( قال Bه ) اعلم بأن الكفار يتوارثون فيما بينهم بالأسباب التي يتوارث بمثلها المسلمون فيما بينهم وقد يتحقق فيما بينهم جهات للإرث لا يرث بها المسلمون من نسب أو سبب أو نكاح ولا خلاف أنهم لا يتوارثون بالأنكحة التي لا تصح فيما بين المسلمين بحال نحو نكاح المحارم بنسب أو رضاع ونكاح المطلقة ثلاثا قبل زوج آخر ويختلفون في التوارث بحكم النكاح في العدة والنكاح بغير شهود فقال زفر لا يتوارثون بهما وقال أبو حنيفة C يتوارثون بهما وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله يتوارثون بالنكاح بغير شهود ولا يتوارثون بالنكاح في العدة وهو بناء على اختلافهم في تقريرهم على هذه الأنكحة إذا أسلموا وقد بينا ذلك في كتاب النكاح ثم لا خلاف أن الكافر لا يرث المسلم بحال وكذلك لا يرث المسلم الكافر في قول أكثر الصحابة وهو مذهب الفقهاء وروي عن معاذ ومعاوية Bهما قالا يرث المسلم الكافر لقوله E الإسلام يعلو ولا يعلى وفي الإرث نوع ولاية للوارث على المورث فلعلو حال الإسلام لا تثبت هذه الولاية للكافر على المسلم وتثبت للمسلم على الكافر ولأن الإرث يستحق بالسبب العام تارة وبالسبب الخاص أخرى ثم بالسبب العام يرث المسلم الكافر فإن الذمي الذي لا وارث له في دار الإسلام يرثه المسلمون ولا يرث المسلم الكافر بالسبب العام بحال فكذلك بالسبب الخاص والدليل عليه المرتد فإنه يرثه المسلم ولا يرث المرتد من المسلم بحال والمرتد كافر فيعتبر به غيره من الكفار وقال عليه السلام الإسلام يزيد ولا ينقص يعني يزيد في حق من أسلم ولا ينقص شيئا من حقه وقد كان مستحقا للإرث من قريبه الكافر قبل أن يسلم فلو صار بعد إسلامه محروما من ذلك لنقص إسلامه من حقه وذلك لا يجوز وحجتنا في ذلك قوله عليه السلام لا يتوارث أهل ملتين بشيء لا يرث المسلم الكافر ولا يرث الكافر المسلم والكلام من حيث الاستدلال أن الله تعالى قال : { والذين كفروا بعضهم أولياء بعض } هذا بيان نفي الولاية من الكفار والمسلمين فإن كان المراد به الإرث فهو إشارة إلى أنه لا يرث المسلم الكافر وإن كان المراد به مطلق الولاية فقد بينا أن في الإرث معنى الولاية لأنه يخلف المورث في ماله ملكا ويدا وتصرفا ومع اختلاف الذين لا تثبت الولاية لأحدهما على الآخر ألا ترى أنه تبقى الولاية بين من هاجر وبين من لم يهاجر حتى كانت الهجرة فريضة فقال والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا فدل ذلك على نفي الولاية بين الكفار والمسلمين بطريق الأولى وهو الكلام من حيث المعنى فإن الإرث نوع ولاية فالسبب الخاص كما لا يوجب الولاية للكافر على المسلم لا يثبت للمسلم على الكافر يعني ولاية التزويج بسبب القرابة وولاية التصرف في المال وبه فارق التوريث بالسبب العام فإن الأبوية بالسبب العام تثبت للمسلم على الكافر كولاية الشهادة والسلطنة ولا تثبت للكافر على المسلم بحال فكذلك التوريث وهذا بخلاف المرتد فالإرث للمسلم منه يستند إلى حال إسلامه ولهذا قال أبو حنيفة Bه إنه يورث عنه كسب إسلامه ولا يورث عنه كسب الردة ولهذا لا يرث هو من المسلم ولأنه لا يتحقق معنى الاستناد في جانبه أو لا يرث هو عقوبة له على ردته كما لا يرث القاتل بغير حق من المقتول شيئا ثم المرتد غير مقر على ما اعتقده بل هو مجبر على العود إلى الإسلام فيبقى حكم الإسلام في حقه فيرثه وارثه المسلم باعتبار هذا المعنى ولا يرث هو من أحد شيئا لأن حكم الإسلام إنما يعتبر في حقه فيما لا ينتفع هو به دون ما ينتفع به والمراد بقوله عليه السلام الإسلام يعلو ولا يعلى العلو من حيث الحجة أو من حيث القهر والغلبة فيكون المراد أن النصرة في العاقبة للمؤمنين وأما الحديث الآخر قلنا عندنا نفي التوريث يكون محالا به على كفر الكافر لأنه خبيث ليس من أهل أن يجعل المسلم خلفا له فلا يكون هذا النقصان محالا به على إسلام المسلم كالزوج إذا أسلم وامرأته مجوسية يفرق بينهما لأنها خبيثة ليست من أهل أن يستفرشها المسلم إلا أن يكون إسلامه مبطلا ملكه ثم أهل الكفر يتوارثون فيما بينهم وإن اختلفت مللهم فاليهودي يرث من النصراني والنصراني من المجوسي والمجوسي منهما عندنا وهكذا ذكر المزني في المختصر عن الشافعي وروى بعض أصحاب الشافعي أنهم لا يتوارثون إلا عند اتفاق الاعتقاد وهكذا رواه ابن القاسم عن مالك وقال ابن أبي ليلى اليهود والنصارى يتوارثون بينهم ولا يرثهما المجوسي ولا يرثان من المجوسي شيئا فمن قال لا يتوارثون استدل بقوله عليه السلام لا يتوارث أهل ملتين بشيء وهم أهل ملل مختلفة بدليل قوله تعالى : { والذين هادوا والنصارى } وإنما يعطف الشيء على غيره لا على بعضه فكما أن عطف اليهود على المسلمين دليل .
على أنهم أهل ملتين فكذلك عطف النصارى على اليهود قال الله تعالى { ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم } ومعلوم أن اليهود لا ترضى إلا بأن يتبع اليهودية معهم والنصارى كذلك فعرفنا أن لكل واحد من الفريقين ملة على حدة ولأن النصارى يقرون بنبوة عيسى عليه السلام والإنجيل . واليهود يجحدون فكان ملة كل واحد منهما غير ملة الآخر كالمسلمين مع النصاري فإن المسلمين يقرون برسالة محمد A وبالقرآن فكانت ملتهم غير ملة النصارى وبه فارقوا أهل الأهواء لأنهم يتفقون على الإقرار بالرسل والكتب وإنما الاختلاف بينهم في تأويل الكتاب والسنة فلا يوجب ذلك اختلافا في الملة فيما بينهم وقد يوجد مثل ذلك فيما بين النصاري كالنسطورية والملكانية واليعقوبية وفيما بين اليهود أيضا كالفرعية والسامرية وغير ذلك وأما ابن أبي ليلى فقال إن اليهود والنصارى اتفقوا على دعوى التوحيد وإنما اختلفت نحلهم في ذلك واتفقوا على الإقرار بنبوة موسى عليه السلام والتوراة بخلاف المجوس فإنهم لا يدعون التوحيد وإنما يدعون الاثنين يزدان وأهرمن ولا يقرون بنبوة موسى ولا بكتاب منزل ولا يوافقهم اليهود والنصارى على ذلك فكانوا أهل ملتين والدليل عليه حل الذبيجة والمناكحة فإن اليهود والنصارى في ذلك كشيء واحد بخلاف المجوس وحجتنا في ذلك أن الله تعالى جعل الدين دينين الحق والباطل فقال الله D لكم دينكم ولي دين وجعل الناس فريقين فقال فريق في الجنة وهم المؤمنون وفريق في السعير وهم الكفار باجمعهم وجعل الخصم خصمين فقال جل جلاله هذان خصمان اختصموا في ربهم يعني الكفار أجمع مع المؤمنين والدليل عليه أنا نسلم أنهم فيما بينهم أهل ملل فيما يعتقدون ولكن عند مقابلتهم بالمسلمين أهل ملة واحدة لأن المسلمين يقرون برسالة محمد A وبالقرآن وهم ينكرون ذلك باجمعهم وبه كفروا فكانوا في حق المسلمين أهل ملة واحدة في الشرك وإن اختلفت نحلهم فيما بينهم وكذلك من يعبد منهم صنما ومن يعبد صنما آخر ويكفر كل واحد منهم صاحبه فهم ملة واحدة وإن اختلفت نحلهم فكذلك الكفار بأجمعهم وكانوا في هذا كأهل الأهواء من المسلمين وفي قوله عليه السلام لا يتوارث أهل ملتين إشارة إلى ما بينا فإنه فسر الملتين بقوله لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم ففي تنصيصه على الوصف العام في موضع التفسير بيان أنهم في حكم التوريث أهل ملة واحدة وحل الذبيحة والمناكحة لا يقوى الاستدلال بها فإن المسلمين مع اليهود والنصارى استووا في حكم حل الذبيحة والمناكحة ثم لم يكن دليل على اتفاق الملة بينهم فكذلك اختلاف المجوس مع أهل الكتاب في حل الذبيحة والمناكحة لايكون دليلا على اختلاف الملة فيما بينهم وكان المعنى فيه أن شرط حل الذبيحة تسمية الله تعالى على الخلوص والكتابي من أهل ذلك لأنهم يظهرون دعوى التوحيد وإن كانوا يضمرون في ذلك بعض الشرك فلتحقق وجود الشرط في حقهم حلت ذبائحهم بخلاف المجوس فإنهم لا يدعون التوحيد فلا تصح منهم تسمية الله تعالى على الخلوص وهو شرط الحل ثم ينقطع التوارث فيما بينهم بسبب اختلاف الدار حقيقة وحكما حتى أن الذمي إذا مات لا يرثه قرابته من أهل الحرب وكذلك لا يرث هو قريبه الحربي لأن الذمي من أهل دار الإسلام وبتباين الدار تنقطع العصمة ( ألا ترى ) أن عصمة النكاح تنقطع بتباين الدارين حقيقة وحكما فكذلك تنقطع الولاية فينقطع التوارث أيضا باعتبار أن من مات في دار الحرب يجعل في حق من هو من أهل دار الإسلام كالميت وكذلك المستأمن في دار الإسلام لا يجري التوارث بينه وبين الذمي لأنه وإن كان وارثا حقيقة فهو من أهل الحرب حكما حتى يتمكن من الرجوع إلى دار الحرب ولا يترك ليستديم المقام في دار الإسلام ولهذا لا تبين منه زوجته التي في دار الحرب ويجري التوارث بين هذا المستأمن وبين أقاربه من أهل دار الحرب لهذا المعنى حتى إذا مات يوقف ماله حتى يأتي دارنا فيأخذه لأنا أعطيناه الأمان في ماله ونفسه فبعد موته يبقى حكم الأمان في ماله لحقه لا لحق ورثته التي في دار الحرب لأن إيصال ماله إلى ورثته من حقه فيمنع ذلك صرف ماله إلى بيت المال بخلاف الذمي إذا مات ولا وارث له من أهل الذمة فإن أهل الحرب لا يرثونه شيئا ومال الميت الذي لا وارث له يصرف إلى بيت المال كالمسلم الذي لا وارث له إذا مات . وأهل الحرب فيما بينهم لا يتوارثون إذا اختلفت منعتهم وملكهم بخلاف المسلمين فإن أهل العدل مع أهل العدل يتوارثون فيما بينهم لأن دار الإسلام دار أحكام فباختلاف المنعة والملك لا تتباين الدار فيما بين المسلمين .
لأن حكم الإسلام يجمعهم فأما دار الحرب ليست بدار أحكام ولكن دار قهر فباختلاف المنعة والملك تختلف الدار فيما بينهم وبتباين الدار ينقطع التوارث وكذلك إذا خرجوا إلينا بأمان لأنهم من أهل دار الحرب وأن كانوا مستأمنين فينا فيجعل كل واحد في الحكم كأنه في منعة ملكه الذي خرج منها بأمان بخلاف ما إذا صاروا ذمة فإنهم صاروا من أهل دار الإسلام فيتوارثون فيما بينهم بعد ذلك كما لو أسلموا فإنه يجوز التوارث بينهم وإن اختلفت منعتهم في حالة الكفر والله أعلم بالصواب .
فصل في ميراث المجوس .
( قال عمر وعلي Bهما ) في المجوسي إذا كان له قرابتان فإنه يستحق الميراث بهما ويكون اجتماع القرابتين في شخص واحد كافتراقهما في شخصين وهو قول علمائنا رحمهم الله وكان ابن مسعود Bه يقول لا يرث الواحد بالقرابتين وإنما يرث بالأقرب منهما وهكذا يرويه بعض الرواة عن زيد فإن خارجة بن زيد يروي عن أبيه مثل هذا والفرضيون اتفقوا على أن هذه الرواية لا تصح عن زيد وقد حفظت الرواية عنه في ثلاثة أعمام أحدهم أخ لأم أن للأخ لأم السدس بالاخوة والباقي بينهم أثلاثا بالعمومة وإنما يتصور هذا في حق المجوسي بأن يكون للمجوسي ثلاثة بنين للابن الأكبر منهم امرأة فولد له منها ولد ثم مات الأكبر فتزوجها المجوسي فولد له منها ولد ثم مات المجوسي ثم مات الولد الأكبر فقد ترك ثلاثة أعمام أحدهم أخ لام وقد ورثه زيد Bه بالسببين جميعا فعرفنا أن مذهبه كمذهب عمر وعلي Bهم ومن العلماء من قال إنما يرث أوفر النصيبين ومنهم من قال إنما يرث بالسبب الذي يتحقق مثله فيما بين المسلمين دون السبب الذي لا يتحقق مثله فيما بين المسلمين وجه قول من اختار قول ابن مسعود أن توريثه بالسببين يؤدي إلى أن يستحق شخص واحد فرضين مختلفين وذلك لا يجوز ( ألا ترى ) أن الأخت لأب وأم مع الأخت لأب لا ترث فرضين بالأختية لأم وبالأختية لأب وكذلك الجدة لا ترث فرضين إن كانت جدة من جهتين على ما بينا من أصل أبي يوسف فإذا كان هذا لا يثبت فيما بين المسلمين مع تحقق السببين فكذلك فيما بينهم بخلاف ابن العم الذي هو أخ لأم أو زوج لأن هناك إنما يجمع له بين الفرضية والعصوبة وذلك لا يستقيم كالأب مع الابنة يكون صاحب فرض وعصبة وإنما لا يجوز الجمع بين الفرضين لأن الله تعالى بين نصيب كل صاحب فريضة ففي الجمع بين الفرضين زيادة على ذلك بالسبب الذي ثبت به فريضته نصا وذلك لا يجوز ثم هذا يؤدي إلى أن يكون المرء حاجبا نفسه وذلك ممتنع فإنه إذا تزوج المجوسي ابنته فولد له ولد وللمجوسي ابنة أخرى ثم مات المجوسي ثم مات هذا الولد فقد مات عن أم هي أخته لأبيه وعن أخت أخرى لأب فلو اعتبرنا السببين في حق شخص واحد لكان للأم السدس بالفريضة فتكون حاجبة نفسها من الثلث إلى السدس وذلك لا يجوز إذا عرفنا هذا فنقول لما تعذر توريثه بالسببين رجحنا الأقرب منهما لأن الإرث ينبني على القرب فيقدم الأقرب في الأسباب على أبعدها ومن قال يرث أوفر النصيبين قال الأقل يدخل في الأكثر ومن قال يرث بالسبب الذي يتحقق به التوارث بين المسلمين قال إن هذا السبب ثابت على الإطلاق في حقهم وفي حق المسلمين فلا يعارضه السبب الذي لا يكون ثابتا فيما بين أهل الإسلام ( ألا ترى ) أنهم لا يتوارثون بالأنكحة التي لا تتحقق فيما بين المسلمين كنحاح المحارم وإن كان لتلك الأنكحة فيما بينهم حكم الصحة حتى يتعلق بها استحقاق النفقة ولا يسقط الإحصان باعتبارها وحجتنا في ذلك قوله تعالى وإن كانت واحدة فلها النصف وقال D وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس والله تعالى جعل سبب الاستحقاق الوصف الذي نص عليه من البنتية والأختية وقد تحقق اجتماع هذين الوصفين في شخص واحد حقيقة وحكما فيثبت له الاستحقاق بهما بمنزلة ما لو تفرق ذلك في شخصين ( ألا ترى ) أن ابن العم إذا كان زوجا وأخا لأم فإنه يرث بالسببين جميعا ولا معنى للفرق الذي قالوا فإن الاستحقاق بالعصوبة يزيد في فريضة شخص هو صاحب فرض كما أن الاستحقاق بالفرضية يزيد في ذلك ثم لما جاز أن يستحق بالفرضية والعصوبة لاجتماع السببين في حقه فكذلك يجوز أن يستحق بالفرضية باعتبار السببين لما اجتمعا في حقه بخلاف الأخت لأب وأم مع الأخت لأب فهناك ما اجتمع سببان لأن السبب الأختية وبقرابة الأم يتقوى هذا السبب ولا يتعدد وكذلك الجدة فالاستحقاق بهذا الاسم وهو أنها جدة لا يزداد ذلك في حق من كانت جدة من جهتين فأما هنا الاستحقاق بالبنتية والأختية والأمية وهذه الأسباب مختلفة سواء اجتمعت في شخص واحد أو افترقت في أشخاص ولا أثر لكونه شخصا في الاستحقاق باتحاد الشخص لاختلاف الأشخاص في الاستحقاق بهذه الأسباب فأما الأنكحة فنقول إن تلك الأنكحة ليست بثابتة في حكم الإسلام على الإطلاق ( ألا ترى ) أنه لا بقاء لها بعد الإسلام بحال بخلاف الإنساب فإنها ثابتة بحكم الإسلام حتى أنها تبقى بعد الإسلام ولا تنقطع والدليل عليه أن استحقاق الإرث لا يكون بنفس النكاح بل بنكاح صحيح مطلقا ينتهي بالموت ونكاح ذوات المحارم فيما بينهم ليس بهذه الصفة فأما النسب يستحق بها الميراث سواء كان نسبه في الأصل حراما أو حلالا ( ألا ترى ) أن النسب إذا ثبت بنكاح فاسد .
أو وطئ بشبهة يستحق به التوارث . يوضحه : أن لتلك الأنكحة حكم الصحة باعتبار اعتقادهم واعتقادهم معتبر فيما يكون دافعا عنهم لا فيما يكون ملزما بغيرهم وفي الإرث الاستحقاق يثبت ابتداء بطريق الصلة فاعتقادهم لا يصلح حجة في ذلك بخلاف بقاء الإحصان والنفقة فكان ذلك في معنى الدفع عنهم وقد قررنا هذا الفرق في كتاب النكاح إذا عرفنا هذا جئنا إلى بيان المسائل فنقول مجوسي مات عن أم وابنة هي أخته لأم وصورته فيما إذا تزوج المجوسي أمه فولدت له بنتا ثم مات المجوسي فقد مات عن أم هي زوجته وعن بنت هي أخته لأمه فلا ترث الأم بالزوجية شيئا ولا الإبنة بالأختية لأم لأن الأخت للأم لا ترث مع الإبنة ولكن للأم السدس باعتبار الأمومة . وللإبنة النصف والباقي للعصبة فإن لم يكن له عصبة فالباقي رد عليهما أرباعا ولو أن مجوسيا تزوج أمه فولدت ابنا وابنة ثم فارقها فتزوجها ابنه فولدت ابنا وابنة ثم فارقها فتزوجها ابنه فولدت له بنتا ثم مات المجوسي فقد مات عن أم وعن ابن وابنة وابنة ابن فيكون للأم السدس باعتبار الأمية والباقي بين الابن والابنة للذكر مثل حظ الأنثيين ولا شيء لابنة الابن فإن مات الابن فإنما مات الابن عن زوجة هي جدته أم ابنه وهي أمه وعن ابنة هي أخته لأمه وعن أخت لأب وأم فلا شيء للأم بالزوجية ولا بكونها جدة لأن الجدة لا ترث مع الأم ولكن لها السدس بالأمية وللابنة النصف بالبنتية ولا شيء لها بالأختية لأم وللاخت ما بقي بالعصوبة فإن لم يمت الابن ولكن ماتت الابنة الكبرى فقد ماتت عن أم هي جدتها أم أبيها وعن أخ لأب وأم وعن ابنة أخ هي أختها لأمها فللأم السدس بالأمية لأن معها أخ لأب وأم وأخت لأم وهما يردان أن الأم من الثلث إلى السدس ولابنة الأخ السدس بالأختية لأم والباقي للأخ لأب وأم بالعصوبة وإن كانت الابنة الصغرى هي التي ماتت فإنما ماتت عن أم هي جدتها أم أبيها وعن عمة هي أختها لأمها وعن أب هو أخوها لأمها فللأم السدس لأن معها أخ وأخت لأم والباقي للأب لأن الأخوة والأخوات لا يرثون شيئا مع الأب ولا شيء للابن بالزوجية ولكن المال بين الابن والبنتين للذكر مثل حظ الأنثيين ولا شيء للذكر باعتبار أنه ابن الابن ولا للأنثى باعتبار أنها ابنة الابن مجوسي تزوج أمه فولدت له ابنتين فتزوج إحدى ابنتيه فولدت له ابنة ثم مات المجوسي فقد مات عن أم هي زوجته وعن ثلاثة بنات إحداهن زوجته وابنتان هما أختاه لأمه وإحداهن ابنة ابنته فلا شيء للأم بالزوجية ولها السدس بالأمية وللبنات الثلثان بالبنتية ولا شيء للزوجة منهن بالزوجية ولا للأختين بالأختية ولا للثالثة بكونها ابنة ابنته ولكن الباقي للعصبة فإن لم تكن فهو رد على الأم والبنات على مقدار حقهن فإن ماتت الأم بعد ذلك فقد ماتت عن ابنتى صلب وابنة ابن فيكون المال للابنتين بالفرض والرد فإن ماتت بعدها الابنة التي هي زوجته فقد ماتت عن ابنة وأخت لأب وأم فللابنة النصف والباقي للأخت بالعصوبة وإن لم تمت هذه ولكن ماتت الابنة السفلى فإنها ماتت عن أم هي أختها لأبيها وعن أخت لأب أيضا فيكون للأم السدس بالأمية وللأختين الثلثان بالأختية والباقي للعصبة مجوسي تزوج ابنته فولدت له ابنتين فمات المجوسي ثم ماتت إحدى الابنتين فإنما ماتت عن أم هي أخت لأب وعن أخت لأب وأم أيضا فذكر في بعض النسخ أن للأم السدس بالأمية وللأخت لأب وأم النصف وللأم السدس بالأختية لأنا لما اعتبرنا الأختية لأب التي وجدت في الأم لاستحقاق السدس بها صار ذلك كالموجود في شخص آخر فإنما تركت أختين وهما يحجبان الأم من الثلث إلى السدس وفي بعض النسخ قال للأم الثلث بالأختية وللأخت لأب وأم النصف وللأم السدس بالأختية لأب لأن صفة الأختية لأب موجودة في الأم وهي لا تكون حاجبة نفسها فإنما تعتبر القرابة التي فيها للاستحقاق لا للحجب وإذا لم يعتبر ذلك فإنما بقي أخت لأب وأم والأخت الواحدة لا تحجب الأم من الثلث إلى السدس والأولى أصح لما بينا أن صفة الأختية الموجودة فيها لما اعتبرت للاستحقاق كانت معتبر للحجب أيضا بمنزلة الموجود في شخص آخر وما كان من هذا الجنس فطريق تخريجه ما بينا .
فصل في ميراث المرتد .
المرتد إذا قتل أو مات أو لحق بدار الحرب فما اكتسبه في حال إسلامه فهو ميراث لورثته المسلمين ترث زوجته من ذلك إذا كانت مسلمة ومات المرتد وهي في العدة فأما إذا انقضت عدتها قبل موت المرتد أو لم يكن دخل بها فلا ميراث لها منه بمنزلة امرأة الفار إنما ترث إذا مات الزوج وهي في العدة وإن كانت قد ارتدت معه لم يكن لها منه ميراث كما لا يرثه أقاربه من المرتدين لما بينا أن المرتد ليس من أهل الولاية فلا يرث أحدا ولأنه جان بالردة وهذه صلة شرعية فالجاني على حق الشرع يحرم هذه الصلة عقوبة عليه كالقاتل بغير حق فإن ارتد الزوجان معا ثم ولدت منه ثم مات المرتد فلا ميراث لها منه وإن بقي النكاح بينهما وأما الولد فإنه إن ولدته لاقل من ستة أشهر منذ يوم ارتد فله الميراث لأنا تيقنا أنه كان موجودا في البطن حين كانا مسلمين فكان محكوما له بالإسلام ثم لا يصير مرتدا بردة الأبوين ما بقي في دار الإسلام فإن حكم الإسلام يثبت ابتداء بطريق تبعيته الدار فلأن يبقى أولى وإذا بقي الولد مسلما كان من جملة الورثة فأما إذا ولدته لأكثر من ستة أشهر منذ يوم ارتد فلا ميراث ولأن النكاح قائم بينهما وإنما يستند العلوق إلى أقرب الأوقات وأقرب الأوقات ما بعد ردتهما وإذا علق الولد من ماء المرتد ابتداء يكون مرتدا معهما لأنه إنما يعتبر تبعية الدار في بقاء حكم الإسلام فأما في الابتداء في الدار لا يعارض الأبوين ( ألا ترى ) أن الحربي إذا سبي ومعه الولد الصغير فإنه لا يحكم بالإسلام ابتداء ولا يكون الدار معارضا للأب في الابتداء حكم الإسلام للولد فكذلك هنا وإذا كان هذا الولد مرتدا لم يكن من ورثته ثم على قول أبي حنيفة إنما يورث منه ما اكتسبه في حال الإسلام فأما ما اكتسبه في حالة الردة يكون فيئا يوضع في بيت المال وعند أبي يوسف ومحمد كسب الردة يورث عنه ككسب الإسلام وعند الشافعي نصيب كل واحد من الكسبين لبيت المال في أحد القولين بطريق أنه فيء وفي القول الآخر بطريق أنه مال ضائع وقد بينا مسألته في السير الكبير والله أعلم بالصواب