ولو أن رجلا انكسرت يده وهو على غير وضوء فربط الجبائر عليها ثم توضأ فله أن يمسح على الجبائر بخلاف ما إذا لبس الخف وهو على غير وضوء لأن المسح على الجبائر كالغسل لما تحته ما دامت العلة قائمة ألا ترى أنه لا يتوقت بوقت وأنه يجمع بين المسح على الجبائر والغسل في عضو واحد ولا يجوز الجمع بين البدل والأصل فعرفنا أنه بمنزلة الغسل لما تحته فلا يضره الحدث عند ربط الجبائر وأما المسح على الخف فلم يجعل كغسل الرجل ولكن استتار القدم بالخف يمنع سراية الحدث إلى القدم ولا يرفع الحدث عنها وشرط جواز المسح اللبس على طهارة كاملة كما " قال E : إني أدخلتهما وهما طاهرتين . " ولو ربط الجبائر وهو على غير وضوء ولبس خفيه ثم أحدث فتوضأ مسح على خفيه لأن اللبس حصل على طهارة فإن المسح على الجبائر كالغسل لما تحتها ما دامت العلة قائمة فلهذا كان له أن يمسح على الخف والجبائر فإن برئ ما تحت الجبائر وهو على طهارته فإنه يغسل موضعها ويصلي لأن المسح على الجبائر كان معتبرا قبل البرء فإذا برئت فقد انتهى حكم ذلك المسح فعليه غسل ذلك الموضع والبرء ليس بحدث فلا ينتقض به وضوؤه فإن غسل ذلك الموضع قبل أن يحدث ثم أحدث فله أن يتوضأ ويمسح على خفيه لأنه لما غسل ذلك الموضع فقد تمت طهارته وإنما اعترض أول الحدث بعد لبس الخف على طهارة كاملة فيكون له أن يمسح على الخف ولو أحدث قبل أن يغسل ذلك الموضع كان عليه أن يتوضأ ويغسل قدميه لأن أول الحدث بعد لبس الخف ما طرأ على طهارة كاملة فإن المسح على الجبائر لا معتبر به بعد .
صفحة [ 136 ] البرء فلهذا لزمه غسل القدمين .
ولو أن جنبا معه من الماء ما يتوضأ به فإنه يتيمم وقد بينا هذا في الصلاة فإن تيمم ثم أحدث ثم توضأ ولبس خفيه ثم أحدث ومعه من الماء ما يتوضأ به فإنه يتوضأ ويمسح على خفيه لأنه بالتيمم قد خرج من حكم الجنابة ما لم يجد ماء يكفيه للاغتسال فإنما لبس الخف بعد الوضوء على طهارة تامة ما لم يجد ماء يكفيه للاغتسال ولو لم يتيمم ولكنه توضأ ولبس خفيه ثم تيمم ثم أحدث ومعه من الماء مقدار ما يتوضأ به فإنه يلزمه غسل القدمين لأنه لبس الخف لا على طهارة فإن الوضوء في حق الجنب لا يكون طهارة فإن تيمم ثم أحدث ثم توضأ ولبس خفيه ثم مر بماء يكفيه للاغتسال فلما جاوزه أحدث فعليه أن يتيمم لأن حكم التيمم الأول قد انتهى بما أصاب من الماء فإن تيمم ثم أحدث ومعه من الماء ما يتوضأ به فإنه يتوضأ ويغسل قدميه لأنه حين مر بماء يكفيه للاغتسال فقد عاد جنبا كما كان ووجب عليه نزع الخفين فلا يكون له أن يمسح عليهما بعد ذلك . ولو أن جنبا اغتسل وبقي بعض جسده لم يصبه الماء فلبس خفيه ثم أحدث ثم أصاب ماء فعليه أن يغسل ما بقي من جسده ويتوضأ ويغسل قدميه لأنه لبس الخف على غير طهارة فلا يكون له أن يمسح ولو أن هذا الجنب الذي بقي من جسده لمعة لم يصبها الماء تيمم وصلى ثم أحدث ثم أصاب ماء فهذه المسألة على خمسة أوجه : .
أحدها : أن يكون الماء الموجود يكفيه لما بقي من جسده وللوضوء فعليه أن يغسل ما بقي من جسده ليخرج من الجنابة ثم هو محدث معه من الماء ما يتوضأ به فعليه أن يتوضأ .
والثاني : أن يكون الماء بحيث لا يكفيه لواحد من الأمرين فعليه أن يتيمم ولكن يستعمل الماء الموجود فيما بقي من جسده لتقليل الجنابة .
والثالث : أن يكون الماء الموجود بحيث يكفيه للمعة ولا يكفيه للوضوء فعليه أن يغسل به اللمعة حتى يخرج من الجنابة ثم هو محدث لا ماء معه فيتيمم للحدث .
والرابع : أن يكون الماء الذي معه يكفيه للوضوء ولا يكفيه لما بقي من جسده فعليه أن يتوضأ به لأن تيممه للجنابة باق حين لم يجد ماء يكفيه لإزالتها فهو محدث معه من الماء ما يتوضأ به .
والخامس : أن يكون الماء بحيث يكفي كل واحد منهما على الانفراد ولا يكفيه لهما فعليه أن يصرف الماء إلى غسل ما بقي من جسده لأن حكم الجنابة أغلظ ألا ترى أن الجنب يمنع من قراءة القرآن والمحدث لا يمنع من ذلك فعليه إزالة أغلظ الحدثين بالماء ثم يتيمم بعد ذلك للحدث فإن تيمم أولا ثم غسل اللمعة بالماء أجزأه في رواية هذا الكتاب . وفي الزيادات يقول لا يجزئه وقيل ما ذكر في الزيادات قول " محمد " C .
صفحة [ 137 ] تعالى وما ذكر ههنا قول " أبي يوسف " C تعالى وجه قول " محمد " أنه تيمم ومعه من الماء ما يكفيه لوضوئه فلا يعتبر تيممه وقاس هذا برجلين في السفر وجدا ماء يتوضأ به أحدهما فإنه يجب على أحدهما أن يتوضأ به ثم يتيمم الآخر بعد ذلك فإن بدأ أحدهما فتيمم ثم توضأ الآخر بالماء لم يجز تيمم المتيمم . وجه هذه الرواية أن الماء الذي معه مستحق لإزالة الجنابة فيجعل كالمعدوم في حق المحدث حتى يصح تيممه كما لو كان مستحقا لعطشه ثم شبه هذا في الكتاب بمن كان معه سؤر الحمار وهو محدث فإنه ينبغي له أن يتوضأ به ثم يتيمم فإن تيمم أولا ثم توضأ به أجزأه لأن الواجب عليه الجمع بينهما فبأيهما بدأ أجزأه فكذلك هنا الواجب عليه التيمم واستعمال الماء في اللمعة فبأيهما بدأ يجزئه . ولو توضأ للفجر ولبس خفيه وصلى ثم أحدث في وقت الظهر وتوضأ وصلى ثم في وقت العصر كذلك ثم ذكر أنه لم يمسح برأسه في الفجر فعليه أن ينزع خفيه ويغسل قدميه ويعيد الصلوات كلها لأنه تبين أن اللبس لم يكن على طهارة تامة وأن وضوءه في وقت الظهر والعصر لم يكن طهارة بالمسح على الخفين فيلزمه إعادة الصلوات كلها بعد إكمال الطهارة وإن تبين أنه ترك مسح الرأس في الظهر فعليه إعادة الظهر خاصة لأن لبسه كان على طهارة كاملة فتكون طهارته في وقت العصر بالمسح بالخف تامة ولا يجب عليه مراعاة الترتيب عند النسيان والاشتباه فلهذا لا يلزمه إلاقضاء الظهر . ولو سقطت الجبائر بعد ما مسح عليها في خلال الصلاة من غير برء فإنه يمضي على صلاته لأن المسح على الجبائر كالغسل لما تحتها ما دامت العلة قائمة لعجزه عن الغسل لما تحتها . ولو نسي أن يمسح على الجبائر حتى دخل في الصلاة ثم سقطت عنه الجبائر فإنه يستقبل الصلاة بعد ما يعيد الجبائر ويمسح عليها وهذا على الرواية الظاهرة التي تقول أنه لا يجزئه ترك المسح على الجبائر إذا كان يقدر عليها وقد بيناها في الصلاة . ولو توضأ بسؤر حمار وتيمم ثم أصاب ماء نظيفا فلم يتوضأ حتى ذهب الماء ومعه سؤر الحمار فعليه إعادة التيمم وليس عليه إعادة الوضوء بسؤر الحمار لأن ذلك طهارة بالماء فلا تنتقض بوجود الماء لمعنى وهو أن سؤر الحمار إن كان طاهرا فقد توضأ به وإن كان نجسا فليس عليه الوضوء به في المرة الأولى ولا في المرة الثانية فلهذا يكفيه إعادة التيمم . ومن صلى على بساط مبطن أو مصلى مبطن وفي البطانة قذر أكثر من قدر الدرهم وهو قائم على ذلك الموضع فإنه يجزئه وهو قول " أبي حنيفة " و " محمد " رحمهما الله تعالى . وروى " الحسن بن أبي مالك " .
صفحة [ 138 ] عن " أبي يوسف " رحمهما الله تعالى أنه لا يجزئه قيل إنما اختلف الجواب لاختلاف الموضوع فموضوع المسألة في الكتاب فيما إذا لم يكن مضربا ولا كانت الظهارة متصلة بالبطانة بالعرى أو غيرها فيكون هذا في حكم ثوبين يبسط أحدهما فوق الآخر والأسفل منهما فرش نجس وذلك لا يمنع جواز الصلاة وموضوع تلك الرواية فيما إذا كان مضربا أو متصلا بالعرى فحينئذ يكون في حكم ثوب واحد وفي الثوب الواحد إذا كانت النجاسة في الوجه الأسفل منه فوقف على ذلك الموضع فإنه لا تجزئه صلاته فهذا كذلك ومنهم من حقق الخلاف في المسألة وجه قول " أبي يوسف " C تعالى أن هذا المصلى وإن كان مبطنا فإنه يعد في الناس ثوبا واحدا ويستعمل كذلك فيكون هو بالوقوف عليه واقفا على النجاسة وشرط جواز الصلاة طهارة مكان الصلاة وهذا بخلاف ما إذا كان فراشه نجسا وعليه مجلس طاهر فصلى عليه لأن المجلس هناك منفصل عن الفراش وهما ثوبان مختلفان وقيامه يكون مضافا إلى الأعلى دون الأسفل . ووجه ظاهر الرواية أن المصلى المبطن في الحقيقة ثوبان وإن خيط جوانبه لتيسر الاستعمال وإنما يضاف قيامه وجلوسه في العادة إلى الأعلى دون الأسفل . ألا ترى أن الأعلى إذا كان ديباجا يقال فلان جالس على الديباج فإذا كان الأعلى طاهرا قلنا تجوز صلاته كما في مسألة الفراش والمجلس ومن هذا وقع عند العوام نزع المكعب والقيام عليه في الصلاة على الجنازة وغيرها فإن النجاسة إنما تكون على الصرم لا على المكعب فلا يكون ذلك مانعا من جواز الصلاة على ظاهر الرواية . وقد قال بعض مشايخنا أن ذلك يمنع لأن الصرم متصل بالمكعب بعرى فيكون في حكم شيء واحد ولو أن جبة مبطنة فيها دم قدر الدرهم وقد نفذ من أحد الجانبين إلى الجانب الآخر فصلى فيه لم تجز صلاته لأن الظهارة مع البطانة ثوبان وفي كل واحد منهما نجاسة بقدر الدرهم فإذا جمعت بينهما كان أكثر من قدر الدرهم وهذا بخلاف الثوب الذي هو طاق واحد إذا أصابته نجاسة قدر الدرهم ونفذ من أحد الجانبين إلى الجانب الآخر فإنه تجوز الصلاة فيه لأن ذلك الثوب شيء واحد فباعتبار الوجهين لا تزداد النجاسة في ثوبه على قدر الدرهم وههنا الظهارة غير البطانة فهما ثوبان مختلفان