( قال C ) ( وإذا كان الرجل ثلاث جواري قيمة كل واحدة ثلثمائة فأوصى لرجل بجارية منهن بعينها ثم مات فلم يقسم الورثة والموصى له حتى زادت تلك الجارية فصارت ستمائة أو ولدت ولدا يساوي مائة أو وطئها رجل بشبهة غرم عقرها مائة أو اكتسبت مائة فهذا كله من مال الميت ) لأن التركة بعد الموت قبل القسمة مبقاة على حكم ملك الميت فهذه الزيادة تجل على حكم ملكه أيضا ويكون حصولها قبل الموت وحصولها بعد الموت سواء .
فإن كانت الزيادة في بدنها فللموصى له تمام ثلث مال الميت منها وماله صار ألفا ومائتين فللموصى له مقدار الثلث أربعمائة وذلك ثلثا الجارية التي أوصى له بها وثلثها له مع الجاريتين الأخرتين .
وإن كانا ضامنا لها فإنه يسلم له الجارية كلها وتمام الثلث من تلك الزيادة حتى تقع القسمة في قول أبي حنيفة .
وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله - : للموصى له الثلث من الجارية ومن الزيادة لا يبدأ بشيء من ذلك قبل وقد تقدم بيان المسألة في الوصايا والمقصود ها هنا بيان أنه يعتبر مال الميت حتى تقع القسمة لا حين يوصى ولا حين يموت لأن حق الموصى له في الثلث بمنزلة حق الورثة في الثلثين وإنما يتم سلامة الثلثين للورثة عند القسمة فكذلك سلامة الثلث للموصى له .
( ألا ترى ) أنه لو ظهر دين قبل القسمة وجب تنفيذه من الأصل والزيادة جميعا . وإذا كان للرجل أمة تساوي ثلثمائة لا مال له غيرها فأوصى بها لرجل ثم مات فباعها الوارث بغير محضر من الموصى له نفذ بيعها في ثلثيها لأن الموصى له صار أحق بثلثها والوارث أحق بثلثيها .
فإذا كانت ولدت عند المشتري ولدا يساوي ثلثمائة ثم أحضر الموصي له مائة يأخذ ثلث الجارية ويكون للمشتري ثلثاها وثلثا الولد ويكون للموصى له التسع من الولد ويرد التسعين إلى الوارث لأن ملك المشتري يفوت في ثلثيها فيقرر في ثلثي الولد أيضا ولا يكون ذلك محسوبا من مال الميت لأنه حدث على ملك المشتري وإنما مال الميت الجارية وثلث الولد فيأخذ الموصى له بثلث الجارية ويكون له ثلث الولد وذلك تسع الولد لأنه لا يسلم له بالوصية أكثر من ثلث مال الميت ويرد التسعين إلى الوارث لأنه زائد على الثلث بما تناولته الوصية فيكون مردودا على الوارث .
وكذلك المهر والكسب في قول أبي حنيفة - C - ؟ وهذا لأنه يبدأ بالجارية في تنفيذ الوصية ثم بالولد .
ولو كانت الجارية زادت في بدنها حتى صارت تساوي ستمائة صار كان الميت ترك من المال أربعمائة لأن في ثلثي الجارية يعتبر القسمة وقت البيع من الوارث فإن بيعه من الوارث بمنزلة الاستهلاك لأنه ملكه من غيره فيخرج به من أن يكون مبقى على حكم الميت فالزيادة الحاصلة في ثلثيها لا تكون محسوبة من مال الميت يبقى مال الميت ثلثها وقيمة ذلك مائتا درهم فيكون للموصي له الثلث من ذلك وهو ثلثا ثلث الجارية قيمة ذلك مائة وثلاثة وثلاثون وثلث وللوارث ثلث ثلثيها قيمة ذلك ستة وستون وثلثان فإذا ضممته إلى المائتين استقام الثلث والثلثان .
ولو لم تزد الجارية ولكنها نقصت حتى صارت تساوي مائة درهم أخذ الموصى له ثلثها ورجع على الوارث من قيمتها بأربعة وأربعين وأربعة اتساع درهم لأن مال الميت ما صار للوارث مستهلكا له وقيمة ذلك مائتا درهم وثلث الجارية قيمته ثلاثة وثلاثون وثلث فإن نقصان السعر لا يكون مضمونا على المشتري فللموصى له ثلث مائتي درهم وثلث ومقدار ذلك ما قال في الكتاب فيأخذ ثلث الجارية لأنها هي الأصل ويرجع على الوارث بأربعة وأربعين وأربعة أتساع درهم حتى يكون السالم له ثلث مال الميت .
وإذا كان للرجل ثلاثة أعبد قيمة كل واحد منهم ثلثمائة لا مال له غيرهم فأوصى بعبد منهم بعينه لرجل ثم مات الموصى فأعتق الوارث العبدين الآخرين ثم صارت قيمة كل واحد منهم ستمائة ثم جاء الموصى له فطلب حقه فإنه يأخذ من العبد الموصى له به ثلثيه لأن الوارث بالإعتاق صار مستهلكا للعبدين الباقيين فإنما تعتبر قيمتهم يومئذ وذلك ستمائة فيكون للموصي له بقدر ثلث مال الميت وذلك ثلثا هذا العبد قيمته أربعمائة وثلثه للورثة قيمته مائتان من الستمائة مع الثمانمائة .
ولو كان الوارث لم يعتقهما ولكن الموصى له أعتق العبد الموصى به ثم نقصت قيمة العبيد حتى صار كل واحد منهم يساوي مائة فإنه يأخذ الوارث العبدين الباقيين ويضمن له مائة وثلاثة وثلاثين وثلثا لأن الموصى له صار مستهلكا بالإعتاق العبد الموصى له به فتعتبر قيمته يومئذ وقيمة العبدين الباقيين عند القسمة فيكون مال الميت خمسمائة يسلم للموصى له ثلث ذلك مائتان وستة وستون وثلثان ويقوم للوارث ما زاد على ذلك إلى تمام ثلثمائة فيأخذه الوارث مع العبدين الباقيين حتى يسلم له ثلثمائة وثلاثة وثلاثون وثلث .
وإذا كان للرجل عبد يساوي ثلثمائة فأوصى به لرجل ثم مات ولا مال له غيره وله ابن صغير فكاتب الوصي العبد على ألف درهم فأداها إلى الوصي ثم جاء الموصى له يطلب حقه فيكون الوصي في الكتابة قائما مقام الصغير وحين تنفذ منه الكتابة في ثلثيه صار ذلك مستهلكا وإنما أدى الألف من كسب اكتسبه بعد الكتابة قلنا الكسب لا يكون محسوبا من مال الميت وإنما مال الميت العبد وثلث الكسب فيكون جملة ذلك ستمائة وثلاثة وثلاثين وثلثا يسلم للموصى له ثلث ذلك وهو مائتا درهم واحد عشر وتسع يأخذها من مال الابن إن كان له مال بثلث قيمة العبد .
وإن شاء أعتق ويرجع الموصي على العبد فيستسعيه الابن في ثلث قيمته لأنه عتق بقدر الثلثين منه فيخرج الباقي إلى الحرية بالسعاية فإن تمكنت السعاية في يد الموصى قبل أن يحضر الموصى له ثم حضر فإنه يتبع مال الابن إن كان له مال بثلث قيمة العبد .
وإن شاء أعتق وإن شاء استسعاه لأن الصبي معتق باستيفاء الوصي بدل الكتابة وقد كان العبد مشتركا بينه وبين الموصى له فكان للموصى له أن يضمنه قيمة نصيبه إن كان موسرا وقد بينا في العتاق أن الصبا لا يمنع وجوب ضمان العين والموصى له لا يكون ضامنا من ماله شيئا لأنه غير مخالف في نصيب الصغير بالكتابة فيكون فعله كفعل الصبي .
فإن كانت قيمة العبد زادت بعد أدائه المكاتبة لم ينظر إلى الزيادة ولا إلى النقصان بعد الأداء لأنه لما عتق بعضه وقد خرج من أن يكون مثبتا على ملك الميت .
ولو كان العبد زاد قبل أن يؤدي المكاتبة حتى صار يساوي ستمائة ثم أدى المكاتبة فضاع في يد الموصى فلا ضمان على الوصي فيما قبض من المكاتبة لأنه غير مخالف في تصرفه بالكتابة وقبض البدل وللموصى له أن يتبع مال الابن إن كان له مال بثلث أربعمائة لأن مال الميت قيمة ثلثي العبد وقت الكتابة وذلك مائتا درهم وقيمة ثلثه وقت الأداء وذلك مائتا درهم فيكون أربعمائة فيسلم للموصى له ثلث ذلك وله الخيار بين التضمين والإعتاق والاستسعاء .
وإن رجع ذلك في مال الصبي رجع الوصي على العبد بقيمة ثلثه عند الأداء وذلك مائتا درهم فيسعى للصبي في ذلك .
وإذا كان للرجل عبدان قيمة كل واحد منهما ألف درهم فكاتبهما في مرضه كتابة واحدة بألف درهم فمات أحدهما وأدى الباقي المكاتبة إلى السيد ثم مات السيد بعد ذلك ولم يستهلك المكاتبة فإن الورثة يرجعون على الحي بمائتي درهم وذلك تمام ثلثي المال لأن المريض حاباهما بقدر ألف فذلك وصية لهما تنفذ من ثلثه وبموت أحدهما قبل موت المريض لا تبطل وصيته لأن هذه الوصية في ضمن الكتابة والكتابة قائمة ببقاء من يؤدي البدل وهو المكاتب الآخر ولأن هذه الوصية تلزم بنفسها فتكون بمنزلة العتق المقدم في مرضه فلا تبطل بموته فإنما مال الميت عند موته بدل الكتابة وهو ألف درهم ونصف رقبة الباقي قيمته خمسمائة والذي مات مستوفيا لوصيته ويؤدي بموته نصف رقبته فإنما يقسم الباقي بين الوارث والعبد القائم على خمسة لأن للعبد نصف الثلث سهم من سهمين وللوارث أربعة فإذا قسمنا ألفا وخمسمائة بينهم أخماسا للعبد من رقبته بقدر ثلثمائة ويسعى فيما بقي وذلك مائتا درهم فحصل للورثة ألف ومائتا درهم وقد سلم للوصي بالعبد القائم ثلثمائة والميت صار مستوفيا مثل ذلك بالوصية فيقتسم الثلث والثلثان وكذلك لو كان أحد المكاتبين مات بعد موت المولي وبقي الآخر فأدى المكاتبة .
وإذا كان للرجل ألفا درهم وعبد يساوي ألف درهم فأوصى أن يباع العبد من فلان بمائة درهم وأوصى لرجل بثلث ماله فإن العبد يباع تسعة أعشاره من الموصى له بالبيع بأربعمائة وخمسين درهما لأنه اجتمع في العبد وصيتان وصية بالبيع وهو مثل الوصية بالرقبة في القسمة ووصية بالثلث فتكون القسمة على طريق المنازعة للموصى له بالبيع خمسة أسداسه وللآخر سدسه .
وإذا صار العبد على ستة فكل ألف من الألفين يكون على ستة أيضا للموصى له بالثلث ثلث ذلك وهو أربعة فمبلغ سهام الوصايا عشرة فذلك ثلث المال وجملة سهام المال ثلاثون العبد من ذلك عشرة أسهم وهو العشر للموصى له بالثلث وخمسة وهو نصف العبد يباع من الموصى له بخمسين درهما كما أمر به الموصى وأربعة أعشاره حق الورثة فإنما يباع من الموصى له بالبيع بمثل قيمته أن رغب فيه لأنه لم يبق من الثلث شيء لتنفذ له المحاباة فيه وقيمة أربعة أعشاره أربعمائة فلهذا يباع تسعة أعشار العبد من الموصى له باربعمائة وخمسين فيكون للموصى له بالثلث خمس الألفين أيضا وذلك أربعمائة ويكون للموصى له من الثمن خمسون درهما وهو حصة نصف العبد الذي نفذنا فيه الوصية بالبيع مع المحاباة لأن ثمن ذلك خمسون وقد فرغ من وصية صاحب البيع فيسلم لصاحب الثلث .
فإذا قد سلم للموصى له بالثلث في الحاصل خمسمائة وخمسين ونفذنا للموصى له بالمحاباة الوصية بقدر أربعمائة وخمسين فذلك ألف درهم وحصل للورثة ألف درهم فقد حصل لهم من الثمن أربعمائة وأربعة أخماس الألفين فيستقيم الثلث والثلثان .
وإذا كان للرجل عبد يساوي ألف درهم لا مال له غيره فباعه من رجل في مرضه بثلاثة ألاف درهم بسنه ستة وأوصى لرجل آخر بثلث ماله ثم مات وأبى الورثة أن يجيزوا فتخريج هذه المسألة ينبني على فصلين فيهما الخلاف .
أحدهما : أن عند أبي حنيفة المحاباة المتقدمة تقدم على سائر الوصايا في الثلث .
والثاني : أن من باع في مرضه عبدا يساوي قيمته ألف درهم بثلاثة ألاف سنة فعلى قول أبي حنيفة وأبي يوسف الآخر إنما يصح التأجيل في ثلث الثمن .
وفي قوله الأول وهو قول محمد التأجيل صحيح فيما زاد على ثلثي قيم العبد من الثمن وقد تقدم بيان الفصلين .
ثم التخريج على قياس قول أبي حنيفة أن نقول : يتخير المشتري فإن شاء نقض البيع وإن شاء أدى ألفي درهم حالة وسلم له التأجيل في مقدار ألف لأن المحاباة تقدم على الوصية بالثلث أصلا فإن نقض البيع بطلت وصيته ويبقى صاحب الثلث فيأخذ ثلث العبد .
وإن أوصى بالبيع فأدى ألفي درهم حالة إلى الورثة ثم خلف الألف الباقية فإنها تؤخذ منه وتعطى الموصى له بالثلث لأن هذه الألف التي من مال الميت وقد فرغت من وصية صاحب المحاباة بمضي الأجل فيسلم للموصى له بالثلث .
وأما على قول أبي يوسف فإن اختار المشتري امضاء البيع فالتأجيل صحيح له في ربع الثمن ويؤدي ما بقي فيسلم للوارث من ذلك ألفان وللموصى له بالثلث ما بقي لأن الثمن ثلاثة ألاف فربعه سبعمائة وخمسون وإنما لم يصح تأجيله إلا في هذا القدر لأن الموصى له بالثلث يضرب بالثلث والموصى له بالبيع يضرب بالجميع فيكون الثلث بينهما على أربعة والمال اثنى عشر فإنما يسلم له التأجيل في مقدار ثلاثة أسهم من اثني عشر وهو الربع ويؤدي ألفين ومائتين وخمسين وإذا حل الأجل كان الباقي وهو سبعمائة وخمسون كله لصاحب الثلث لأنه من جملة الثلث وقد فرغ من وصية صاحب المحاباة فيسلم لصاحب الثلث .
وفي قول محمد التأجيل صحيح في مقدار الألفين وفي ثلاثة أرباع ثلث الألف الثالثة باعتبار أن محل الوصية ثلث هذه الألف فيضرب فيه الموصى له بالثلث بسهم والموصى له بالربع بثلاثة فيؤدي ربع هذا الثلث مع ثلثي القيمة ربع هذا الثلث للموصى له بالثلث وثلثا القيمة للورثة .
وإذا حل الأجل أدى ما بقي من الثمن فيكون للموصى له بالثلث من ذلك تمام الألف مع استوفاء والباقي للورثة وإنما يتحقق الخلاف قبل حلول الأجل فلعل بعد حلول الأجل يرتفع الخلاف والله أعلم بالصواب