( قال - C - ) ( وإذا شهد الوصيان أنه أوصى إلى هذا معهما فإن كذبهما ذلك الرجل فشهادتهما باطلة ) لأنهما متهمان فيها وأنهما يثبتان بشهادتهما من يعينهما على التصرف وإن ادعاها الرجل جازت شهادتهما استحسانا .
وفي القياس لا تجوز لأجل التهمة ولكنه استحسن فقال : لو سألا من القاضي أن يجعل هذا الرجل وصيا معهما والرجل راغب في ذلك كان على القياس للقاضي أن يجيبهما إلى ذلك فلا يتهمان في إخراج الكلام مخرج الشهادة في هذه الحالة فأما إذا كان الرجل مكذبا لهما فهما متهمان في إخراج الكلام مخرج الشهادة لأنهما لو سألا ذلك من القاضي لم يجبهما إذا لم يكن الرجل راغبا فيه .
ثم إذا كذبهما الرجل أدخلت معهما آخر لأن في ضمن شهادتهما إقرارا منهما بوصي آخر معهما للميت وإقرارهما حجة عليهما فلا يتمكنان من التصرف بعد ذلك بمنزلة ما لو مات أحذ الأوصياء الثلاثة وكذلك لو صدقهما وقال : لا أقبل الوصية كان له ذلك لأنه لم يسبق منه القبول ولكن يتعذر على الوصيين التصرف بدون رأى الثالث فيدخل القاضي معهما وصيا ثالثا وهذا القياس .
والاستحسان في فصول أربعة : .
أحدها : ما بينا .
والثاني : إذا شهد ابنا الميت أن أباهما أوصى إلى هذا ففي القياس لا تقبل شهادتهما لأنهما ينصبان نائبا عن أبيهما ومن يتصرف لهما .
ولو شهدا أن أباهما وكل هذا الرجل في حياته والأب غائب لم تقبل الشهادة فكذلك إذا شهدا بالوصية .
وفي الاستحسان إذا كان الرجل مدعيا للوصية تقبل شهادتهما لخلوها عن التهمة فإنهما لو سألا من القاضي أن يجعل هذا الرجل وصيا والرجل راغب فيه أجابهما القاضي إلى ذلك بخلاف ما إذا لم يكن الرجل مدعيا للوصية وبخلاف الوكالة فإنهما لولا سألاه أن يوكل هذا الرجل عن أبيهما لم يفعل ذلك وهذا لأنه ليس للقاضي ولاية في مال أبيهما والثالث : الموصى لهما إذا شهدا أن الموصي أوصى إلى هذا فهو القياس والاستحسان لأن الموصى له بالثلث شريك الوارث فهو في هذه الشهادة كالوارث .
والرابع : غريمان لهما على الميت دين ولو شهدا أنه أوصى إلى هذا الرجل في القياس لا تقبل الشهادة بمنزلة ما لو شهدا في حياته أنه وكل هذا الرجل بقضاء ديونه وهذا لأن في هذه الشهادة منفعة لهما فإنهما يطالبانه بقضاء دينهما .
وفي الاستحسان إذا كان الرجل مدعيا للوصية قبلت الشهادة لأن للقاضي أن ينصب وصيا بالتماسهما من غير شهادة فلا يتهمان في إخراج الكلام مخرج الشهادة .
ولو أن غريمين للميت عليهما دين شهدا أن الميت أوصى إلى هذا جازت شهادتهما قياسا واستحسانا لخلوها عن التهمة فإنهما ينصبان بشهادتهما من يطالبا بقضاء الدين فتقبل الشهادة لخلوها عن التهمة ولو شهد ابنا الميت الموصي أو أبوه ورجل آخر أن الميت أوصى إليه أبطلته لأنه يشهد للوصي بثبوت ولاية التصرف له والولادة تمنع قبول شهادة أحدهما للآخر .
وكذلك لو شهد ابنا أحد الوصيين أن الميت أوصى إلى أبيهما وإلى هذا الآخر فشهادتهما باطلة لأنهما يشهدان لأبيهما والمشهود به كلام واحد فإذا بطل في حق أبيهما بطل في حق الآخر وشهادة ابني الوصيين على أن الموصي عزله وأوصى إلى رجل آخر جائزة لأنهما يشهدان على أبيهما بالعزل ويشهدان للأجنبي بولاية التصرف .
وكذلك شهادة ابني الغريمين أو غريميه على أنه عزل هذا وأوصى بولاية التصرف إلى الآخر جائزة لأنهما يشهدان بثبوت الولاية للثاني وبنقل ولاية التصرف من الأول إلى الثاني فلا تتمكن التهمة فيهما واختلاف الشاهدين على أنه أوصى إليه في الوقت والمكان لا تفسد الشهادة لأن الإيصاء إلى العين قول تكرر فلا يختلف المشهود به باختلافهما في المكان والزمان .
ولو شهد أنه قال : هو وكيلي فيما تركت بعد موتي جعله وصيا له لأن النائب بعد الموت وصي سواء شهد بلفظة الوصاية أو بلفظة الوكالة .
( قال ) ( ولا تجوز شهادة الوصي للموصى للميت ) لأنه متهم في شهادته بإثبات حق القبض لنفسه وكذلك لو شهد الوصي للميت شهادة بعد أن يدرك ورثته ويقبضوا مالهم لم أجز شهادته لأنه لو قبض ذلك جاز قبضه عليهم فكان هو الخصم في ذلك فلا شهادة له فيما كان خصما فيه .
ولو شهد الوصي لوارث كبير أو صغير على الميت بدين لم تجز شهادته له في قول أبي حنيفة - C .
وفي قولهما وابن أبي ليلى - رحمهم الله - تجوز شهادته للكبير ولا تجوز شهادته للصغير لأنه إذا شهد للصغير فهو الذي يقبض وإذا شهد للكبير فليس له حق القبض فيما للكبير الحاضر فلا تتمكن التهمة في شهادته وأبو حنيفة يقول : كان هو الخصم فيما شهد به حين كان هذا الكبير صغيرا فلا يكون شاهدا فيه .
وقد بينا المسألة في الشهادات وأما فيما ليس من الميراث فإن شهادة الوصي للصغير لا تقبل على الصغير لأنه هو القابض وتجوز للكبير لأنه أجنبي في ذلك فإنه إنما صار خصما بقبوله الوصاية فيما هو من جملة ميراث الميت فأما فيما للوارث الكبير على الأجنبي لا بطريق الإرث فهو أجنبي .
وإذا شهد شاهدان لرجل على الميت بدين وشهد رجلان للشاهدين على الميت بدين فهو جائز في قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله .
وقال أبو يوسف : تبطل شهادتهم وهذه ثلاثة فصول : أحدها لا تقبل الشهادة بالاتفاق وهو أن يشهد رجلان لرجلين بوصية الميت لهما بالثلث ويشهد المشهود لهما للشاهدين بالوصية بالثلث وهذا لأن الثلث مشترك بين الموصي لهم فشهادة كل فريق لاقت محلا مشتركا بين الشاهد والمشهود له وفي الوجه الثاني الشهادة مقبولة بالاتفاق وهو أن يشهد الرجلان أن الميت أوصى لهما بهذا العبد ويشهد الآخر أن الميت أوصى للشاهدين بهذه الجارية فالشهادة تقبل لأن كل واحد من الفريقين يثبت الحق للمشهود عليهما في محل لا شركة لهما في ذلك المحل .
والفصل الثالث على الخلاف وهو فصل الدين : .
فأبو يوسف يقول : حق الغرماء بعد الموت يتعلق بالتركة ولهذا لا يثبت الملك للوارث ولا ينفذ تصرفه فيه إذا كان الدين محيطا بها فشهادة كل فريق تلاقي محلا مشتركا فهو نظير مسألة الوصية بالثلث وهذا لأن المقصود من إثبات الدين بعد الموت الاستيفاء من التركة وباعتبار المقصود تتحقق الشركة بينهم فيه .
وأبو حنيفة ومحمد قالا : كل فريق إنما يشهد للفريق الآخر بالدين في ذمة الميت ولو شهدا بذلك في حياته كانت الشهادة مقبولة فكذلك إذا شهدوا به بعد موته وهذا لأن الدين بالموت لا يتحول من الذمة إلى التركة .
( ألا ترى ) أن التركة لو هلكت لا يسقط شيء من الدين وأن للوارث أن يستخلص التركة لنفسه بقضاء الدين من محل آخر فلا تتمكن الشركة بينهم ههنا بخلاف الوصية بالثلث فإن حق الموصى له ثبت في عين التركة حتى لا يبقى بعد هلاك التركة .
ولو أراد الوارث أن يستخلص التركة لنفسه ويقضي حق الموصى له من محل آخر لم يكن له ذلك فكانت الشركة بينهم ثابتة في التركة باعتبار شهادتهما .
وكذلك لو شهد بذلك ابنا هذين لهذين وابنا هذين لهذين فهذا والأول في الفصول الثلاثة سواء لأن الشركة كما تمنع قبول شهادة الشريك لنفسه تمنع قبول شهادة ابنه له .
ولو شهد الميت أو غيرهما بدين لرجلين على الميت ثم شهد هذان الرجلان بدين لآخر على الميت فهو جائز لأنهما يضران أنفسهما فإن دينهما قد ثبت فيها وبشهادتهما يثبتان من يزاحمهما في التركة وهذا بخلاف الأول على قول أبي يوسف لأن هناك تتمكن تهمة المواضعة بين الفريقين لنفع كل واحد منهما صاحبه بشهادته ولا يتمكن مثل ذلك ههنا .
وإذا شهد الوصيان بدين على الميت أو بوصية فشهادتهما جائزة لخلوها عن التهمة فإن دفعا ذلك قبل أن يشهدا به ثم شهد فشهادتهما باطلة لأنهما صارا ضامنين لما دفعا بغير حجة فهما بشهادتهما يدفعان الضمان عن أنفسهما وكذلك شهادة ابنيهما أو أبويهما لا تقبل بعد الدفع لأنهما يدفعان الضمان بشهادتهما عن أبيهما أو ابنيهما والله أعلم