفت امرأة كل واحد منهما إلى زوج أختها فلم يعلموا بذلك حتى أصبحوا فذكر ذلك لأبي حنيفة C وقال ليطلق كل واحد منهما امرأته تطليقة ثم يتزوج كل واحد منهما المرأة التي دخل بها وفي مناقب أبي حنيفة C ذكر لهذه المسألة حكاية أنها وقعت لبعض الأشراف بالكوفة وكان قد جمع العلماء رحمهم الله لوليمته وفيهم أبو حنيفة C وكان في عداد الشباب يومئذ فكانوا جالسين على المائدة إذ سمعوا ولولة النساء فقيل ماذا أصابهن فذكروا أنهم غلطوا فأدخلوا امرأة كل واحد منهما على صاحبه ودخل كل واحد منهما بالذي أدخلت عليه وقالوا إن العلماء على مائدتكم فسلوهم عن ذلك فسألوا فقال سفيان الثوري C فيها قضي علي Bه على كل واحد من الزوجين المهر وعلى كل واحدة منهما العدة فإذا انقضت عدتها دخل بها زوجها وأبو حنيفة C ينكث باصبعه على طرف المائدة كالمتفكر في شيء فقال له من إلى جانبه أبرز ما عندك هل عندك شيء آخر فغضب سفيان الثوري C فقال هل يكون عنده بعد قضاء علي Bه يعني في الوطء بالشبهة فقال أبو حنيفة C علي بالزوجين فأتى بهما فسار كل واحد منهما أنه هل تعجبك المرأة التي دخلت بها قال نعم ثم قال لكل واحد منهما طلق امرأتك تطليقة فطلقها ثم زوج من كل واحد منهما المرأة التي دخل بها وقال قوما إلى أهلكما على بركة الله تعالى فقال سفيان C ما هذا الذي صنعت فقال أحسن الوجوه وأقربها إلى الألفة وأبعدها عن العداوة أرأيت لو صبر على كل واحد منهما حتى انقضت العدة أما كان يبقي في قلب كل واحد منهما شيء بدخول أخيه بزوجته ولكني أمرت كل واحد منهما حتى يطلق زوجته ولم يكن بينه وبين زوجته دخول ولا خلوة ولا عدة عليها من الطلاق ثم تزوجت كل امرأة ممن وطئها وهي معتدة منه وعدته لا تمنع نكاحه وقام كل واحد منهما مع زوجته وليس في قلب كل واحد منهما شيء فعجبوا من فطنة أبي حنيفة وحسن تأملة وفي هذه الحكاية بيان فقه هذه المسألة التي ختم بها الكتاب والله أعلم بالصواب