( قال C ) : وإذا جنى العبد جناية خطأ فمولاه بالخيار إن شاء دفعه بها وإن شاء فداه بالإرش عندنا وعند الشافعي جنايته تكون دينا في رقبته يباع فيه إلا أن يقضي المولى دينه ومذهبنا مروي عن ابن عباس Bهما قال : يخير المولى في خطأ عبده بين الدفع والفداء ومذهبه مروي عن عمر وعلي Bهما فإنهما قالا : عبيد الناس أموالهم وجنايتهم في قيمهم وإنما أراد بالقيمة الثمن وجه قوله أن هذا فعل موجب للضمان فإذا تحقق من العبد كان الضمان الواجب به دينا في رقبته يباع فيه بمنزلة استهلاك الأموال وهذا لأن العبد لا عاقلة له وضمان الجناية في حق من لا عاقلة له بمنزلة ضمان المال فيكون واجبا في ذمة العبد ويكون شاغلا لمالية رقبته فيباع فيه إلا أن يقضي المولى دينه . وحجتنا في ذلك أن المستحق بالجناية على النفوس نفس الجاني إذا أمكن . ( ألا ترى ) أن في جناية العمد المستحق نفس الجاني قصاصا حرا أو عبدا فكذلك في الخطأ إلا أن استحقاق النفس نوعان أحدهما : بطريق الإتلاف عقوبة والآخر بطريق التملك على وجه الجبران والحر من أهل أن يستحق فيه بطريق العقوبة لا بطريق التمليك والعبد من أهل أن يستحق نفسه بالطريقين جميعا فيكون العبد مساويا للحر في حالة العمد ويكون مفارقا له في حالة الخطأ لأن عذر الخطأ لا يمنع استحقاق نفسه تمليكا والسبب يوجب الحكم في محله وفي حق الحر لم يصادف محله وفي حق العبد السبب صادف محله فيكون مقيدا حكمه وهو أن نفسه صارت مستحقة للمجني عليه تمليكا ليتحقق معنى الصيانة عن الهدر إلا أن يختار المولى الفداء فيكون له ذلك لا مقصود المجني عليه يحصل به وبدل المتلف يصل إليه بكماله بخلاف إتلاف المال فالمستحق به بدل المتلف دينا في ذمة المتلف ولا يستحق به بدل المتلف دينا في ذمة المتلف ولا يستحق به نفس المتلف بحال والطريق الثاني أن موجب جناية الخطأ يتباعد عن الجاني لكنه معذورا في ذلك ويكون الخطأ موضوعا شرعا ويتعلق بأقرب الناس لإظهار صيانة المحل المحترم والتخفيف على المخطى ( ألا ترى ) أن في حق الحر تجب على عاقلته لهذا المعنى فكذلك في حق العبد إلا أن عاقلة العبد مولاه لأن الحر مستنصر بعاقلته ومزاد قوة وجرأة بهم كما أن المملوك يستنصر بمولاه فيجب ضمان جنايته على المولى إلا أن للمولى أن يقول : إنما لحقني هذا البلاء بسبب ملكي فيه فلى أن أتخلص عنه بنقل ملكي فيه إلى المجني عليه فأدفعه بالجناية فإذا دفعه صار كان المجني عليه هو المالك فلا يجب شيء آخر عليه بالجناية وإذا لم يدفعه كان الرد عليه بخلاف ضمان المال فإنه يجب في ذمة المتلف ولا يخاطب غيره كما في حق الحر إذا عرفنا هذا فنقول : لا شيء على المولى في ذلك حتى يظهر حال المجني عليه اعتبارا لجناية العبد بجناية الحر وقد بينا أن هذا يتأتى في جناية الحر لأن موجبها يختلف بالسراية وعدم السراية فلا يصير ذلك معلوما قبل الاستيفاء والقضاء بالمجهول غير ممكن ثم الواجب ها هنا الدفع أو الفداء والمولى يخير في ذلك واختلافه بالبرء والسراية والخطأ والعمد في ذلك سواء ما لم يبلغ النفس لما بينا أنه لا قصاص بين العبيد والأحرار فيما دون النفس فيكون موجب جنايته فيما دون النفس المال بكل حال فلهذا كان العمد والخطأ فيه سواء فإذا بلغ النفس وهو عمد ففيه القصاص ووجوب القصاص باعتبار أنه نفس مخاطبة والمملوك في ذلك كالحر والمستحق بالقصاص دمه والمملوك في حكم الدم مبقي على الحرية ولهذا استحق المولى عليه القصاص إذا تقرر سببه كما يستحق غيره والصغير من الجراحات في ذلك والكبير سواء على الحر والمملوك والذكر والأنثى بمنزلة الموجود من الحر فكما أن هناك لا يتلف موجب الجناية بهذه الأسباب فكذلك بجناية العبد ولا تعقل العاقلة شيئا من جناية العبد والمدبر وأم الولد لأن المستحق بالجناية نفسه ونفسه غير مملوكة للعاقلة والمولى ولأن المولى في كونه مخاطبا بحناية العبد بمنزلة العاقلة ولا يتحمل غير العاقلة عواقلهم فكذلك لا يتحمل جناية العبد عاقلة مولاه بل سبب وجوب ذلك على المولى ملكه رقبته وكسبه وهو مختص بذلك دون عواقله ولهذا لم يكن على المولى موجب جناية المكاتب لأنه لا يملك كسبه بل المكاتب أحق بمكاسبه فيكون موجب جنايته عليه دون مولاه والمستسعى في بعض قيمته عند أبي حنيفة كالمكاتب فأما جناية العبد علي الحيوان والعروض فتكن دينا في عنقه تفضي من كشبه أو يباع فيها وكذلك لو وطئ امرأة مكرهة فذلك دين في عنقه يباع فيه لأن المستوفى بالوطئ مما يملك بالعقد سواء كان في حكم المنفعة أو في حكم العين فيكون بمنزلة المال ألا ترى انه لو كان الملتزم بذلك حرا كان عليه في ملة دون عواقله بأن وطئ امرأة بشبهة أو مستكرهة وسقط الحد للشبهة فكذلك العبد اذا فعل ذلك يكون دينا ي ذمته والدين .
عليه يكون شاغلا لمالية رقبته ولا تعقل العاقلة كما لو جنى على المماليك خطأ فيما دون النفس وان كان الجاني حرا لأن المملوك فيما دون النفس بمنزلة المال ألا ترى انه لا يتعلق به القصاص بحال لان فيما دون النفس المتلف حزء من الجسم والجسم يدخل تحت القهر والاستيلاء فيصير مملوكا مآلا يكون إتلافه في حكم إتلاف المال فيجب فيه الضمان على المتلف بالغا ما بلغ ويكون ذلك حالا في ماله ولا تعقله العاقلة بمنزلة إتلاف سائر الاموال فإذا بلغ النفس عقلته العاقلة في ثلاث سنين كما هو أصله وقد اعتبره في حكم القصاص على ما بينا وقد روى عن أبي يوسف ومحمد ان العاقلة لا تعقل نفس العبد وهو قول ابن أبي ليلى واستدل فيه بقوله عليه السلام لا تعقل العاقلة عمدا ولا عبدا والمراد أن نفس العبد لا تعقلها العاقلة وهذا لان العبد يحل للتملك بالعقد فما يجب من الضمان بإتلافه يكون على المتلف في ماله كسائر الاموال وحجتنا في ذلك القيمة الواجبة بإتلاف نفس العبد بمنزلة الدية الواجبة بإتلاف نفس الحر وذلك على العاقلة مؤجلا في ثلاث سنين فهذا مثله وهذا لأن معنى النفسية لا يدخل تحت القهر فلا يتناولها الملك بل العبد فيه بمنزلة الحر ألا ترى انه يتعلق القصاص بقتله عمدا كما يتعلق بقتل الحر وكذلك الكفارة في الخطأ ولا مدخل للقصاص ولا كفارة في ضمان الاموال فعرفنا ان المال واجب ها هنا بالنص بخلاف القياس لأن المال لا يكون مثلا لما ليس بمال وما لا يكون مملوكا من الآدمي لا يكون مالا وإنما وجوب المال بقوله ودية مسلمة إلى أهله الا أن هذه الدية في حق العبد القيمة وفي حق الحر مائة من الابل كما بينه الشرع والدية تجب على العاقلة مؤججلة في ثلاث سنين في حالة الخطأ وبهذا المعنى خالف النفس ما دون النفس لأن ما دون النفس لا مدخل فيه للكفارة والقصاص وتأويل الاحاديث أن العاقلة لا تعقل جناية العبد على نفس العبد وبه نقول ثم الواجب بالجناية على نفس المملوك قيمته قلت قيمته أو كثرت غير انها لا تزاد على دية الحر ولا تنقص عن عشرة آلاف الا عشرة دراهم اذا كان العبد كبير القيمة في قول علمائنا رحمهم وفي قول الشافعي تجب قيمته بالغة ما بلغت وهو قول أبي يوسف الذي رجع إليه وإن كان المقتول أمة فإنها لا تزاد قيمتها على خمسة آلاف وينقص من ذلك عشرة دراهم في الروايتين وفي بعض الروايات خمسة دراهم فأما في قطع طرف العبد فيجب نصف قيمته بالغة ما بلغت في الصحيح من الجواب إلا رواية عن محمد أنه يجب في قطع يد العبد خمسة آلاف إلا خمسة ذكره في بعض نسخ الوكالة وجه قول الشافعي ما روي عن عمر وعلي وابن عمر Bهم أنهم أوجبوا في قتل العبد قيمته بالغة ما بلغت ولأن المتلف مات فيجب ضمان قيمته بالغة ما بلغت كسائر الأموال وهذا لأن ضمان المال يجب بطريق الجبران وإنما يحصل الجبران بما يكون مثلا له في صفة المالية ولهذا يضمن المملوك عند الغصب بقيمته بالغة ما بلغت كسائر الأموال فكذلك عند القتل وإما قلنا أنه مال لأن الضمان يجب للمولى وملكه في عبده ملك مال والضمان الواجب له يكون ضمان المال إذا أمكن ولا يدخل عليه القصاص في حالة العمد لأن على هذا الطريق يقول القصاص يكون بدلا عن المالية أيضا إلا أن المالية ترقب بهذا المحل فتصير مضمونة بالنقصان وإن لم يكن المال في غير هذا المحل مضمونا بالقصاص بمنزلة الصيد في الحرم يكون مضمونا باعتبار حرمة المحل بما لا يضمن به في غير هذا المحل وهذا لأن القصاص يعتمد العمد والتكافؤ وذلك تمكن مراعاته في هذا المال دون سائر الأموال فكان هذا المال مضمونا بالقصاص دون سائر الأموال والدليل عليه أنه يرجع إلى تقويم المقومين في الأسواق ليوجب به حين ينفد السوق وهذا يختص بضمان الأموال فأما في غير الأموال فإنما تجب الإبل ولا مدخل للإبل ها هنا والدليل عليه أنه باختلاف أوصاف المتلف في الجنس والجمال والمالية تختلف هذه الأوصاف فإنه ينقص عن الدية نقصانا غير معتبر فعرفنا أنه ضمان مال أو يكون المتلف عبد فتجب قيمته بالغة ما بلغت كما لو كان قليل القيمة وهذا لأن في العبد معنيين معنى النفسية والمالية فيكون الواجب بدلا عن المالية والدليل على ترجيح معنى المالية صيرورته محلا قابلا للتصرفات كسائر الأموال وخروجه من أن يكون أهلا للولايات التي اختصت بها النفوس المحترمة على أنا نعتبر كلا الوصفين فنقول : متى كان الواجب بإتلافه ما ليس بمال وهو القصاص يترجح معنى النفسية ولهذا لا يختلف بقلة المالية وكثرة المالية وهذا لأن ضمان المال بالمال أصل وضمان ما ليس بمال يكون على خلاف الأصل ومهما أمكن إيجاب الضمان على .
موافقة القياس فلا معنى للمصير إلى إيجابه بخلاف القياس والدليل عليه أن المبيع قبل القبض إذا قبض فالبيع يبقى ببقاء القيمة وإنما يبقى البيع إذا فات المعقود عليه وأخلف فلو لم يكن الضمان بدل المالية لما بقي العقد باعتباره لأن البيع يتناول المالية والراهن إذا قتل المرهون يضمن قيمته بحق المرتهن ولا حق للمرتهن إلا في المالية ولهذا لا يجب عليه القصاص بحال لأن القصاص بدل عن النفسية فلو كانت القيمة كذلك لما وجب على الراهن أن يجمع بينهما في الاعتبار فنقول : إذا كان العبد كبير القيمة يجب مقدار الدية لاعتبار معنى النفسية وما زاد على ذلك إلى تمام القيمة لاعتبار معنى المالية بمنزلة من قتل حرا ومزق عليه ثيابه وهذا مروي عن أبي يوسف فد روى ابن سماعة C عنه : أن مقدار الدية من قيمة العبد تتحمله العاقلة وما زاد على ذلك إلى تمام القيمة يكون في مال الجاني لهذا المعنى . وحجتنا في ذلك قول ابن مسعود Bه : لا تبلغ قيمة العبد دية الحر وينقص منه عشرة دراهم وهذا كالمروي عن رسول الله A لأن المقادير لا تعرف بالقياس وإنما طريق معرفتها التوقيف والسماع من صاحب الوحي والمعنى فيه أن هذا ضمان وجب بقتل الآدمي فلا يزاد على الديات كما لو وجب بقتل الحر وهذا لأن زيادة البدل تكون بزيادة الفضيلة وما من فضل في العبيد إلا ويوجد لك في الأحرار وزيادة ثم الحر مع أنه مجمع القصاص لا ياد بدله على أعلى الديات فالعبد أولى وإنما قلنا أن الضمان وجب بالقتل ها هنا لأن القتل سبب تضمن به النفس بالدية وهو حكم ثابت بالنص قال الله تعالى : { ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله } ونفس العبد في هذا داخلة كنفس الحر . ( ألا ترى ) أنها تضمن بالكفارة كنفس الحر فكذلك بالدية والدية بمقابلة النفس مقدرة بالنص لا تجوز الزيادة عليها بالرأي فلا يجوز إسقاطها بالرأي فهذا دليل واضح على أن الضمان يجب ها هنا باعتبار النفسية وأن الواجب الدية لأنا لو لم نجعله واجبا باعتبار النفسية كنا قد أسقطنا بالرأي ما هو ثابت بالنص والدليل عليه أن ضمان النفس بالدية لإظهار حرمة المحل وصيانته عن الإهدار ونفس العبد محترمة كنفس الحر فلا يجوز إهدارها ما أمكن والدليل عليه أن صفة المالية في هذا المحل تبع للنفسية لأن قوام المالية ببقاء النفسية وهذا هو علامة التبع مع المتبوع ولا يجوز إهدار الأصل بحال لمراعاة التبع لأن في اعتبار الأصل اعتبار التبع وليس في اعتبار التبع اعتبار الأصل وإذا جعلنا الضمان واجبا باعتبار النفسية كنا اعتبرنا ما هو الأصل وباعتباره يحصل اعتبار التبع فكان ذلك أولى من أن يجعل بمقابلة المالية ويهدر معنى النفسية ولأن أكثر ما في الباب أن تثبت المساواة بين النفسية والمالية ولكن مع المساواة تترجح النفسية باعتبار السبب وهو القتل لأن القتل سبب لا يقصد به الأموال عادة وإنما يقصد به النفوس لمعنى التشفي والانتقام فأما الأموال فإنما تقصد بالغصب فلا جرم ضمان الغضب يكون ضمان مال يجب بالغة ما بلغت ولا يثبت في حق الأحرار وضمان القتل يكون باعتبار النفسية سواء بقتل الحر أو وجب بقتل العبد إلا أنه لا يجب على المولى بقتل عبده لخلوه عن الفائدة فإن ما يجب بمقابلة نفس العبد يكون لمولاه على سبيل الخلافة عنه والخلافة بسبب الملك لا تنعدم حكما بالقتل فلو وجب وجب له على نفسه والدليل على هذا فضل القصاص فإن القصاص يجب اعتبار معنى النفسية ثم لا يجب على المولى إذا قتل عبده لأنه غير مفيد فكذلك المال ومن يقول القصاص واجب باعتبار المالية فهو لغو من الكلام لأن المال لا يضمن بالقصاص بحال فكيف يضمن بالقصاص والمقصود بالمال التمول والادخار لوقت الحاجة وليس في القصاص شيء من ذلك ولهذا يتبين ترجيح معنى النفسية على معنى المالية لأن المتلف في حال الخطأ ما هو المتلف في حالة العمد فإذا جعل المضمون منه في حالة العمد معنى النفسية فكذلك في حالة الخطأ ومن يقول يجمع بينهما فذلك فضل من الكلام لأنه لو كان ها هنا طريق إلى الجمع بينهما لكان ينبغي أن يضمن الدية مع كمال القيمة ويستوفى في حالة العمد القصاص باعتبار النفسية والقيمة باعتبار المالية وأحد لا يقول ذلك فعرفنا أنه لا وجه إلى الجمع بينهما لما بين الوصفين من المغايرة على سبيل التضاد . فأما النقصان فنقول : بدل النفس قد ينقص عن أعلى الديات باعتبار معنى موجب للنقصان في المحل ( ألا ترى ) أمنه ينقص بالأبوة وبالكفر عن أصل الخصم وبالاجتنان في البطن بالاتفاق فإن بدل الجنين دون بدل المنفصل وإن كان الوجوب باعتبار النفسية هناك إذ لا مالية في الجنين .
حرا كان أو مملوكا فكذلك يجوز أن ينقص عن أعلى الديات باعتبار صفة المملوكية وهذا لأن تكميل الدية باعتبار كمال صفة المالكية ( ألا ترى ) أن بدل الأنثى على النصف من بدل الذكر لأن الذكر أهل لمالكية المال والنكاح والأنثى أهل لمالكية المال دون مالكية النكاح فإنها مملوكة نكاحا فيتنصف بدلها بذلك والجنين ليس بأهل للمالكية في الحال ولكن فيه عرضة الأهلية لذلك إذا انفصل حيا فباعتباره ينقص بدله غاية النقصان إذا عرفنا هذا فنقول بسبب الرق تنتقص صفة المالكية لأنه صار مملوكا مآلا ولم يبق مالكا للنكاح بنفسه إلا أن هذا النقصان عارض على شرف الزوال بأن يعتق فيجوز أن يزاد بدل الرقيق على بدل الأنثى لهذا ويجوز أن ينقص باعتبار الحال وهو أنه دون الأنثى في صفة المالكية ثم صفة المملوكية وإن كانت لا تختلف في الرقيق ولكن ينبي على هذا الوصف ما يختلف في نفسه وهو المالية فإن أمكن إظهار النقصان باعتبار صفة المالكية بأن كان قليل القيمة يعتبر ذلك لإظهار النقصان وإن لم يمكن بأن كان كثير القيمة فحينئذ يصار في النقصان إلى معنى شرعي وبهذا يتبين فساد قول من يقول أن النقصان إذا كان فباعتبار المالكية وإنما النقصان باعتبار المملوكية وذلك لا يزاد بزيادة المالية وإنما اعتبار المالية لإظهار مقدار النقصان إذا أمكن لا لثبوت أصل النقصان على أن بزيادة المالية يزداد النقصان وعند قلة المالية ينتقص الواجب عن الدية لا عن القيمة وعند كثرة المالية ينتقص الواجب عن القيمة وعن الدية جميعا وإنما قرر النقصان بعشرة لحديث ابن مسعود Bه ولأن صفة المملوكية تظهر التفاوت بينهما فيما يتقدر بالعشرة وهو المستوفى بالوطء فإنه لا يحل استيفاء ذلك من الحر إلا بعقد يتقدر البدل فيه بعشرة ويجوز استيفاء ذلك من الأمة بعقد متعد عن البدل وهو الهبة فإن الجارية الموهوبة يباح وطؤها فإذا ظهر باعتبار صفة المملوكية التفاوت بينهما فيما هو مقدر بالعشرة نصا قدرنا النقصان بالعشرة لهذا ولهذا قلنا في أصح الروايتين سواء كان المقتول عبدا أو أمة فالنقصان عن الدية يتقدر بعشرة والرجوع إلى تقويم المقومين قد يكون فيما يجب بمقابلة النفسية كحكومة العدل والوجوب للمولى لأنه يخلفه خلاف الوارث المورث ولأنه مالك لمالكية قوامها باعتبار هذا لمحل فما يجب بمقابلة المحل في حقه يجعل كالواجب بمقابلة المالية ولهذا قلنا البيع يبقى إذا قتل المبيع قبل القبض لأن صحة البيع باعتباء بقاء معنى المالية التي تملك بالبيع باعتبار هذا المحل فيجعل بدل المحل بمنزلة بدل المالية في بقاء البيع باعتباره ولهذا لو كان القتل عمدا حتى وجب القصاص بقي البيع أيضا عند أبي حنيفة وهذا بخلاف العبد المرهون إذا قتله الراهن فإن إيجاب الضمان هناك باعتبار معنى النفسية غير ممكن لما قررنا في المولى إذا قتل عبده فجعلنا الواجب باعتبار المالية ولهذا لا يتعلق به القصاص بحال فتجب فيه المالية بالغة ما بلغت فأما طرف المملوك فقد بينا أن المعتبر فيه المالية فقط . ( ألا ترى ) أنه لا يضمن بالقصاص ولا بالكفارة فلهذا قال : كان الواجب فيه القيمة بالغة ما بلغت إلا أن محمدا C قال في بعض الروايات : القول بهذا يؤدي إلى أن يجب بقطع طرف العبد فوق ما يجب بقتله بأن تكون قيمته بلغت ألفا فيجب بقطع طرفه خمسة عشر ألفا أو عشرة آلاف إلا عشرة وهذا قبيح جدا فلهذا قال : لا يزاد على نصف بدل نفسه فيكون الواجب خمسة آلاف إلا خمسة ولو قتل العبد قتيلا وله وليان فعفى أحدهما دفع المولى إلى الباقي نصفه أو فداه بنصف الدية لأن النصيب الذي لم يعف انقلب مالا عند عفو الشريك فيكون هذا في نصيبه كالجناية الموجبة للمال في الأصل وهو الخطأ ولو قتل قتيلا خطأ وفقأ عين آخر دفعه المولى إليهما أو فداه فإن اختار الفداء فداه بالإرش وذلك دية النفس عشرة آلاف وأرش العين خمسة آلاف وإذا اختار الدفع كان العبد بينهما أثلاثا لأن كل واحد منهما تصرف فيه بجميع حقه وحق ولي القتيل عشرة آلاف وحق المفقوء عينه خمسة آلاف فإن أعتقه المولى وهو يعلم بالجناتيين فهو مختار وعليه خمسة عشر ألفا في ماله لأنه فوت محل الدفع بالإعتاق وبعد العلم بالجناية كان هو مخيرا بين الدفع الفداء فتفويته محل الدفع يكون اختيار الفداء دلالة التصرف فهو كالتصريح باختيار وكذلك لو دبره أو باعه أو كاتبه فإنه يتعذر عليه دفعه بما أنشأ من التصرف فيتضمن الذي اختار الفداء منه وكذلك لو كانت أمة فاستولدها فإن جامعها ولم تلد فليس هذا باختيار له أن يدفعها بعد ذلك إلا في رواية عن أبي يوسف فإنه يقول : الوطء دليل الاختيار بدليل أن البائع إذا كان بالخبار .
فوطئ المبيعة كان ذلك منه اختيارا للفسخ وهذا لأن الوطء دليل تقرير ملكه فيها ولأن الوطء في حكم الجناية ولو جنى عليها كان للفداء وجه وظاهر الرواية أن الوطء لا يمكن نقصانا في عينها إذا كانت ثيبا ولا يعجزه عن دفعها فيكون إقدامه عليه دليل الاختيار كالاستخدام وهذا بخلاف البيع بشرط الخيار لأن هناك لو لم يجعله فاسخا للعقد بالوطء لكان إذا أجاز العقد ملكها المشتري من وقت العقد ولهذا يستحق زوائدها فتبين به أن الوطء حصل في غير ملكه فللتحرز عن هذا جعلناه فاسخا وها هنا إذا دفعها بالجناية ملكها ولي الجناية من وقت الدفع ولهذا لا يسلم له شيء من زوائدها فلا يتبين به أن الوطء كان في غير ملكه والوطء وإن كان كالجناية لكن الجناية لا يبقى لها أثر في العين فلا يكون اختيارا وكذا الوطء بهذ الصفة وكذلك لو زوجها لأن التزويج كالاستخدام من حيث أنه لا يمكن نقصانا في عينها ولا يعجزه عن دفعها بالجناية وكذلك لو أجرها أو رهنها في ظاهر الرواية وفي بعض نسخ الديات يقول : الإجارة والرهن يكون اختيارا منه بمنزلة الكتابة لأن البدل بهذين العقدين يصير مستحقا عليه وذلك يمنعه من دفعها بالجناية فيجعل اختيار الفداء كالكتابة وجه ظاهر الرواية أن الإجارة تنقض بالقدر فيكون قيام حق ولي الجناية فيها عذرا في نقض الإجارة والراهن يتمكن من قضاء الدين واسترداد الرهن متى شاء ولم يتحقق عجزه عن دفعها بهذين العقدين فلا يجعل ذلك اختيارا بخلاف الكتابة فإن بعقد الكتابة ثبت له استحقاق لا يملك الولي إبطاله وذلك يمنعه من دفعها وإن ضرب العبد ضربا لزمه منه عيب فاحش أو جرحه أو قتله وهو يعلم فمختار لأن حق ولي الجناية يثبت في كل جزء منه وقد فوت جزء فامتنع الدفع في ذلك الجزء وهو لا يتحمل التجزي في الدفع بالجناية فتفويت جزء منها كتفويت كله ولو دفع العبد في بئر حفرها المولى في الطريق أو أصابه جناح أشرعة المولى فليس هذا باختيار لأن المولى إن كان فعل هذا قبل جناية العبد ولم يوجد منه صنع بعد جنايته إذ لا صنع له في وقوع العبد في البئر وإن كان الحفر منه بعد جنايته فهو عند الحفر ما كان يعلم أن عبده يقع به ولا قصد ذلك بحفره وقد بينا أن حافر البئر يصير قاتلا ولهذا لا يجب عليه الكفارة والاختيار إنما يحصل بمباشرة فعل من المولى يكون مقويا له محل الدفع وكذلك كل ما لا يجب على المولى فيه الكفارة فليس ذلك باختيار منه ولكن على المولى القيمة إن مات العبد من ذلك بينهما أثلاثا لأن المولى سبب لهلاكه وهو متعد في ذلك التسبب ولو أتلفه مباشرة على وجه لم يصر مختارا بأن لم يكن عالما بالجناية كان عليه قيمته فكذلك إذا أتلفه بطريق التسبيب ولو أوطأه المولى وهو يسير على دابته أو وقع عليه فقتله وهو يعلم بجناية العبد ولم يتعمد الوطء ولا الوقوع فهذا اختيار وعليه الأرش لأنه مباشر قتله بهذا الطريق ولهذا يلزمه الكفارة ومباشرة القتل بتفويت محل الدفع فإذا كان بعد العلم بالجناية يجعل اختيارا ولا معتبر بتعمده الوطء والوقوع عليه لأن ذلك من باطنه لا يمكن الوقوف عليه وإن أعتقه أو باعه أو وهبه أو كاتبه وهو لا يعلم بجنايته فعليه قيمته لأنه منع الدفع بما أحدث من التصرف ولكنه لم يصر مختارا للفداء حين لم يكن عالما بالجناية فيكون مستهلكا محل الدفع وذلك يوجب عليه القيمة لمولى ولي الجناية كالراهن إذا استهلك المرهون يغرم قيمته لحق المرتهن وإن كان علم بإحدى الجنايتين ولم يعلم بالأخرى فهو مختار للذي علم بها وعليه الأرش وللأخرى حصتها من قيمة العبد لأنه يجعل تصرفه في حق كل واحد من الجنايتين كأنه لا جناية سواهما ففيما كان عالما بها يجعل مختارا لوجود دليل الاختيار وفيما لم يكن عالما بها مستهلكا محل الدفع فعليه حصتها من قيمة العبد وإذا جنى العبد جناية لم تبلغ النفس فأعتقه المولى وهو يعلم بها قبل البرء ثم انتقضت الجراحة فمات وهو مختار فعليه الدية لأن السبب الموجب لتخير المولى جناية العبد وإنما وجد الإعتاق بعد العلم بها فيكون ذلك منه اختيارا للأرش بمنزلة ما لو أعتقه بعد الموت ( ألا ترى ) أن أداء الكفارة بعد الجرح قبل زهوق الروح جائز بمنزلة أدائها بعد الموت وهذا لأنه لما أعتقه مع علمه أن الجناية قد برئت فقد صار مختارا لما يجب من الأرض برأت أو سرت ولو قال لعبده : إن ضربت فلانا بالسيف أو بالعصا أو بسوط أو بيدك أو شججته أو جرحته فأنت حر ففعل به ذلك فمات منه عتق والمولى مختار للدية لأن المعلق بالشرط عند وجود الشرط كالمنجز ولأن المولى لما علق عتقه بشرط هو سبب لوجوب الأرش وتخيره بين الدفع والفداء فقد صار راضيا بالتزام الفداء بمنزلة الصحيح إذا قال لامرأته أنت طالق .
ثلاثا إذا مرضت فمرض ومات يصير فارا من ميراثها فإن كان جناية العبد مما يتعلق بها القصاص فلا شيء على المولى لأن الواجب هو القصاص على العبد وذلك لا يختلف بالرق والحرية فلا يصير المولى بالعتق مفوتا حق ولي الجناية فلهذا لا يلزمه شيء وإذا جرح العبد رجلا فخوصم فيه المولى فاختار العبد وأعطى الأرش ثم انتقضت الجراحة فمات المجروح فالقياس فيه أن يكون المولى مختارا للفداء وهو قول أبي يوسف الآخر وفي الاستحسان يخير المولى خيارا مستقبلا وهو قول أبي يوسف الأول وهو قول محمد ورجع أبو يوسف من الاستحسان إلى القياس وأخذ محمد C بالاستحسان وقد بينا فيما تقدم أن بهذه الصورة في الكتب ثلاث مسائل هذه ومسألة تكرار تلاوة السجدة في الركعة الثانية وجه القياس أن المولى اختار الأرش بعد ما تقرر السبب فنزل ذلك منزلة اختياره بعد موت المجروح وهذا لأنه أقدم على الاختيار مع علمه أنه قد يبرأ وقد ينتقض فيسري إلى النفس . يوضحه أن الاختيار قد يكون منه حكما وقد يكون قصدا فقد صار مختارا لما يجب بها ثم الاختيار بطريق الحكم يسوي فيه بين ما قبل البرء وما بعده وهو الإعتاق باعتبار أنه اختيار لموجب الفعل فكذلك في الاختيار قصدا وجه الاستحسان أن المولى اختار الأرش على حسبان أن البرء قد تم وأن الواجب أرش الطرف فلا يكون ذلك منه دليل اختياره الدية فالإنسان قد يختار الشيء إذا كان قليلا ولا يختاره إذا كان كثيرا فإذا تبين أن الواجب كان هو الدية قلنا يخير خيارا مستقبلا بمنزلة الشفيع إذا أخبر بثمن قليل فطلب الشفعة وقضى له بها ثم تبين أن الثمن كان أكثر من ذلك كان على خياره ولو أخبر أن الثمن كثير فسلم الشفعة ثم تبين أنه كان أقل من ذلك كان هو على حقه بخلاف الإعتاق فإنه تفويت لمحل الدفع ولا يمكن إبقاء خياره بعده قائما وعند الاختيار قصد ألا يفوت محل الدفع لهذا كان على خياره إلا أنه روي عن أبي يوسف أنه فرق بين ما إذا أعطى الأرش بغير قضاء وبين ما إذا أعطاه بقضاء القاضي قال : إذا أعطاه بقضاء القاضي فإن المجروح يخير خيارا مستقبلا بخلاف ما إذا أعطاه بغير قضاء القاضي فإن ذلك اختيار منه للدية طوعا بمنزلة من اشترى دارا بعبد فأخذها الشفيع بقيمة العبد ثم استحق العبد فإن أخذها بقضاء القاضي بطلت شفعته ووجب عليه ردها وإن أخذها بغير قضاء القاضي جعل ذلك كالشراء المبتدإ وعن زفر أنه قال : في الوجهين جميعا يصير مختارا لأن القاضي إنما قضى بالإرش بناء على اختياره قال : وإذا جنى العبد جناية فاختار المولى إمساك عبده وليس عنده ما يؤدي وكان ذلك عند قاض أو عند غير قاض فالعبد عبده والإرش دين عليه في قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد : إن أدى الدية مكانه وإلا دفع العبد إلا أن يرضى الأولياء أن يتبعوه بالدية على ما قال فإن رضوا بذلك لم يكن لهم بعد ذلك أن يرجعوا في العبد وجه قولهما أن نفس صاحب العبد صار حقا لمولى الجناية إلا أن المولى يتمكن من تحويل حقهم من العبد إلى الأرش باختياره الفداء فإذا أعطاهم الأرش كان هذا تحويلا لحقهم من محل إلى محل فيه وفاء بحقهم فيكون صحيحا منه وإذا كان مفلسا كان هذا منه إبطالا لحقهم لا تحويلا من محل إلى محل يعد له فيكون ذلك باطلا من المولى وهذا لأن ثبوت الخيار للمولى كان على وجه النظر من الشرع وإنما يثبت على وجه لا يتضرر به صاحب الحق فإذا آل الأمر إلى الضرر كان باطلا بمنزلة المحتال عليه إذا مات مفلسا فإن الدين يعود إلى ذمة المحيل لأنه حول حقه من ذمته إلى ذمة المحتال عليه بشرط أن يسلم له فإذا لم يسلم عاد كما كان وفي بيع المعاوضة إذا هلك أحد العوضين قبل القبض بطل العقد في الآخر لأن صاحبه حول حقه إلى العوض الآخر بشرط أن يسلم له فإذا لم يسلم عاد كما كان وكذلك في البيع والآخر بالشفعة إن سلم الثمن كان له أن يأخذ الدار وإن عجز عن ذلك لم يكن له أن يأخذها إلا أن يرضي البائع والمشتري في فصل الشفعة بالتسليم فها هنا أيضا أن رضى الولي كان مسقطا حقه في العبد وإن أبى كان له أن يأخذ العبد وأبو حنيفة يقول بجناية العبد يخير المولى بين الدفع والفداء والمخير بين اثنين إذا اختار أحدهما تعين ذلك واجبا من الأصل كالمكفر إذا اختار أحد الأنواع الثلاثة فها هنا باختيار تبين أو الواجب هو الدية في الذمة المولى من الأصل مإن العبد فارغ من الجناية فلا يكون لأولياء الجناية عليه سبيل . يوضحه أن من ثبت له الخيار شرعا يستبد بالخيار من غير أن يحتاج إلى رضا صاحبه ولو رضي الأولياء أن يتبعوا بالدية لم يبق لهم حق في العبد فكذلك إذا اختار المولى ذلك في حال ما ثبت له الخيار شرعا .
وقيل : إن هذه المسألة في الحقيقة تبني على اختلافهم في التفليس وعند أبي حنيفة التفليس ليس بشيء والمال غاد ورائح وهذا التصرف من المولى يكون تحويلا لحق الأولياء إلى ذمته لا إبطالا وعندهما التفليس معتبر والمال في ذمة المفلس يكون تاويا فيكون هذا الاختيار من المولى إبطالا لحق الأولياء وقد روى أبو يوسف أن اختيار المولى ها هنا معتبر حتى لا يكون لأولياء الجناية حق تملك العبد الأخذ بعد هذا الاختيار ولكن يباع العبد فيه فيدفع ثمنه إلى الأولياء من حساب الدية التي على المولى وهو بناء على مذهب أبي يوسف في الحجر بسبب الدين فإنه يقول القاضي : يحجر على المديون ويبيع عليه ماله وعند أبي حنيفة لا يفعل ذلك وفقد بينا هذا في كتاب الحجر قال : وإذا جنى العبد جناية خطأ ثم أقر المجني عليه أنه حر قبل الدفع إليه فلا حق له في رقبة العبد ولا على المولي لأنه يزعم أنه حر وإن جنايته على عاقلته لا يستحق بها رقبته وزعمه معتبر في حقه فلا سبيل له على العبد بعد هذا الإقرار ولا شيء له على المولي لأنه لم يدع على المولي بعد الجناية حتى يصير به مختارا أو مستهلكا ولو كان إقرار المجني عليه بعد ما دفع إليه العبد فهو حر لأنه ملكه بالدفع وقد أقر بحريته فيعتق بإقراره ويكون موقوف الولاء بمنزلة من اشترى عبدا ثم أقر أن البائع كان أعتقه قال : وإذا جنت الأمة جناية ثم ولدت ولدا أو اكتسبت كسبا فإن مولاها يدفعها بالجناية ولا يدفع ولدها ولا كسبها لأن استحقاق نفسها بالجناية الخطأ كاستحقاق نفسها بالعمد قصاصا وذلك لا يسري إلى الكسب والولد وهذا لأن حق ولي الجناية غير متأكد في عينها . ( ألا ترى ) أن المولى مخير بين أن يدفعها أو يفديها بالإرش وأنما يسري إلى الولد ما يكون متأكدا في الأصل حين انفصل الولد عنها . وأما الكسب فإنما يملك بملك الأصل وعند الاكتساب كان ملك الأصل للمولى دون المجني عليه فإن جنى عليها فأخذ المولى لذلك إرشا فإنه يدفع الإرش معها لأن الإرش عوض عن الجزء الفائت منها بالجناية وحق ولي الجناية كان ثابتا فيها بجميع أجزائها فيثبت في بذل جزء منها أيضا والجزء معتبر بالكل ولو قتلت وأخذ المولى قيمتها كان عليه دفع تلك القيمة إلى ولي الجناية فكذلك إذا أخذ أرش جزء منها بخلاف الولد فإنه حر وهو زيادة حادثة بعد الجناية وحق الولي إنما يثبت في الأجزاء الموجودة عند الجناية وإن كان جنى عليها قبل جنايتها لم يدفع المولى ذلك الإرش معها لأن الجزء الفائت بتلك الجناية لم يكن موجودا عند جنايتها فلا يثبت حق ولي الجناية فيه ولا في بدله بخلاف الفائت بعد جنايتها وإن لم يعلم أن الجناية عليها كان قبل جنايتها أو بعده فالقول فيه قول المولى لأن الأرش المقبوض في يد المولى فأولياء الجناية يدعون استحقاق ذلك على المولى وهو ينكر ولأنهم يستحقونها بالجناية على المولى فالقول قول المولى في بيان صفتها حين ثبت الاستحقاق لهم وإن كان وجب الأرش بعد جنايتها فأمسكها المولى وفداها فله أن يستعين بذلك الأرش في الفداء لأنه ملكه كسائر أمواله وإن لم يختر الفداء حتى استهلك أو وهبه الجاني عليها لم يكن مختارا وله أن يدفعها لأن الأرش منفصل عنها فتصرفه في الأرش لا يكون تصرفا فيها ولا يتعذر دفعها فكان له أن يدفعها بمنزلة ما لو حدثت الجناية من أمتين فاستهلك إحداهما كان له أن يدفع الأخرى بجنايتها ثم عليه أن يغرم مثل ما استهلك فيدفعه معها لأن حق ولي الجناية ثبت في ذلك الأرش وقد أتلفه المولى بتصرفه وهذا بخلاف ما إذا أتلف المولى جزأ منها بجنايته لأن هناك المولى تصرف فيه بالجناية والجزء الذي أتلفه بجنايته كان متصلا بها ولهذا صار المولى به مختارا وإن كان الجاني عليها عبدا فدفعه المولى كان عليه أن يدفعهما جميعا أو يفديهما بالدية لأن العبد المدفوع قائم مقام الجزء الفائت منها فإن أعتق العبد المدفوع إليه فهذا اختيار منه للأمة وعليه الدية وكذلك إن أعتق الأمة فإنه لا يستطيع أن يدفع واحدا منهما دون صاحبه لأن العبد قائم مقام الجزء الفائت وحكم الدفع فيها لا يتجزأ بل إذا تعذر دفع بعضها بتصرف المولى يتعذر دفع كلها فكذلك حال العبد المدفوع مكان الزء الفائت منها وهذا بخلاف الأرش المستوفى من الجاني إذا كان جزأ لأن الأرش دراهم وفي الدراهم لا يثبت للمولى الخيار بين الدفع والفداء وإقدامه على التصرف إنما يكون دليل الاختيار إذا صادف محلا ثبت له فيه الخيار . فأما هنا فالخيار ثابت له في العبد والأمة لأن كل واحد منهما يفيد التخير فيه بين الدفع والفداء فإعتاقه أحدهما يكون تصرفا في المحل الذي ثبت له فيه الخيار فيجعل ذلك اختيارا وهذا الاختيار يثبت له فيهما باعتبار جناية واحدة فيكون اختياره أحدهما اختيارا لهما جميعا بخلاف .
الأمتين إذا جنت كل واحدة منهما لأن ثبوت الخيار له في كل واحدة منها باعتبار جناية على حدة فلا يكون اختياره إحدى الجنايتين دليل الاختيار منه في الأخرى فإن أعتق العبد وهو لا يعلم بالجناية ثم اختار دفع الأمة معها قيمة العبد لأن العبد لو كان قائما بعينه كان عليه دفعه معها وقد صار مستهلكا له بالإعتاق حين لم يكن عالما بالجناية فكان عليه قيمته . ( ألا ترى ) أنه لو أعتق الأمة وهو لا يعلم بالجناية كان عليه قيمتها ولو كان هذا العبد فقأ عين الأمة فدفع بها وأخذت الجارية فإن العبد يصير مكانها يدفعه المولى أو يفديه بالدية لأنه قائم مقامها حين دفع بها وكذلك لو قتلها عبد فدفع بها ولو قتلها حر خطأ فأخذ المولى قيمتها لم يقل للمولى : ادفعها أو افدها ولكنه يدفع قيمتها لأن القيمة دراهم أو دنانير والأرش كذلك ولا معنى للتخيير بين القليل والكثير في الجنس الواحد وإنما يؤمر بدفع القيمة التي قبضها إلى ولي الجناية بخلاف ما تقدم فالمدفوع هناك عبد وللناس في الأعيان أغراض فتخييره بين دفع العبد وبين الفداء بالقيمة يكون مقيدا ولو أن عبدا قتل رجلا خطأ ثم قتلت جارية المولى العبد خطأ قيل للمولى ادفعها أو افدها بقيمة العبد لأن العبد الجاني صار مستحقا لولي الجناية فجناية جارية المولى عليه بمنزلة جنايتها على عبد مملوك لولي الجناية ولو قتلت عبدا أو مملوكا له كان على المولى أن يدفعها أو يفديها بقيمة العبد فكذلك ها هنا لا يجوز أن يلزمه أكثر من ذلك وهذا لأن إعطاءه قيمة العبد بمنزلة إعطائه العبدان لو كان قائما ولو أعطاهم العبد لم يلزمه شيء آخر فكذلك إذا أعطاهم قيمته بعد ما قتلته أمته قال : وإذا قتل العبد رجلا خطأ وقتلت الأمة رجلا وهما لرجل واحد ثم أن العبد قتل الأمة خطأ واختار المولى دفعه فإنه يقسم على قيمة الأمة ودية الحر لأن الأمة كانت مستحقة لأولياء جنايتها وقد جنى العبد عليها فثبت حق أولياء جنايتها في مقدار قيمتها وحق أولياء الحر في الدية ومولاه يتخير بين الدفع والفداء فإن اختار الدفع ضرب فيه أولياء الحر بدية الحر وأولياء الأمة بقيمتها فيقسم العبد بينهما على ذلك . وإن اختار الداء فداه بدية الحر وبقيمة الأمة لأولياء جنايتها قال : وإذا جنى العبد جناية ففداه المولى منها ثم جنى جناية أخرى قيل له : ادفعه بها أو فداه لأنه لما فداه من الأولى فقد طهره منها فكأنه ما وجد منه إلا الجناية الأخرى فيخاطب بالدفع أو الفداء فإن كان لم يقض من الأولى شيئا حتى جنى الثانية دفعه بهما أو فداه لأن الجنايتيم اجتمعتا في رقبته وللمولى أن يتخلص بدفعه ويقول : إنما لحقني هذا الشغل بسبب ملكي رقبة العبد وأنا أتخلص بدفع فيدفعه بالجنايتين أو يفديه بإرشهما وإذا أعتق العبد ثم أقر أنه كان جنى في حال رقه جناية عمدا أو خطأ لم يلزمه شيء إلا القود في النفس لأنه لو أقر بها قبل العتق لم يصح إقراره إلا بالجناية الموجبة للقود فكذلك بعد العتق وهذا لأنه في الوجهين جميعا إنما يقر على غيره فإن جناية العبد فيما يوجب المال يكون على المولى لا شيء منه على العبد قبل عتقه ولا بعد عتقه وإقراره على غيره لا يكون حجة في الحالين فأما ما يكون موجبا للقود فإقراره يكون على نفسه ولو جنت أمة جناية فقال المولى : كنت أعتقتها قبل الجناية أو دبرتها أو كانت أم ولدي فإنه لا يصدق من أجل الجناية وهو مختار للفداء إن قال هذا بعد العلم بالجناية وإن قاله قبل العلم بالجناية فعليه القيمة لأنه متهم في حق أولياء الجناية فيجعل إقراره بمنزلة الإنشاء في حقهم وإن أنشأ العتق أو التدبير كان الحكم فيه ما بينا فكذ