( قال C ) إعلم أن الابن الواحد يحرز جميع المال ثبت ذلك بإشارة النص فإن الله تعالى قال : { للذكر مثل حظ الأنثيين } ( النساء : 11 ) ثم جعل للبنت الواحدة النصف بقوله تعالى { وأن كانت واحدة فلها النصف } ( النساء : 11 ) وثبت أن للذكر ضعف هذا وضعف النصف الجميع .
وثبت ذلك استدلالا بآية الأخوة فإن الله تعالى قال : { وهو يرثها إن لم يكن لها ولد } ( النساء : 176 ) أي يرثها جميع المال وإذا ثبت بالنص أن للأخ جميع المال ثبت للإبن بدلالة النص لأن الأخ ولد أبيها وولدها أقرب إليها من ولد أبيها والميراث ينبني على الأقرب . قال الله تعالى { مما ترك الوالدان والأقربون } ( النساء : 7 ) وزيادة القرب تدل على قوة الاستحقاق إلا أن الله تعالى لم ينص على جميع المال للبنين لأن ذلك كان معروفا فيما بين العرب فقد كانوا في الجاهلية لا يورثون إلا البنين ومنهم من كان لا يورث إلا الكبار من البنين الذين يحملون السلاح ( ويورثون ) العشيرة فإنما بين ما لم يكن معلوما لهم فإن اجتمع البنون فالمال بينهم بالسوية لاستوائهم في سبب الاستحقاق وللبنت الواحدة إذا انفردت النصف ثبت ذلك بالنص وهو قوله تعالى { وإن كانت واحدة فلها النصف } ( النساء : 11 ) واستدلالا أيضا بميراث الأخت فقد قال الله تعالى { وله أخت فلها نصف ما ترك } ( النساء : 176 ) والبنت أقرب إليه من الأخت .
فإن كن ثلاثا فصاعدا فلهن الثلثان بالنص وهو قوله تعالى { فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك } ( النساء : 11 ) فهذا تنصيص على أنه لا يزاد للبنات على الثلثين عند الانفراد وإن كثرن .
فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان في قول عامة الصحابة - رضوان الله عليهم - وهو قول جمهور الفقهاء .
وكان ابن عباس يقول للبنتين النصف ويستدل بظاهر الآية فإن الله تعالى شرط في استحقاق البنات الثلثين أن يكن فوق اثنتين والمعلق بالشرط معدوم قبل الشرط وقد تجاذب ( البنتين ) حالتان : إما أن تعتبرهما بالثلاث أو بالواحدة واعتبارهما بالواحدة أولى لأن في اعتبارهما بالثلاث إبطال شرط منصوص والقياس لإبطال النص باطل وفي أول الآية ما يدل على أن للابنتين النصف لأن الله تعالى قال { للذكر مثل حظ الأنثيين } ومن ترك ابنا وابنتين فللابن النصف وهذا إشارة إلى أن حظ الأنثيين النصف وفي قوله تعالى { فلهن } دليل أيضا على ذلك لأن هذا لفظ الجمع والجمع المتفق عليه ثلاثة فأهل اللغة جعلوا الكلام على ثلاثة أوجه : .
الفرد والتثنية والجمع فكان اتفاقا منهم على أن التثنية غير الجمع وللواحد عندهم أبنية مختلفة وكذلك للجمع وليس للتثنية إلا بناء واحدا .
ومن حيث المعقول في المعنى يعارض الفردين فلا يظهر ترجيح أحد الجانبين وفي الثلاث تتعارض البنات مع الفرد فيترجح جانب الجمع على جانب الفرد وإذا ثبت أن اسم الجمع لا يتناول ما دون الثلاث فقد ظهر الحاق البنتين بالواحدة هذا بيان أصل ابن عباس - Bه - في هذا وفي الأخوة في حكم الحجب .
وحجتنا في ذلك قوله تعالى { للذكر مثل حظ الأنثيين } فقد جعل للذكر حال الاختلاط مثل نصيب الابنتين وأدنى الاختلاط أن يجمع ابن وبنت وللابن هنا الثلثان بالاتفاق فعرفنا أن حظ الأنثيين الثلثان ولما صار نصيب البنين معلوما بهذه الإشارة لم يذكر الله تعالى نصيب البنتين أيضا وذكر نصيب ما فوق البنتين بقوله D { فإن كن نساء فوق اثنتين } ( النساء : 11 ) .
والدليل على صحة ما قلنا سبب نزول الآية فإن سعد بن الربيع - Bه - لما استشهد يوم بدر وكان خلف بنتين وامرأة فاستولى الأخ على ماله فجاءت امرأته إلى رسول الله - A - وقالت : إن سعدا قاتل معك وخلف ابنتين وقد غلب عمهما على مالهما ولا يرغب في النساء إلا بمال فقال رسول الله - A - لم ينزل الله في ذلك شيئا ثم ظهر أثر الوحي على رسول الله - A - فلما سرى عنه قال النبي - A - ( قفوا مال سعد فقد أنزل الله تعالى في ذلك ما إن بينه لي ببينته لكم وتلا عليهم قوله تعالى { للرجال نصيب } الآية ثم نزل قوله تعالى { يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين } فدعا رسول الله - A - أخا سعد وأمره أن يعطي البنتين الثلثين وللمرأة الثمن وله ما بقي ) .
وفي الحديث المعروف أن أبا موسى الأشعري - Bه - سئل عن فريضة فيها بنت وابنة ابن وأخ فجعل للابنة النصف وللأخ ما بقي فبلغ ذلك ابن مسعود - Bه - فقال : لقد ضللت إذا وما أنا من المهتدين سمعت رسول الله - A - يقول ( للابنة النصف ولابنة الابن السدس تكملة الثلثين والباقي للأخ ) فهذا دليل على استحقاق البنتين الثلثين بطريق الأولى لأن حال البنتين أقوى من حالة الابنة وابنة الابن والدليل عليه أن حالة التثنية فى معنى حالة الجمع لوجود الاجتماع وانضمام أحد الفردين إلى الآخر ولا معنى في الجمع سوى هذا ومن حيث الحكم الإمام يتقدم على المثنى كما يتقدم على الجماعة وإليه إشارة النبي - A - بقوله : الاثنان فما فوقهما جماعة .
وقيل في تأويل قوله تعالى { فإن كن نساء فوق اثنتين } ( النساء : 11 ) أي اثنتين فما فوقهما وكلمة فوق صلة فيه كما في قوله تعالى { فاضربوا فوق الأعناق } يعنى مع الأعناق مع أنا قد سلمنا أن في هذا اللفظ بيان نصيب الثالث والتعليق بالشرط عندنا لا يوجب نفي الحكم عند عدم الشرط بل يجوز أن يثبت الحكم بدليل آخر وقد أثبتنا بإشارة النص أن للبنتين الثلثين كما قررنا .
فإن اختلط الذكور بالإناث من الأولاد فالمال بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين بالنص واستدلالا بميراث الأخوة فقد قال الله تعالى { فإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين } ( النساء : 176 ) والأولاد أقرب من الإخوة وأولاد الابن يقومون مقام أولاد الصلب عند عدم أولاد الصلب في جميع ما ذكرنا لقوله تعالى { يوصيكم الله في أولادكم } واسم الأولاد يتناول أولاد الابن مجازا قال الله تعالى { يا بني آدم } وعند نزول الآية لم يكن بقي أحد من صلب آدم - عليه السلام .
وقال ابن عباس - Bه - لرجل : أي أب لك أكبر : فتحير الرجل ولم يفهم ما قال له فتلا ابن عباس قوله D { يا بني آدم } وجعل يقول : من كنت ابنه فهو أبوك .
فإن اجتمع أولاد الصلب وأولاد الابن فإن كان في أولاد الصلب ذكر فلا شيء لأولاد الابن ذكورا كانوا أو إناثا أو مختلطين لأن الذكر من أولاد الصلب مستحق لجميع المال باعتبار حقيقة الاسم وعند العمل بالحقيقة يسقط اعتبار المجاز فإن الجمع بين الحقيقة والمجاز في لفظ واحد في حالة واحدة متعذر .
والدليل على أن الاسم يتناول أولاد الابن مجازا أنه يستقيم نفيه عنه بإثبات غيره فيقال : ليسوا بنيه ولكنهم بنوا ابنه وهذا حد المجاز مع الحقيقة لأنه لا يمكن نفي الحقيقة ويمكن نفي المجاز بإثبات غيره .
والدليل عليه أن أولاد الابن يدلون بالابن ويرثون بمثل نسبه فيحجبون به كالأجداد بالأب والجدات بالأم بخلاف الإخوة لأم فإنهم يرثون مع الأم وإن كانوا يدلون بها لأنهم لا يرثون بمثل نسبها فإنها ترث بالأمومة وهم بالأخوة وأيد ما ذكرنا قوله عليه السلام ( ما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر ) وأولى رجل ذكر ابن دون أولاد الابن فإن لم يكن في أولاد الصلب ذكر ولا في أولاد الابن ذكر .
فإن كانت ابنة الصلب واحدة فلها النصف ولبنات الابن السدس تكملة الثلثين واحدة كانت أو أكثر من ذلك لحديث ابن مسعود - Bه .
وإن كانت ابنة الصلب بنتين فلهما الثلثان ولا شيء لبنات الابن لأن حظ البنات الثلثان وقد استحق البنتان جميع ذلك فلم يبق من حق البنات شيء لبنات الابن وإن لم يكن في أولاد الصلب ذكر وكان في أولاد الابن ذكر .
فإن انفرد الذكور من أولاد الابن فالباقي بعض نصيب البنات لهم نصفا كان أو ثلثا لقوله عليه السلام ( الحقوا الفرائض بأهلها فما أبقت فلأولى رجل ذكر ) ولا يقال بأن هذا جمع بين الحقيقة والمجاز لأن الاسم يتناول أولاد الصلب حقيقة وأولاد الابن مجازا وهذا لأن ما يعتبر فيه الحقيقة لا يعتبر فيه المجاز وهو ما استحقه بنات الصلب فأما ما زاد على ذلك فالحقيقة غير معمول بها في استحقاق ذلك وإنما يعمل بالمجاز في استحقاق ما لم يثبت فيه الاستحقاق باعتبار الحقيقة فلا يكون جمعا بين الحقيقة والمجاز .
فإن اختلط الذكور بالإناث من أولاد الابن . فنقول : إن كان بنات الصلب بنتين فصاعدا فلهن الثلثان والباقي بين أولاد الابن للذكر مثل حظ الأنثيين عند علي وزيد - Bهما - وهو قول جمهور العلماء .
وكان ابن مسعود يقول : الباقي لبني الابن خاصة ولا شيء لبنات الابن .
فإن كانت ابنة الصلب واحدة فلها النصف والباقي بين أولاد الابن للذكر مثل حظ الأنثيين عند علي وزيد .
وعند عبدالله بن مسعود ينظر إلى المقاسمة والسدس لبنات الابن فأي ذلك كان شرا لهن فلهن ذلك والباقي لبني الابن ويسمى هذا الجنس مسائل الإضرار على قول ابن مسعود .
واحتج في ذلك بالآية فإن الله تعالى اعتبر في ميراث الأولاد أحد الحكمين أما الثلثان للبنات بقوله تعالى { فإن كن نساء فوق اثنتين } ( النساء : 11 ) وأما القسمة فللذكر مثل حظ الأنثيين بقوله D { للذكر مثل حظ الأنثيين } ( النساء : 11 ) وقد وجد أحد الحكمين هنا وهو إعطاء البنات الثلثين فلا يجوز اعتبار الحكم الآخر في هذه الحادثة لأن الجمع بينهما متعذر بالإجماع فلا يبقى لأولاد الابن استحقاق بحكم هذه الآية بعدما أخذت البنات الثلثين فإنما يثبت الاستحقاق للذكور منهم بقوله - عليه السلام - ( فلأولى رجل ذكر ) .
وإن كانت ابنة الصلب واحدة قد بقى السدس مما يستحقه البنات ولكن ذلك لهن عند الأنفراد لا عند الاختلاط فلا يعطين إلا الأقل لأنه المتيقن به فلهذا ينظر إلى المقاسمة وإلى السدس فيما يعطى بنات الابن ولأن بنات الابن لو انفردن مع الابنتين لم يكن لهن شيء ومع الواحدة من البنات لا يكون لهن إلا السدس ومعلوم أن حالة الانفراد في حكم الاستحقاق أقوى من حالة الاجتماع وإنما تصير الأنثى عصبة بالذكر إذا كانت صاحبة فرض عند الانفراد كالبنات والأخوات .
فأما إذا لم تكن مستحقة شيئا عند الانفراد لم تصر عصبة بالذكر كبنات الأخوة مع بني الأخوة وبنات العم مع بني العم وحجتنا في ذلك أن الذكر مع أولاد الابن يعصب الإناث في درجته في استحقاق جميع المال بالاتفاق وهو ما إذا لم يكن هناك ولد للميت لصلبه فكل ذكر يعصب الأنثى في استحقاق جميع المال بالاتفاق يعصبها في استحقاق ما بقي كالأخ مع الأخوات في درجة واحدة والبنات مع البنين وهذا لأن بنات الصلب بما أخذن نصيبهن خرجن من البنين وصار فيما بقى كأنه ليس هناك ابنة ويكون الحكم فيما بقي هو الحكم في الجميع إذا لم يكن هناك بنات الصلب وبهذا يتبين أنا لا نجمع بين الحكمين في محل واحد وإنما نثبت في كل محل أحد الحكمين ففي الثلثين عملنا بقوله تعالى { فإن كن نساء فوق اثنتين } ( النساء : 11 ) وفيما وراء ذلك عملنا بقوله تعالى { للذكر مثل حظ الأنثيين } ( النساء : 11 ) .
يوضحه : أن الذكر من أولاد الابن يعصب الأنثى في درجته في حكم الحرمان .
وبيانه : إذا اجتمع مع الزوج والأبوين ابنة وابنة ابن فإن للبنت النصف ولابنة الابن السدس تكملة الثلثين .
فإن كان مع ابنة الابن ابن الابن في هذة الصورة لم يكن لها شيء لأنها تصير عصبة به ولم يبق من أصحاب الفرائض شيء فلما كان يعصبها في حكم الحرمان فلأن يعصبها في حكم الاستحقاق كان أولى لأن التعصيب في الأصل للاستحقاق لا للحرمان .
فإن كان الذكر من أولاد الابن دون الأنثى بدرجة .
فإن اجتمع مع ابنتي الصلب بنت ابن وابن ابن ابن فظاهر المذهب عندنا أن الباقي بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين .
وقال بعض المتأخرين إن الباقي للذكر خاصة هنا لأن الأنثى إنما تصير عصبة بذكر في درجتها لا بذكر هو دونها في الدرجة .
( ألا ترى ) أن البنت لا تصير عصبة بابن الابن في ابنة واحدة صلبية وابنة ابن وابن ابن ابن فإنه لا تصير ابنة الابن عصبة بابن الابن فكذلك مع البنتين لمعنى وهو أن الذكر إذا كان أبعد بدرجة فلو جعل للأنثى التي هي أقرب منه بدرجة عصبة كان الذكر محروما في نفسه لأن في ميراث العصبات الأقرب يقدم على الأبعد ذكرا كان أو أنثى .
( ألا ترى ) أن الأخت لما صارت عصبة مع البنت كان الباقي لها دون ابن الأخ والعم وإذا صار محروما لا يعصب أحدا .
وجه قولنا : أن هذه الأنثى لو كانت في درجة الذكر كانت عصبة به مستحقة معه فإذا كانت أقرب منه بدرجة كان أولى لأن تأثير القرب في قوة سبب الاستحقاق لا في الحرمان وفي هذا بيان أن التعصيب كان لمعنى النظر للأنثى ولا يتحقق ذلك في ابنة مع ابن الابن لأن بالتعصيب هناك ينتقص حقها لأنه يصير المال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين فنصيب البنت الثلث فلذا جعلناها عصبة بابن الابن وحقها بدون التعصيب النصف .
وكذلك في حق ابنة الابن مع ابنة واحدة للصلب فإن بالتعصيب هناك بابن ابن الابن لا يزداد نصيبها بحال وقد يؤدي إلى حرمانها في بعض الأحوال لأنه إذا كانت البنت الصلبية واحدة فحق ابنة الابن معها السدس دون التعصيب .
ولو عصبنا بنت الابن بابن ابن الابن لا يزداد نصيبها على السدس فإن الباقي من النصف وهو النصف يقسم بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين سهم لبنت الابن وسهمان لابن ابن الابن كما في غير حالة التعصيب فأما في التعصيب هنا توفير المنفعة على ابنة الابن باعتبار زيادة القرب .
يوضحه : أن من كانت في درجة الذكر هنا تستحق شيئا فالقول بأن الأبعد من البنات يستحق والأقرب يصير محروما بنسبة المحال فلا يصار إليه .
فصل .
ثم جملة من يرث مع الأولاد ستة نفر : .
الأب والجد لأب وإن علا والأم والجدة أم الأم أو أم الأب والزوجة ولا يرث غير هؤلاء مع الابن بالفريضة لا بالعصوبة ولا يكون غير هؤلاء صاحب فرض مع الابنة وإن كان قد يرث بالعصوبة .
فأما الأب فله في الميراث ثلاثة أحوال : فرض وعصوبة وكلاهما فالفرض مع وجود الابن وابن الابن وإن سفل والعصوبة عند عدم الولد وولد الابن ذكرا كان أو أنثى وكلاهما مع البنت وبنت الابن وفريضته السدس لا ينقص من ذلك إلا عند العول ولا يزاد عليه بالفريضة بحال وذلك منصوص عليه في كتاب الله تعالى قال الله تعالى { ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد } ( النساء : 11 ) فهو تنصيص على أنه صاحب فرض مع الولد وأن فريضته السدس . قال الله D { فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث } ( النساء : 11 ) معناه وللأب ما بقى كما هو الأصل أن المال متى أضيف إلى اثنين وبين نصيب أحدهما منه كان للآخر ما بقى فذلك تنصيص على أنه عصبة حال عدم الولد .
وأما مع البنت فهو صاحب فرض يأخذ السدس بالفرضية والبنت تأخذ النصف ثم للأب ما بقي بالسنة وهو قوله عليه السلام ( ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر وهو أولى رجل ذكر فيكون عصبة فيما بقي والجد أب الأب عند عدم الأب يقوم مقامه باعتبار أنه يدلى به وأنه يتناوله اسم الأب مجازا إلا في فصل : .
وهو في زوج وأبوين وامرأة وأبوين فإن للأم ثلث ما بقى والباقي للأب فإن كان مكان الأب جد فللأم ثلث جميع المال والباقي للجد على ما نبينه .
فأما الأم فإنها صاحبة فرض ولها في الميراث حالان : إما السدس وإما الثلث لا تنقص من السدس إلا عند العول ولا تزاد على الثلث إلا عند الرد أما السدس لها مع الولد ثبت ذلك بقوله تعالى { ولأبويه لكل واحدة منهما السدس مما ترك إن كان له ولد } والثلث بقوله تعالى { وورثه أبواه فلأمه الثلث } والسدس لها مع وجود الإخوة بقوله تعالى { فإن كان له إخوة فلأمه السدس } ولا خلاف أن فرضيتها السدس مع الولد ذكرا كان أو أنثى لأن اسم الولد حقيقة لهما فأما مع الإخوة فقد اختلفوا في فصول بعد ما اتفقوا أن الذكور والإناث في هذا الحكم سواء عند الاختلاط وعند الانفراد حتى أن فرضها السدس مع الأخوات المفردات كما في الذكور المفردين وكما مع الذكور مع الإناث عند الاختلاط .
وإنما الاختلاط في المثنى من الأخوة والأخوات فعلى قول أكثر الصحابة - Bهم - وهو قول جمهور العلماء الفقهاء فريضتها السدس معهما .
وعلى قول ابن عباس : فريضتها الثلث معهما إلا أن يكونوا أثلاثا لظاهر قوله تعالى { فإن كان له إخوه } ذلك اسم جمع وأدنى الجمع المتفق عليه ثلاثة والحجب لا يثبت إلا بعد التيقن بشرطه ولكنا نقول : قد ثبت بالنص أن المثنى من الأخوات كالثلاث في الاستحقاق قال الله تعالى { فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك } فكذلك المثنى كالثلاث في الحجب وقد بينا في البنات أن المثنى حكم الجمع في الحجب والاستحقاق جميعا وهذا وإن كان نوعا من المجاز فقد حملنا اللفظ عليه بدليل النص وذلك مستقيم على قول جمهور العلماء الأخوة لأم كغيرهما من الإخوة في حجب الأم من الثلث .
وعلى قول الزيدية : الحجب إنما يثبت بالإخوة لأب وأم أو لأب ولا يثبت بالأخوة لأم .
قالوا : لأن هذا الحجب بمعنى معقول وهو أن عند وجود الاخوة لأب وأم أو لأب يكثر عيال الأب فيحتاج إلى زيادة مال للإنفاق عليهم والأم لا تحتاج إلى ذلك إذ ليس عليها شيء من النفقة وهذا المعنى لا يوجد في الأخوة لأم لأن نفقتهم ليست على الأب وإنما ذلك على الأم فهي التي تحتاج إلى زيادة مال لأجلهم فلا تحجب من الثلث إلى السدس باعتبارهم .
وحجتنا ظاهر الآية فإن اسم الأخوة حقيقة للأصناف الثلاثة لأن الأخ من جاور غيره في صلب أو رحم وهذا حكم ثابت بالنص .
وقولهم غير معقول المعنى فإن الأخوة يحجبون الأم إلى السدس بعد موت الأب ولا نفقة هنا على الأب ويحجبون إذا كانوا كبارا وليس على الأب من نفقتهم شيء .
ثم السدس الذي يحجب عنه الأخوة لأم يكون للأب في قول عامة الصحابة وهو مذهبنا .
وعن ابن عباس - Bه - في رواية شاذة إن ذلك للأخوة .
بيانه : فمن مات وترك أبوين وأخوة عندنا للأم السدس والباقي للأب وعنده للأم السدس والسدس للأخوة والباقي للأب واستدل بحديث رواه طاووس أن النبي - A - أعطى الأخوة السدس مع الأبوين ولأن من لا يرث لا يحجب .
( ألا ترى ) أن الأخوة لو كانوا كفارا أو أرقاء لا يحجبون فلما حجبوا الأم مع وجود الأب عرفنا أنهم ورثة مع الأب ولا يرثون شيئا من نصيب الأب لأنهم يدلون به ولأن الأب أقرب منهم فإنه يتصل بالميت من غير واسطة فلم يبق لهم من الميراث إلا مقدار ما نقصوا من نصيب الأم وذلك سدس .
وحجتنا في ذلك قوله تعالى { فإن كان له إخوة فلأمه السدس } معناه وللأب ما بقى لأنه معطوف على قوله D { وورثه أبواه } فلأمه الثلث ثم هناك المراد وللأب ما بقي وحكم المعطوف حكم المعطوف عليه .
يوضحه : أنه بين في أول الآية حالا يكون الوارث فيه الأبوان فقط بقوله تعالى { وورثه أبواه } فبين نصيب الأم ثم عطف عليه بغير نصيبها بوجود الغير فيبقي ما سوى ذلك على ما كان وهو أن الوارث هم الأبوان فقط .
وأما الحديث فقد روى عن طاووس : لقيت ابن رجل من الأخوة الذين أعطاهم رسول الله السدس مع الأبوين فسألته عن ذلك فقال : كان ذلك وصية فعلى هذا يصير الحديث دليلا لنا لأن الوارث لا يستحق الوصية فلما أعطى رسول الله - A - الأخوة بالوصية مع الأبوين عرفنا أنهم لا يرثون .
والمعنى الذي قال هو كما قال : أن من لا يرث لا يحجب غير أن الشرط أن يكون وارثا في حق من يحجبه والأخ وارث في حق الأم وإنما يحجب الأم بخلاف الرقيق والكافر ثم هو محجوب بالأب لأن حال الأخوة مع وجود الأم لا يكون أقوى من حالة عند عدم الأم وهم لا يرثون مع الأب شيئا عند عدم الأم لأن الله تعالى شرط في توريث الأخوة أن يكون الميت كلالة وللكلالة من ليس له ولد ولا والد وهذا لا يتغير بوجود الأم فلهذا لا يرث الأخ شيئا مع الأب .
والأصح أن هذه الرواية عن ابن عباس لا تثبت فإن مذهبه في الجد مع الأخوة كمذهب الصديق - Bه - أنهم لا يرثون شيئا فكيف يرثون مع الأب .
ويختلفون أيضا في زوج وأبوين فعلى قول عمر وعلي وابن مسعود وزيد - Bهم - للزوج النصف وللأم ثلث ما بقي والباقي للأب وهو قول جمهور الفقهاء .
وعلى قول ابن عباس للأم ثلث جميع المال والباقي للأب وكذلك في امرأة وأبوين : للأم ثلث ما بقي عند من سمينا وعند ابن عباس في ثلث جميع المال .
وحكى أن ابن عباس لقي زيدا - Bهما - فقال : نشدتك الله هل تجد في كتاب الله ثلث ما بقى فقال لا ولكنني قلت ذلك برأيي فقال : كتاب الله أحق أن يؤخذ به من رأيك .
وحجته : ظاهر الآية فإن الله تعالى قال : { فلأمه الثلث } يعنى ثلث التركة لأنه معطوف على قوله تعالى { فلهن ثلثا ما ترك } وعلى قوله تعالى { وإن كانت واحدة فلها النصف } يعنى نصف ما ترك فكذلك قوله D { فلأمه الثلث } ثم لا يجوز أن ينتقص نصيب الأم بالزوج لأن سبب وراثه الأم أقوى من سبب الزوج فإن سبب وراثتها لا يحتمل النقص والدفع فهو قائم عند الوراثة وقد ترث جميع المال في بعض الأحوال بخلاف الزوج ولو جاز أن ينقص نصيب أحدهما لمكان الزوج لكان الأولى به الأب . وقد ينتقص نصيب الأب لوجود الزوج فإن المرأة إذا تركت أباها وحده كان له جميع المال وإن كان مع الأب زوجها فله نصف المال .
ولا ينتقص نصيب الأم لمكان الزوج بحال فإدخال ضرر النقصان على الأب أولى منه على الأم وهذا المعنى فقهي وهو أن الأب عصبة في هذه الحالة ولا مزاحمة بين العصبات وأصحاب الفرائض ولكن أصحاب الفرائض مقدمون فيعطون فريضتهم ثم ما بقي للعصبة قل أو أكثر واعتبار الثلث والثلثين بين الأب والأم عند وجود المزاحمة ويقاس بما لو كان مكان الأب جدا في هذين الفصلين : .
وحجتنا في ذلك قوله تعالى { فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث } معناه فلأمه ثلث ما ورثه أبواه إذا لو لم يحمل على هذا صار قوله وورثه أبواه فصلا خاليا عن الفائدة وقد كان يحصل البيان بقوله فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث كما قال تعالى { فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف } فلما قال هنا وورثه أبواه عرفنا أنه إنما جعل لها ميراث الأبوين وميراث الأبوين ما بقي بعد نصيب الزوج والزوجة .
يوضحه : أنه علق إيجاب الثلث لها بشرطين : أحدهما عدم الولد والآخر أن يكون الوارث أبوين فقط لأن قوله تعالى { فإن لم يكن له ولد } شرط وقوله تعالى { وورثه أبواه } عطف على شرط والمعطوف على الشرط شرط والمتعلق بشرطين كما ينعدم بانعدامهما ينعدم بانعدام أحدهما فبهذا يتبين أن ثلث جميع التركة لها غير منصوص في هذه الحالة فوجب المصير إلى هذا المعنى المعقول وهو أن الأبوين في الأصول كالابن والبنت في الفروع لأن سبب وارثة الذكر والأنثى واحد وكل واحد منهما متصل بالميت بغير واسطة ثم لا يجوز تفضيل البنت على الابن ولا التسوية بينهما في الفروع بل يكون للأنثى مثل نصف نصيب الذكر فكذلك في الأصول ويقاس ما بقى بعد نصيب الزوج والزوجة بجميع المال عند عدم الزوج والزوجة .
فأما إذا كان مكان الأب جد فيقول تفضيل الأنثى على الذكر أو التسوية إنما تجوز عند المساواة في القرب ولا مساواة فالأم متصلة بالميت من غير واسطة والجد لا يتصل به إلا بواسطة .
( ألا ترى ) أن الجد قد يحرم الميراث بمن هو أقرب منه وهو الأب والأم لا تحرم بمن هو أقرب منها بحال بمنزلة الأب فلهذا أعطيناها مع الجد ثلث جميع المال ومع الأب ثلث ما بقي .
وكان يقول أبو بكر الأصم لها ثلث ما بقي مع الزوج وثلث جميع المال مع الزوجة ويروى ذلك عن معاذ - Bه - لأن مع الزوج لو أعطيناها ثلث جميع المال لم يكن للأب إلا السدس فيكون فيه تفضيل الأنثى على الذكر ولا إلى التسوية بينهما .
فأما الجدة فهي صاحبة فرض فريضتها السدس لحديث أبي سعيد الخدري ( أعطى الجدة السدس ) ويستوى في ذلك أم الأم وأم الأب فإن اجتمعتا فالسدس بينهما ثبت ذلك باتفاق الصحابة - Bهم - على ما روى أن أم الأم جاءت إلى أبي بكر الصديق - Bه - وقالت أعطني ميراث ولد ابنتي فقال : لا أجد لك في كتاب الله تعالى نصيبا ولم أسمع من رسول الله - A - فيك شيئا ولكني أشاور أصحابي فجمعهم وسألهم عن ذلك فشهد محمد بن سلمة أن رسول الله - A - أعطى الجدة السدس ثم جاءت أم الأب بعد ذلك إلى أبي بكر فقالت : أعطني ميراث ولد ابني فقال : لا أجد لك في كتاب الله نصيبا ولم أسمع من رسول الله - A - فيك شيئا ولكني أرى أن ذلك السدس بينكما إذا اجتمعتا وهو لمن انفرد منكما .
ثم لا يزداد نصيب الجدات على السدس وإن كثرن إلا عند الرد ولا ينقص إلا عند العول .
فأما الزوج فهو صاحب فرض وله حالان : النصف عند عدم الولد وولد الابن ذكرا كان أو أنثى والربع عند وجوده ثبت ذلك بقوله تعالى { ولكم نصف ما ترك أزواجكم } الآية ولا يزداد الزوج على النصف بذلك بحال ولا ينقص عن الربع إلا عند العول وأما الزوجة فهي صاحبة فرض ولها حالان الربع عند عدم الولد . وولد الابن ذكرا كان أو أنثى والثمن عند وجوده ثبت ذلك بقوله تعالى { ولهن الربع مما تركتم } الآية ونصيب الزوجات بينهن بالسوية اثنتين أو ثلاثا أو أربعا لا يزاد لهن على الربع بحال ولا ينقص عن الثمن إلا عند العول ولا يحجب الزوج والزوجة عن الميراث بأحد ولا سبب إلا بقتل أو كفر أو رق .
والحاصل أن الحجب نوعان : حجب حرمان وحجب نقصان .
فحجب الحرمان : نحو حجب الأجداد بالأب والجدات بالأم وحجب النقصان نحو حجب الزوج والزوجة ولا خلاف في أن حجب الحرمان لا يثبت بمن هو غير وارث بسبب القتل أو الرق أو اختلاف الدين وكذلك حجب النقصان في أكثر قول الصحابة - Bهم - وهو مذهبنا .
وقال ابن مسعود - Bه - ثبت حجب النقصان بمن لا يكون وارثا .
واستدل في ذلك فقال : هذا الحجب بالنص ثابت بالولد وبالأخوة وبسبب الرق والقتل والكفر لا بقيد هذا الاسم فالتقييد يكون الأخ والولد وارثا يكون زيادة على النص وهذا بخلاف حجب الحرمان لأن حجب الحرمان باعتبار تقديم الأقرب على الأبعد وإنما يتحقق ذلك إذا كان الأقرب مستحقا فأما حجب النقصان باعتبار أن السبب مع وجود الولد والأخوة لا يوجب له إلا أقل النصيبين وفي هذا المعنى لا فرق بين أن يكون الولد والأخ وارثا أو لا يكون وارثا .
وحجتنا في ذلك : أن من ليس بوارث جعل في استحقاق الميراث كالميت فكذلك في الحجب هو كالميت كما أنه مع الرق لا يخرج من أن يكون ولدا فبالموت لا يخرج من أن يكون ولدا ثم شرطنا كونه ولدا حيا للحجب بالاتفاق فكذلك يشترط كونه وارثا حرا للحجب ونفس حجب النقصان على حجب الحرمان في المعنى لا فرق بينهما لأن في حجب الحرمان تقدم الأقرب في الكل وفي حجب النقصان تقديم الحاجب على المحجوب في البعض فإذا شرط هناك صفة الوراثة في الحاجب فكذلك يشترط هنا والله أعلم بالصواب