( قال Bه ) كان علي بن أبي طالب - Bه - وزيد بن ثابت يقولان : ولد الملاعنة بمنزلة من لا قرابة له من قبل أبيه وله قرابة من قبل أمه وهو قول الزهري وسليمان ابن يسار وبه أخذ علماؤنا والشافعي .
وكان ابن مسعود وابن عمر يقولان : عصبة ولد الملاعنة عصبة ولد أمه وبه أخذ عطاء ومجاهد والشعبي والنخعي حتى قال النخعي : إذا أردت أن تعرف عصبة ولد الملاعنة فأمت أمه وانظر من يكون عصبتها فهو عصبة ولد الملاعنة .
وعن ابن مسعود في رواية أخرى عصبته أمه وهي له بمنزلة الأب والأم وهو قول الحكم بن عيينة .
واحتج لذلك بما روينا أن النبي - A - قال : ( تحرز المرأة ميراث لقيطها وعتيقها والولد الذي لو عنت به ) ثم هي عصبة لعتيقها فكذلك لولدها الذي لو عنت به .
وفي حديث ابن عباس - Bه - أن النبي - A - قال : ( أم ولد الملاعنة أبوه أمه ) لأنها ترث جميع ماله إذا لم يكن غيره واستحقاق جميع المال يكون بالعصوبة فعرفنا أنها عصبته .
والحجة لقول إبراهيم ما روى عن داود بن أبي هند قال : كتبت إلى صديق لي بالمدينة أن سل من بقي من أصحاب رسول الله - A - عن ولد الملاعنة من عصبته فكتب في جوابه : أنهم ذكروا عن رسول الله - A - أن عصبته عصبة أمه ولأن الولد مخلوق من المائين وماء الفحل يصير مستهلكا بحضنتها في الرحم ولهذا يتبعها الولد في الملك والرق والحرية وكان ينبغي أن تقدم هي في العصوبة لأن كون الولد مخلوقا من مائها أظهر إلا أن الشرع بنى العصوبة على النسبة والنسبة إلى الآباء دون الأمهات إلا إذا انعدمت النسبة في جانب الأب فحينئذ تكون النسبة إلى الأم ألا ترى أن الله تعالى نسب عيسى عليه السلام إلى أمه لما لم يكن له أب فكذلك حكم العصوبة المبنى على النسب يثبت لقوم الأم إذا انعدم في جانب الأب وهو نظير ولاء العتق فالأصل فيه قوم الأب فإذا لم يكن له ولا من قبل أبيه صار منسوبا إلى قوم أمه فهذا كذلك وجه قولنا : أن في إثبات العصوبة لقوم الأم إبطال الحكم الثابت بالنص وذلك أن الله تعالى شرط لتوريث الأخ لأم أن يكون الميت كلالة مطلقة فعلى ما قالوا : إذا مات ولد الملاعنة وترك ابنة وأخا لأم يكون النصف للابنة والباقي للأخ لأم بالعصوبة وتوريث الأخ لأم بدون أن يكون الميت كلالة خلاف النص ولأن العصوبة أقوى أسباب الإرث والإدلاء بالإناث أقوى أسباب الإدلاء فلا يجوز أن يستحق به أقوى أسباب الإرث وهو العصوبة وهذا بخلاف الولاء فإن استحقاق الولاء باعتبار الإعتاق والأنثى والذكر فيه سواء ثم الولاء بمنزلة النسب .
والذين قالوا إن قوم الأم في العصوبة ينزلون منزلة قوم الأب عند عدمهم هذا باطل فإنه إذا لم يكن له أحد من قوم أبيه لا تجعل عصبته قوم أمه بالاتفاق وما ذكروا موجود هنا فأما الجدات فنحن نقول به وهو أنها تحرز ميراثه ولكن بالفرضية والرد وليس في الحديث بيان أنها تحرز ميراثه بالعصوبة والمراد بالحديث الآخر أنها في وجوب الإكرام والبر والإكرام في حقه بمنزلة الأب والأم على ما قيل أنه ينبغي للمرء أن يجعل ثلاثة أرباع الإكرام والبر لأمه والربع لأبيه وفي ولد الملاعنة يجعل البر والإكرام كله لأمه وحديث داود بن أبي هند قلنا : المراد أن عصبته قوم أبيه في استحقاق الميراث بمعنى العصوبة وهو الرحم لا في إثبات حقيقة العصوبة لهم فكيف ثبت لهم حقيقة العصوبة وإنما يدلون بمن ليس بعصبة ثم لا خلاف في الولد من الزنا إذا كانا توأما أنهما بمنزلة الأخوين لأم في الميراث بمنزلة ما لو كانا غير توأم .
واختلفوا في ولد الملاعنة إذا كانا توأما .
قال علماؤنا والشافعي - رحمهم الله - كالأخوين لأم .
وقال مالك : كالأخوين لأب وأم لأن نسبهما كان ثابتا باعتبار الفراش وإنما خلقا من ماء واحد ثم انقطع نسبهما باللعان لحاجة الولد إلى أن يدفع عن نفسه نسبا ليس منه والثابت بالضرورة يتقدر بقدر الضرورة وهذه الضرورة في قطع النسبة عنه فأما فيما وراء ذلك بقي الأمر على ما كان وهو إنما خلقا من ماء فحل واحد فكانا أخوين لأب وأم ولأنه إنما يقطع بقضاء القاضي فيما كان محتملا للقطع وهو النسبة إلى الأب فأما ما لا يكون محتملا لذلك وهو كونهما مخلوقين من ماء واحد فالحكم فيه بعد القضاء كما كان قبله وهذا بخلاف ولد الزنا لأن النسب هناك لم يكن ثابتا لانعدام الفراش ولهذا لا يثبت من الزانى وإن ادعاه بخلاف ولد الملاعنة ولأنهما يتصادقان على أن نسبهما ثابت من الأب وانتفى باللعان وأنه في اللعان ونفي النسب ظالم لهما ولأمهما فتصادقهما حجة في حقهما فكانا في الميراث بمنزلة الأخوين لأب وأم .
وحجتنا في ذلك : أن الأخوة لأب لا تثبت إلا بواسطة الأب ولا أب لهما فكيف تثبت بينهما الأخوة لأب وهو نظير ولد الزنا فإن هناك يتيقن أنهما خلقا من ماء واحد إذا كانا توأما وسقط اعتبار ذلك لانعدام ثبوت النسب من الأب قوله بأن القاضي هنا قطع النسب فلا كذلك لأن النسب بعد موته لا يحتمل القطع فتبين بقضائه أن النسب لم يكن ثابتا من الملاعن لا أن يقال كان ثابتا فقطع وقوله : بأن قضاء القاضي إنما يؤثر في نفي النسب عن الأب .
قلنا : يؤثرفي هذا وفيما هو من ضرورته وهو نفي الأخوة بينهما لأن الأخوة لأب لا تتصور بدون الأب كما أن الأخوة لأم لا تتصور بدون الأم .
وقوله : إنهما تصادقا على الأخوة لأب وأم .
قلنا : نعم ولكنهما صارا مكذبين في ذلك بحكم الحاكم والمقر بالشيء إذا صار مكذبا فيه بقضاء القاضي سقط اعتبار إقراره .
إذا عرفنا هذا فنقول : إذا مات ابن الملاعنة وخلف ابنة وأما فللابنة النصف وللأم السدس والباقي رد عليهما أرباعا عند علي - Bه - وهو مذهبنا .
وعند زيد الباقي لبيت المال .
وفي إحدى الروايتين عن ابن مسعود : الباقي للأم بالعصوبة .
وفي الرواية الأخرى وهو قول إبراهيم الباقي لأقرب عصبته لأمه .
ولو خلف ابنة وأما وأخا توأما فعندنا هذا والأول سواء لأن التوأم أخوه لأمه فلا يرث مع الابنة شيئا .
وعلى قول مالك الباقي للتوأم بالعصوبة لأنه بمنزلة أخيه لأبيه .
وعلى قول إبراهيم الباقي لأخيه توأما كان أو غير توأم لأنه أقرب عصبة لأمه فإنه ابنها وأقرب عصبة الأم عنده يكون عصبة لولد الملاعنة .
ولو مات ابن ابن الملاعنة وخلف ابنة وأما وعما فعندنا هذا والأول سواء الباقي يكون ردا على الأم والابنة أرباعا لأن عمه يكون عما لأم والعم لأم لا يكون عصبة .
وعلى قول إبراهيم الباقي يكون للعم لأنه أقرب عصبة للأم .
وعلى قول مالك إن كان العم توأما مع ابنة فالباقي له لأنه بمنزلة العم لأب وأم وما كان من هذا النحو فهذا طريق تخريجه والله أعلم بالصواب