( قال Bه ) اعلم بأن القاتل بغير حق لا يرث من المقتول شيئا عندنا سواء قتله عمدا أو خطأ وقال مالك إن قتله خطأ فله الميراث لا من الدية وأما في العمد لاميراث له لما روي أن النبي A قضى بأن لا ميراث للقاتل وعن عمر Bه قال لا ميراث لقاتل وعند عبيدة السلماني Bه لا ميراث لقاتل بعد صاحب البقرة يعني بقرة بني إسرائيل وهو الإشارة إلى المعنى فذلك القاتل قصد استعجال الميراث فصار أصلا أن كل قاتل قصد استعجال الميراث ولو توهم في القتل العمد ذلك منه فإنه يحرم الميراث عقوبة له أورد القصده عليه فهذا المعنى موجود في القاتل العمد فأما في الخطأ قال مالك لم يوجد منه القصد إلى قتل مورثه واستعجال الميراث ينبني على ذلك ثم الخاطئ معذور فلا يستحق العقوبة والخطأ موضوع رحمة من الشرع فلا يثبت به حرمان الميراث إلا أنه لا يرث من الدية لأن عاقلته يتحملون عنه الدية فلو ورث من ذلك لتحملوا عنه وذلك لا يجوز وحجتنا في ذلك أن الحرمان جزاء القتل المحظور شرعا والقتل من الحاطئ محظور لأن ضد المحظور المباح والمحل غير قابل للقتل المباح إلا جزاء على جريمة وكما لا يتصور الفعل في غير محل لا يتصور المباح في غير محل الإباحة فقلنا إن هذا القتل محظور ولهذا تتعلق به الكفارة وهي ساترة للذنب ومع كونه موضوعا شرعا لما جاز أن يؤاخذ بالكفارة فكذلك جاز أن يؤاخذ بحرمان الميراث وهذا لأن تهمة القصد إلى الاستعجال قائمة فمن الجائز أنه كان قاصدا إلى ذلك وأظهر الخطأ من نفسه فيجعل هذا التوهم كالمتحقق في حرمان الميراث وكذلك كل قاتل هو في معنى الحاطئ كالنائم إذا انقلب على مورثه لتوهم أنه كان يتناوم وقصد استعجال الميراث وكذلك إن سقط من سطح على مورثه فقتله أو وطئ بدابته مورثه وهو راكبها لأنه مباشر للقتل فإنما مات المقتول بفعله وبتوهم قصده إلى الاستعجال فكان القاضي الجليل C يقول الدابة في يد راكبها يسيرها كيف يشاء فهي بمنزلة حجر في يده وخرجه على مورثه فتقله فأما القاتل بسبب كحافر البئر وواضع الحجر في الطريق ومن أخرج ظلة أو جناحا فسقط على مورثه فقتله فإنه لا يحرم من الميراث عندنا وعلى قول الشافعي يحرم الميراث لأنه قاتل بغير حق ودليل كونه قاتلا وجوب الدية على عاقلته بمنزلة الحاطئ ولكنا نقول ليس هنا يوهم القصد إلى الاستعجال لأنه بما أحد من السبب لم يقصد قتل مورثه ولا يدري أن مورثه يمر في ذلك الموضع ويقع في البئر أو يسقط عليه الجناح ثم حرمان الميراث جزاء مباشرة القتل المحظور وهذا المسبب ليس بقاتل ( ألا ترى ) أنه لو فعل هذا في ملكه لم يكن مؤاخذا بشيء والقاتل مؤاخذ بفعله سواء كان في ملكه أو في غير ملكه كالرامى ولأن القتل لا يتم إلا بمقتول وقد انعدم المقتول عند الحفر فلا يصير هو بالحفر قاتلا ولا يجوز أن يصير قاتلا عند الوقوع لأن الحافر قد يكون ميتا عند وقوع الواقع في البئر فكيف يكون الميت قاتلا وإذا ثبت أنه ليس بقاتل لم يكن عليه جزاء القتل من حرمان الميراث والكفارة ووجوب الدية عليه لصيانة دم المقتول عن الهدر وذلك لا يدل على أنه قاتل كما أن الدية تجب على العاقلة ولا تدل على أن العاقلة قاتلون وأما الصبي والجنون إذا قتل مورثه لم يحرم الميراث عندنا وعند الشافعي يحرم الميراث لوجود القتل بغير حق وأكثر ما في الباب أن يكون فعلهما كفعل الحاطئ والحاطئ يحرم الميراث فكذلك الصبي والمجنون ولكنا نقول هذا جزاء القتل المحظور وفعلهما لا يوصف بالحظر شرعا لأن الفعل المحظور ما يجب الامتناع عنه بخطاب الشرع وذلك لا يثبت في حقهما ثم حرمان الميراث باعتبار توهم القصد إلى الاستعجال ولا يعتبر بقصد الصبي والمجنون شرعا إذ حرمان الميراث إنما يكون باعتبار تقصير منه في التحرز وذلك يتحقق من الحاطئ لأنه من أهل أن ينسب إلى التقصير ولا يتحقق من الصبي والمجنون فإنهما لا ينسبان إلى التقصير شرعا فأما الأب إذا ختن ولده أو حجمه أو بط قرحة به فمات من ذلك لم يحرم الميراث لأن هذا فعل مباح له شرعا وحرمان الميراث جزاء القتل المحظور فهو وما لو قتل مورثه بحق سواء ولو أدب ولده بالضرب فمات من ذلك فعلى قول أبي حنيفة يضمن ديته ويحرم الميراث وعلى قول أبي يوسف ومحمد لا يضمن شيئا ولا يحرم عن الميراث ولو أن المعلم هو الذي ضربه بإذن الأب فمات لم يضمن شيئا بالاتفاق قال C وهذا عند أبي حنيفة ترك لقوله قبل هذا من دعوى المناقضة على قول أبي حنيفة وقيل بل هو استدلال على رجوعه عن جوابه في الفصل الأول وهذا هو الأصح قان المعلم لو أدبه بغير إذن أبيه فمات كان ضامنا فإذا أدبه بإذنه لم يضمن فلما كان لأمره تأثير في إسقاط الضمان عن المعلم عرفنا أنه لا يجب عليه الضمان إذا ضربه بنفسه وهذا لأن التأديب .
يباح له شرعا كالختان والحجامة ومن حمل المسألة على الاختلاف فوجه قولهما هذا ووجه قول أبي حنيفة لأن الأب إنما يؤدب ولده لمنفعة نفسه وما يباح للمرء شرعا لمنفعة نفسه يتقيد بشرط السلامة كتعزير الزوج زوجته والرمي إلى الصيد والمشي في الطريق وبيان الوصف أن الأب لا يعزر بسوء أدب ولده وإنما يزجره عن ذلك لدفع العار واللوم عن نفسه وبه فارق المعلم فإنه لا يؤدب الصبي لمنفعة نفسه فإذا صار مباحا له شرعا لم يتقيد عليه بشرط السلامة وبه فارق الختان والحجام لأن ذلك لمنفعة الولد فإن الطهرة به تحصل للولد لا للأب فلهذا لا يتقيد بشرط السلام بل يجعل فعل الآمر به كفعله بنفسه يوضحه أن الأب يغيظه سوء أدب ولده وربما يحمله الغيظ على المبالغة في تأديبه وترك الاحتياط فلهذا يتقيد بشرط السلام وهذا المعنى لا يوجد في الختان والحجامة ولا في المعلوم إذ أدبه بإذن الأب ثم دية المقتول تكون ميراثا عنه لجميع ورثته كسائر أمواله عندنا ومن الناس من قال ليس للزوج والزوجة من الدية نصيب لأن وجوب الدية بعد الموت والزوجية ترتفع بالموت بخلاف القرابة ولكنا نستدل بحديث الضحاك أن شيبان الكلابي Bه قال أمرني رسول الله A أن أورث امرأة اشيم الضبابي من عقل زوجها اشيم ولأن الدية مال الميت حتى تقضى بها ديونه وتنفذ منها وصاياه فيرثها عنه من يرث سائر أمواله وإنما استحقاق الميراث باعتبار زوجية قائمة إلى وقت الموت منتهية بالموت لا باعتبار زوجية قائمة في الحال وفي هذا المعنى الدية بمنزلة سائر الأموال إذا عرفنا هذا فنقول ثلاثة إخوة قتل أحدهم أباه عمدا فللباقيين أن يقتلاه لأن السبب الموجب للقود وهو العمد قد تحقق منه ولا نصيب له في ذلك لأن القاتل محرم عن الميراث فإن مات أحد الأخوين الباقيين لم يكن للباقي أن يقتله لأن نصيب الميت من القصاص صار ميراثا بموته بين إخوته والقاتل يرث أخاه لأنه ليس بقاتل له فلا يحرم الميراث عنه وإذا ورث جزأ من القصاص الواجب عليه سقط ذلك وانقلب نصيب الآخر مالا فعليه ثلاثة أرباع الدية في ماله للأخ الباقي في ثلاث سنين ( ألا ترى ) أنه لو عفا أحدهما انقلب نصيب الآخر مالا فكذلك إذا سقط جزء من القصاص عن القاتل باعتبار أنه ملكه بالميراث ولو أن أخوين وأختا لأب وأم قتل أحد الأخوين الأم عمدا والزوج وارث معهم وهو أبوهم فللأخ الباقي والأخت والزوج أن يقتلوا القاتل لأن القاتل محروم عن ميراث أمه بالقتل وإن لم يقتلوه حتى مات الأخ الباقي فللأخت والزوج أن يقتلا القاتل لأن الأخ الباقي مات عن أخت وأخ وأب فيكون نصيبه للأب والأخت ولا شي للأخ من نصيبه فلا يرث القاتل شيئا من القصاص بموت أخيه فإن مات الأب بعد ذلك لم يكن للأخت أن تقتله لأن نصيب الأب من القصاص صار ميراثا بين القاتل وأخته فلا يكون محروما عن ميراثه ويكون لها عليه نصف الدية لأن الأب كان ورث من امرأته الربع وهو ثلاثة من اثني عشر وما بقي وهو تسعة بين الأخ والأخت أثلاثا للأخ ثلثاه ستة وللأخت ثلاثة فلما مات الأخ صار نصيبه للأب فإنما مات الأب عن تسعة فيكون ذلك بين الابن والابنة أثلاثا للابن ستة وللابنة ثلاثة فعرفنا أنه اجتمع للأخت ستة من اثني عشر وذلك النصف فلهذا كان لها عليه نصف الدية ولو أن أخوين وأختا قتل أحد الإخوين أباهم وقتل الآخر أمهم فإن قاتل الأم يقتل قاتل الأب مع الأخت ولا يقتله قاتل الأب لأنه كان مستوجبا للقصاص وللأم من ذلك نصيب فلما قتل الآخر الأم صار بعض ذلك ميراثا منها لقاتل الأب لأنه ليس بقاتل للأم فلهذا سقط عنه القصاص وقاتل الأم قد لزمه القصاص ولم يسقط عنه شيء من ذلك بملكه فيقتل قصاصا ويغرم قاتل الأب للأخت ثمانية وثلاثين سهما من اثنين وسبعين سهما من الدية لأن الأب خلف امرأة وابنا وابنة فتكون القسمة من أربعة وعشرين المرأة ثلاثة وللابن أربعة عشر وللابنة تسعة فحين قتل الآخر الأم فنصيبها ميراث بين قاتل الأب والابنة أثلاثا فحصل للابنة ثمانية ثم لما قتل قاتل الأم قصاصا صار نصيبه وهو أربعة عشر ميراثا بين الأخ والأخت أثلاثا وهو لا يستقيم فتضرب أربعة وعشرين في ثلاثة فتكون اثنين وسبعين وكان للابنة ثمانية مضروبة في ثلاثة فذلك أربعة وعشرون وكان الذي لا يستقيم بينها وبين الابن أربعة عشر مضروبة في ثلاثة فتكون اثنين وأربعين لها من ذلك الثلث أربعة عشر فإذا ضممت أربعة عشر إلى أربعة وعشرين تكون ثمانية وثلاثين فلهذا قال يغرم لها ثمانية وثلاثين سهما من اثنين وسبعين سهما من الدية ويبطل عنه ما سوى ذلك ستة بالميراث عن أمه وثمانية وعشرون بالميراث عن أخيه والله أعلم