( قال C ) اتفق أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وزيد بن ثابت Bهم في الغرقى والحرقى إذا لم يعلم أيهم مات أولا أنه لا يرث بعضهم من بعض وإنما يجعل ميراث كل واحد منهم لورثته الأحياء به قضى زيد في قتلى اليمامة حين بعثه أبو بكر لقسمة ميراثهم وبه قضى زيد في الذين هلكوا في طاعون عمواس حين بعثه عمر Bه لقسمة ميراثهم وبه قضي زيد في قتلى الحرة وهكذا نقل عن علي Bه أنه قضى به في قتلى الجمل وصفين وهو قول عمر بن عبدالعزيز وبه أخذ جمهور الفقهاء وقد روى عن علي وعبدالله بن مسعود Bه في رواية أخرى أن بعضهم يرث من بعض إلا فيما ورث كل واحد منهم من صاحبه ولم يأخذ بهذه الرواية أحد من الفقهاء وجه هذه الرواية أن سبب استحقاق كل واحد منهم ميراث صاحبه معلوم وسبب الحرمان مشكوك فيه لأن سبب الاستحقاق حياته بعد موت صاحبه وقد عرفنا حياته بيقين فيجب التمسك به حتى يأتي بيقين آخر وسبب الحرمان موته قبل موته وذلك مشكوك فيه فلا يثبت الحرمان بالشك إلا فيما ورث كل واحد منها من صاحبه لأجل الضرورة لأنا حين أعطينا أحدهما ميراث صاحبه فقد حكمنا بحياته فيما ورث من صاحبه ومن ضرورته الحكم بموت صاحبه قبله ولكن الثابت بالضرورة لا يعدو موضع الضرورة وإنما تحققت هذه الضرورة فيما ورث كل واحد منهما من صاحبه ففيما سوى ذلك يتمسك بالأصل فإن هذا أصل كثير في الفقه أن اليقين لا يزال بالشك كمن تيقن الطهار وشك في الحدث أو عكس ذلك فأما وجه القول الآخر أن سبب استحقاق كل واحد منهما ميراث صاحبه غير معلوم يقينا والاستحقاق ينبني على السبب فما لم يتيقن السبب لا يثبت الاستحقاق لأن في الفقة أصل كثير أن الاستحقاق بالشك لا يثبت وبيانه أن سبب الاستحقاق بقاؤه حيا بعد موت مورثه ولا يعلم هذا يقينا وإنما نعرف بطريق الظاهر واستصحاب الحال لأن ما عرف ثبوته فالظاهر بقاؤه ولكن هذا البقاء لانعدام دليل المزيل لا لوجود المبقي فإنما يعتبر في بقاء ما كان على ما كان لا في استحقاق ما لم يكن كحياة المفقود يجعل ثابتا في نفي التوريث عنه ولا يجعل ثابتا في استحقاق الميراث عن مورثه وبهذا الطريق لا يرث كل واحد منهما من صاحبه ما يرثه عنه فكذلك سائر الأموال وهذا لأن الإرث يثبت بسبب لا يحتمل التحري فإذا تعذر إثباته في البعض يتعذر إثباته في الكل ولا وجه لاعتبار الأحوال هنا لأن ذلك إنما يكون عند التيقن بسبب الاستحقاق وسبب الحرمان والتردد فيما بين الأشخاص كطلاق المتهم في إحدى نسائه إذا لم يدخل بهن فإن سبب الإرث لبعضهن معلوم وهو النكاح وسبب الحرمان لبعضهن معلوم وهو عدم النكاح فتعتبر الأحوال للترد بينهن بعد التيقن بأصل السبب ولا تيقن هنا بسبب الاستحقاق فلا معنى لاعتبار الأحوال يوضحه أن المقضى له والمقضى عليه هنا مجهول واعتبار الأحوال إنما يكون إذا كانت الجهالة في إحدى الجانيين أما في جانب المقضي له أو في جانب المقضى عليه فأما عند وقوع الجهالة فيهما لا يجوز القضاء أصلا ثم يجعل كأنهما ماتا جميعا لأن إسناد موت كل واحد منهما إلى الوقت الذي يمكن إضافة موت الآخر إليه ولا وجه لإثبات تاريخ بين المورثين من غير دليل وكذلك إذا علم أن أحدهما مات أولا ولا يدري أيهما لتحقق التعارض بينهما فيجعل كأنهما ماتا معا إذا عرفنا هذا فنقول أخوان لأب وأم أو لأب غرقا وترك كل واحد منهما ابنة فميراث كل واحد منهما لابنته بالفرض والرد فإن مات الأب والإبن تحت هدم أو غرقا أو احترقا أو ترك الأب أبا وابنة وامرأة ولم يترك الابن أحدا غير هؤلاء فنقول أما ميراث الأب فلزوجته منه الثمن ولابنته النصف والباقي للأب وأما ميراث الابن فإن كانت امرأة الأب أم هذا الابن فإنما ترك الابن أما وجدا وأختا وهي مسألة الحرقى وقد بيناها في باب الجد وإن لم تكن المرأة أم الابن فإنما ترك الإبن جدا وأختا فعلى قول الصديق ميراثه للجد وعند علي وعبدالله وزيد بين الجد والأخت بالمقاسمة أثلاثا فإن ترك الابن بنتا فنقول أما ميراث الأب فالأب إنما ترك في الحاصل امرأة وابنة وابنة ابن وأبا فللمرأة الثمن وللابنة النصف ولابنة الابن السدس والباقي للأب بالفرض والعصوبة وأما ميراث الابن فإن كانت امرأة الأب أم الابن فإنما ترك ابنة وأما وجدا وأختا فللأم السدس وللابنة النصف والباقي للجد في قول الصديق وفي قول علي للجد السدس والباقي للأخت وفي قول زيد الباقي بين الجد والأخت بالمقاسمة أثلاثا وفي قول عبدالله الباقي بين الجد والأخت نصفين فإن غرق رجل وابنته وترك الرجل أبا وأختا وامرأة وتركت الابنة زوجا فنقول أما ميراث الأب فلإمرأته الثمن وللابنة النصف والباقي للأب وأما ميراث .
الابنة فإن كانت امرأة الأب أمها فإنما تركت زوجا وأما وجدا وأختا وهي مسألة إلأكدرية وقد ييناها وإن لم تكن أمها فإنما تركت زوجا وأختا وجدا فللزوج النصف والباقي للجد في قول الصديق وفي قول علي وعبدالله وزيد الباقي بينهما بالمقاسمة أثلاثا وأما بيان الرواية الأخرى عن علي في مسألة الحرقى والغرقى فنقول أخوان غرقا وترك كل واحد منهما أما وابنة ومولى وترك كل واحدة منهما تسعين دينارا فتركة الأكبر منهما للأم السدس منها خمسة عشر دينارا وللابنة خمسة وأربعون دينارا ولأخيه ما بقي وذلك ثلاثون وكذلك يقسم تركة الأصغر ثم بقي من تركة كل واحد منهما ثلاثون دينارا وهو ما ورث كل واحد منهما من صاحبه فلأمه من ذلك السدس خمسة دنانير ولابنته النصف خمسة عشر دينارا والباقي للمولى بالعصوبة لأن كل واحد منهما لا يرث من صاحبه مما ورث صاحبه منه وهذا بيان التخريج والله أعلم بالصواب