قال C : وإذا سار على دابة في الطريق فنخسها رجل أو ضربها فنفحت برجلها رجلا فقتلته كان ذلك على الناخس دون الراكب لأن نخسه جناية فما تولد منه كان مضمونا عليه وإنما تكون النفحة بالرجل جبارا إذا كان يسير في الطريق قال : بلغنا ذلك عن عمر بن الخطاب Bه وعبدالله بن مسعود وإن نفحت الناخس كان دمه هدرا لأن ذلك تولد من نخسه فصار كأنه هو الذي جنى على نفسه ولو ألقت الراكب من تلك النخسة فقتلته كانت ديته على عاقلة الناخس لأنه تولد ذلك من نخسه وجنايته وكذلك لو وثبت من نخسه على رجل فقتلته أو وطئت رجلا فقتلته لأن ذلك تولد من جنايته والواقفة في ذلك والتي تسير سواء لأن ذلك تولد من نخسه فكان الضمان على عاقلته قال : ولو نخسها بإذن الراكب كان ذلك بمنزلة فعل الراكب لو نخسها ولا ضمان عليه في نفحتها وهي تسير لأن النفحة في حال السير هدر لقوله E : ( الرجل جبار ) ولو وطئت رجلا في سيرها وقد نخسها هذا بإذن الراكب كانت الدية عليهما جميعا إذا كان في فورها الذي نخسها فيه لأنه لما نخس بإذن الراكب صار بمنزلة السائق والراكب سائقا وراكبا كان الضمان عليهما نصفين وهذا إذا كان في ذلك الفور الذي نخسها فيه فأما إذا انقطع ذلك الفور كما إذا سارت ساعة وتركها من السوق فالضمان على الراكب خاصة لأن فعل الناخس قد انقطع وبقي فعل الراكب قال : وإذا نخس الرجل الدابة ولها سائق بغير إذن السائق فنفحت رجلا فقتلته فالضمان على الناخس وكذلك لو كان لها قائد لأن ذلك تولد من نخسه وإن نخس بإذن السائق أو بإذن القائد فنفنحت رجلا فقتلته فلا ضمان عليه ولا عليهما لأن الناخس صار سائقا والنفحة بالرجل جبار في هذه الحالة قال : وإذا قاد الرجل الدابة فنخسها رجل آخر فانفلتت من القائد ثم أصابت في فورها ذلك فضمان ذلك على الناخس لأن حكم قوده قد انقطع وصار الناخس جانيا فضمان ذلك عليه . قال : وإن كان الناخس عبدا فجنابة الدابة في رقبة العبد يدفع بها أو يفدي لأنه بمنزلة جنايته بيده وإن كان الناخس صبيا فهو كالرجل في أن ضمان الدية يجب على عاقلته وإن مرت الدابة بشيء نصب في ذلك الطريق فنخسها ذلك الشيء فنفحت إنسانا فقتلته فهو على الذي نصب ذلك لأنه متعد في نصب ذلك الشيء في الطريق فكان نخس ذلك الشيء للدابة بمنزلة نخس الذي نصبه وإن كان الرجل يسير في الطريق فأمر عبدا لغيره فنخس دابته فنفحت فلا ضمان على أحد منهما لأن فعل المأمور كفعل الآمر عبدا كان المأمور أو حرا فإن وطئت في فورها ذلك إنسانا فقتلته فعلى عاقلة الراكب نصف الدية وفي عنق العبد نصف الدية يدفعها مولاه أو يفديه بمنزلة السائق مع الراكب إلا أن المولى يرجع على الآمر بالأقل من قيمة العبد ومن نصف الدية لأنه صار للعبد غاصبا باستعماله إياه في نخس الدابة فإذا لحقه ضمان بذلك السبب كان للمولى أن يرجع به على المستعمل له وكذلك لو أمره بالسوق أو بقود الدابة ولو كان الراكب عبدا فأمر عبدا آخر فساق دابته فأوطأت إنسانا فقتلته فالدية في أعناقهما نصفين يدفعان بها أو يفديان بمنزلة السائق مع الراكب ولا شيء على الراكب لمولى العبد المأمور إذا كان الراكب محجورا عليه حتى يعتق لأن سبب وجوب هذا الضمان استعماله إياه بالقول والمحجور لا يؤاخذ بضمان القول حتى يعتق وإذا عتق كان عليه قيمة المأمور وإن كان تاجرا أو مكاتبة فهو دين في عنقه لأنه لا يؤاخذ بضمان القول فكذلك السائق في الحال وإذا أقاد الرجل قطارا في طريق المسلمين فما وطئ أول القطار وآخره فالقائد ضامن له وإن كان معه سائق فالضمان عليهما لأن القائد مقرب ما أصاب بالصدمة أو غير ذلك وكذلك السائق مقرب من ذلك ومشتركان في الضمان لاستوائهما في السبب وهذا لأن السوق والقود في الطريق مباح مقيد بشرط السلامة بمنزلة الركوب فكما أن الراكب يجعل ضامنا بما تلف بسبب يمكن التجرز عنه فكذلك السائق والقائد والمعنى في الكل أن الدابة في يده فعليه أن يتحرز عما يمكن التحرز عنه في صرف الدابة بسوقه أو بقوده وإن كان معها سائق للإبل وسط القطار فالضمان في جميع ذلك عليهم أثلاثا لأن الذي هو في وسط القطار سائق لما بين يديه فعليه أن يتحرز عما يمكن التحرز عنه من الإبل قائدا لما خلفه والسائق والقائد في حكم الضمان سواء وكذلك إن كان يكون أحيانا وسطها وأحيانا يتقدم وأحيانا يتأخر لأنه في جميع هذه الأحوال سائق للقطار أو قائد ولو كان الرجل راكبا وسط القطار على بعير ولا يسوق منها شيئا لم يضمن شيئا مما تصيب الإبل التي بين يديه لأنه ليس بسائق لما بين يديه فإن ثقل السوق في الزجر على الإبل والضرب ولم يوجد منه .
شيء من ذلك وهو معهم في الضمان فيما أصاب البعير الذي هو عليه وما خلفه أما ما في البعير الذي هو عليه فلأنه راكب والراكب شريك السائق والقائد في الضمان وأما ما خلفه فلأنه قائد لما خلفه لأن ما خلفه زمامه مربوط ببعيره ومشي البعير الذي هو عليه يضاف إلى الراكب فيجعل هو بهذا المعنى كالقائد لما خلفه وقال بعض المتأخرين : هذا إذا كان زمام ما خلفه يقوده بيده وأما إذا كان هو نائما على بعيره أو قاعدا لا يفعل شيئا لا يكون به قائدا لما خلفه فلا ضمان عليه في ذلك وهو في حق ما خلفه بمنزلة المتاع الموضوع على بعيره وإذا أتى الرجل ببعير فربطه إلى القطار والقائد لا يعلم وليس معها سائق فأصاب ذلك البعير إنسانا ضمن القائد لأنه قائد لذلك البعير والقود سبب لوجوب الضمان ومع تحقق سبب الضمان لا يسقط الضمان لجهله ثم يرجع القائد على الذي ربط البعير بذلك الضمان لأنه هو الذي ألزمه ذلك الضمان حين ربط البعير بقطاره وهو متعد فيما صنع فيكون له أن يرجع عليه بما يلحقه من الضمان ولو كان البعير واقعا حين ربطه بالقطار ثم قاد فأصاب ذلك البعير شيئا فالضمان على القائد ولا يرجع على الذي ربط البعير بذلك الضمان لأنه هو الذي ربط البعير بقطاره كان هو السبب لما يلحقه من الضمان فيثبت له حق الرجوع به عليه وفي الوجهين جميعا إن علم صاحب القطار وقاد القطار على حاله لم يكن له أن يرجع على الرابط بشيء من الضمان لأنه بعدما علم قاد القطار فقد صار ضامنا بفعله فيجعل كأنه ربط بأمره ولو سقط شيء مما يحمل الإبل على إنسان فقتله أو سقط بالطريق فعثر فمات كان الضمان في ذلك على الذي يقود الإبل وإن كان معه سائق فالضمان عليهما لأن هذا مما يمكن التحرز عنه بأن يشد الحمل على البعير على وجه لا يسقط وإنما يسقط لتقصير كان من القائد والسائق في الشد فكأنه أسقط ذلك بيده فيكون ضامنا لما تلف بسقوطه عليه ولمن يعثر به بعد ما سقط في الطريق لأنه شيء أحدثه في طريق المسلمين وإذا سار الرجل على دابته في الطريق فعثر بحجر وضعه رجل أو بدكان قد بناه رجل أو بماء قد صبه رجل فوقعت على إنسان فمات فالضمان على الذي أحدث ذلك في الطريق لأنه ممنوع من إحداث شيء من ذلك في طريق المسلمين فإن الطريق معد لمرور الناس فيه فيما يضر بالمارة أو يحول بينهم وبين المرور فيه يكون هو ممنوعا من إحداث ذلك وبهذا الطريق يصير المحدث كالدافع للدابة على ما سقطت عليه فيكون الضمان عليه دون الراكب قالوا : هذا إذا لم يعلم الراكب بما أحدث في الطريق فإن علم بذلك وسير الدابة على ذلك الموضع قصدا فالضمان عليه لأنه طرأ على فعل الذي أحدث فعل آخر ممن هو مختار فيفسخ به حكم فعل الأول ويكون الضمان على الثاني بمنزلة من وضع حجرا على الطريق فزحزحه رجل آخر إلى جانب آخر من الطريق ثم عثر به إنسان كان الضمان على الثاني دون الأول ولو سار على دابته في ملكه فأوطأت إنسانا بيد أو رجل فقتلته فعليه الدية والكفارة جميعا لأن الراكب مباشر للقتل فيما أوطأت دابته والمباشرة في ملكه وفي غير ملكه سواء في إيجاب الضمان عليه كالرمي فإن رمى في ملكه فأصاب إنسانا كان عليه ضمانه وإن كان سائقا أو قائدا فلا ضمان عليه في ذلك لأنه تسبب بتقريب الدابة من محل الجنابة والمتسبب إنما يكون ضامنا إذا كان متعديا بسببه وهو في ملك نفسه لا يكون متعديا في سوق الدابة ولا قودها فهو نظير القاعد في ملكه إذا تعثر به إنسان والدليل على الفرق أن السائق والقائد في الطريق لا تلزمه الكفارة لانعدام مباشرة القتل منه والراكب تلزمه الكفارة ولو أوقفها في ملكه فأصابت إنسانا من أهله أو أجنبيا دخل بإذنه أو بغير إذنه فلا ضمان عليه لأنه غير متعد في إيقافها في ملكه وكلك الكلب العقور في دار مخلى عنه أو مربوطا لأن صاحب الكلب غير متعدي في إمساكه في ملكه ولو ربط دابته في الطريق فجالت في رباطها من غير أن يحلها أحد فما أصابت فهو على الذي ربطها لأنه متعد في ربطها في الطريق وفي أي موضع وقفت بعد أن تكون مربوطة فذلك يكون مضافا إلى من ربطها لأن الرابط يعلم حين ربطها أنه تحول في رباطها بهذا القدر فلا يكون تغييرها عن حالها مبطلا الضمان عنه بعد أن يكون الضمان بالرباط كما هي إلا أن يحل الرباط وتذهب فحينئذ تكون في معنى المنفلتة وكذلك كل بهيمة من سبع أو غيره إذا أوقفه رجل على الطريق فهو متعد في هذا التسبب حكما ضامن لما يتف به ما لم يتغير عن حاله وكذلك لو طرح بعض الهوام على رجل فلدغه ذلك فهو ضامن له لأنه متعد في هذا التسبب ولا يقال قد طرأ على تسببه مباشرة وهو اللدغ من العقرب أو الحية لأن ذلك غير صالح لبناء الحكم عليه فلا يقطع به حكم التسبب الموجود ممن ألقاه عليه بمنزلة مشي الماشي وفعله في نفسه في مسألة حفر البئر فإنه لا يكون ناسخا للسبب الموجود من الحافر في حكم الضمان والله أعلم