( قال رضي لله عنه ) اعلم بأن الولاء نوعان ولاء عتاقة وولاء موالاة فصورة ولاء العتاقة أن يعتق الرجل عبدا أو أمة فيصير المعتق منسوبا إلى المعتق بالولاء ويسمى هذا ولاء النعمة وولاء العتاقة وبهذا الولاء يرث الأعلى من الأسفل ولا يرث الأسفل من الأعلى شيئا ويستوي إن كان أعتقه لوجه الله تعالى أو لوجه السلطان أو أعتقه سائبة أو بشرط أن لا ولاء عليه ويستوي إن أعتقه بجعل أو بغير جعل أو بطريق الكتابة وقال مالك أن أعتقه لا لوجه الله تعالى أو بشرط أن لا ولاء له عليه فلا لأن هذه صلة شرعية يعني ميراث المعتق من المعتق إنما يستحق هذه الصلة من يعتق لوجه الله تعالى فأما المعتق لوجه السلطان جان في قصده فيحرم هذه الصلة والذي يصرح بنفي الولاية يكون مراده لهذه الصلة فلا يكون مستحقا لها نظيره الرجعة عقيب الطلاق لما كان ثبوته شرعا بطريق النظر لم يثبت عنده التصريح بالحرمة والبينونة فهذا مثله وحجتنا في ذلك أن السبب متحقق مع قصده وشرطه وهذا الاعتاق والحكم يتبع السبب والدليل على أن السبب الاعتاق قوله عليه السلام الولاء لمن أعتق ومر رسول الله A بعبد فساومه ولم يشتره ثم مر بآخر فساومه فاشتراه وأعتقه فقال عليه السلام هو أخوك ومولاك ولم يستفسره إنه أعتقه لوجه الله تعالى أو أعتقه سائبة ولأن المعنى الذي لأجله يثبت الولاء يختلف بهذه الأسباب وهو أن المعتق مسبب لإحياء المعتق لأن الحرية حياة والرق تلف فإن الحرية تثبت صفة المالكية التي بها امتاز الآدمى من سائر الحيوانات فكان المعتق سببا لإحياء المعتق كما أن الأب سبب لإيجاد الولد فكما أن الولد يصير منسوبا إلى أبيه بالنسب فالمعتق يصير منسوبا إلى معتقه بالولاء وهذا معنى قوله عليه السلام الولاء لحمة كلحمة النسب وإليه أشار الله تعالى في قوله وإذ يقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه الآية أي أنعم الله عليه بالإسلام وأنعمت عليه بالإعتاق فإن الكافر في معنى الميت قال الله تعالى : { أو من كان ميتا فأحييناه } فبالإسلام يحيا حكما والرقيق في حكم الهالك فبالعتق يحيا حكما فالمسبب لإحيائه يكون منعما عليه وإذا ثبت أن المعنى الذي لأجله ثبت الولاء لا يختلف باعتبار هذه المعاني قلنا لا يختلف الحكم أيضا ثم الولاء بمنزلة النسب لا يورث عنه ولكن يورث به عندنا وكان إبراهيم النخعي يقول الولاء جزء من الملك يورث عنه كسائر أجزاء الملك قال لأنه ليس للمولى على مملوكه شيء سوى الملك والاعتاق إبطال للملك فلا يجوز أن يكون مثبتا شيئا آخر سواه ولكن يجوز أن يكون مبطلا بعض الملك غير مبطل للبعض فما يبقى يكون جزءا من الملك ولكنا نستدل بقوله عليه السلام الولاء لحمة كلحمة النسب والنسب لا يورث عنه وإنما يورث به ثم الاعتاق ابطال للملك ومع إبطال الملك لا يجوز أن يبقى شيء من الملك ولكنه احداث لقوة المالكية وذلك بمنزلة إحيائه حكما فيعقب ذلك المعنى الولاء بمنزلة النسب ثم المروى عن عمر وعلي وابن مسعود وزيد أنهم قالوا الولاء للكبر وزعم بعض العلماء بظاهر هذا اللفظ أن الولاء لا كبر بني المعتق بعده وقال الأكبر قائم مقام الأب في الذب عن العشيرة ورسول الله A قدم الأكبر بقوله الكبر فيقدم أكبر البنين في استحقاق الولاء لهذا والمذهب عندنا أن المراد بالأكبر الأقرب يعني أن أقرب البنين أولى باستحقاق الميراث بالولاء حتى إذا مات المعتق عن ابن وابن ابن فالولاء للابن خاصة دون ابنه في قول وكذلك إن مات المعتق عن ابن وابن ابن فالولاء للإبن خاصة دون ابنه في قول وكذلك إن مات عن ابن ابن وابن ابن ابن فالميراث بالولاء لابن الابن خاصة لأنه أقرب فإن مات المعتق عن أب وابن فميراثه لابن المعتق خاصة دون أبيه في قول زيد وسعيد بن المسيب وهو قول أبي حنيفة ومحمد وأبي يوسف الأول وفي قول إبراهيم للأب السدس والباقي للابن وهو قول أبي يوسف الآخر لأن استحقاق الولاء بالعصوبة والأب في حكم العصوبة كالابن فإنه ذكر يتصل بالميت بغير واسطة كالابن إلا أن الابن مقدم عليه شرعا في ميراثه لأن الأب لا يصير محروما عن ميراثه لو قدمنا الابن بالعصوبة فإنه يستحق بالفرضية فأولى الوجوه أن يجعل ميراث المعتق كميراث المعتق ويجعل كان المعتق الذي استحق ذلك ثم يخلفه في ذلك أبوه وابنه فيكون مقسوما بينهما أسداسا وجه قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله أن البنوة في العصوبة مقدمة على الأبوة فما كان الأب مع الابن في حكم العصوبة إلا نظير الأخ مع الأب فإن الأخوة لما كانت دون الأبوة في العصبة لم يكن للأخ من الميراث بالولاء شيء مع الأب وكذلك الأخوة لأب وأم لما كانت مقدمة في العصوبة على الأخ لأب لم يكن للأخ لأب شيء من الميراث بالولاء مع الأخ لأب وأم فأما ميراث المعتق فإنما استحق الأب السدس منه بالفرضية وبالفرضية يستحق الميراث بالولاء ( ألا .
ترى ) أن المعتق إذا مات عن ابن وابنه لا يكون للابنة من ميراث المعتق شيء لأنها صاحبة فرض وإنما تصير عصبة تبعا للابن ولا تثبت المزاحمة للتبع مع الأصل فيما يستحق بغلبة الأصل فإن أعتقت المرأة عبدا فهي في استحقاق ميراثه بالولاء كالرجل لأن السبب وهو الاعتاق قد تحقق منها وبعد تحقق السبب الرجل والمرأة في الاستحقاق سواء فإن أعتق معتقها عبدا أو أمة فهي تستحق من معتق معتقها ما يستحق الرجل لأن الثاني صار منسوبا إليها بالولاء كالأول عن معنى أن الثاني منسوب بالولاء إلى الأول والأول منصوب بالولاء إليها فلاتحاد سبب الإضافة جعل الثاني كالأول بخلاف ما إذا أعتق أبوها عبدا لأن المعتق منسوب إلى أبيها بالولاء وهي تنسب إلى الأب بالعصوبة لا بالولاء فلما اختلف السبب لم يكن مولى الأب مضافا إليها فلا تكون عصبة له والأصل فيه ما روي عن رسول الله A أنه قال لا يرث بالولاء من النساء إلا ما أعتقن أو عتق من أعتقن أو كاتبن أو كاتب من كاتبن أو جر ولاء معتق معتقهن إذا عرفنا هذا جئنا إلى بناء المسائل فنقول امرأة عتقت عبدا ثم ماتت وتركت ابنا هو من غير قومها وابن عم لها ثم مات المعتق فإن ميراثه لابنها لأنه أقرب عصبة لها ولو جنى جناية كان عقل جنايته على ابن العم دون الابن به قضى عمر Bه فإن صفية بنت عبدالملك أعتقت عبدا ثم ماتت فاختصم في ولاء معتقها علي والزبير إلى عمر فقال علي أنا أعقل جنايته على ميراثه وقال الزبير مولى أمي فلي ميراثه فقضى عمر بالميراث للزبير وجعل عقل الجناية على علي Bهم وكان المعنى فيه أن استحقاق الميراث بالعصوبة والابن مقدم في ذلك على ابن العم فأما عقل الحناية فبالتناصر ( ألا ترى ) أن أهل الديوان يتعاقلون بالتناصر ولا ميراث بينهم ولا عصوبة والتناصر إنما يكون لها ولمولاها بقوم أبيها لا بأبيها فلهذا كان عقل الجناية عليهم ولو أن امرأة لشترت عبدا فاعتقته ثم مات المعتق عن ابنه فلها النصف والباقي للمعتقة بالعصوبة لما روي أن ابنة حمزة Bها أعتقت عبدا ثم مات المعتق عن ابنة فجعل رسول لله A ميراثه نصفين نصفا لابنته ونصفا لابنة حمزة وفيه دليل على أن مولى العتاقة عصبة مقدم على الرد وعلى ذوي الأرحام وقد بينا خلاف ابن مسعود في هذا فإن اشترت المرأة أباها فعتق عليها استحقت ولاءه لأنها صارت معتقة له بالشراء فإن شراء القريب اعتاق فإن مات الأب بعد ذلك كان لها المال نصفه بالفرضية ونصفه بالعصوبة بالولاء وإنما يتبين هذا فيما إذا كان معها ابنة أخرى فإنه يكون لهما الثلثان والباقي للمشترية بالعصوبة خاصة ولو جن الأب جنونا مطبقا كان للمشترية أن تزوجه بولاية الولاء وهذه من أعجب المسائل أن يثبت للابنة على ابنها ولاية التزيج . ولو أن مملوكا له ابنتان اشتريا الاب فعتق عليهما ثم أن أحديهما مع الأب اشتريا ابنا للأب فعتق عليهما ثم مات الأب فإنما مات عن ابن وابنتين فالميراث بينهم للذكر مثل حظ الانثيين ولا شيء للولاء فإن مات الابن بعد ذلك فإنما مات عن اختين وعن ولاء ثابت عليه لشخصين أحدهما ميت وهو الأب والآخر حي فللأختين الثلثان والثلث الباقي يكون نصفين نصفه للمشترية مع الأب ونصفه للأب بالولاء فيكون بين الابنتين نصفان للولاء الثابت لهما على الأب فإن المرأة ترث معتق معتقها بالولاء كما ترث معتقها فيكون أصل الفريضة من ثلاثة ثم يكسر بالإنصاف مرتين فإذا أضعف ثلاثة مرتين يكون اثني عشر فمنه تصح المسألة لهما ثمانية بالأختية وللابنة المشترية سهمان بولاء نفسها وسهمان بولاء الأب بينهما نصفان فإن كن ثلاث بنات اشترى بنتين منهما أباهما ثم إن الأب مع الثالثة التي لم تشتر الأب اشتريا ابنا له ثم مات الأب فقد مات عن ابن وثلاث بنات فيكون المال بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن مات الأخ بعد ذلك فإنما مات عن ثلاث أخوات وعن ولاء ثابت عليه لشخصين أحدهما ميت وهو الأب والآخر حي فيكون لهن الثلثان بينهن أثلاثا لا يستقيم والباقي وهو سهم بين الولاء نصفين لا يستقيم ثم نصيب الأب بين الابنتين بالولاء لا يستقيم فتضرب ثلاثة في ثلاثة فتكون تسعة ثم تضعف تسعة مرتين فتكون ستة وثلاثين منه تصح المسألة للبنات الثلثان أربعة وعشرون كل ابنة ثمانية وللمشترية نصف الباقي بولاء نفسها وذلك ستة وللتين اشتريا الأب النصف الباقي وهو ستة بينهما نصفان فحصل لكل واحدة منهما أحد عشر وللأخرى أربعة عشر فاستقام فإن اشترى الأب مع إحدى الابنتين المشتريتين له ومع الابنة الثالثة الأخ فعتق عليهم جميعا ثم مات الأب ثم مات الأخ بعده فإنما مات عن ثلاث أخوات وعن ولاء ثابت عليه .
لأشخاص ثلاثة اثنان منهم حيان والثالث وهو الأب ميت فيكون لهن الثلثان بالأختية والثلث الباقي يقسم أثلاثا لكل واحدة من اللتين اشتريا الأخ ثلث هذا الباقي بولاء نفسها وثلث هذا الثلث بين المشتريتين للأب نصفين بولاء الأب فتصح القسمة من ستة وثلاثين أيضا لهن الثلثان والباقي وهو اثنا عشر بينهن أثلاثا فقلت الذي هو نصيب الأب بين المشتريتين له لكل واحدة سهمان فإن اشترى الابنتان أباهما ثم أب الأب مع أحديهما والأخرى التي لم تشتر الأب اشتروا أخا لهما ثم أربعتهن جميعا مع الأب والأخ اشتروا أمهم وهي امرأة الأب ثم مات الابن فإنما مات عن ابن وثلاث بنات فيكون الميراث بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين ( فإن قيل ) فقد مات عن امرأة أيضا قلت لا كذلك فالنكاح قد فسد حين ملك الأب جزء أمها فإن مات الأخ بعد ذلك فإنما مات عن أم وثلاث أخوات وولاء ثابت عليه لثلاثة نفر اثنان منهم حيان وواحد ميت فيكون للأم السدس وللأخوات الثلثان والباقي وهو السدس يكون بالولاء أثلاثا لكل ابنة ثلثا ذلك بين المشتريتين للأخ والثلث الآخر حصة ولاء الأب من المشتريتين وتستقيم المسألة من ستة وثلاثين أيضا لأن الباقي يقسم أثلاثا وثلثه ينقسم نصفين فيستقيم نصفين فيستقيم التخريج منه فإن ماتت الأم بعد ذلك فإنما ماتت عن ثلاث بنات وعن ولاء ثابت عليها لخمسة نفر ثلاثة منهم أحياء واثنان ميتان الأب والابن فيكون للبنات الثلثان وما بقي ينقسم بالولاء أخماسا فانكسر بالأثلاث والأخماس فالسبيل أن تضرب خمسة في ثلاثة فتكون خمسة عشر ثم خمس الثلث الذي هو نصيب الابن ينكسر أثلاثا بالولاء الذي عليه فتضرب خمسة عشر في ثلاثة فتكون خمسة وأربعين منه تصح المسألة للبنات الثلثان ثلاثون وما بقي وهو خمسة عشر ينقسم بالولاء أخماسا لكل بنت ثلاثة باعتبار ولاء نفسهما وثلاثة باعتبار ولاء الابن فيكون مقسوما أثلاثا للمشتريتين للابن مع الأب لكل واحدة سهم وسهم للأب بولاء الابن وثلاثة أسهم له بولاء الأم ثم هذه الأربعة بين المشتريتين للأب نصفين بولائهما عليه لكل واحدة سهمان فحصل لكل واحدة من هاتين مرة عشرة ومرة ثلاثة ومرة سهمان فذلك خمسة عشر وللتي اشترت الابن مع هذا سهم آخر فذلك ستة عشر وللتي لم تشتر الأب عشرة بالنسب وثلاثة بولاء نفسها وسهم بولاء الابن فذلك أربعة عشر فإذا جمعت بين هذه السهام كانت خمسة وأربعين فاستقام التخرج والله أعلم .
فصل في ولاء الموالاة .
( قال Bه ) اعلم أن عقد الموالاة جائز يستحق به الميراث إذا لم يكن هناك أحد من القرابات ولا مولى لعتاقة عندنا وهو مذهب عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس وابن عمر رضوان لله عليهم أجمعين وعلى قول الشافعي هو باطل لا يستحق به الميراث وهو مذهب زيد وزعم بعضهم أنه قول علي رضي لله عنه أيضا فإن رجلا أتاه يسأله أن يعاقدة عقد الموالاة فاؤه الرجل ابن عباس ووالاه ولكن ايتاء لا يدل على أنه لا يرى جواز هذا العقد وإنما تنبني هذه المسألة على مسألتين إحداهما الوصية بجميع المال ممن لا وارث له صحيح عندنا خلافا له ووجه البناء أن من لا وارث له فإنما يصرف ماله إلى بيت مال المسلمين والموصى له ساواهم في الإسلام وترجح بايجاب الموصى له فكان هو أولى عندنا فكذلك الذي عاقده عقد الموالاة وعند الشافعي وارث من لا وارث له جماعة المسلمين فكما لا يملك إبطال حق الورثة بالوصية بجميع المال لا يملك إبطال حق جماعة المسلمين والثاني أن أهل الديوان يتعاقلون بينهم عندنا خلافا له فلما كان إثبات الاسم في الديوان سببا لتحمل العقل فكذلك عقد الموالاة يكون سببا لتحمل العقل وإذا كان يتحمل به العقل يورث به أيضا لأن الغرم مقابل بالغنم وعلى سبيل الابتداء الشافعي احتج فقال إن الملك بطريق الوراثة ليس يثبت ابتداء وإنما يثبت على سبيل الخلافة فيبقى للوارث ما كان ثابتا للمورث ولهذا يرد الوارث بالعيب ويصير مغرورا فيما اشتراه مورثه وبالعقد يثبت الملك ابتداء بسبب مقصود إلا أن يبقى ما كان من المالك الأول فلا يمكن إثبات ملكه بطريق الخلافة هنا بعقد الموالاة لأنه عقد باشراه ابتداء ولا يمكن إثبات الملك ابتداء لأن ذلك لا يكون وراثة وهذا بخلاف الوصية فإن ملك الموصى له لا يكون خلقا عن ملك الموصى بل هو ملك ثبت ابتداء ولهذا لا يرد بالعيب ولا يصير مغرورا فيما اشتراه الموصى ولأن أسباب الإرث معلومة شرعا وعقد الموالاة ليس من تلك الأسباب وحجتنا في ذلك قوله تعالى : { والذين عاقدت إيمانكم فآتوهم نصيبهم } يعني نصيبهم من الميراث والمراد عقد الموالاة بدليل ما سبق من قوله D : { ولكل جعلنا موالى مما ترك الوالدان والأقربون } فكما أن المراد من ذلك بيان النصيب على سبيل الاستحقاق إرثا على سبيل البر والمعونة ابتداء فكذلك المراد بما جعله معطوفا عليه لأن حكم المعطوف حكم المعطوف عليه وليس المراد بقوله تعالى عاقدت أيمانكم القسم بل المراد الصفقة باليمين فإن العادة أن المتعاقدين يأخذ كل واحد منهما يمين صاحبه إذا عاقده ويسمى العقد صفقة لهذا وفي حديث تميم الداري Bه أنه سأل رسول الله A فقال إن الرجل ليأتيني فيسلم على يدي ويواليني فقال عليه السلام هو أخوك ومولاك فأنت أحق به محياه ومماته يعني محياه في تحمل عقل الجناية عنه ومماته في الإرث عنه والمعنى في المسألة أن خلافة الوارث الموروث في ملكه إنما كانت على سبيل النظر للمالك فإن الظاهر أن الإنسان يؤثر قرابته على الأجانب في هذه الخلافة ولهذا قدمنا الأقرب على الأبعد لأنه يؤثر الأقرب على الأبعد عادة فما دام هناك أحد من قرابته فقد وجد النظر من الشرع له فوقع الاستغناء عن نظره لنفسه وإذا لم يكن هناك أحد من القرابة فقد وقعت الحاجة إلى نظره لنفسه فإذا فعل ذلك وعقد عقد الموالاة مع إنسان كان ذلك منه تصرفا في خالص حقه على سبيل النظر منه لنفسه فيكون صحيحا بمنزلة الوصية بثلث ماله ( ألا ترى ) أن مثل هذا النظر منه لنفسه في حال حياته صحيح بتمليك المال من غيره بعوض وبغير عوض فكذلك في إثبات الخلافة لغيره بعد موته والحاصل أن كلام الخصم يرجع كله إلى عدم الدليل فإن إثبات هذه الخلافة بطريق العقد قصدا مشروع بالإتفاق وهو عقد النكاح فكأنه يقول لم يقم الدليل علي أن بعقد الموالاة تثبت الوراثة ونحن نقول بجعل هذا العقد قائما مقام ما ورد به الشرع من الأسباب لإثبات الخلافة بالدليل الذي قلنا ثم بمجرد الإسلام عل يدي غيره لا يصير مولى له ما لم يعاقده عقد الموالاة عندنا وقال بعضهم يصير مولى له وإن لم يعاقدة لقوله عليه السلام من أسلم على يد غيره فهو أخوه ومولاه وفي رواية فهو أحق به في حياته ومماته ولأن في الإسلام معنى الحياة حكما كما في العتق فكما أن المعتق يثبت له الولاء على المعتق باكتساب سبب إحيائه فكذلك الذي دعاه إلى الإسلام تثبت له الولاية عليه باكتساب سبب إحيائه ولكنا نقول في الحديث المروي زيادة فإنه قال عليه السلام من أسلم على يد غيره ووالاه فهذه الزيادة تبين أن بمجرد الإسلام على يده لا يصير مولى له والدليل عليه حديث تميم الداري فإنه قال أن الرجل ليأتيني فيسلم على يدي ويواليني فذلك أنه كان معروفا بينهم أن بمجرد الإسلام على يده لا تثبت الولاية عليه وهذا بخلاف ولاء العتق فإن .
سببه الاعتاق وإنما وجد ذلك من المعتق وهنا سبب حياته الإسلام وهو الذي أسلم بنفسه فلم يكن هذا الذي عرض عليه الإسلام هو المكسب سبب الحياة له فلا يثبت له عليه الولاء ما لم يعاقده إذا عرفنا هذا فنقول ولاء الموالاة يخالف ولاء العتق في فصول أحدها أن في ولاء العتاقة يرث الأعلى من الأسفل ولا يرث الأسفل من الأعلى وولاء الموالاة إنما يكون على ما يتفقان عليه حتى إذا اتفقا على توريث كل واحد منهما من صاحبه يثبت الحكم من الجانبين والفرق أن ولاء العتاقة سبب الإحياء وذلك إنما يوجد من الأعلى في حق الأسفل ولم يوجد من الأسفل في حق الأعلى وهنا السبب العقد والشرط فعلى الوجه الذي وجد الشرط يثبت الحكم والثاني أن ولاء العتق لا يحتمل النقض والفسخ وولاء الموالاة يحتمل وذلك لأن السبب هناك الاعتاق والاعتاق لا يحتمل النقض بعد ثبوته وثبوت الحكم على وفق السبب وهنا السبب الإيجاب بطريق التبرع وهو محتمل للنقض إلا أنه ينفرد بالفسخ ما لم يعقل عنه وبعد ما عقل عنه الجناية لا تنفرد بالفسخ لأنه ما لم يعقل جنايته فالعقد تبرع والمتبرع يملك الفسخ قبل حصول المقصود بغير رضاء الآخر فأما إذا تحمل عنه جنايته صار العقد معاوضة وأحد المتعاوضين لا ينفرد يفسخ المعاوضة ومن غير رضا الآخر وكما يملك أن يفسخ العقد يملك أن يتحول بولاية إلى غيره بأن يعاقد غيره عقد الولاء فيفسخ العقد بينه وبين الأول وبعد ما عقل جنايتة لا يملك ذلك وكذلك الذي لم يوال أحدا إذا جنى جناية وعقل بيت المال جنابته فإنه لا يملك عقد الموالاة مع أحد بعد ذلك لأنه صار ولاؤه لبيت المال وتأكد ذلك بعقل الجناية فلا يملك إبطاله بخلاف ما قبل أن يعقل بيت المال جنايته ومن وجه آخر الفرق بين هذا وبين ولاء العتاقة أن مولى العتاقة آخر العصبات مقدم على ذوي الأرحام ومولى الموالاة مؤخر عن ذوي الأرحام لأن الشرع أثبت العصوبة لمولى العتاقة بقوله عليه السلام كنت أنت عصبته والعصبة مقدمة على ذوي الأرحام وهنا الموت هو الذي أوجب هذه الصلة له بعقده فيكون بمنزلة الوصية بجميع ماله وذلك يمتنع لحق ذوي الأرحام كما يمتنع لحق العصبات فكذلك الميراث بهذا الولاء فقلنا ما دام هناك أحد من ذوي الأرحام فلا شيء لمولى الموالاة ولو أنه والى رجلا وعاقدة ثم أقر بأخ أو ابن عم ثم مات فميراثه لمولى الموالاة لأن إقراره بالأخوة والعمومة باطل فإنه يحمل به النسب على غيره وإقراره ليس بحجة على غيره وأما عقد الموالاة تصرف منه في حق نفسه وهو من أهل التصرف في حق نفسه ابتداء والسبب الباطل لا يزاحم السبب الصحيح وحكم الولد بين رجلين في ميراثه من كل واحد منهما حكم ولد كامل له خاصة يعني أن الجارية بين رجلين إذا جاءت بولد فادعياه حتى ثبت النسب منهما فإنه يرث من كل واحد منهما ميراث ابن كامل ويزاحم سائر أولاد كل واحد منهما لأنه ابن كامل له لقول عمر وعلي Bهما هو ابنهما يرثهما ويرثانه ولأن البنوة لا تحتمل التجزي فإما أن يمتنع ثبوته عند المعارضة أو يتكامل ولم يمتنع ثبوته هنا فعرفنا أنه تكامل في حق كل واحد منهما ولو مات هذا الولد فلهما منه جميعا ميراث أب واحد عندنا بينهما نصفان وقال زفر لكل واحد منهما ميراث أب كامل لأن الأبوة لا تحتمل التجزي كالبنوة ومن ضرورة كونه ابنا كاملا لكل واحد منهما أن يكون كل واحد منهما أبا كاملا ولكنا نستدل بقوله تعالى : { ولأبويه لكل واحد منهما السدس } والمراد ههنا الأب والأم فهذا تنصيص على أنه يستحق السدس بالأبوة مع الإبن فالقول باستحقاق السدس بالأبوة مع الابن يكون بخلاف هذا النص ولأن الأب في الحقيقة أحدهما وهو المخلوق من مائة منهما فإنا نتيقن أنه غير مخلوق من الماءين ولكن لأجل المعارضة والمساواة جعلناه منسوبا إليهما وإذا علمنا أن الأب أحدهما قلنا لا يستحق من ماله بالأبوة إلا ميراث أب واحد وهذا بخلاف الابن لأن المعارضة في جانبه لا تتحقق وإنما تتحقق في جانبهما حتى إذ انعدمت المعارضة في جانبهما بأن مات أحدهما ثم مات الابن كان الباقي منه ميراث أب كامل وهو معنى قول عمر وعلي Bهما وهو للباقي منهما وهذا لأن المزاحمة لم تبق بعد موت أحدهما فيرثه الآخر ميراث ابن كامل رجل وعم له ادعيا ابنة جارية بينهما ثم مات العم وترك أباه فللإبنة النصف والباقي للأب بالفرض والعصوبة وإن مات الابن وترك هذه الابنة فلها النصف والباقي للجد في قول أبي حنيفة وإن مات الجد وترك هذه المدعاة وعصبته فلها النصف والباقي للعصبة لأنها ابنة ابنة من وجه وابنة ابن ابنة من وجه ولكن الثابت واحد الأمرين لا كلاهما فإما أن نقول بنت الأقرب أو نقول .
هي لا تستحق إلا النصف سواء كان الثابت أقرب الجهتين أو أبعدهما وإنما أوردنا هذا لبيان أنها ليست تثبت لكل واحد منهما بكماله فإنها لو كانت كذلك لاستحقت الثلثين النصف بكونها ابنة ابن والسدس بكونها ابنة ابن ابنة فقد بينا فيما سبق أن عند اجتماع السببين في شخص يستحق الميراث بكل واحد منهما وهنا لا يكون لها إلا النصف فعرفنا أن الثابت في الحقيقة أحد السببين وأن الأب أحدهما والله أعلم بالصواب