( قال - C - ) ( وإذا أوصى رجل لرجل بما في بطن هذه الجارية ثم ولدت بعد موته لستة أشهر أو أكثر فلا وصية له ) لأنه أوصى بالمعدوم ولم يعلم وجوده عند موت الموصي حقيقة ولا حكما ووجوب الوصية بالموت فما لم تكن العين معلومة الوجود عند وجوب الوصية لا تكون الوصية به صحيحة وبيان ذلك أن أدنى مدة الحبل ستة أشهر فيحتمل أن يكون هذا الولد من علوق حادث بعد موته وقد بينا أن الوصية بما في بطن الحيوان لا تصح قبل الوجود وإسناد العلوق إلى وقت سابق يكون لضرورة الحاجة إلى إثبات نسبه وذلك لا يوجد ههنا وإن جاءت به لأقل من ستة أشهر وجبت الوصية به من الثلث لأنا تيقنا بوجوده عند وجوب الوصية وهو حال الموت .
ولو قال : إن كان في بطن فلانة جارية فلها وصية ألف وإن كان في بطنها غلام فله وصية ألفين فولدت جارية لستة أشهر إلا يوما ثم ولدت غلاما بعد ذلك بيومين فلها جميعا الوصية لأنا حكمنا بوجود الذي انفصل قبل تمام ستة أشهر عند موت الموصي وهما توأمان خلقا من ماء واحد فمن ضرورة الحكم بوجود أحدهما في وقت الحكم بوجود الآخر فيه والوصية أخت الميراث وفي الميراث الجنين في البطن والمولود في الحكم سواء إذا انفصل حيا فكذلك في الوصية ثم شرط الوصية بالألف وجود الجارية في بطنها وقد وجد الشرطان .
وإن ولدت غلامين أو جاريتين لأقل من ستة أشهر فذلك إلى الورثة يعطون أي الغلامين شاؤا أو أي الجاريتين شاؤا لأنه أوجب الوصية لأحدهما ومثل هذه الجهالة اليسيرة المستدركة لا تمنع صحة الوصية كما لو أوصى بثلاثة لفلان أو فلان والبيان إلى الورثة لأنهم قائمون مقام مورثهم .
ولو قال إن كان الذي في بطنك غلام فله ألفان وإن كانت جارية فلها ألف فولدت غلاما وجارية فليس لواحد منهما شيء لأن اللفظ المذكور يتناول جميع ما في بطنها بمنزلة قوله إن كان ما في بطنك أو جميع ما في بطنك ولم يكن جميع ما في بطنها على إحدى الوصيتين اللذين بهما علق استحقاق الوصية .
وكذلك لو قال إن كان حملك فهو اسم جميع المذكور لجميع المجهول قال الله تعالى : { وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن } ( الطلاق : 4 ) ثم العدة لا تنقضي إلا بوضع جميع ما في البطن وإذا ترك امرأة حبلى فأوصى رجل لما في بطنها وصية ثم وضعت الولد لأقل من ستة وجبت له الوصية لأنا نسند العلوق إلى حال حياته لضرورة الحاجة إلى إثبات نسب الولد منه وإذا أسندنا فقد حكمنا بكون الولد موجودا في البطن حين أوجب له الوصية فكان ذلك بمنزلة علمنا حقيقة وإن ولدت ميتا فلا وصية له لأنه لا يستحق الوصية إلا باعتبار صفة الحياة فيه بعد موت الموصي ولا يعلم ذلك حين انفصل ميتا بخلاف ما إذا انفصل حيا ثم مات .
( ألا ترى ) أن في حكم الميراث الذي انفصل ميتا لا يجعل ولدا في حكم الاستحقاق فكذلك في الوصية وإن ولدت ولدين أحدهما حي والآخر ميت فالوصية للحي منهما بخلاف ما إذا ولدتهما حيين لأنه تم استحقاق الوصية لهما فبموت أحدهما بعد ذلك يصير نصيبه لورثته وأما إذا انفصل أحدهما ميتا فلم تعلم حياته بعد موت الموصي فلا يصح ضمه إلى الحي فكانت الوصية كلها للحي بمنزلة ما لو أوصى لحي وميت وهما منفصلان والله أعلم بالصواب