( قال الشيخ الإمام الأجل الزاهد شمس الأئمة وفخر الإسلام أبو بكر محمد بن أبي سهل السرخسي C ) اعلم أن أبا يوسف C كان يختلف إلى ابن أبي ليلى C في الابتداء فتعلم بين يديه تسع سنين ثم تحول إلى مجلس أبي حنيفة وكان تسع سنين أيضا وقيل كان سبب تحوله إلى أبي حنيفة تقلد ابن أبي ليلى القضاء فإن أبا يوسف كره له تقلد القضاء فحمله ذلك إلى التحول إلى مجلس أبي حنيفة C تعالى فابتلاه الله تعالى حتى تقلد القضاء وصار ذلك صفة له يعرف بها من بين أصحاب أبي حنيفة فقال أبو يوسف القاضي ولا يقال ذلك لأحد سواه ممن تقلد منهم القضاء وممن لم يقلد وقيل كان سببه إنه كان تبع ابن أبي ليلى وقد شهد ملاك رجل فلما نثر السكر أخذ أبو يوسف C بعضا فكره له ذلك ابن أبي ليلى وأغلظ له القول وقال أما علمت أن هذا لا يحل فجاء أبو يوسف إلى أبي حنيفة C فسأله عن ذلك فقال لا بأس بذلك بلغنا أن رسول الله A مع أصحابه Bهم كان في ملاك رجل من الأنصار نثير الثمر فجعل رسول الله A يرفع ذلك ويقول لأصحابه انتهبوا وبلغوا أن النبي A في حجة الوداع لما نحر مائة بدنة أمر بأن يؤخذ له من كل بدنة قطعة ثم قال من شاء أن يقتطع فليقتطع فهذا ونحوه من الهبة مستحسن شرعا فلما تبين له تفاوت ما بينهما تحول إلى مجلس أبي حنيفة .
وقيل كان سبب ذلك أنه كان يناظر زفر C وتبين بالمناظرة معه تفاوت ما بين فقه أبي حنيفة C وابن أبي ليلى فتحول إلى مجلس أبي حنيفة ثم أحب أن يجمع المسائل التي كان فيها الاختلاف بين أستاذيه فجمع هذا التصيف وأخذ ذلك محمد C وروى عنه ذلك إلا إنه زاد بعض ما كان سمع من غيره . فأصل التصنيف لأبي يوسف والتأليف لمحمد رحمة الله عليهما فعد ذلك من تصنيف محمد ولهذا ذكره الحاكم C في المختصر ثم بدأ فقال : .
رجل غصب جارية من رجل فباعها وأعتقها المشتري فالبيع والعتق باطل في قول أبي حنيفة وبه نأخذ وهو قول أبي يوسف ومحمد وقال ابن أبي ليلى عتقه جائز وعلى الغاصب القيمة وجه قوله إن البيع منعقد فإن إنعقاد البيع لوجود الإيجاب والقبول ممن هو من أهله في محله وقد وجد في الإيجاب كلام الموجب وهو تصرف منه في حقه والمحل قابل للعقد ولهذا ينفذ العقد فيه بإجازة المالك ولو كان هذا العقد بإذن المالك كان نافذا ولا تأثير للإذن في إثبات الأهلية والمحلية فإذا ثبت انعقاد العقد ثبت أنه موجب للملك لأن الأسباب الشرعية غير مطلوبة لعينها بل لحكمها والحكم الخاص بالبيع والشراء الملك فإنما يثبت العتق بعد الملك لقوله عليه السلام لا عتق إلا فيما يملكه ابن آدم وإذا نفذ العتق تعذر على الغاصب رد العين فيجب عليه ضمان القيمة وقد صار هو متلفا للجارية بتمليكها من المشتري وتسليط المشتري على إعتاقها فيجعل كأنه أتلفها بالقتل فيضمن قيمتها ويتقرر الثمن على المشتري لأنه بالعتق صار قابضا منهيا لملكه فيها ويكون الثمن للبائع لأنه وجب بعقده ولأنه بضمان القيمة قد ملكها والثمن بدل الملك فيكون للغاصب وحجتنا في ذلك أن العتق من المشتري لم يصادف ملكه ولا عتق فيما لا يملكه ابن آدم وهذا لأن عين المملوك محفوظة على المالك بصفة المالكية فكما لا يجوز إبطال حق الملك عن المالكية بإعتاق يصدر من غيره فكذلك لا يجوز إبطال حقه من غير ملكه ( ألا ترى ) أن الغاصب لو أعتقه بنفسه لم ينفذ عتقه مراعاة لحق المالك فكذلك المشتري منه فأما قوله العقد موجب للملك وقد انعقد ففيه طريقان لنا أحدهما إن العقد انعقد بصفة التوقف قلنا والحكم يثبت بحسب السبب فإنما يثبت بالعقد الموقوف ملكا موقوفا ( ألا ترى ) أن بالعقد النافذ الصحيح يثبت ملك حلال وبالعقد الفاسد يثبت ملك حرام بحسب السبب فبالعقد الموقوف يثبت ملك موقوف والملك الموقوف دون الملك الثابت للمكاتب والمكاتب لا يملك الإعتاق بذلك النوع من الملك فكذلك بالملك الموقوف لأن الإعتاق إنهاء للملك والموقوف لا يحتمل ذلك والثاني إن الأسباب الشرعية لا تكون خالية عن الحكم ولكن لا يشترط اتصال الحكم بالسبب بل يقترن به تارة ويتأخر عنه أخرى ( ألا ترى ) إن البيع بشرط الخيار للبائع منعقد ويتأخر الحكم إلى سقوط الخيار والبيع الفاسد منعقد ويتأخر الحكم وهو الملك إلى ما بعد القبض والبيع الموقوف منعقد ويتأخر الحكم إلى ما بعد إجازة الملك وهذا لأن الضرر مدفوع وليس في انعقاد العقد ضرر بالمالك فأما في ثبوت الملك للمشتري إضرار بالمالك فربما يكون المشتري قريب المشتري فيعتق عليه لو ثبت الملك بنفس الشراء وفيه ضرر بالمالك لا محالة فيتأخر الملك إلى وجود الرضا من المالك بإجازة العقد فإذا لم يجز ذلك بطل البيع والعتق جميعا .
فردت الجارية عليه وإذا اشترى جارية فوطئها ثم استحقها رجل قضى له القاضي بها وبمهرها على الواطئ لأن الحد قد سقط عنه بشبهة فلزمه المهر إذ الوطء في غير الملك لا ينفك عن حد أو مهر وهذا الوطء حصل في غير الملك عندنا فوجب المهر وعند ابن أبي ليلى الملك وإن ثبت للمشتري فهو ليس بملك متقرر يستفاد به حل الوطء فيجب المهر كالمشتري شراء فاسدا إذا قبض الجارية ووطئها ثم استردها البائع فعلى المشتري في أظهر الروايتين . وإن كان هو بالقبض قد ملكها ثم الواطئ يرجع بالثمن على البائع ولا يرجع بالمهر عندنا وقال ابن أبي ليلى يرجع بالثمن والمهر لأنه صار مغرورا من جهة البائع فإنه أخبره إن الجارية ملك وإن منفعة الوطء تسلم للمشتري بغير عوض بعدما يشتريها منه فإذا لم يسلم له رجع به على البائع كما يرجع بقيمة الولد لو استولدها وذلك الحكم وإن كان مخصوصا من القياس باتفاق الصحابة Bهم ولكن من أصل أبي حنيفة إن المخصوص من القياس لا يقاس عليه غيره وحجتنا في ذلك إن المهر إنما لزمه عوضا عما استوفى بالوطء وهو المباشر للاستيفاء ومنفعة المستوفي له حصلت له فلا يرجع ببدله على غيره كمن وهب طعاما لإنسان فأكله الموهوب له ثم استحقه رجل وضمن الآكل لم يرجع به على الواهب وإنما الغرور إنما يكون سببا للرجوع باعتبار المعاوضة والثمن إنما كان عوضا عن العين دون المستوفي بالوطء وفي حق المستوفي بالوطء لا فرق بين أن يكون الملك ثابتا بالشراء أو بالهبة وبه فارق قيمة الولد لأن الولد حر ومتولد من العين مع أن ذلك حكم ثبت بخلاف القياس باتفاق الصحابة Bهم والمخصوص من القياس عندنا لا يقاس عليه غيره لأن قياس الأصل يعارضه ثم الغرور بمنزلة العيب في إثبات حق الرجوع فإنما يثبت ذلك الحكم في العين وفيما هو متولد من العين فأما المستوفي بالوطء في حكم الثمرة فلا يثبت فيه حكم الرجوع بسبب العيب فلهذا لا يرجع بالمهر . وإذا اشترى الرجل أرضا وفيها نخل له ثمرة ولم يشترطها فإن أبا حنيفة قال النخل للمشتري والثمرة للبائع إلا أن يشترطها المشتري وبه أخذ محمد C وقال ابن أبي ليلى C الثمرة للمشتري وإن لم يشترطها لأن الثمرة متصلة بالمبيع اتصال خلقة فتدخل في المبيع من غير ذكر كأطراف العبد وأغصان الشجر والدليل عليه أن النخل جعل تبعا للأرض بسبب الاتصال حتى يدخل في بيع الأرض من غير ذكر فكذلك الثمرة لأن الاتصال موجود فيها وحجتنا في ذلك حديث جابر Bه أن رسول الله A قال : ( من اشترى نخلا قد أثمر فتمرته للبائع ) إلا أن يشترط المبتاع ومن اشترى غلاما وله مال فماله للبائع إلا أن يشترط ذلك المشتري والمعنى فيه أن الثمرة بمنزلة المتاع الموضوع في الأرض لأن اتصالها بالنخل ليس بالقرار بل للفصل إذا أدرك ( ألا ترى ) أنه يجد بعد الإدراك وإنه يسقط أو يفسد إذا ترك كذلك فكان الاتصال في معنى العارض فيجعل كالمنفصل لا يدخل في المبيع إلا بالذكر بخلاف النخل فاتصاله بالأرض بالقرار ما بقي بمنزلة البناء فكما يدخل البناء في بيع الأرض من غير ذكر فكذلك يدخل النخل وقال أبو يوسف إن اشترى الأرض بحقوقها ومرافقها دخل الثمار في العقد وإلا لم تدخل فأما على قول محمد وهو قول أبي حنيفة لا تدخل الثمار إلا بالتنصيص عليها سواء ذكر الحقوق أو لم يذكر بمنزلة المتاع الموضوع في الأرض وحكى أن أبا يوسف C كان أملى هذه المسألة على أصحابه وكان محمد حاضرا في المجلس فلما ذكر هذا القول قال محمد C في نفسه ليس الأمر كما يقول فبادأه المستملي هنا من يخالفك رحمك الله فقال من هو فقال محمد بن الحسن فقال أبي يوسف ما نصنع بقول رجل قعد عن العلم أي ترك الاختلاف إلينا فسكت محمد ولم يجبه احتراما له . وإذا اشترى الرجل دابة فوجد بها عيبا وقال بعتني وهذا العيب بها وأنكره البائع ولا بينة للمشتري فعلى البائع اليمين وإنما أراد بهذا عيبا يتوهم حدوثه في مثل تلك المدة وهو عارض فيحال بحدوثه على أقرب الأوقات وهذا حال كونها في يد المشتري فإذا ادعى استناد العيب إلى وقت سابق وأنكره البائع كان القول قول البائع مع اليمين ولأن مقتضى مطلق البيع اللزوم فالمشتري يدعي لنفسه حق الفسخ بسبب العيب والبائع ينكر ذلك فكان القول قوله مع يمينه فإن قال البائع أنا أرد اليمين عليه يعني يحلف المشتري حتى أقبله منه فعندنا لا يرد اليمين عليه . وكان ابن أبي ليلى إذا اتهم المدعي في ذلك رد عليه اليمين قال لأن المشتري من وجه منكر فإنه ينكر لزوم العقد إياه ووجوب إبقاء الثمن عليه ولكنه في الظاهر مدع فاعتبرنا الظاهر إذا لم يكن هو .
متهما فأما إذا اتهمه استحلفه لإعتبار معنى الإنكار في كلامه وهذا لأن الاستحلاف مشروع لدفع التهمة فإن المدعي عليه يثبت في جانبه نوع تهمة فيحلف المدعى عليه لأنه أتى بخبر متمثل بين الصدق والكذب فلا يكون حجة بنفسه ولكن يورث تهمة فيحلف المدعى عليه لدفع تلك التهمة عنه فإذا أوجد مثل تلك التهمة في جانب المدعي رد عليه اليمين ولكنا نستدل بقوله عليه السلام : ( البينة على المدعي واليمنين على من أنكر ) فقد جعل رسول الله A جنس اليمين في جانب المنكر فلا يبقى يمين في جانب المدعي ولا يجوز تحويل اليمين عن موضعها الذي وضعه رسول الله A فيه والمشتري مدع هنا حق الفسخ فلا يمين في جانبه وهذا لأن اليمين في موضعها لإبقاء ما كان على ما كان والمدعي يحتاج إلى إثبات حق غير ثابت له فلا يكون اليمين حجة في جانبه وهذا لأن اليمين مشروعة للنفي في موضعه لا يثبت بها حكم النفي حتى لو أوجد المدعي البينة فأقامها وقضى له بعد اليمين فهي في غير موضعها لأنها لا يثبت بها ما لم يكن ثابتا أولا . وإذا اشترى الرجل شيئا فادعى رجل فيه دعوى حلف المشتري البتة عندنا وقال ابن أبي ليلى على العلم لأن المشتري يحلف البائع في الملك كما أن الوارث يحلف المورث ثم فيما يدعي في التركة إنما يستحلف الوارث على العلم فكذلك المشتري وهذا لأن أصل الدعوى على البائع ( ألا ترى ) أن المدعي لو أقام البينة صار البائع مقضيا عليه حتى رجع المشتري على البائع بالثمن فكان هذا في معنى الاستحلاف على فعل الغير فيكون على العلم وحجتنا في ذلك أن الشراء سبب متجدد للملك فإنما يثبت به ملك متجدد للمشتري وصار ثبوت هذا الملك له بالشراء كثبوته بالاصطياد والاسترقاق ثم هناك إذا ادعى إنسان في المملوك دعوى يستحلف المالك على الثبات فهذا مثله بخلاف الإرث فإن موت المورث ليس بسبب متجدد لإثبات ملك الوارث ثم يقول المدعي يدعي على المشتري وجوب تسليم العين إليه وإنه غاصب في أخذه ومنعه منه ولو ادعى عليه أنه غصبه منه كان الاستحلاف على الثبات فهنا كذلك أيضا وهكذا يقول في الوارث إذا أخذ عين التركة فادعى إنسان أن العين ملكه يستحلف على الثبات لهذا المعنى وهذا لأن أصل الاستحلاف على الثبات وإنما اليمين على العلم لدفع الضرر عن الخصم في موضع لا يمكنه أن يحلفه على الثبات ولما كان الشراء من ذي اليد شيئا موجبا للملك له كل ذلك مطلقا له اليمين على دعوى المدعي فلا حاجة إلى استحلافه قال والبراءة من كل عيب جائزة روى عن عمر Bه أنه باع عبدا له بثمانمائة درهم بالبراءة فطعن المشتري بعيب فخوصم إلى عثمان بن عفان Bه فقال : يمينك ما بعته وبه عيب علمته وكتمته فأبى أن يحلف فرده عليه فصلح عنده فباعه بألف درهم وأربعمائة درهم وعن ابن عمر Bه أنه باع بالبراءة وعن شريح C قال : لا يبرأ منه حتى يسمى كل عيب وكان ابن أبي ليلى يقول : لا يبرأ حتى يسمى العيوب بأسمائها وقد بينا المسألة في كتاب البيوع والصلح وفيها حكاية قال : إن أبا حنيفة C وابن أبي ليلى اجتمعا في مجلس أبي جعفر الدوالقي فأمرهما بالمناظرة في هذه المسألة وكان من مذهب ابن أبي ليلى أنه لا يبرأ حتى يرى المشتري موضع العيب فقال أبو حنيفة : أرأيت لو باع جارية حسناء في موضع المأتي منها عيب أكان يحتاج البائع إلى كشف عورتها ليرى المشتري ذلك العيب أرأيت لو أن بعض حرم أمير المؤمنين باع غلاما حبشيا على رأس ذكره برص أكان يحتاج إلى كشف ذلك ليريه المشتري فما زال يشنع عليه بمثل هذا حتى أفحمه وضحك الخليفة فجعل ابن أبي ليلى بعد ذلك يقول : يحتاج إلى أن يسمى العيوب بأسمائها لأن صفة المبيع وماهيته إنما تصير معلومة بتسمية ما به من العيوب ولكنا نقول الإبراء عن العيوب إسقاط للحق والمسقط يكون متلاشيا فالجهالة لا تمنع صحته ثم البائع بهذا الشرط يمنع من التزام تسليم العين على وجه لا يقدر على تسليمه فربما يلحقه والحرج في تسمية العيوب والحرج مدفوع وأكثر ما فيه أنه يمكن جهالة في الصفة بترك تسمية العيوب ولكن البائع يلاقي العين دون الصفة فيصح البيع بشرط البراءة عن العيوب ويصح الإبراء عن الجهالة لكونه إسقاطا وإذا كان لرجل على رجل مال من ثمن بيع قد حل فأخره عنه إلى أجل فهو جائز وليس له أن يرجع عنه عندنا وقال ابن أبي ليلى له أن يرجع في الأجل إلا أن يكون ذلك على وجه الصلح بينهما وذهب في ذلك إلى أن التأجيل معتاد جرى فيما بينهما أن لا يطالبه بالمال إلا بعد مضي المدة والمواعيد لا يتعلق بها .
اللزوم إلا أن يكون شرطا في عقد لازم ولهذا لا يثبت الأجل في القرض والعارية لأنه ليس بمشروط في عقد لازم فكذلك لا يثبت في الثمن وغيره من الديون إلا أن يكون شرطا في عقد لازم وكذك الصلح أو أصل البيع إذا ذكر فيه الأجل ولكنا نقول لو باعه بثمن مؤجل في الابتداء يثبت الأجل فكذلك إذا أجله في الثمن في الانتهاء لأن هذا التأجيل يلتحق بأصل العقد بمنزلة الزيادة في الثمن والمثمن بأصل العقد ويصير كالمذكور فيه والدليل عليه أن الأجل بمنزلة الخيار لأنه يؤثر في تغير حكم العقد فإن توجه المطالبة في الحال من حكم العقد ويتغير بالأجل وثبوت الملك في الحال من حكم العقد ويتغير بشرط الخيار ثم الخيار لا فرق بين أن يكون مشروطا في أصل العقد أو يجعله أحدهما لصاحبه بعد العقد فكذلك في حكم الأجل وهذا لأن العقد قائم بينهما يملكان التصرف فيه بالرفع والإبقاء فيملكان التصرف فيه بما يغير حكمه على وجه هو مشروع وتعتبر حالة الانتهاء بحالة الإبتداء وبهذه المعاني يظهر الفرق بين الثمن وبدل القرض ولو كان لرجل على رجل مال فتغيب حتى حط الطالب بعضه ثم ظهر لم يكن له أن يرجع فيما حط عنه وقال ابن أبي ليلى له أن يرجع فيه لأنه كان مضطرا في هذا الحط فإنه كان لا يتمكن من خصمه ليستوفي منه كمال حقه وبهذا النوع من الضرورة ينعدم تمام الرضا منه بالحط كما ينعدم بالإكراه فكما أنه لو أكره على الحط لم يصح حطه لعدم تمام الرضا فكذلك هنا ولكنا نقول الحط إسقاط وهو يتم بالمسقط وحده فإذا أسقطه وهو طائع صح ذلك منه فلا رجوع له فيه بعد ذلك لأن المسقط يكون متلاشيا وإنما يتحقق الرجوع في القائم دون المتلاشي والدليل عليه أن إسقاط البعض معتبر بإسقاط الكل ولو أبرأه عن جميع دينه لم يكن له أن يرجع فيه وإن ظهر خصمه بعد ذلك فكذلك إذا حط بعضه وقوله إنه مضطر قلنا لا كذلك فإنه متمكن من أن يصبر إلى أن يظهر خصمه فالتأخير لا يفوت شيئا من حقه فإذا لم يكن يفعل كان مختارا طائعا في الحط والصلح بمنزلة المغصوب منه إذا أخذ القيمة بعدما أبق المغصوب ثم عاد من إباقه لم يكن له على العبد سبيل ولهذا المعنى صححنا إبراءه عن الكل وفرقنا بينه وبين المكره على الإبراء فكذلك الحط وإذا اشترى الرجل ثمرا قبل أن يبلغ من أصناف الثمار كلها أو اشترى طلعا حين يخرج جاز العقد عندنا وقال ابن أبي ليلى : لا خيار في شيء من ذلك واستدل في ذلك بما روى أن النبي A نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها وفي رواية حتى تشقح أي تدرك وفي رواية حتى تزهو أي تنجو من العاهة وهذا بالإدراك وحجتنا في ذلك قوله E : ( من باع نخلا مؤبرة فثمرتها للبائع ) إلا أن يشترط المبتاع والمؤبرة هي التي يخرج طلعها فإذا شرط المبتاع ذلك فقد صار مشتريا الثمرة مقصودة فإنها لم تدخل في العقد إلا بالذكر فهذا تنصيص على جواز بيعها قبل الإدراك ولأن محل البيع عين هو مال متقوم والمالية بالتمول التقوم بكونه منتفعا به شرعا وعرفا وقد تم هذا كله في الثمار قبل الإدراك والعقد متى صدر من أهله في محله كان صحيحا ولا معنى لقوله إنه غير مقدور التسليم إلا بالقطع وفيه ضرر فيكون ذلك مفسدا للعقد كبيع الجذع في السقف لأن البائع قادر على التسليم من غير ضرر يلحقه في ذلك وإنما يلحق الضرر المشتري وهو قد رضي بالتزام هذا الضرر فلا يمتنع صحة العقد بسببه وتأويل الحديث إن المراد بيعها مدركة قبل الإدراك بدليل إنه عليه السلام قال في آخر الحديث : ( أرأيت لو أذهب الله تعالى الثمرة بم يستحل أحدكم مال أخيه ) والمراد به السلم في الثمار قبل أن يبدو صلاحها بدليل إنه قال في بعض الروايات : ( لا تتلقوا في الثمار حتى يبدو صلاحها ) فيحمل على ذلك ليكون جمعا بينه وبين ما روينا . فإن كانت الثمار قد تلفت يعني انتهى عظمها فاشتراها بشرط الترك إلى أجل معلوم فالعقد فاسد عندنا وقال ابن أبي ليلى العقد صحيح هكذا قال محمد C فيما إذا شرط الترك مدة يسيرة لأنه بعدما يتناهى عظمها لا تزداد من ملك البائع وإنما تنضجها الشمس بتقدير الله تعالى وتأخذ اللون من القمر والذوق من النجوم بتقدير الله تعالى فليس في هذا اشتراط شيء مجهول من ملك البائع وهو شرط متعارف بين الناس فيكون سالما للعقد باعتبار العرف وباعتبار أن العرف فيه تقريب إلى مقصود المشتري بمنزلة ما لو اشترى بغلا وشراكين بشرط أن يحدوها البائع أو اشترى حطبا في المصر بشرط أن يوفيه في منزله وجه قولنا إن هذه إعارة أو إجارة مشروطة في البيع فيبطل بها البيع لنهي النبي A عن صفقتين في صفقة وبيانه إنه إن كان بمقابلة .
منفعة الترك في شيء من البدل فهي إجارة مشروطة في البيع وإن لم يكن بمقابلها شيء من البدل فهي إعارة مشروطة في البيع والعرف إنما يعتبر إذا لم يكن هناك نص بخلافه فأما مع وجود النص فلا إذ العرف لا يعارض النص وهكذا كان ينبغي في القياس أن لا يجوز العقد فيما استشهد به ولكن تركنا القياس هناك للعرف فإنه لا نص فيه بخلافه ثم هذا ليس في معنى ذلك لأن في هذا الشرط حيلولة بين البائع وبين ما لم يدخل تحت العقد من ملكه وهو النخيل ومثل هذا الشرط لا يلائم العقد وفيه يعتبر ما يتناوله العقد فيكون بمنزلة ما لو اشترى حنطة بشرط أن يطحنها البائع وذلك مفسد للعقد فكذلك هنا إذا شرط الترك إلى مدة يفسد بها العقد وإذا اشترى الرجل مائة ذراع مكسرة من أذرع مقسومة أو عشرة أجربة من أرض غير مقسومة لم يجز الشراء في قول أبي حنيفة وقال ابن أبي ليلى هو جائز وبه أخذ أبو يوسف ومحمد وقد بينا هذا في البيوع إن الذراع اسم لجزء شائع عندهم بمنزلة السهم إلا أن السهم غير معلوم المقدار في نفسه وإنما يصير معلوما بالإضافة فسهم من سهمين النصف وسهم من عشرة العشر فلا بد من أن يبين سهما من كذا سهما والذراع معلوم المقدار في نفسه فلا حاجة إلى أن يقول من كذا كذا ذراعا والجريب كذلك معلوم المقدار بالذراع فإن اشترى عشرة أجربة وجملة الأرض مائة جريب فإنما اشترى عشرها وذلك مستقيم وكذلك إن اشترى مائة ذراع فإذا ذرع الكل فكان ألف ذراع عرفنا أنه اشترى عشرها والمكسرة المعروفة من الذراع بين الناس سميت مكسرة لأنها كسرت من ذراع الملك قبضة وأبو حنيفة يقول الذراع اسم لجزء معين من الأرض وهو ما يقع عليه الذراع فإذا اشترى مائة ذراع أو عشرة أجربة فإنما سمي في العقد جزأ معينا وهو عشر معلوم في نفسه فإن جوانب الأرض تختلف في الجودة والمالية فتتمكن المنازعة بهذا السبب بين البائع والمشتري في التسليم وذلك مفسد للعقد كما لو اشترى بيتا من بيوت الدار ثم إذا جاز العقد عندهم فإن كانت مائة ذراع فهي للمشتري وإن كانت مائتي ذراع فالمشري يكون شريكا بقدر مائة ذراع وإن كانت دون مائة ذراع فللمشتري أن يردها إن شاء لتغيير شرط العقد عليه وإن شاء أخذها بحصتها من الثمن لأنه سمي جملة الثمن بمقابلة مائة ذراع فإذا لم يسلم له إلا خمسون ذراعا لم يكن عليه إلا نصف الثمن وهذا بخلاف ما لو اشترى الأرض على أنها مائة ذراع فوجدها خمسين ذراعا واختار أخذها لزمه جميع الثمن لأن هناك الثمن بمقابلة العين وذكر الذراع على وجه بيان الصفة وهنا الثمن بمقابلة ما سمي من الذراع هنا لبيان مقدار المعقود عليه فإذا لم يسلم له إلا نصف المسمى لا يلزمه إلا نصف الثمن كما لو اشترى عشرة أقفزة حنطة فوجدها خمسة أقفزة . وقال ابن أبي ليلى : لا يجوز عتق من قد فلسه القاضي وحبسه في الدين وعندنا ينفذ عتقه إلا أن عند أبي حنيفة لا سعاية على العبد وعلى قول أبي يوسف ومحمد يلزمه السعاية في قيمته للغرماء وهو بناء على مسألة الحجر بسبب الدين وقد بينا ذلك في كتاب الحجر فأما ابن أبي ليلى قال إن ماله بالتفليس والحبس صار حقا لغرمائه فإعتاقه صادف محلا هو حق الغير وفيه إضرار بمنزلة الحق فلا ينفذ عتقه لدفع الضرر عن صاحب الحق عملا بقوله عليه السلام : ( لا ضرر ولا ضرار في الإسلام ) وهذا قريب من قول الشافعي في المرهون أنه لا ينفذ عتق الراهن لاشتغاله بحق المرتهن وقد بينا ذلك في الرهن ولكنا نقول العبد لا يزول عن ملكه بالتفليس والحبس في الدين ولا يصير مملوكا للغريم ( ألا ترى ) أن شيئا من تصرفات الغريم لا ينفذ فإذا بقي على ملك صاحبه نفذ عتقه فيه لأن شرط نفوذ العتق ملك المحل والأهلية في العتق وبعد وجودهما لا يمتنع نفوذه لدفع الضرر عن الغير ( ألا ترى ) إن عتق أحد الشريكين ينفذ في نصيبه وإن كان يتضرر به صاحبه وكذلك عتق المشتري في المبيع قبل القبض ينفذ وإن كان يتضرر به البائع خصوصا إذا كان المشتري مفلسا . وإذا أعطى الرجل الرجل متاعا يبيعه له ولم يسم بالنقد ولا بالنسيئة فباعه بالنسيئة فالبيع جائز ولا ضمان على البائع عندنا وقال ابن أبي ليلى : البائع ضامن لقيمة المتاع يدفعها إلى الآمر لأن مطلق الأمر بالبيع معتبر بمطلق إيجاب البيع وذلك منصرف إلى النقد خاصة فكذلك هذا وإذا انصرف إلى النقد كان هو مخالفا إذا باعه بالنسيئة فيكون بمنزلة الغاصب ضامنا قيمته للآمر ولأن الإنسان إنما يأمر غيره ببيع متاعه لحاجته إلى الثمن إما لقضاء الدين أو للإنفاق على عياله والثابت بالعرف كالثابت بالنص ولو صرح بهذا للوكيل كان هو مخالفا في بيعه بالنسيئة فكذلك إذا ثبت بالعرف ولكنا نقول الآمر .
مطلق فتقييده بالبيع بالنقد يكون زيادة ومثل هذه الزيادة لا تثبت إلا بدليل والعرف لا يصلح مقيدا لهذا فالعرف مشترك لأن الإنسان قد يأمر غيره بالبيع للاسترباح والربح إنما يحصل أكثره بالبيع بالنسيئة ثم يفسد المطلق في معنى نسخ حكم الإطلاق فلا يثبت بمجرد العرف لأن العرف لا يعارض النص والشيء لا ينسخه ما دونه بخلاف ما إذا نص على التقييد وليس هذا نظير إيجاب البيع لأن العمل هناك بالإطلاق غير ممكن فإن البيع لا يكون إلا بثمن مقيد بوصف إما النقد أو النسيئة ( ألا ترى ) إنه لو قال : بعته منك بألف درهم إن شئت بالنقد وإن شئت بالنسيئة لم يجز العقد بخلاف التوكيل فإن العمل بالإطلاق هنا ممكن بدليل أنه لو قال بعه بالنقد أو بالنسيئة كان صحيحا وهذا لأن البيع قد نفذ بسبب حرام وهذه الحرمة كانت لحق الآمر فعليه أن يدفع الفضل إلى الآمر وإن كان أقل من القيمة لم يرجع البائع على الآمر بشيء لأنه هو الذي أضر بنفسه حين باعه بأقل من قيمته على وجه صار مخالفا وهو البيع بالنسيئة فيكون الخسران عليه . وإذا باع الرجل جارية بجارية وتقابضا ثم وجد أحدهم بالجارية التي قبض عيبا فإنه يردها ويأخذ جاريته عندنا وقال ابن أبي ليلى يردها ويأخذ قيمتها صحيحة وكذلك هذا في كل حيوان أو عرض وجه قوله إن كل واحد منهما في العوض الذي من جهة صاحب مشترى اشتراه بعوضه وفي العوض الذي من جانبه بائع والبيع غير الشراء فإذا وجد عيبا بما اشترى فرده يبطل الشراء ولكن لا يبطل البيع وإذا بقي العقد في العوض الآخر كان على صاحبه تسليم البدل إليه كما التزمه بالعقد صحيحا وقد عجز عن ذلك فيلزمه رد قيمته كما في النكاح إذا وجدت المرأة بالصداق عيبا فاحشا فردت رجعت على الزوج بقيمته وكل واحد منهما عقد معاوضه فإذا كان هناك حكم الرد يقتصر على المردود ولا يتعدى إلى العوض الآخر فكذلك هنا . يوضحه إن القيمة سميت قيمة لقيامها مقام العين فصارت قدرته على تسليم قيمتها صحيحة كقدرته على تسليم عينها فيبقى العقد في البدل الموجود على شرط العقد بقيمة الآخر وجه قولنا إن بالرد بالعيب ينفسخ القبض في المردود من الأصل ويتحقق عجز بائعها عن تسليمها كما أوجبه العقد وذلك مبطل للعقد .
( ألا ترى ) أنه لو هلك أحد العوضين قبل القبض يبطل العقد فيهما جميعا فكذلك إذا ردتا بالعيب وبه فارق النكاح فإن هناك لو تعذر التسليم بالهلاك قبل القبض لزمه قيمته فكذلك إذا تعذر التسليم بالرد بالعيب وهذا لأن العجز عن التسليم في الابتداء هناك لا يمنع صحة العقد والتسمية بأن يزوج امرأة على عبد الغير فإن التسمية تصح وإذا عجز عن تسليم المسمى يجب قيمته فهنالك العجز في الانتهاء وهنا العجز عن التسليم في الابتداء يمنع صحة العقد فإنه لو اشترى جارية بعبد الغير لا يصح الشراء فكذلك إذا عجز عن التسليم في الانتهاء بطل العقد فيلزمه رد المقبوض بحكمه ثم القيمة إنما تقوم مقام العين والحاجة هنا إلى تسليم ما تناوله العقد وهي جارية صحيحة لا إلى تسليم العين لأن العين قد كانت مسلمة إليه فلو قلنا بأنه يأخذ قيمتها لكان يأخذ بحكم العقد ولا يجوز أن يستحق بالعقد القيمة دينا في الذمة فلهذا لا يبقي العقد بعد ردها بالعيب ولهذا لو اشتراها بالدراهم ثم ردها بالعيب استرد دراهم ولم يرجع بقيمتها فهذا مثله وإذا اشترى الرجل سلعة فطعن فيها بعيب قبل أن ينقد الثمن فله أن يردها إذا أقام البينة على العيب عندنا وقال ابن أبي ليلى لا تقبل شهادة شهود على العيب حتى ينقد الثمن لأن قبول البينة ينبني على دعوى صحيحة وإنما تصح الدعوى من المشتري عند وجود العيب لأنه يطالب البائع برد الثمن عليه وذلك لا يتحقق قبل انقاد الثمن وبدون دعوى صحيحة لا يقبل منه البينة وحجتنا في ذلك أن الرد بخيار العيب كالرد بخيار الشرط والرؤية وذلك صحيح قبل نقد الثمن إذ الرد بحجة البينة معتبر بالرد بالإقرار ولو أقر البائع بالعيب كان للمشتري أن يرد عليه قبل نقد الثمن فكذلك إذا أقام البينة على العيب قوله بأن دعواه لا يصح قلنا لا كذلك فإنه يطالب البائع بتسليم الجزء الفائت وذلك حق مستحق له بالعقد فيصح منه دعوى المطالبة بالتسليم ثم إذا تحقق عجز البائع عن تسليمه رد عليه بالعيب ثم هو يدعي براءة ذمته عن الثمن بعد رد العين عليه ودعوى سبب البراءة من الديون دعوى صحيحة فتقبل بينته على ذلك والعقد لازم من حيث الظاهر في حق كل واحد منهما فهو يدعي انعدام لزومه في جانبه بسبب العيب وهذه دعوى صحيحة منه كدعوى شرط الخيار . وإذا باع الرجل على ابنه وهو كبير دارا أو متاعا من غير حاجة ولا عذر لم يجز ذلك عندنا وقال ابن أبي ليلى بيعه جائز لأن النبي A قال : ( أنت ومالك لأبيك ) وقال عليه السلام : ( إن أطيب ما يأكل الرجل من كسبه وإن ولده لمن كسبه فكلوا من كسب أولادكم ) ففي الحديثين دليل على أن مال الولد مملوك للوالد بمنزلة مال نفسه فينفذ تصرفه ففي الحقيقة المسألة تنبني على هذا فإن عنده مال الولد في حكم المملوك للوالد ولهذا قال له أن يطأ جارية ابنه إذا لم تكن محرمة عليه وعندنا لا ملك له في مال ولده ولا حق ملك لأن الكسب إنما يملك بملك الكاسب وليس له في ولده ملك فكذلك في كسب ولده والدليل عليه إن الولد مالك لكسبه حقيقة حتى ينفذ تصرفه فيه من الوطء وغير ذلك وينفذ فيه إعتاقه وإنما بخلف الكاسب غيره في الملك اذا لم يكن هو من أهل الملك فأما إذا كان هو من أهل حقيقة الملك لا يملك غيره الكسب على وجه الخلافة عنه ولا يملكه ابتداء لأن ثبوت الملك ابتداء يستدعي سببا له ولم يوجد ذلك وإنما كان يتصرف في حال صغره بولايته عليه نظرا للولد لأنه كان عاجزا عن التصرف والنظر وقد زال هذا المعنى ببلوغه فلهذا لا ينفذ تصرفه فيه ( ألا ترى ) أن تصرفه في نفسه بالتزويج كان ينفذ قبل بلوغه لحاجته إلى ذلك ثم لا ينفذ بعد البلوغ لانعدام الحاجة فكذلك في ماله . وإذا باع الرجل متاعا لرجل وهو حاضر ساكت لم يجز ذلك عليه عندنا وقال ابن أبي ليلى سكوته إقرار بالبيع أي هو بمنزلة الإجازة فينفذ به البيع لنفسه لأنه لو لم يتعين جهة الرضا بسكوته تضرر به المشتري وصار المالك بسكوته كالغار له والغرور حرام والضرر مدفوع فهو قياس سكوت المولى عن النهي عند رؤيته تصرف العبد أنه يجعل إذنا له في التجارة لهذا المعنى ولأن العادة أن صاحب المال لا يسكت إذ رأى غيره يبيع ما أمر بتسليمه ولم يكن من قصده الرضا به فباعتبار العادة يجعل سكوته دليل الرضا وكذلك لا يحل له السكوت شرعا إذا لم يكن من قصده الرضا وفعل المسلم محمول على ما يحل شرعا فجعل سكوته دليل الرضا لهذا كما جعل الشرع سكوت البكر رضا منها بالنكاح وحجتنا في ذلك أن سكوته محتمل قد يكون بطريق الرضا وقد يكون بطريق التهاون وقلة الالتفات إلى تصرف الفضولي وقد يكون بطريق التعجب أي لماذا يفعل هذا في ملكه بغير أمره وإلى ماذا تؤول عاقبة فعله والمحتمل لا يكون حجة وملك المالك ثابت في العين بيقين فلا يجوز إزالته بدليل محتمل وهذا .
هو القياس فيما استشهد به من سكوت المولى وسكوت البكر إلا أنا تركنا القياس في سكوت البكر بالنص وهذا ليس في معنى ذلك فإن الحياء يحول بينها وبين التصريح بالإجازة هناك وليس هنا ما يحول الحياء بينه وبين النطق ولو تعين جهة الرضا في سكوت المولى لم يلزمه بذلك شيء لأن بمجرد الإذن للعبد في التجارة لا يجب على المولى شيء ولا يبطل ملكه عن شيء فإنه يتمكن من الحجر عليه قبل أن يلحقه دين وهنا لو تعين جهة الرضا زال ملك المالك ولزمه حكم تصرف الفضولي وحاصل هذا الكلام أن هناك لو لم يجعل السكوت رضا تضرر به من عامل العبد ولو جعلنا السكوت إذنا لم يتضرر به المولى في حال فرجحنا جانب دفع الضرر وهنا لو جعلنا السكوت رضا تضرر به المالك ولزمه حكم تصرف الفضولي لأن ملكه يزول ولو لم نجعله رضا تضرر به المشتري فرجحنا جانب المالك لأن حقه في العين أسبق والمشتري هو المقر حين لم يسأل المالك أن البائع وكله أم لا واعتمد سكوتا محتملا ثم الحاجة هنا إلى التوكيل لأن المتصرف يكون نائبا عن المالك ولهذا يرجع عليه بما لحقه من العهدة والتوكيل بالسكوت لا يثبت فأما الإذن في التجارة إسقاط من المولى حقه في المنع من التصرف فإن العبد لا يصير نائبا عن المولى في التصرف ولهذا لا يرجع عليه بالعهدة وسكوته اعراض منه عن الرد فيمكن أن يجعل اسقاطا لحقه بمنزلة التصريح بالاذن وإذا باع لرجل نصيبا في دار غير مقسوم فقد بينا هذه المسألة بوجوهها في آخر الشفعة ولكن هناك ذكر قول أبي يوسف وحده وان البيع جائز ان لم وإذا باع لرجل نصيبا في دار غير مقسوم فقد بينا هذه المسألة بوجوهها في آخر الشفعة ولكن هناك ذكر قول أبي يوسف وحده وإن البيع جائز إن لم يعلم المشتري بنصيب البائع وله الخيار إذا علم به وذكر هنا قول محمد مع قول أبي يوسف فعن محمد فيه روايتان قال ابن أبي ليلى : إذا كانت الدار بين اثنين أو ثلاثة أجزت بيع النصيب وإن لم يسم وإن كانت سهاما كثيرة لم أجزه حتى يسمى لأن عند كثرة الشركاء تتفاحش الجهالة والتفاوت إذا لم يكن نصيب البائع معلوما للمشتري وعند قلة الشركاء يقل التفاوت والجهالة وفي البيع تفصيل بين الجهالة المتفاحشة والجهالة اليسيرة ( ألا ترى ) أن بيع أحد الأثواب الثلاثة مع اشتراط الخيار للمشتري إذا سمي ثمن كل ثوب منها يجوز وفيما زاد على الثلاثة لا يجوز وكان ذلك باعتبار تفاحش الجهالة وقلة الجهالة ولكنا نقول البيع إنما يتناول نصيب البائع وذلك لا يختلف بكثرة الشركاء وقلة الشركاء فقد يقل نصيبه مع قلة الشركاء وقد يكثر نصيبه مع كثرة الشركاء فلا معنى للفرق بينهما والمعنى الذي لأجله لا يجوز العقد عند كثرة الشركاء جهالة المعقود عليه على وجوده تفضي إلى المنازعة بين البائع وبين المشتري وهذا المعنى موجود عند قلة الشركاء فالمشتري يقول نصيب البائع النصف والبائع يقول نصيبي من الدار العشر فلهذا لا يجوز العقد وشراء أحد الأثواب مستحسن من القياس فلا يقاس عليه غيره ثم الجهالة هناك لا تفضي إلى المنازعة إذا شرط الخيار للمشتري وإذا ختم الرجل على شراء لم يكن ذلك تسليما للبيع عندنا وقال ابن أبي ليلى هو تسليم للبيع وبيان هذا أن الرجل إذا شهد على بيع الدار فكتب شهادته وختمها ثم ادعى بعد ذلك أن الدار له وأقام البينة فإن بينته تكون مقبولة على المشتري عندنا ويقضى له بالملك وقال ابن أبي ليلى : الدار سالمة للمشتري وهذا بناء على ما تقدم فإن على أصله لما جعل السكوت من المالك رضي بالبيع فختم الشهادة أولى أن يكون رضا بالبيع قال : كتبه الشهادة للتوثق وهذا التوثق إنما يحتاج إليه إذا صح شراؤه فيجعل إقدام الشاهد على ذلك إقرارا منه بصحة شراء المشتري ولكنا نقول كتبه الشهادة محتمل قد يكون على وجه تسليم المبيع وقد يكون للتعجب حتى ينظر كيف يقدر البائع على تسليم ملكه أو تحمل الشهادة على معنى التوثق إذا بدا له أن يجيز المبيع أو يحتمل أن يكون الشاهد لم يعلم عند تحمل الشهادة أن المبيع داره فلعله ظن أن المبيع دارا أخرى حدودها توافق حدود داره وبالمحتمل لا يزول الملك فلا يجعل ذلك تسليما منه للبيع وإذا بيع الرقيق أو المتاع في عسكر الخوارج وذلك من مال أهل العدل غلبوهم عليه لم يجز البيع عندنا وقال ابن أبي ليلى : هو جائز وإن قتل الخوارج قبل أن يبيعوه وهو بعينه رد على أهله عندهم جميعا فابن أبي ليلى جعل منعه للخوارج كمنعه أهل الحرب باعتبار أن المقابلة بين الفريقين تتناول الدين والتأويل الذي للخوارج أقرب إلى الصحة من تأويل الكفار فإذا كان هناك باعتبار المنعة والتأويل يملكون ما أخذوا من أموال المسلمين حتى ينفذ .
تصرفهم فيه فكذلك الخوارج يملكون ذلك حتى ينفذ تصرفهم فيه إلا أنه إذا قتل الخوارج فلم يبق لهم منعة وثبوت هذا الحكم كان باعتبار المنعة فإذا لم يبق وجب ردها على أهلها وبهذا لا يستدل على أنهم لا يملكونها كما لو استولى المشركون على أموال المسلمين ثم وقعت في الغنيمة فوجدها أصحابها قبل القسمة ردت عليهم محاباة وإن كان المشركون قد ملكوها فهذا مثله والدليل على التسوية أن الخوارج لا يضمنون ما أتلفوا من أموال أهل العدل ونفوسهم كما لا يضمن أهل الحرب ذلك للمسلمين فإذا سوى بين الفريقين في حكم الضمان فكذلك في حكم الملك وحجتنا في ذلك أن حكم الإسلام ثابت في حق الخوارج فهذا استيلاء المسلم على مال المسلم فلا يوجب الملك كغصب بعض المسلمين مال بعضهم وتقرير هذا الكلام أن منعة الخوارج من جملة دار الإسلام والملك بطريق القهر لا يثبت ما لم يتم القهر وتمامه بالإحراز بدار تخالف دار صاحب المال وذلك لا يوجد بعد إحراز الخوارج المال بمنعتهم بخلاف أهل الحرب فإن قهرهم يتم بالإحراز بدارهم وما كان منعة الخوارج في دار الإسلام إلا كمنعة أهل الحرب في دار الإسلام وهم لا يملكون أموالنا ما داموا في دارنا وإن كانوا ممنعين فكذلك الخوارج فلا فرق فإنا لو قدرنا على الخوارج استبيناهم ورددنا المال على صاحبه كما لو أنا قدرنا على أهل الحرب في دار الإسلام عرضنا عليهم الإسلام ورددنا المال على صاحبه يوضحه أن المال ما دام محرزا بدار الإسلام لا يملك بالقهر لأنه بالإحراز معصوم والقهر يوجب الملك في محل مباح لا في محل معصوم ( ألا ترى ) أن الصيد المباح يملك بالأخذ والصيد المملوك لا يملك بالأخذ فبإحراز المشركين المال بدراهم يبطل حكم الإحراز والعصمة في ذلك المال فلهذا لا يملكونه بإحراز الخوارج المال بمنعتهم ولا يبطل حكم الإحراز والعصمة في ذلك المال فلهذا لا يملكونه ولهذا لو قتل الخوارج وهو باق بعينه رد على صاحبه ولو صار ذلك مملوكا لهم لكان ميراثا عنهم إذا قتلوا فأما سقوط الضمان فهو حكم ثبت باتفاق الصحابة بخلاف القياس على ما روي عن الزهري قال : وقعت الفتنة وأصحاب رسول الله A متوافرون فاتفقوا على أن كل دم أريق