أحدها : ما إذا رأت خمسة قبل خمستها ولم تر في خمستها شيئا أو رأت في خمستها مع ذلك يوما أو يومين أو رأت قبل خمستها يوما أو يومين وفي خمستها يوما أو يومين فعلى قول " أبي حنيفة " C تعالى لا يكون شيء من ذلك حيضا وعندهما كل ذلك حيض . والوجه الثالث ما إذا رأت قبل خمستها ما يكون حيضا بانفراده ورأت في خمستها ما يكون حيضا بانفراده فعن " أبي حنيفة - " C تعالى - فيه روايتان في رواية هذا الكتاب حيضها ما رأت في أيامها وهي مستحاضة فيما رأت قبل أيامها وفي الرواية الأخرى عنه الكل حيض وهو قول " أبي يوسف " و " محمد - " رحمهما الله تعالى - إلا أن على يرى انتقال العادة برؤية المخالف مرة وعلى قول " محمد " يكون حيضا ولكن يكون حكم انتقال العادة به يتوقف على ما تراه في الشهر الثاني فإن رأت في أيام عادتها المعروفة فعادتها الأولى تكون باقية وإن رأت كما رأت في هذه المرة فحينئذ تنتقل عادتها برؤية المخالف مرتين وهذا إذا لم يجاوز الكل عشرة فإن جاوز فحينئذ يكون حيضها أيامها المعروفة بالاتفاق وهي مستحاضة فيما سوى ذلك وفي المتأخر اتفاق أنه يكون حيضا تبعا لأيامها إذا لم يجاوز العشرة فإن جاوز فحيضها أيامها المعروفة وهي مستحاضة فيما زاد على ذلك فإن لم تر في أيامها ورأت بعد أيامها فإن ذلك لا يكون حيضا في قول " أبي حنيفة - " C تعالى - وفي قول " محمد - " C تعالى - يكون حيضا بطريق الإبدال إن أمكن ذلك والإمكان بأن يبقى بعد الإبدال إلى موضع حيضها الثاني خمسة عشر يوما أو أكثر حتى قال لو رأت بعد أيامها بعشرة أيام فهي مستحاضة في القولين جميعا لأنا لو أبدلنا لها خمسة من أول ما رأت لا يبقى إلى موضع حيضها الثاني إلا عشرة أيام وذلك دون مدة الطهر وقد بينا وجوه هذه الفصول بمعانيها في كتاب الحيض . فإن رأت الدم يوما من أيام أقرائها ثم انقطع ثم رأته يوم العاشر من أيام أقرائها فهذا حيض في قول " أبي يوسف " - C تعالى - بناء على مذهبه أن الطهر المتخلل بين الدمين إذا كان أقل من خمسة عشر يوما يجعل كله كالدم المتوالي وإن رأته في اليوم الحادي عشر فهي مستحاضة فيما تقدم من حيضها وما تأخر وهي حائض في أيام أقرائها في القولين جميعا لأن الكل جاوز العشرة فلا يمكن أن يجعل جميع ذلك حيضا وإنما يكون أيام أقرائها حيضا إذا رأت الدم فيها فأما إذا لم تر إلا اليوم الأول من أيام أقرائها .
صفحة [ 141 ] فعلى قول " محمد - " C تعالى - لا تكون أيام اقرائها حيضا أيضا لأنه لا يرى ختم الحيض بالطهر وقد بينا هذا في كتاب الحيض . والنفساء إذا ولدت فرأت الدم خمسة عشر يوما ثم انقطع خمسة عشرة يوما ثم رأته في تمام أربعين يوما فهذا كله نفاس عند " أبي حنيفة " - C تعالى - لأن الأربعين للنفاس بمنزلة العشرة للحيض فكما أن من أصله أن الطهر المتخلل بين الدمين في مدة العشرة لا يصير فاصلا فكذلك الطهر المتخلل بين الدمين في مدة الأربعين لا يكون فاصلا في النفاس وعندهما نفاسها خمسة عشر يوما لأن الطهر خمسة عشر كما يصلح للفصل بين الحيضين يصلح للفصل بين الحيض والنفاس .
وإن رأت الدم أكثر من أربعين يوما فهي مستحاضة في الزيادة على الأربعين إذا كانت مبتدأة في النفاس وإن كانت صاحبة عادة فهي مستحاضة في الزيادة على أيام عادتها المعروفة لأن الأربعين أكثر مدة النفاس كما أن العشرة أكثر مدة الحيض وقد " قال رسول الله A المستحاضة تدع الصلاة في أيام أقرائها . " ولو أن امرأة ولدت في غرة شهر رمضان فصامت رمضان كله ثم جاءت بولد بعد رمضان بخمسة أشهر ونصف فإنها تقضي صوم خمسة عشر يوما وصلاة خمسة عشر يوما إذا كانت اغتسلت في غرة شوال لأن أدنى مدة الحمل ستة أشهر فقد تيقنا أنها حبلت في النصف من رمضان والحامل كما لا تحيض لا تكون نفساء فإن النفاس أخو الحيض فإذا تيقنا بخروجها من النفاس في النصف من شهر رمضان جاز صومها في النصف الآخر فعليها قضاء النصف الأول وهو خمسة عشر يوما وهي لم تصل في النصف الأخير من رمضان بعد ما حكمنا بطهرها فعليها قضاء خمسة عشر يوما فإن كانت اغتسلت يوم الفطر وصامت شوال وصلت ثم جاءت بولد لخمسة أشهر ونصف بعد ذلك فإنما تقضي يوما واحدا وهو يوم الفطر لأنه لا يجوز صومها فيه من القضاء وعليها قضاء صلاة خمسة عشر يوما لأنا حكمنا بطهرها حين حملت وقد أخرت الإغتسال بعد ذلك خمسة عشر يوما فعليها قضاء تلك الصلوات والعجوز الكبيرة إذا رأت الدم كانت حائضا في ظاهر الرواية .
وكان " محمد بن مقاتل " - C تعالى - يقول بعد ما حكم باياسها : إذا رأت الدم لا يكون ذلك حيضا لأن ذلك مستنكر مرئي في غير وقته فلا يكون حيضا بمنزلة ما تراه الصغيرة جدا وجه ظاهر الرواية أن مبنى الحيض على الإمكان وفيما رأته العجوز إمكان جعله حيضا ثابتا بخلاف ما تراه الصغيرة جدا فإنه ليس فيه إمكان جعله حيضا لأنه إذا جعل ذلك حيضا فلا بد من أن يحكم ببلوغها .
صفحة [ 142 ] والصغيرة جدا لا تكون أهلا لذلك وكان " محمد بن إبراهيم الميداني " - رحمهما الله تعالى - يقول إن رأت دما سائلا ثلاثة أيام أو أكثر فهو حيض وإن رأت شيئا قليلا ليس بسائل وإنما هو بلة تظهر على الكرسف لم يكن ذلك حيضا بل هو من نداوة الرحم فلا تجعل حائضا به . والمراهقة إذا رأت الدم يوما أو يومين والأكثر في اليوم الثالث فهي حائض يحكم ببلوغها به وهذا قول " أبي يوسف - " C تعالى - فأما على قول " أبي حنيفة " و " محمد - " رحمهما الله تعالى - فأقل الحيض ثلاثة أيام ولياليها فإن كان ما رأت أقل من ذلك لم يكن حيضا وقد بينا هذا في كتاب الحيض .
ولو ان امرأة رأت الدم أيام أقرائها عشرا ثم انقطع الدم عنها قبل طلوع الفجر في رمضان في وقت لا تقدر فيه على الغسل حتى يطلع الفجر فهذه تصلي وتصوم ولا تقضي صوم هذا اليوم وتصلي العشاء الأخيرة ولا يملك الزوج مراجعتها إن كان طلقها لأنا تيقنا بخروجها من الحيض قبل طلوع الفجر فتلزمها صلاة العشاء لأنها أدركت جزءا من الوقت ويجوز صومها لأنها أهل لأداء الصوم من أول النهار وإن كانت أيام أقرائها خمسا خمسا ثم انقطع الدم عنها قبل طلوع الفجر في وقت لا تقدر فيه على الغسل حتى طلع الفجر فهذه تصوم وتقضي ومعناه تمسك في هذا اليوم وعليها قضاء هذا اليوم لأنه لا يحكم بخروجها عن الحيض ما لم تغتسل فهي لم تكن من أهل أداء الصوم عند طلوع الفجر فلا يجزئها صومها وزوجها يملك الرجعة حتى تطلع الشمس ووقع في بعض النسخ وتصلي العشاء وهذا غلط فإنها لم تدرك من وقت العشاء مقدار ما يمكنها أن تغتسل فيه فلا يلزمها قضاء العشاء ولو لزمها ذلك لانقطعت الرجعة بطلوع الفجر وجاز صومها في هذا اليوم فإن كان بقي إلى طلوع الفجر مقدار ما يمكنها أن تغتسل فيه فحينئذ يلزمها قضاء العشاء ويجوز صومها في هذا اليوم ولا يملك الزوج رجعتها بعد طلوع الفجر لأنا تيقنا بطهارتها حين حكمنا بوجوب الصلاة دينا في ذمتها عند طلوع الفجر ولو انقطع عنها الدم حين زالت الشمس وأيامها دون العشرة فزوجها يملك الرجعة إلى دخول وقت العصر لأن الحكم بطهارتها يكون ضمنا لوجوب الصلاة دينا في ذمتها وإنما يكون ذلك بخروج الوقت لا بدخول الوقت فبعد زوال الشمس هي حائض بعد وإنما يحكم بطهارتها حين يدخل وقت العصر لأن صلاة الظهر تصير دينا في ذمتها .
ولو أن نصرانية أيام أقرائها خمس خمس انقطع عنها الدم في مقدار لا تقدر فيه على الغسل حتى طلع الفجر .
صفحة [ 143 ] في شهر رمضان ثم أسلمت فإنها تصوم ولا تقضي وتصلي العشاء ولا يملك الزوج رجعتها لأن النصرانية غير مخاطبة بالاغتسال فبنفس انقطاع الدم يحكم بخروجها من الحيض لأنه لا غسل عليها فهي نظير ما لو كانت أيامها عشرا ثم أسلمت قبل طلوع الفجر وهي طاهرة فتلزمها صلاة العشاء ويجزيها صومها من الغد ولا يملك الزوج رجعتها . ولو أسلمت ثم انقطع عنها الدم في مقدار لا تقدر فيه على الغسل حتى طلع الفجر فإنها تصوم وتقضي وزوجها يملك الرجعة إلى أن تطلع الشمس لأنها لما انقطع عنها بعدما أسلمت وأيامها دون العشرة فقد لزمها الاغتسال ولا يحكم بخروجها من الحيض ما لم تغتسل أو يمضي عليها وقت صلاة فلهذا لا يجزيها صومها من الغد ويكون للزوج حق المراجعة إلى طلوع الشمس .
قال : وتصلي العشاء وهذا غلط كما بينا في الفصل الأوللأنا لو ألزمناها قضاء العشاء لحكمنا بطهرها بطلوع الفجر فلا يملك الزوج رجعتها بعد ذلك . فإن توضأت المستحاضة في قت الظهر وصلت والدم سائل ثم انقطع دمها فصلاتها تامة لبقاء العذر إلى الفراغ من الصلاة وإن كان الانقطاع قبل الشروع في الصلاة أو في خلال الصلاة فعليها إعادة الوضوء والصلاة لأنها صلت بطهارة ذوي الأعذار بعد زوال العذر وهذا إذا تم الانقطاع وقت صلاة أو أكثر فإن كان أقل من ذلك فصلاتها تامة لأن القليل من الانقطاع غير معتبر فإن صاحبة هذه البلوى لا تكاد ترى الدم على الولاء ولكنه يسيل تارة وينقطع أخرى لأنها لو رأت الدم على الولاء أضناها ذلك وربما يكون سببا لهلاكها فجعلنا القليل من الانقطاع عفوا وجعلنا الفاصل بين القليل والكثير وقت صلاة كامل اعتبارا للانقطاع بالسيلان فإن السيلان إذا كان دون وقت صلاة لا يثبت به حكم الاستحاضة وإذا كان وقت صلاة أو أكثر يثبت به حكم الاستحاضة وكذلك الانقطاع إذا كان دون وقت صلاة لا يكون برأ وإن كان وقت صلاة أو أكثر كان برأ والله أعلم بالصواب