( قال - C - ) ( وإذا أوصى رجل لرجل بدينار إلا درهما أو بمائة درهم إلا دينارا فهو كما قال يعطي ممن ثلثه دينار إلا درهما ) وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف فأما عند محمد يعطى ما سمى له أولا والاستثناء باطل وقد بينا المسألة في الإقرار أن الاستثناء بخلاف الجنس لغو عند محمد - C - لأن الاستثناء لإخراج ما وراءه ولولاه لكان الكلام متناولا له ولا يتحقق ذلك مع اختلاف الجنس فلا يكون هذا استثناء على الحقيقة بل يكون استثناء منقطعا بمعنى لكن فمعناه أوصيت له بالدينار ولكن لم أوص له بدرهم فلا يكون رجوعا على شيء .
وكذلك ما أخذه فأنفقه على نفسه في كسوته وطعامه ودوائه ثم قضاه فإنه قد وصل إليه ما تكون ماليته مثل مالية ما أدى ثم حاجته في ماله تقدم على حق غرمائه .
وهما يقولان المجانسة في المقدار ثابتة . معنى من حيث إنها ثبتت في الذمة ثبوتا صحيحا وإنما كان الاستثناء عبارة عما وراء المستثنى بطريق المعنى دون الصورة فكان اعتبار المعنى فيه مرجحا فلهذا صح استثناء المقدر من المقدر وإن لم يكن من جنسه صورة فعلى هذا لو قال كر حنطة إلا درهما أو كر شعير إلا مختوم حنطة نقص من الشعير قيمة ذلك .
وكذلك لو قال له : داري هذه أو عبدي هذا إلا مائة درهم فعندهما يبطل من ذلك قيمة مائة درهم ويجوز له ما بقي من الثلث وهذا مشكل فإن الدار والعبد ليسا بمقدورين ولكنهما يشترطان أن يكون المستثنى مقدرا والمستثنى هنا مقدر وكأنهما يعتبران الاستثناء فاعتبار المالية في المقدرات يعر بالتسمية فيصح استثناء القدر من خلاف جنسه مقدرا كان أو غير مقدر أو يقول هذا في معنى وصية ببيع الدار والعبد منه بمائة فكأنه يقول : جعلت ملك هذه الدار وماليتها محاباة إلا بقدر مائة درهم فإني لا أخلفها له بعوض .
ولو كانت الدار قيمتها ألفا فأوصى ببيعها منه بمائة . جازت المحاباة من الثلث فها هنا كذلك إلا أن هناك التمليك مضاف إلى جميع الدار وههنا إلى ما وراء المستثنى معنى وقيمة مائة درهم من الدار يكون للورثة والباقي للموصى له .
ولو قال : أوصيت له بما بين العشرة والعشرين أو من العشرة إلى العشرين أو ما بين العشرة إلى العشرين فهو سواء وله تسعة عشر درهما في قول أبي حنيفة وعندهما له تمام العشرين استحسانا .
وروى زفر عن أبي حنيفة أن له ثمانية عشر وهو قول زفر .
وكذلك لو قال بما بين المائة إلى المائتين فعند أبي يوسف ومحمد يدخل الغايتان استحسانا فله المائتان وفي رواية زفر لا يدخل الغايتان فله تسعة وتسعون .
وفي قول أبي حنيفة تدخل الغاية الأولى للضرورة ولا تدخل الغاية الثانية فله مائة وتسعة وتسعون وقد بينا المسألة في الإقرار .
ولو أوصى له بعشرة دراهم في عشرة فله عشرة وعلى قول زفر عشرون باعتبار أن حرف في بمعنى حرف الواو أو بمعنى حرف مع وعند الحسن بن زياد له مائة بطريق الحساب فإنك إذا سألت واحدا من الحساب كم عشرة في عشرة يقول : مائة .
ولكنا نقول له عشرة لأن حرف في للظرف والعشرة لا تصلح ظرفا للعشرة فيلغو آخر كلامه ويجعل بمعنى الواو ومع مجازا وبالمجاز لا يثبت تمليك المال كما لا يثبت بالسك والضرب من حيث الحساب تكثر السهام لا أصل المال فعشرة دراهم وإن ضربتها في عشرة أو في مائة تكثر السهام فيها ولا يزداد وزنها .
ولو قال بعشرة أذرع في عشرة أذرع من داره أو أرضه جعلت له مائة ذراع مكسرة لأن لذوي المساحات طولا وعرضا فقوله فيها عشرة في عشرة لبيان الطول والعرض وذلك لا يتناول إلا مائة ذراع مكسرة بخلافة الدراهم فليس فيها لا طول ولا عرض وإنما يعرف مقدارها بالوزن وبأول كلامه صار مقدار الوزن معلوما فيكون آخر كلامه خاليا عن الفائدة . ولو أوصى له بثوب سبع في أربع جعلت له ذلك كما قال لأن للثوب طولا وعرضا فإنما مراده بهذا اللفظ فيه بيان الطول والعرض على أن يكون الأكثر لبيان طوله والأقل لبيان العرض وهذا لأن اسم الثوب لا يتغير بزيادة الطول والعرض ونقصانهما وإنما يتغير الوصف فكان قوله سبعا في أربع بيانا لصفة ما أوصى له به من الثوب بخلاف الدراهم فبزيادة المقدار يتبدل الاسم لأنه لا يقال للمائة عشرة دراهم بحال وكذلك لا يقال لها عشر مرات عشرة في العادة فلم يبق إلا الغاء آخر الكلام فيه .
ولو أوصى له بحنطة في جوالق أعطيته الحنطة دون الجوالق لأنه أوجب له مظروفا في ظرف فإنما يستحق المظروف خاصة وذكر الجوالق لتعيين محل الجوالق وهذا لأن حرف في للظرف وإنما يقال أوصى له بكذا ولا يقال أوصى له في كذا فإنما يتناول الوصية بهذا اللفظ ما اتصل به حرف الباء وهو الحنطة دون ما اتصل به حرف في وهو الجوالق ولو أوصى له بهذا الجراب الهروي أعطيته الجراب وما فيه لأنه أوصل حرف البا بالجراب والجراب الهروي اسم للجراب المملوء بيانا دون الجراب فارغا .
ولو أوصى له بهذا الدن الخل أعطيته الدن وما فيه كأنه قال بهذا الدن والخل فيكون حرف الباء متصلا بهما جميعا معنى ولأنه وصل هذا الحرف بالدن وسمي الدن الخل وإنما يسمى به حقيقة إذا كان مملوا خلا .
وكذلك لو أوصى له بقوصرة تمر ولو أوصى له بسيف أعطيته السيف بجفنه وحمائله لأن اسم السيف عند الإطلاق يتناول الكل ولو أوصى له بسرج أعطيته السرج وما حمل من متاعه ولو أوصى له بقبة أعطيته عيدان القبة من غير كسوة لأن الاسم للعيدان .
( ألا ترى ) أن في العادة لا يكون مع القبة كسوة ولكن كل مالك يتخذ كسوة القبة لنفسه عل حسب ما يريده بخلاف السرج والسبف ولو أوصى بقبة تركية أعطيته القبة بالكنود لأن الاسم يطلق على الكل عادة .
( ألا ترى ) أنه لا يتخذ كل مالك للعيدان إلا كنودا آخر عادة وإن أوصى له بحجلة فله الكسوة دون العود لأن اسم الحجلة يتناول الكسوة بدون العيدان والعيدان بدون الكسوة لها اسم آخر وهي القبة فلهذا لا يستحق باسم القبة الكسوة ولا باسم الحجلة العيدان .
ولو أوصى له بسلة زعفران أعطيته الزعفران دون السلة وكان ينبغي على قياس ما تقدم أن يستحق السلة لأنه وصل حرف الباء بالسلة .
ولكنه ترك القياس لعرف الناس فإنهم إذا قالوا سلة زعفران فإنما يريدون به بيان مقدار الزعفران لا حقيقة السلة كما يقال كيل حنطة وكيل شعير . وكذلك لو أوصى له بهذا العسل وهو في زق أعطيته العسل دون الزق وكذلك لو قال بهذا السمن أو الزيت وما أشبه ذلك لأنه سمى في وصيته له المظروف وبتسمية المظروف لا يستحق الظرف فلهذا لم يكن له من الوعاء شيء والله أعلم بالصواب