( قال C ) ( وإذا حضر الرجل الموت وليس له وارث فأوصى رجل بماله كله لرجل فهو جائز عندنا ) بلغنا عن ابن مسعود - Bه - ( أنه قال : يا معشر همدان إنه ليس من قبيلة أحرى أن يموت الرجل منها لا يعرف له وارث منكم .
فإذا كان ذلك فليضع ماله حيث أحب وقد بينا هذه المسألة في كتاب الوصايا فإن كان هذا الميت أسلم على يد رجل ووالاه أو كان له أحد من ذوي الأرحام كان للموصى له الثلث لأن من سمينا وارث له فعقد الموالاة عند تسبب الإرث وذوي الارحام من جملة الورثة فلا تنفذ وصيته مع وجود أحد من هؤلاء إلا في مقدار الثلث من ماله .
وإذا أقر في مرضه بأخ له من أبيه وأمه أو ابن له ثم مات وله عمة أو خالة أو مولى موالاة فالميراث للعمة أو الخالة وقد تقدم بيان هذا في كتاب الدعوى فلا يستحق المقربة شيئا مع وارث معروف له .
ولو لم يكن له وارث من القرابة وغيرهم كان ماله لهذا المقربه لأنه أقر له بشيئين بالنسب وباستحقاق ماله بعده وهو في النسب مقر على غيره وفي استحقاق المال إنما يقر به على نفسه فيعتبر إقراره في ذلك وهذا لأنه غير متهم في هذا الإقرار فيما يرجع إلى المال لأنه يملك ايجابه له بطريق الوصية ابتداء فلهذا يعتبر إقراره باستحقاق المال .
ولو أوصى بماله كله لرجل مع ذلك كان لصاحب الوصية ثلث المال لأن التهمة لما انتفت عن إقراره التحق المقربة بالوارث المعروف فيكون للموصى له ثلث المال معه وقد بينا في كتاب الدعوى من يصح إقراره به للرجل والمرأة ومن لا يصح إقراره .
ولو أقر في مرضه بابن ابن أو بأخ وصدقه المقر به في ذلك ثم أنكره المريض وقال : ليس بيني وبينه قرابة ثم أوصى بماله كله لرجل ثم مات ولا وارث له فالمال كله للموصى له ولا شيء للمقر به لأن النسب لم يثبت بإقراره وكان إقراره بمنزلة إيجاب المال له بالوصية ورجوعه عن ذلك صحيح .
فإن أنكره صار بمنزلة الراجع عما أوجبه له فلهذا سلم المال كله له .
ولو لم يوص بماله لأحد كان ماله لبيت المال دون المقر به لأن حق المقر به قد بطل بجحوده .
فإن قيل : كلامه بمنزلة الإقرار بالمال فكيف يصح رجوعه عنه .
قلنا : لا كذلك بل هو بمنزلة إيجاب المال له بطريق الخلافة وهو الوصية .
( ألا ترى ) أن ما أقر به لو كان ظاهرا لم يستحق المال إلا بهذه الصفة ولو لم يقر المريض بشيء من ذلك ولكن له عمة أو مولى نعمة فأقرت العمة أو مولى النعمة بأخ للميت من أبيه وأمه أو بعم أو بابن عم ثم أنكره ثم مات المريض أخذ المقر به الميراث كله لأن الوارث المعروف أقر بأنه مقدم عليه في استحقاق ماله وإقراره حجة على نفسه ولو جدد الإقرار به بعد موت المريض كان جميع المال للمقر به فكذلك إذا أقر به قبل موته .
وإن أقرت المرأة بزوج وابنة لها من غير هذا الزوج فصدقها كل واحد منهما بما أقرت به له خاصة وجحد صاحبه ثم مات ولا وارث لها فللزوج نصف المال لأن اقرارها بالزوجية صحيح واقرارها بالابنة غير صحيح في حق الزوج فيأخذ الزوج النصف ثم لما لم يوجد ما يستحق لما بقي من الورثة فيعتبر إقرارها بالابنة فيما بقي فيكون لها النصف الباقي .
ولو صدقها الزوج فيما أقرت به من نسب الابنة وجحدت الابنة الزوج كان للزوج ربع المال لأن إقراره حجة في حقه فالتحقت بالابنة المعروفة عند تصديقه في حقه فيكون له ربع المال والباقي للابنة .
ولو أقرت في مرضها أو صحتها بزوج وابنة وأم وأخت لأب فصدقها كل واحد فيما أقرت به له خاصة فللزوج نصف المال لأن إقرارها بالزوجية صحيح ولمن سمى الزوج من جميع من سمينا غير صحيح في حق الزوج فيأخذ الزوج نصف المال ثم الباقي يقسم بين من بقي على تسعة لأنهم استووا في أن إقرارها لهم بالنسب لا يصح فيجعل فيما بينهم كأن كل واحد منهم معروف بالنسب الذي أقر به .
ولو كانوا معروفين كانت القسمة من اثنى عشر للزوج الربع ثلاثة وللبنت النصف ستة وللأم السدس سهمان والباقي وهو سهم للأخت وقد أخذ الزوج كمال حقه فيطرح سهاما ويقسم ما بقي بينهم على تسعة للابنة ستة وللأم سهمان وللأخت سهم .
فإن كان المقر بهم لم يصدقوها ولم يكذبوها حتى ماتت ثم صدقوها بعد موتها على ما بينا : ففي قياس قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - الجواب كذلك .
وفي قياس قول أبي حنيفة - C - لا شيء للزوج في هذه المسألة في الإقرار عند أبي حنيفة تصديق الزوج بعد موتها باطل فلا شيء له ويقسم الميراث كله على ستة لأنه يصير في الحكم كأنه ما أقر إلا بالثلاثة سوى الزوج فيكون للابنة نصف ثلاثة من ستة وللأم السدس سهم والباقي للأخت وهو سهمان وقع في بعض النسخ وللأخت ثلاثة وهو غلط فإن الأخوات مع البنات عصبة فيكون للأخت ما بقي وهو سهمان ولو كانوا أقروا بذلك في حياتها وتكاذبوا فيما بينهم إلا الزوج فإنه أقر بالأم كان للزوج النصف والباقي على تسعة أسهم كما بينا ثم يضم للأم نصيبها إلى نصيب الزوج فيقتسمان ذلك على خمسة أسهم للزوج ثلاثة وللأم سهمان لأن الزوج قد صدق بها فالتحقت في حقه بأم معروفة فما يحصل في أيديهما يقسم بينهما على مقدار حقهما فيكون على خمسة للزوج ثلاثة وللأم سهمان وفي هذا بعض الشبهة لأن بوجوب الأم لا يتحول نصيب الزوج إلى الربع فينبغي أن يضرب هو بالنصف ستة . ولكن نقول الزوج إنما يضرب بثلاثة على أن تكون المرأة تركت زوجا وأما فتكون القسمة من ستة للزوج ثلاثة .
فإن قيل : فعلى هذا ينبغي أن يكون ما في أيديهما بينهما نصفين لأن الأم أخذت النصف الباقي مع الزوج .
قلنا : هي بالأمية تستحق الثلث ثم الباقي يرد عليها ولا يعتبر الرد في المزاحمة عند ضعف المال فلذا كانت القسمة بينهما على خمسة .
ولو أقر في مرضه فصدقه الأخ في ذلك ثم أوصى بماله لرجل آخر ثم مات فقال الأخ لست له بأخ وكان إقراره لي باطلا فالمال كله للموصى له وإن لم يوص بماله لاحد فالمال كله لبيت المال لأن الأخ صار رادا لما أوجبه له حين أنكر الأخوة .
ولو أقر رجل بامرأة وابنة وأم وأخت لأب فصدقته كل واحدة منهن في نفسها وكذبته في البقية ثم مات فللمرأة الثمن والباقي للابنة خاصة لأن إقرار الرجل بالمرأة والابنة صحيح فالتحقتا بالمعروفتين فللمرأة الثمن والباقي للابنة بالغرض والرد ولا شيء للأم والأخت لأن الابنة بعد ثبوت نسبها مستحقة لجميع المال .
وإذا أقر بابن ابن أو بأخ له من أبيه وأمه ثم قتل عمدا فليس للمقربة في القود قول ولكنه إلى الإمام لأن المقر له بمنزلة الموصى له والموصى له بالمال لا حق له في القود ولأن إقراره إنما يعتبر فيما يملك الإنشاء به وهو لا يملك الإنشاء في القصاص .
( ألا ترى ) أنه لو أوفي بذمة لرجل لم يكن له أن يقبض منه فكذلك إذا أقر له بنسب لا يثبت ذلك النسب بإقراره ولكن الرأي إلى الإمام فإن شاء استوفى القصاص وإن شاء صالح القاتل على الدية فإن صالحه على ذلك فالدية للمقر به لأن حق الموصى له يثبت في الذمة كما يثبت في سائر الأقواد فكذلك في حق المقر به .
ولو كان المقتول أقر ببعض من يثبت نسبه منه بإقراره كان القود للمقربة إذا صدقه بنسبه في حياته أو بعد موته لأن النسب الثابت بإقراره كالثابت بالمعاينة .
ولو كان أقر بامرأة ثم مات فالقود إليها وإلى الإمام لأن إقراره بالزوجية صحيح فتلتحق بامرأة معروفة فيكون لها ربع القود والباقي للإمام إن شاء استوفيا .
وإن شاء صالحا على الذمة أو أكثر منها فإن صالحا على أقل من الذمة كان ربع ذلك لها لأن صلحها صحيح في نصيبها وأما الثلاثة أرباع فيصالح الإمام فيه على أقل من ثلاثة أرباع الدية .
وإذا مات الرجل وترك أخا لأب وأم فأقر الأخ في حياته أو بعد موته بابنة ابن ابن الميت ثم أنكرها في حياته أو بعد موته فهو سواء فيأخذ منه نصف المال لأنه أقر لها بنصف ميراثه وذلك ملزم إياه ولا يعتبر إنكاره بعد ذلك فإن أعطاها نصف المال ثم أقر بابنة ابن للميت فإن دفع إلى الأولى بغير قضاء دفع إلى هذه نصف جميع المال لأنه أقر أنها مستحقة لنصف المال دون الأولى وما دفعه بغير قضاء محسوب عليه من نصيبه فيجعل كالقائم في يده .
ولو كان دفع الى تلك بقضاء دفع إلى هذه ثلاثة أخماس ما بقي في يده لأن الميت بزعمه خلف ابنة ابن وابنة ابن ابن وأخا فلابنة الابن النصف ثلاثة وللأخرى السدس والباقي وهو سهمان للأخ وما دفعه إلى الأولى زيادة على حقها بقضاء قاض لا يكون محسوبا عليه فيجعل ذلك كالتاوي فتضرب الثانية فيما بقي بثلثه وهو سهمان فلهذا يعطيها ثلاثة أخماس ما بقي في يده لأنه زعم أنها هي المستحقة للنصف وأن للأخ ما بقي بعد السدس .
وإذا قتل الرجل عمدا وله أخ لأب وأم فأقر الأخ بابنة للمقتول فإنه هو الخصم في الدية يقبل منه البينة ويحضر معه الابنة التي أقر بها فإذا قضى القاضي بالدم تركا جميعا القتل أو أمرا من يقتل بحضرتهما ولا يقتل حتى يحضرا لأن العفو من كل واحد منهما صحيح في نصيبه باعتبار زعم صاحبه فلا يقتل إلا بحضرتهما فأما الإثبات بالبينة صحيح من الأخ وإن لم يحضر البينة إلا على قول أبي يوسف وهو بناء على التوكيل بإثبات القول وقد تقدم بيان الخلاف فيه في كتاب الوكالة .
ولو كان الأخ أقر بابن للميت فإن القاضي لا يقبل أيضا البينة حتى يحضر الابن والأخ جميعا لأن الأخ هو المستحق للدم في الحكم وقد زعم الأخ أن المستحق هو الابن فلا بد من أن يحضرا جميعا لإثبات القود بالبينة ثم إما أن يتوليا قتله أو بأمر أحدهما صاحبه فيقتله بحضرة الآخر .
وإذا مات الرجل وترك أخاه لأبيه وأخاه لأمه فادعى رجل أنه أخو الميت لأبيه وأمه وصدقه لأخ من الأم بأنه أخوه من أمه وصدقه الأخ من الأب بأنه أخوه لأبيه فإنه يدخل مع الأخ لأب فيقاسمه ما في يده نصفين ولا يدخل مع الأخ لأم لأن في يد الأخ الأم السدس وهو لا ينقص من السدس .
وإن كثرت الأخوة من الأب وقد زعم الأخ لأب أنه مساو له فيأخذ منه نصف ما في يده وهو سدسان ونصف وإنما أقر الأخ لأم بأن له من التركة السدس وقد وصل إليه أكثر من ذلك فلا يزاحمه في شيء مما في يده .
وإذا هلكت المرأة وتركت زوجها وأخاها لأبيها فادعى رجل أنه أخوها لأبيها وأمها وصدقه الزوج بذلك وصدقه الأخ بأنه أخوها لأبيها فللزوج النصف لا ينقص منه والنصف الباقي بين الأخوين نصفان لأن فرض الزوج لا يتغير بالأخ من الأب وإنما أقر الزوج له بما يستحق بالعصوبة في يد الأخ لأب وهو مصدق بالعصوبة له مكذب له فيما يدعي من الترجيح عليه فلهذا كان الباقي بينهما نصفين .
وكذلك لو صدقه الزوج أنه أخوها لأمها لأن الزوج إنما يقر له بالسدس بالفريضة ويصل إليه سدس ونصف سدس بإقرار الأخ لأب وإن كان الأخ من الأب أقر بأنه أخ لأم وأقر الزوج بأنه أخ لأب أخذ المقر به من الأخ ثلث ما في يده لأنه زعم أن الميت خلف أخا لأم وأخا وزوجا فيكون للزوج النصف ثلاثة وللأخ لأم السدس سهم والباقي وهو سهمان للأخ لأب ففي هذا إقرار بأن حقه في التركة مثل نصف حق المقر فلهذا يعطيه ثلث ما في يده فيضمه إلى نصيب الزوج فيقتسمانه أثلاثا للزوج ثلثاه وللمقر به ثلثه لأن للميت بزعم الزوج أخوين لأب وزوجا فالفريضة من أربعة للزوج سهمان ولكل أخ سهم فعلى هذا يقسم ما في يده بينهما أثلاثا فالمراد ينبغي على قياس هذا الجواب في المسألة الأولى وهو ما إذا أقر الزوج بأنه أخ لأم أن يأخذ هو نصف ما في يد الأخ لأب ويضمه إلى ما في يد الزوج ويقتسمانه نصفين لأن لها بزعم الزوج أخ لأب وأم وأخ لأب وزوج فيكون المال بين الأخ لأب وأم والزوج نصفين على سهمين فما يصل إليهما يقسم بينهما على اعتبار زعمهما والله أعلم بالصواب