( قال - C - ) ( وإذا كان على المريض دين في الصحة فغصب في مرضه من إنسان شيئا ثم قضاه فهو جائز ) لأنه لو رد عين المغصوب لم يكن لغرماء الصحة عليه سبيل فكذلك إذا رد عليه مثله أو قيمته لأن ذلك يحكي عينه وهذا بدل مال وصل إلى المريض فهو بمنزلة ما لو اشترى شيئا بمثل قيمته ونقد ثمنه فلا يكون لغرماء الصحة على البائع سبيل لأن المريض ما أتلف عليهم شيئا حين وصل إليه ما تكون ماليته مثل مالية ما أدى .
وكذلك ما أخذه فأنفقه على نفسه في كسوته وطعامه ودوائه ثم قضاه فإنه قد وصل إليه ما تكون ماليته مثل مالية ما أدى ثم حاجته في ماله تقدم على حق غرمائه .
ولو استأجر أجيرا أو تزوج امرأة وأعطاهما ذلك لم يجز وكانا أسوة غرماء الصحة فيه لأنه لم يصل إليه مثل ما يكون ما أدى في صفة المالية فكان هذا إبطالا منه لحق غرماء الصحة عن ذلك المال وتخصيص بعض غرمائه بقضاء الدين والمريض ممنوع عن ذلك إلا أن الدين وجب لهما بسبب لا تهمة فيه فكان أسوة غرماء الصحة في ماله .
ولو أقر المريض أن دينه الذي على هذا الرجل لفلان فإن ذلك لا يجوز حتى يستوفي غرماء الصحة دينهم لأن إقراره في المرض بدين له على الغير كإقراره بعين له في يده أو في يد غيره وذلك غير صحيح منه في حق غرماء الصحة وهذا بخلاف ما إذا أقر باستيفاء الدين من غريمه وهو غير وارث وقد كان الدين في الصحة لأنه مسلط على الاستيفاء وقد ثبت للغريم حق براءة ذمته عند إقراره بالاستيفاء منه فلا يتغير ذلك بمرضه وهو غير مسلط على الإقرار بالدين الواجب له أو لغيره بل هو ممنوع من ذلك لحق غرماء الصحة كما هو ممنوع من تمليكه منه بالهبة وقد ذكرنا في كتاب الشفعة بيع المريض من الأجنبي بالمحاباة وغير المحاباة وما يجب فيه من الشفعة للوارث وغير الوارث وما ذلك من اختلاف الروايات وأن بيعه من وراثه غير صحيح أصلا عند أبي حنيفة وعندهما وابن أبي ليلى إذا باع بالقيمة أو بأكثر جاز .
ولو لم يوص بهذا ولكنه أوصى بنصف المال كله الدين والعين وأجاز الابن المديون ولم يجز الآخر فإن العين بين الابن وصاحب الوصية نصفان لأنه لا معتبر بإجازة الابن المديون في قسمة العين والابن الآخر لم يجز الوصية فكان الموصى له بالنصف في المقاسمة معه كالموصى له بالثلث فلهذا يقتسمان العين نصفين إلى أن يتيسر خروج الدين فحينئذ يحتسب للابن المديون نصيبه مما عليه خمسة لأنه مجيز للوصية فيجعل في حقه كأنهما أجازا .
ولو لم يوص بهذا ولكنه أوصى بنصف المال كله الدين والعين وأجاز الابن المديون ولم يجز الآخر فإن العين بين الابن وصاحب الوصية نصفان لأنه لا معتبر بإجازة الابن المديون في قسمة العين والابن الآخر لم يجز الوصية فكان الموصى له بالنصف في المقاسمة معه كالموصى له بالثلث فلهذا يقتسمان العين نصفين إلى أن يتيسر خروج الدين فحينئذ يحتسب للابن المديون نصيبه مما عليه خمسة لأنه مجيز للوصية فيجعل في حقه كأنهما أجازا .
ولو أجازا كان للموصى له نصف المال عشرة وكل ابن خمسة فلهذا يحتسب للابن المديون خمسة ويؤدي مما بقي وهو خمسة فيأخذ الابن منها درهما وثلثين لأنه لم يجز الوصية فيجعل في حقه كأنهما لم يجيزا وتمام حقه ستة وثلثان وقد وصل إليه خمسة فيأخذ الأب درهما وثلثين كمال حقه ويأخذ صاحب الوصية ثلاثة وثلثا فحصل للموصى له ثمانية وثلث سبعة وثلثان بلا منة أحد لأن ثلث جميع المال ودرهم وثلثان حصة المجيز فضل ما بين الثلث والنصف لأن ذلك الفضل ثلاثة وثلث فحصة المجيز نصفها درهم وثلثان .
ولو لم يوص بهذا ولكنه أوصى بنصف المال كله الدين والعين وأجاز الابن المديون ولم يجز الآخر فإن العين بين الابن وصاحب الوصية نصفان لأنه لا معتبر بإجازة الابن المديون في قسمة العين والابن الآخر لم يجز الوصية فكان الموصى له بالنصف في المقاسمة معه كالموصى له بالثلث فلهذا يقتسمان العين نصفين إلى أن يتيسر خروج الدين فحينئذ يحتسب للابن المديون نصيبه مما عليه خمسة لأنه مجيز للوصية فيجعل في حقه كأنهما أجازا .
( قال ) ( ولو أوصى رجل إلى رجل بثلثه يضعه حيث أحب أو يجعله حيث أحب فهما سواء وله أن يجعله لنفسه ولمن أحب من ولده ) لأنه قائم مقام الموصى في الوضع والجعل والموصى له وضعه فيه أو في ولده أو جعله له جاز ذلك فكذلك الوصي إذا فعل ذلك لأن الوضع والجعل يتحقق منه في نفسه كما يتحقق في غيره وليس له أن يجعله لأحد من ورثة الميت لأنه قائم مقام الموصي فإن جعله لبعض ورثته فهو باطل ويرد على جميع الورثة وليس له أن يعطيه بعد ذلك أحدا لأنه ممتثل أمر الموصي فينتهى به ما فوض إليه ويصير فعله كفعل الموصي .
ولو فعله الموصي لبعض ورثته كان ذلك باطلا وكان مردودا على جميع الورثة فهذا مثله .
ولو أوصى بثلثه إليه أن يعطيه من شاء فليس له أن يعطيه نفسه لأنه مأمور بالإعطاء من جهة الموصى وهو لا يكون معطيا نفسه كما يكون جاعلا لها واضعا عندها .
ألا ترى أن من عليه الزكاة أوصدقة الفطر ليس له أن يضعه في نفسه لأنه مأمور بالإيتاء والأداء ولا يحصل ذلك بالصرف إلى نفسه ومن وجد ركازا له أن يضع الخمس في نفسه إذا كان مصرفا له لأن الواجب جعل الخمس لمصارف الخمس ووضعها فيهم وقد جعل ذلك .
ولو أوصى إلى رجل فقال : قد جعلت ثلثي لرجل سميته فصدقوه فقال : الوصي هو هذا وخالفه الورثة لم يصدق الوصي على ذلك لأنه أوصى بما هو خلاف حكم الشرع وهو إثبات الاستحقاق بشهاة شاهد واحد لأن الوصي ها هنا بمنزلة الشاهد وشهادة الواحد لا تكون حجة بخلاف الأول فإن هناك أوصى إليه بالوضع والواضع يكون متسببا بالتصرف على وجه النيابة لا شاهدا فلم يكن ذلك وصية بما يخالف الشرع .
وعلى هذا لو قال للوصي : أعتق أي عبيدي شئت كان له أن يعتق أيهم شاء ولو قال : قد أعتقت عبدي فسميته للوصي فصدقوه في ذلك لم يصدق .
ولو أوصى إلى رجلين أن يضعا ثلثه حيث شاء أو يعطياه من شاء أو اختلفا فقال : أحدهما أعطيه فلانا وقال الآخر لا بل فلانا لم يكن لواحد من الرجلين شيء لأن الوصيين لم يجمعا على واحد منهما وإنما فوض الموصي الرأى في الوضع إليهما وهذا شيء يحتاج فيه إلى الرأى لاختيار المصرف ورأى الواحد لا يكون كرأي المثنى .
ولو قال : قد أوصيت بثلثي لفلان وقد سميته للوصيين فصدقوهما فقال : هو هذا وشهدا له بذلك جازت شهادتهما لخلوها عن التهمة وشهادة المثنى حجة تامة .
وإن اختلفا في ذلك أبطلت قولهما لأن كل واحد منهما يشهد بغير ما شهد به صاحبه .
ولو أوصى بعبده أن يعتق ثم أوصى له أن يباع أو على عكس ذلك فهذا رجوع عن الوصية الأولى للمنافاة بين التصرفين في محل واحد .
وكذلك لو أوصى بأن يعتق نصفه بعد ما أوصى ببيعه من رجل أو على عكس ذلك كانت الثانية رجوعا عن الأولى في جميع العبد وإن أضاف الثانية إلى نصفه لأن بين التصرفين في العقد الواحد منافاة وإن أوصى به لرجل ثم أوصى به أن يباع لرجل آخر تحاصا فيه .
وكذلك إن بدأ بالبيع ثم بالوصية لأن كل واحد منهما تمليك أحدهما بعوض والآخر بغير عوض والجمع بينهما في عبد واحد . صحيح فلا يكون إقدامه على الثانية دليل الرجوع عن الأولى .
وإذا شهد شاهد ان بعد موته أنه قال في حياته لعبديه : أحدكما حر جازت الشهادة أما عندهما فلأن الدعوى ليست بشرط في عتق العبد وعند أبي حنيفة العتق المبهم يشيع فيهما بالموت فتتحقق الدعوى منهما ويجعل الثابت من إقراره بشهادتهما كالثابت بالمعاينة ولو سمعا ذلك منه ثم مات عتق من كل واحد منهما نصفه فهذا مثله والله أعلم بالصواب