قال : رضي الله تعالى عنه رجل قرأ آية السجدة في مكان ثم قام فدخل مع الإمام في صلاته في موضعه فقرأها الإمام فسجدها وسجد هذا الرجل معه فعليه أن يسجد الأولى إذا فرغ من صلاته وفي كتاب الصلاة والجامع يقول ليس عليه أن يسجد الأولى إذا فرغ من صلاته ووجه تلك الرواية أن المتلو آية واحدة والمكان مكان واحد والمؤداة أكمل فإن لها حرمتين : حرمة الصلاة وحرمة التلاوة ولو كانت المؤداة مثل الأولى نابت عنها فإذا كانت أكمل من الأولى فلأن تنوب عنا أولى ووجه هذه الرواية أنهما مختلفتان في الحكم فإن احداهما صلاتية والأخرى ليست بصلاتية فلا تدخل إحداهما في الأخرى كما لو كان المتلو آيتين وقيل إنما اختلف الجواب لاختلاف الموضوع فإن وضع المسألة ههنا فيما إذا أعادها الإمام فيكون هذا الرجل فيما يلزمه بحكم تلاوة الإمام تبعا والأولى وجبت عليه بتلاوته مقصودا فلا تتأدى بالتبع وهناك وضع المسألة فيما إذا قام فدخل في الصلاة بنفسه ثم قرأها فيكون كل واحد منهما مقصودا في حقه والمؤداة أكمل فإن سها الإمام فلم يسجدها فعلى الرجل السجدة الأولى وليس عليه الثانية لأن الثانية صلاتية عليه فلا يمكنه أن يؤديها بعد الفراغ من الصلاة ولا في الصلاة لأنه تبع للإمام وأما الأولى ففي هذه الرواية لم تدخل في الثانية فعليه أن يؤديها بعد الفراغ من الصلاة . وفي رواية الجامع ليس عليه أن يؤديها لأنها دخلت في الصلاتية فتسقط بسقوط الصلاتية عنه ولو أن رجلين افتتحا التطوع كل واحد منهما على حاله فقرأ كل واحد منهما سورة لم يقرأها صاحبه وفيها سجدة فسجد كل واحد منهما التي قرأها فعلى ليس في الصلاة وإن كانا قرأ سورة واحدة فسجد . كل واحد منهما التي قرأها فعلى كل واحد منهما أن يسجد لما سمع من صاحبه إذا فرغ لأن تلك السجدة سماعية في حقه لا صلاتية بمنزلة ما لو سمعها من رجل ليس في الصلاة وإن كانا قرأ سورة واحدة فسجد كل واحد منهما لما كان قرآ فليس على كل واحد منهما أن يسجد إذا فرغ لما سمع من صاحبه لأن المتلو آية واحدة والمكان .
صفحة [ 132 ] مكان واحد والمؤداة أكمل لاجتماع الحرمتين لها وإن سها كل واحد منهما أن يسجدها في الصلاة فلا سجود على واحد منهما بعد الخروج من الصلاة لأن السماعية قد دخلت في الصلاتية بسبب اتحاد السبب وقد سقطت الصلاتية بالخروج منها فتسقط السماعية أيضا . فإن قرأ آية السجدة في الصلاة فسجدها ثم فرغ من صلاته فقرأها في مقامه ذلك فلا سجود عليه وفي كتاب الصلاة يقول إذا سلم وتكلم ثم أعادها فعليه سجدة أخرى قيل إنما اختلف الجواب لاختلاف الموضوع فهناك وضع المسألة فيما إذا سلم ولم يتكلم وبمجرد السلام لا ينقطع فور الصلاة ألا ترى أنه يأتي بسجود السهو بعد السلام ولو أنه تذكر شيئا من أركان الصلاة بعد السلام كان يأتي به ولا يأتي به بعد الكلام وقيل بل ما ذكر هنا قول " أبي يوسف " الآخر وما ذكر في كتاب الصلاة قوله الأول وهو قول " محمد " - C تعالى - وهو نظير الإختلاف فيما إذا قرأها في ركعة وسجد ثم أعادها في ركعة أخرى وقد بينا وجه الروايتين في كتاب الصلاة . ولو أن امرأة انقطع عنها الدم فلم تغتسل حتى سمعت السجدة فليس عليها قضاء تلك السجدة إذا اغتسلت وهذا إذا كانت أيامها دون العشر فأما إذا كانت أيامها عشرا فقد تيقنا بخروجها من الحيض وإنما بقي عليها الاغتسال فقط فهي كالجنب والجنب إذا سمع آية السجدة كان عليه أن يسجدها بعد الاغتسال . وكذلك إن كانت أيامها دون العشر وذهب وقت صلاة منذ انقطع الدم عنها فقد حكمنا بطهارتها حين أوجبنا الصلاة عليها فيلزمها السجدة بالسماع أيضا فأما إذا لم يذهب وقت صلاة بعد ما انقطع الدم وهي في مصر فسمعت آية التلاوة فلا سجود عليها لأنها حائض بعد فإن مدة الاغتسال في حقها من جملة الحيض ألا ترى أنه لا ينقطع حق الزوج في الرجعة ما لم تغتسل والحائض لا يلزمها السجدة كما لا تلزمها الصلاة وقد قال بعض مشايخنا إذا تمكنت من الاغتسال فلم تغتسل ثم سمعت آية السجدة يلزمها السجدة لأن السماع سبب موجب للسجدة كما أن جزأ من الوقت سبب موجب للصلاة ثم لو أدركت جزأ من الوقت بعد التمكن من الاغتسال تلزمها الصلاة فكذلك إذا سمعت بعد التمكن من الاغتسال .
ولو كانت في سفر فإن تيممت ثم سمعت فعليها السجدة لأن التيمم في حقها بمنزلة الاغتسال في حكم الصلاة فكذلك في حكم السجدة وإن لم تتيمم حتى سمعت فلا قضاء عليها لأنها لم تخرج من الحيض ما لم تتيمم أو يذهب وقت الصلاة . ولو قرأ سجدة ثم .
صفحة [ 133 ] ارتد ثم أسلم فلا سجود عليه لأن الردة تحبط عمله وتجعله ككافر أصلي أسلم الآن في حكم سائر العبادات فكذلك في حكم سجدة التلاوة . ولو قرأها الإمام في صلاة لا يجهر فيها ولم يسمعها القوم فعليهم أن يسجدوا لأنها وجبت على الإمام بالتلاوة وهي صلاتية والمقتدي تبع للإمام في أعمال الصلاة فيجب عليه ما هو واجب على الإمام وهذا بخلاف ما إذا قرأها على المنبر يوم الجمعة فإن هناك لا تجب السجدة على من لم يسمعها لأن الخطبة تؤدى في غير تحريمة مشتركة فلا يكون بين القوم والإمام فيها متابعة وإنما السبب الموجب للسجدة هناك التلاوة والسماع فلا تجب إلا على من تقرر السبب في حقه . ولو قرأ رجل بالفارسية وسمعها قوم لا يفقهون الفارسية وهم في غير الصلاة فعليه وعليهم أن يسجدوها وهذا قياس قول " أبي حنيفة - " C تعالى - وذكر في الأمالي عن أبي يوسف - " C تعالى - قال : إنما تجب السجدة ههنا على من يعلم أنه يقرأ آية السجدة ولا تجب على من لا يفهم ذلك وهو قول " محمد - " C تعالى - أيضا وهذا لأن من أصل " " أبي حنيفة - " C تعالى - أن القراءة بالفارسية كالقراءة بالعربية حتى قال : يتأدى بها فرض القراءة في الصلاة ولو قرأها بالعربية وجبت السجدة على من سمعها لتقرر السبب ويلزمه أداؤها إذا علم بذلك فكذلك إذا قرأ بالفارسية فأما عندهما فالفارسية ليست بقرآن على الإطلاق ولهذا لا يتأدى فرض القراءة بها في حق من يعرف العربية ويتأدى في حق من لا يعرف العربية فكذلك يجب بهذا السماع السجدة على من يعرف ذلك .
ولو أن سكرانا قرأ سجدة أو سمعها فعليه أن يسجدها لأن السكران مخاطب تلزمه الصلاة بإدراك الوقت فكذلك تلزمه السجدة بخلاف المجنون إذا قرأها أو سمعها في حال جنونه لأنه غير مخاطب قالوا وهذا إذا طال جنونه فأما إذا قصر فكان يوما وليلة أو أقل ينبغي أن تلزمه السجدة استحسانا كما يلزمه قضاء الصلوات على رواية هذا الكتاب كما بينا ولو قرأها عند ارتفاع الضحى فقضاها نصف النهار لم تجزه . لأنها وجبت عليه بصفة الكمال والمؤداة عند الزوال ناقصة وإن قرأها نصف النهار فسجدها أجزأه لأنه أداها كما وجبت عليه وإن لم يسجدها حتى تغيرت الشمس عند الغروب ثم أداها فإنه يجزئه وهذا قول " أبي يوسف - " " C تعالى - وهو قياس قول " أبي حنيفة " و " محمد " - رحمهما الله تعالى - فأما على قول " زفر - " C تعالى - فلا تجزيه وأصل الخلاف فيما بينا إذا شرع في الصلاة عند الزوال ثم أفسدها وقضاها عند الغروب أجزأه .
صفحة [ 134 ] عندنا ولم يجزئه عند " زفر " C تعالى . وكذلك إذا قرأ آية السجدة على الدابة ثم نزل ثم ركب فأداها جاز عندنا بمنزلة ما لو أداها قبل النزول وعند " زفر : " لا يجزئه لأنه لما نزل فقد لزمه أداؤها على الأرض فلا تتأدى بالإيماء بعد ذلك كما لو قرأها وهو نازل فكذلك في هذه المسألة والله أعلم بالصواب