( قال C ) : وإذا حفر العبد بئرا في طريق بغير إذن مولاه ثم أعتقه مولاه ثم علم بما حفر ثم وقع فيها رجل فمات فعلى المولى قيمة العبد لأن الحافر عند الوقوع يصير جانيا بسبب الحفر السابق فإن ذلك الحفر كان تعديا منه إلا أنه اتصل بالمجني عليه عند الوقوع فيصير جانيا عليه بذلك الحفر كالمعلق للطلاق والعتاق بالشرط فعند وجود المشروط يصير مطلقا ومعتقا بالكلام السابق وذلك الفعل كان منه في ملك المولى وموجب جناية العبد واستحقاق نفسه على المولى وقد أتلفه المولى بالإعتاق على وجه لم يصر مختارا إما لأنه لم يكن عالما بالحفر أو لأنه لم يكن عالما بأن يقع فيها إنسان فكان مستهلكا للعبد فعليه قيمة العبد لولي الجناية فإن وقع فيها آخر اشتركا في تلك القيمة لأنه صار جانيا على الثاني بالسبب الذي به صار جانيا على الأول وهو الحفر فيستويان في الاستحقاق الثابت بذلك السبب والمولى بالإعتاق ما استهلك إلا رقبة واحدة فلا يلزمه أكثر من قيمة واحدة ولكن تلك القيمة بينهما نصفان فإن وقع فيها العبد فهو وارثه تركة في تلك القيم أيضا لأن العبد بعد ما عتق فقد طهر من تلك الجناية والتحق هو بغيره من الأجانب وروي عن محمد بن الحسن أن دمه هدر وأصل هذه المسألة فيما إذا حفر العبد بئرا في الطريق ثم أعتقه المولى ثم وقع العبد فيها فمات فدمه هدر في قول محمد لأنه كالجاني على نفسه بذلك الحفر السابق وفي ظاهر الرواية على المولى قيمته لولاثته لأنه حين أعتق فقد خرج من أن يكون جانيا حكما ويصير كان الجاني بالحفر هو المولى حتى أن عند وقوع الواقع فيها يكون موجب الجناية على المولى ولا شيء فيه على المعتق فيكون وقوع المعتق فيها كوقوع أجنبي آخر فيغرم قيمته لورثته ولو كان أعتقه المولى بعد ما وقع فيها رجل فإن كان المولى لا يعلم بوقوع الرجل فيها فعليه قيمة العبد لأنه صار بالإعتاق مستهلكا لا مختارا وإن علم بموت الرجل فيها فعليه الدية لأنه صار مختارا بالإعتاق فقد صار متخيرا بموت الرجل فيها وعلمه بذلك بخلاف ما إذا كان إعتاقه قبل أن يقع في البئر أحد لأنه ما صار متخيرا قبل وقوع الواقع فيها فلا يمكن أن يجعل إعتاقه اختيارا فإن وقع آخر فيها فمات فإنه يقاسم صاحب الدية فيضرب الآخر بقيمة العبد والأول بالدية في قول أبي حنيفة C وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله : على المولى نصف قيمة أخرى لولي القتيل الآخر ولا يشرك الأول في الدية لأن إعتاق المولى إياه اختيار الدية في حق الأول فكأنه لم يعتقه ولكنه أمسكه وأدى الدية ولو فعل ذلك ثم وقع في البئر آخر كان عليه أن يدفع نصفه إلى الآخر أو يفديه بالدية فكذلك ها هنا يصير هو بالإعتاق في حق الثاني مستهلكا للعبد فيغرم له نصف قيمته وأبو حنيفة يقول : دفعه الدية إلى الأول بسبب إعتاقه بعد العلم بالجناية بمنزلة دفعه القيمة إليه إذا لم يكن عالما بالجناية ثم هناك المولى لا يغرم شيئا آخر إذا وقع فيها إنسان آخر ولكن الثاني شارك الأول فيما قبض فكذلك ها هنا وهذا لأن المولى قد غرم جميع موجب جناية العبد فلا يلزمه شيء آخر بعد ذلك لأنه لا يثبت بوقوع الثاني فيه في حق المولى تجدد الجناية فإنه حر حين وقع فيه الثاني وبه فارق ما إذا أمسكه وأدى الدية لأن العبد عند وقوع الثاني فيه صار جانيا باعتبار الحفر السابق وهذا على ملك المولى في هذه الحالة فيخاطب المولى بموجب هذه الجناية فيدفع إليه النصف أو يفديه وإذا ثبت أن المولى لا يغرم شيئا آخر قلنا : ولي الثاني يضرب مع الأول فيما قبضه بقيمة العبد لأنه صار جانيا عليه لا بالحفر السابق والمولى في حقه يصير مختارا فيكون حقه في قيمة العبد وحق الأول في الدية فقد صار المولى مختارا في حقه فيضرب كل واحد منهما في المقبوض بمقدار حقه ولو وقع فيها رجل فمات ثم وقع فيها آخر فذهبت عينه والعبد قائم دفعه المولى إليهما فيكون بينهما أثلاثا على مقدار حقيهما وإن اختار الفداء فداه بخمسة عشر ألفا عشرة آلاف لصاحب النفس وخمسة آلاف لصاحب العين وإن أعتقه قبل أن يعلم بهما فعليه قيمتهما بينهما أثلاثا لأنه صار مستهلكا للعبد عليهما بالإعتاق وإن كان يعلم بالقتل ولا يعلم بالعين فعليه عشرة آلاف لولي القتيل لأنه مختار لذلك وعليه ثلث قيمته لصاحب العين لأنه صار مستهلكا في حقه حين لم يكن عالما بالجناية فيغرم له حصته من القيمة وهو الثلث ولو باع العبد قبل أن يقع فيها أحد ثم وقع فيها إنسان فمات فعلى البائع قيمته لأن إزالته العبد عن ملكه بالبيع بمنزلة إزالته بالعتق وكذلك لو وقع فيها العبد في ظاهر الرواية على البائع قيمته للمشتري وفي رواية محمد : دمه هدر كما بينا في العتق قال : وإذا حفر العبد بئرا في طريق المسلمين فوقع فيها رجل فقال المولى : أنا كنت أمرته بذلك لم يضمن عاقلته ولم يصدق على ذلك إلا ببينة لأن الجناية باعتبار الظاهر تعلقت برقبة العبد وصار .
المولى مخطبا بالدفع أو الفداء فلا يقبل قوله في إيجاب موجب الجناية على العاقلة إلا بالبينة ولا في تفريغ العبد عن موجب هذه الجناية إذا كذبه ولي الجناية وإن صدقه ولي الجناية برئ العبد من الجناية بتصادقهما على ذلك والحق لا يعدوهما فتكون الدية في مال المولى لأن إقراره بالحفر كان من العبد بأمره بمنزلة إقراره بأنه حفر بنفسه ولو وقع إنسان في بئر في الطريق فأقر رجل بأنه هو الذي حفر البئر كان مصدقا على نفسه دون عواقله وتكون الدية في ماله في ثلاث سنين وإذا استأجر الرجل عبدا محجورا عليه وحرا يحفران له بئرا فوقعت عليهما فماتا فعلى المستأجر قيمة العبد للمولى لأنه صار غاصبا العبد باستعماله وقد تلف في عمله ثم تلك القيمة تكون لورثة الحر إن كان أقل من نصف الدية لأن العبد صار جانيا على نصف الحر وقد فات وأخلف بدلا فيستوفي وليه ذلك البدل بحقه ثم يرجع بها المولى على المستأجر لأن المقبوض استحق من يده بجناية كانت من العبد وفب ضمانه ثم المستأجر قد ملك العبد بالضمان وقد صار الحر جانيا على نصفه فيكون على عاقلة الحر نصف قيمة العبد المستأجر ولو كان العبد مأذونا له في العمل لم يكن على المستأجر شيء لأنه ليس بغاصب له وكان على عاقلة الحر نصف قيمة العبد لأن الحر صار جانيا على نصف العبد ثم يكون ذلك لورثة الحر باعتبار جناية العبد على نصف الحر وإذا حفر العبد بئرا في الطريق بغير إذن مولاه ثم قتل قتيلا خطأ فدفعه مولاه إلى ولي القتيل ثم وقع في البئر إنسان فمات فإن ولي القتيل بالخيار إن شاء دفع نصفه وإن شاء فداه بالدية لأن العبد صار جانيا على الواقع في البئر بالحفر السابق وباعتبار تلك الجناية يكون نصف قيمة حق ولي الواقع في البئر . ( ألا ترى ) أنه لو كان وقوع الواقع في البئر قبل أن يدفع بجنايته كان العبد بينهما نصفين ولأن المدفوع إليه بالجناية قد ملك جميعه لأنه حين دفعه إليه العبد ما كان لأحد سواه حق في العبد وبوقوع الواقع في البئر لا يتبين أن حق وليه كان تاما يومئذ وإنما يثبت مقصورا على الحال ولكن بذلك السبب فلا يبطل به ملك المدفوع إليه العبد بذلك في شيء من العبد ولكنه في الخيار يقوم مقام المولى باعتبار ملكه فإن شاء دفع إليه نصفه وإن شاء فداه بالدية ولو وقع في البئر أولا إنسان فمات فدفعه ثم قتل قتيلا خطأ فدفعه المدفوع إليه ثم وقع في البئر آخر فإن ولي القتيل يدفع ثلثه إلى الواقع في البئر آخرا أو يفديه بالدية لأن العبد في الحاصل قاتل ثلاثة نفر إثنان في البئر وواحدة بيده وقد صار حصة صاحب البئر الأول للذي قتله بيده مع حصته وذلك ثلثان من العبد والثلث منه حق ولي الواقع في البئر آخرا وقد قام المدفوع إليه مقام المالك فيه فيتخير بين أن يدفع الثلث أو يفديه بالدية . وإذا حفر المدبر أو أم الولد بئرا في الطريق وقيمته ألف درهم فوقع فيها إنسان فمات فعلى المولى قيمته لأن جنايته بالحفر عند اتصال الوقوع به كجنايته بيده وجناية المدبر وأم الولد توجب القيمة على المولى به قضى أبو عبيدة بن الجراح Bه حين كان أميرا بالشام وكان ذلك بمحضر من الصحابة ولم ينكر عليه أحد وهذا لأن المولى بالتدبير السابق صار مانعا دفع الرقبة بالجناية على وجه لم يصر مختارا فيكون ضامنا قيمته لو فعل ذلك بعد الجناية وهو لا يعلم بها فإن وقع فيها واحد بعد واحد فماتوا وقد تغيرت قيمته فيما بين ذلك إلى زيادة أو نقصان لم يكن على المولى إلا قيمة ألف درهم يوم حفر بينهم جميعا بالسوية لأنه ما منع إلا رقبة واحدة فلا يغرم إلا قيمة واحدة والجناية من المدبر سببها كان هو الحفر فيعتبر قيمته عند ذلك . ( ألا ترى ) أن في الجناية بيده يعتبر قيمته حين جنى وكذلك لو مات المدبر قبل أن يقع فيها إنسان أو أعتقه أو كاتبه أو فعل شيئا من ذلك بعد ما وقع فيها بعضهم ثم وقع فيها إنسان فمات فعلى المولى قيمته لأن جناية المدبر لا تتعلق برقبته فإنه ليس بمحل الدفع وإنما تجب القيمة على المولى ابتداء فموت المدبر وحياته وعتقه في ذلك سواء وكذلك لو جنى جناية بيده شارك أهلها في تلك القيمة لأن المولى ما منع إلا رقبة واحدة إلا أنه إذا كانت قيمته يوم جنى بيده ألفين فعلى المولى ألف درهم لهذا خاصة لأن على المولى قيمته وقت جنايته فإنه عند ذلك صار مانعا دفعه بالتدبير السابق وهذه الجناية الثانية وجدت منه الآن فعليه لصاحبها قيمته ألفان وقد غرم مرة ألفا فيغرم لهذا ألفا أخرى ثم يضرب هو في القيمة الأولى مع أهلها بتسعة آلاف لأنه وصل إليه مقدار ألف فينتقص من حقه ذلك القدر ويضرب كل واحد من أصحاب البئر بعشرة آلاف فتكون القيمة بينهم على ذلك قال : وإذا استأجر أربعة رهط مدبرا ومكاتبا وعبدا وحرا يحفرون له بئرا فوقعت عليهم من حفرهم .
فماتوا ولم يؤن للمدبر ولا للعبد في العمل فيقول كل واحد منهم تلف بفعله وفعل أصحابه فيهدر ربع نفسه وتعتبر جناية أصحابه عليه في ثلاثة أرباع نفسه ثم على المستأجر قيمة العبد والمدبر لمولاه لأنه صار غاصبا لها بالاستعمال والمدبر يضمن بالغصب كالقن ثم لورثة الحر ربع دية الحر في رقبة كل إنسان منهم ولولي المكاتب ربع قيمة المكاتب في رقبة كل منهما فيضرب في هاتين القيمتين ودية الحر بنصف دية الحر وورثة المكاتب بنصف المكاتب فيقسمان ذلك على هذا ثم يرجع مولاهما بذلك على المستأجر لأن المقبوض استحق بجناية قيمة كانت منهما في يد المستأجر فيثبت لهما حق الرجوع عليه في رقبة العبد ثم للمستأجر على عاقلة الحر ربع قيمة كل واحد منهما لأنه ملك العبد بالضمان وقد صار بمنزلة المالك للمدبر باستحقاق بدل نفسه بعد ما ضمن قيمته فلهذا رجع على عاقلة الحر بربع قيمة كل واحد منهما وله في رقبة المكاتب ربع قيمة كل واحد منهما وقد كان للمكاتب في رقبة كل واحد منهما ربع قيمته من القيمة التي أخلفها كل واحد منهما فيكون بعضه قصاصا من بعض ويترادان الفضل ولو مع قيمة المكاتب على عاقلة الحر لأن الحر أتلف ربع المكاتب ثم يأخذ ذلك ورثة الحر باعتبار جناية المكاتب على ربع الحر إلا أن يكون لهم أكثر من ربع الدية فيأخذون ربع الدية ويردون الفضل على مولى المكاتب ولكن هذا إنما يستقيم على قول من يقول قيمة المملوك في الجناية بالغة ما بلغت ولكل واحد من العبدين يعني المدبر والعبد ربع قيمته في قيمة الآخر ولكن ذلك المستأجر له فلا يفيد اعتباره فإن كان البعبدان مأذونا لهما في العمل فلا ضمان على المستأجر لانعدام الغصب وربع قيمة كل واحد منهما على عاقلة الحر وكلك ربع قيمة المكاتب على عاقلة الحر وثلاثة أرباع دية الحر في أعناقهم في عنق كل واحد منهم ربع فإذا عقلت عاقلة الحر ربع قيمة كل واحد منهما وأخذ ذلك كل واحد منهم قلنا : يؤخذ من مولى المدبر قيمة كاملة لأنه صار مانعا بالتدبير السابق فيكون موجب جنايات المدبر القيمة عليه بعد أن يكون القيمة مثل ما عليه من ذلك أو أقل فيقسم ذلك بينهم بضرب فيه ورثة الحر بربع الدية ومولى العبد بربع القيمة ومولى المكاتب بربع القيمة وإن كان الماتب ترك وفاء أخذ من تركته تمام قيمته إن كانت قيمته أقل مما عليه من ذلك لأن جنايات المكاتب إذا اجتمعت لا توجب إلا قيمة واحدة في كسبه ثم يضرب فيها ولي الحر بربع الدية ومولى العبد بربع القيمة ومولى المدبر بربع القيمة ثم يؤخذ من مولى العبد جميع ما أخذ من ذلك لأن المأخوذ بدل عبده وأولياء جناية العبد أحق بذلك من مولاه فيضرب في ذلك ورثة الحر بربع دية الحر ومولى المدبر بربع قيمة المدبر ومولى المكاتب بربع قيمة المكاتب لأن العبد كان جنى على ربع كل واحد منهم فلهذا كانت قيمة بدله بينهم