( قال - C - ) : ( وإذا أمر الصبي الحر الصبي الحر أن يقتل إنسانا فقتله فالدية على عاقلة القاتل وليس على الآمر شيء ) لأن قول الصبي هدر فيما يلزمه الغرم فيكون وجوده كعدمه فبقي مباشرة القتل من الصبي القاتل ولو أمر رجل صبيا فقتل رجلا كانت الدية على عاقلة الصبي كمباشرته القتل باختياره يرجعون بها على عاقلة الآمر لأن الآمر جان في استعماله الصبي وأمره إياه بالقتل وهو الذي تسبب لوجوب الضمان على عاقلة الصبي فثبت لهم حق الرجوع بها على عاقلته .
فإن قيل : أمره قول وما يجب على المرء بقوله من ضمان الجناية لا تعقله العاقلة .
قلت : متمثلا نعم إذا كان ذلك القول خبرا محتملا الصدق والكذب ليكون محمولا على الكذب في حق العاقلة فأما إذا كان ذلك أمرا فلا تردد في كونه تسببا واستعمالا .
وإذا ثبت السبب في حق العاقلة ثبت الحكم وإذا أعطى الرجل صبيا عصا أو سلاحا يمسكه له ولم يأمره فيه بشيء فعطب الصبي بذلك بأن سقط من يده فوقع على رجليه فمات فضمانه على عاقلة الرجل لأنه جان في استعمال الصبي في إمساك ما دفع إليه وهو سبب لهلاكه متعد في ذلك السبب .
وإن قتل الصبي نفسه بذلك أو قتل رجلا لم يضمن الدافع شيئا لأنه أمره بإمساكه لا باستعماله وإنما وجب الضمان على عاقلته لاستعماله وهو مختار في ذلك غير مأمور به من جهة الدافع فكذلك إذا قتل به نفسه فإنما تلف باستعماله لا بإمساكه بخلاف ما إذا وقع على رجله لأنه ثمة حصل الهلاك لا بمباشرته بل بإمساكه الذي هو حكم دفع الدافع وهو متعد في الدفع فيضمن بخلاف ما إذا حصل التلف بمباشرته وحدث من جهة الصبي باختياره لأنه طرأت المباشرة على التسبيب فينقطع حكم التسبيب وهذه المباشرة ليست حكم ذلك التسبيب فلا يثبت الرجوع بخلاف ما إذا أمره بالقتل حكما .
وإذا غصب الرجل الصبي الحر فذهب به فهو ضامن له إن قتل أو أصابه حجر أو أكله سبع أو تردى من حائط عندنا استحسانا .
وفي القياس لا شيء عليه وهو قول زفر والشافعي .
وجه القياس : أن ضمان الغصب يختص بما هو مال متقوم والصبي الحر ليس بمال متقوم فلا يضمن بالغصب كالميتة والدم والدليل عليه أنه لو مات حتف أنفه أو أصابته حمى فمات أو مرض فمات أو خرجت به قرحة فمات لم يضمن الغاصب شيئا بالاتفاق والدليل عليه أنه لو غصب مكاتبا صغيرا فمات في يده ببعض هذه الأسباب لم يضمن الغاصب شيئا فالحر أولى .
وكذلك لا يضمن أم الولد بالغصب وإن تلفت بهذه الأسباب لأنه لم يبق لرقها قيمة فلان لا يضمن الحر بهذه الأسباب كان أولى . وحجتنا في ذلك أنه سبب لإتلافه بغير حق والمسبب إذا كان متعديا في سبب فهو ضامن والدية على عاقلته كحافر البئر وواضع الحجر في الطريق .
وبيان الوصف : أنه أزال يد حافظه عنه في حال حاجته إلى الحفظ ولم يقم بحفظه بنفسه فكان مسببا لإتلافه وهو متعد في ذلك لأنه ممنوع شرعا من إزالة يد حافظه .
ومعنى قولنا أن لم يقم بحفظه بنفسه لأنه تلف بأمر يمكن التحرز عنه بخلاف ما إذا مات لأن ذلك لا يستطاع الامتناع عنه فلا يكون دليلا على تركه الحفظ أو على أنه كان سببا لإزالة حافظه عنه فأما التردي من الحائط ونهش الحية وإصابة الحجر فإنه يمكن التحرز عنه في الجملة .
وبهذا تبين أن هذا الضمان ضمان جناية لا ضمان غصب والحر يضمن بالجناية تسبيبا كان أو مباشرة وهذا بخلاف المكاتب لأنه في يد نفسه صغيرا كان أو كبيرا فهو بفعله ما حال بينه وبين نفسه وبخلاف أم الولد فإنها تقوم بحفظ نفسها فلا يكون هو جانيا بإزالة الحفظ عنها فلهذا لا يضمن نقصها .
ولو قتل الصبي في يد الغاصب رجلا فليس على الغاصب في ذلك شيء لأنه لم يأمره بالقتل ولكنه أنشأ القتل باختياره فلو ثبت للعاقلة حق الرجوع على الغاصب كان ذلك باعتبار يده على الصبي والحر لا يضمن باليد .
وكذلك لو قتل الصبي نفسه في يد الغاصب فلا شيء على الغاصب كما لو قتل غيره وعلى قول أبي يوسف تجب ديته على عاقلة الغاصب لأنه تلف بسبب يمكن حفظه من ذلك السبب عادة فهو كما لو نهشته حية .
وإذا حمل الرجل الصبي الحر على دابة فقال له امسكها لي وليس بيده حبل فسقط عن الدابة فمات فالدية على عاقلة الرجل لأنه سبب لإتلافه حين حمله على الدابة فكان متعديا في تسبيبه .
فإذا تلف بذلك السبب كان ضامنا لديته ويستوي إن كان الصبي ممن يركب أو لا يركب فإن سار الصبي على الدابة فأوطأ إنسانا فقتله فإن كان هو ممن يستمسك عليها فديته على عاقلة الصبي لأنه متلف للرجل بدابته حين أوطأها إياه ولا شيء على عاقلة الذي حمله عليها لأنه أحدث السير باختياره فهو كما لو قتل رجلا في يد الغاصب باختياره .
وإن كان مما لا يسير على الدابة لصغره ولا يستمسك عليها فدم القتيل هدر لأن هذه الدابة بمنزلة المنفلتة فإنها سارت من غير أن يسيرها فلا يكون هو قائد الدابة ولا سائقا والصبي الذي لا يستمسك على الدابة بمنزلة متاع موضوع عليها فلا يكون هو مسيرا للدابة بخلاف ما إذا كان يستمسك عليها .
وإذا حمل الرجل معه الصبي على الدابة ومثله لا يصرفها ولا يستمسك عليها فوطئت الدابة إنسانا فقتلته فالدية على عاقلة الرجل خاصة لأنه هو المسير للدابة والصبي الذي لا يستمسك بمنزلة المتاع معه على الدابة فالدية على عاقلته وعليه الكفارة لأن الراكب يجعل متلفا لما أوطأ بدابته مباشرة فإنه إنما تلف بفعله والكفارة جزاء مباشرة القتل وسيأتي بيان هذا في الباب الذي يلي هذا .
ولو كان الصبي يصرف الدابة ويسير عليها فالدية على عاقلتهما جميعا لأن كل واحد منهما مسير للدابة ها هنا فكانا جانيين على الرجل فتجب الدية على عاقلتهما ولا ترجع عاقلة الصبي على عاقلة الرجل بشيء لأن هذا بمنزلة جناية الصبي بيده والرجل لم يأمره بذلك ولو سقط الصبي فمات فديته على عاقلة الرجل لأنه هو الذي حمله عليها .
وقد بينا أن حامل الصبي على الدابة ضامن لديته إذا سقط سواء كان سقوطه بعدما سير الدابة أو قبل أن يسيرها وكان هو ممن يستمسك عليها أولا يستمسك عليها وإذا حمل العبد صبيا حرا على دابة فوقع الصبي عنها فمات فديته في عنق العبد يدفع به أو يفدى لأنه صار مسببا لهلاكه والعبد يضمن بالجناية تسببا كان أو مباشرة وموجب جناية العبد الدفع أو الفداء .
وإن كان معه على الدابة فسارا عليها فوطئت إنسانا فمات فعلى عاقلة الصبي نصف الدية وفي عنق العبد نصفها يدفع به أو يفدى لأنهما جانيان على المقتول فعلى كل واحد منهما موجب جنايته ويجعل في ذلك الحكم كأنه تفرد به .
وإذا حمل الحر الكبير العبد الصغير على الدابة ومثله يصرفها ويستمسك عليها ثم أمره أن يسير عليها فأوطأ إنسانا فذلك في عنق العبد يدفعه به مولاه أو يفديه بمنزلة جنايته بيده ويرجع مولاه بالأقل من قيمته ومن الأرش على الغاصب لأنه حين حمله على دابته فقد صار غاصبا له ويبقى حكم غصبه ما بقي على الدابة والعبد المغصوب إذا جنى في يد الغاصب كان للمولى أن يرجع على الغاصب بالأقل من قيمته ومن أرش الجناية لأنه غصبه فارغا ورده مشغولا بالجناية بخلاف ما تقدم فالمحمول على الدابة هناك حر والحر لا يضمن بالغصب .
ولو حمله عليها وهو لا يصرف الدابة ولا يستمسك عليهما فسارت الدابة فأوطأت إنسانا فدمه هدر لأن الذي حمله عليها ليس بقائد للدابة ولا سائق لها وإنما هذه دابة منفلتة .
وإن كانت واقفة حيث أوقفها ولم تسر حتى ضربت رجلا بيدها أو رجلها أو بذنبها أو كدمته فلا شيء على الصبي لأن الصبي بمنزلة المتاع حين كان لا يستمسك على الدابة وعلى الذي أوقفها الضمان على عاقلته لأنه متعد في هذا التسبب فإنه ممنوع من إيقاف الدابة في الطريق إلا أن يكون أوقفها في ملكه فحينئذ لا ضمان عليه لأنه غير متعد في إيقافها في ملكه والمتسبب إذا لم يكن متعديا في تسببه لا يضمن شيئا كمن حفر بئرا أو وضع حجرا في ملكه والله أعلم