( قال - C - ) : ( رجل قتل رجلا خطأ فالدية بين جميع الورثة والموصى له بالثلث كسائر التركة ) لأن الدية مال هو بدل نفسه فيكون تركة له بعد موته كسائر أمواله وقد بينا الاختلاف في الزوج والزوجة وقد كان في السلف من يقول لا شيء للأخوة للأم من الدية وإنما الدية للعصبات خاصة وقيل هو قول عمر - Bه - الأول ولهذا ذكر في الأصل عن علي - Bه - أنه كان ينسب عمر - Bه - إلى الظلم مع قول رسول الله - A - أينما دار عمر فالحق معه ( وفي رواية أينما دار الحق فعمر معه ) وقد صح رجوع عمر عن هذا حيث روى له الضحاك بن سفيان الكلابي الحديث كما روينا ولا حق للموصى له بالثلث في دم العمد لأن موجبه القصاص وليس بمال ولا يحتمل التمليك بالعقد وكما لا يثبت له حق الشركة في الاستيفاء فكذلك لا يعتبر عفوه فيه .
فإن صولح القاتل على مال دخل فيه الموصي له لأنه الواجب بدل نفسه فيكون تركة له يقضي منه ديونه وينفذ وصاياه بمنزلة الواجب في قتل الخطأ ثم هو شريك الورثة في التركة فيجوز عفوه بعد الصلح في نصيبه كما يجوز عفو الوارث وليس للغرماء عفو في عمد ولا خطأ أما العمد فلأن موجبه ليس بمال ولا حق للغرماء فيه وأما الخطأ فلأنه ليس في عفوهم عن الدية إسقاط شيء من ديتهم وإنما ولاية التصرف لهم في محل حقهم فإذا لم يلاق هذا التصرف منهم محل حقهم كان باطلا .
وإذا عفا الرجل عن دمه وهو خطأ ثلثه مرضه الذي مات فيه جاز عفوه من ثلثه لأن الواجب الدية على عاقلته فيكون عفوه وصية منه للعاقلة وذلك صحيح من ثلثه وما فيه من الإشكال بيناه في الوصايا .
فإن كان أوصى مع ذلك بوصايا تحاص أهل الوصايا والعاقلة في ثلثه فسقط عن العاقلة حصتهم وما سوى ذلك من نصيب أصحاب الوصايا والورثة يكون مؤجلا على العاقلة في ثلاث سنين اعتبارا للبعض بالكل وهذا تبيان أن الواجب على العاقلة لأنه لو كان على القاتل لكان الأجل سقط بموته .
فإن أعتق عبدا بدئ به من الثلث لأن العتق أقوى سببا من سائر الوصايا ومن العفو فإنه إسقاط للرق بمنزل الإبراء عن دين آخر .
وإن لم يعف الميت ولكن عفا بعض الورثة بطلت حصة العافي إلا أن يكون على الميت دين مستغرق وهو بمنزلة الإبراء عن دين آخر إذا شهد شاهدان من الورثة على بعضهم أنه عفا عن حصته والقتل خطأ فشهادتهما جائزة لأنهما لا يجران إلى أنفسهما شيئا بشهادتهما بخلاف العمد فهناك ينقلان حقهما من القصاص إلى الدية بشهادتهما .
ولو كان الشاهدان أخذا طائفة من الدية ثم شهدا بذلك لم تجز شهادتهما لأنهما يدفعان حق الثالث عن أنفسهما وقد كان للوارث الآخر حق المشاركة معهما فيما أخذ وإنما يسقطان ذلك بشهادتهما لأنهما ولو لم يأخذا شيئا حتى شهدا على الثالث أنه أخذ مالا وصالح عليه لم تجز شهادتهما لأنها يجران بها إلى أنفسهما مغنما فإنه يثبت لهما حق المشاركة مع القابض في المقبوض وشهادة جار المغنم أو دافع المغرم لا تقبل .
وإن شهد وارثان على القتيل أنه عفا عند موته عن القاتل فشهادتهما جائزة والعفو من ثلثه فإنه لا تهمة في شهادتهما .
فإذا شهد شاهدان على عفو الورثة وهم كبار فأجازه القاضي وأبرأ القاتل ثم رجعا عن شهادتهما ضمنا الدية لأن الواجب كان هو المال للورثة وقد أتلفا ذلك عليهم بشهادتهما فيضمنان عند الرجوع كما لو شهدا بالإبراء عن دين آخر ولو شهد شاهدان في دم العمد على أحد الورثة بعينه أنه أخر القاتل اليوم إلى الليل على ألف درهم لم يكن ذلك عفوا ولا مال له لأن الثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة وليس في هذا التأخير إسقاط شيء من القود والقود الواجب له في حكم العين فالتأجيل فيه يكون باطلا ولا مال له لأن القاتل لم يستفد شيئا بهذا التأخير .
وإن شهدا أنه أخذ منه ألف درهم على أن يعفو عنه يوما إلى الليل فهذا عفو وهو صلح جائز لأن العفو إسقاط للقود وهو لا يقبل التوقيت فيلغو التوقيت منه ويصح العفو بالمال المسمى بمنزلة الطلاق .
وذكر عن زيد بن وهب قال : وجد رجل مع امرأته رجلا فقتلهما بالسيف فاستحيا بعض أخوتها مما فعلت فعفا عنه فجعل عمر - Bه - للذي لم يعف حصته من الدية .
ولو أن رجلا أخذ السكين فوجأبه رأس إنسان فأوضحه ثم جر السكين قبل أن يرفعها حتى شجه أخرى فهذه موضحة واحدة وعليه فيها القصاص إن كانت عمدا وأرش موضحة واحدة إن كانت خطأ لأن الفعل واحد لاتحاد محله فالتوسع مبالغة منه في ذلك الفعل فلا يعطى له حكم فعل آخر .
ولو رفع السكين ثم وجأ إلى جهة أخرى اتصل أو لم يتصل فهذه موضحة أخرى اقتص منه في العمد وعليه أرش موضحتين في الخطأ لأنهما فعلان مختلفان باختلاف المحل واختلاف المباشرة فكأنهما حصلا من اثنين ثم اتصال إحداهما بالأخرى على وجهين .
فإن كان ذلك بفعله فلا شك أن عليه القصاص فيهما .
وإن كان ذلك بأن تأكل ما بينهما حتى اتصلت إحداهما بالأخرى فعلى قول أبي حنيفة لا قصاص فيهما .
وعلى قول محمد : يجب القصاص وهو بناء على ما سبق فمن أصل أبي حنيفة أن باعتبار السراية فيما دون النفس يمتنع وجوب القصاص في محل واحد وفي مجلس لأن العمد المحض فيما دون النفس لا يتحقق بالسراية .
وعلى قول محمد إذا كانت السراية بحيث يمكن إيجاب القصاص فيها لم يمتنع استيفاء القصاص بسببها وقد بينا ذلك فيما إذا قطع أصبعا فشلت إلى جنبها أخرى أو سقطت وإذا فقأ الرجل عين الرجل وفي عين الفاقئ فالمفقوءة عينه بالخيار لأن نقصان البصر في العين بمنزلة الشلل أو فوات الأصبع في اليد وقد بينا أن هناك إن كان النقصان في جانب الجاني فالمجني عليه بالخيار بين استيفاء القصاص وبين استيفاء الدية .
وإن كان النقصان في جانب المجني عليه لم يجب القصاص فهذا مثله وإذا لم يجب القصاص كان الواجب فيها حكم عدل لأن كما الأرش باعتبار تفويت البصر الكامل ولم يوجد والقدر الباقي من البصر مع النقصان غير معلوم فيكون الواجب فيها حكم عدل كمن قطع يد أشلاء .
ولو قطع يد رجل وفيها ظفر مسود لو خرج لا ينقصها فعليه القصاص لأن ما حدث في يده لم ينقص من منفعة البطش شيئا ومثله لا يمكن نقصانا في بدله كالصغر وسواد اليد أصلا وإذا ثبتت المساواة في الأرش ثبت وجوب القصاص .
وإذا قطع الرجل من كف الرجل أظفار يده ففيها حكم عدل لأن هذه الجناية لا تفوت منفعة البطش ولكن يتمكن فيها نقصان فيجب باعتباره حكم عدل .
وإذا علم أن الواجب حكم العدل ظهر أنه لا قصاص فيها لأن القصاص ينبني على معرفة المساواة في البدل حقيقة .
ولو قطع من كف رجل أصبعا زائدة ففيها حكم عدل لأن الأصبع الزائدة نقصان معنى فتفويتها لا يمكن نقصانا في البطش وإنما يلحق به ألما وشينا في الظاهر باعتبار الأثر فيجب حكم عدل باعتباره ولا قصاص فيها .
وإن كان للقاطع مثل تلك الأصبع لانعدام المساواة في البدل فبدل اليد ينقسم على الأصابع الخمس أخماسا ولا ينقسم على الأصبع الزائدة وإنما الأصبع الزائدة كالثؤلول .
وإن قطع الكف كله فإن كانت تلك الأصبع توهي الكف وتنقصها فلا قصاص فيها وفيها حكم عدل لأن هذا نوع شلل من حيث أنه يمكن نقصانا في منفعة البطش وإن كان لا ينقصها ولا يوهيها ففيها القصاص وفي الخطأ الأرش كاملا لأن ما لا يمكن نقصانا في منفعة البطش فهو بمنزلة الصغر والضعف بسبب المرض .
وإذا قطع الرجل يد الرجل من المفصل وبرأت واقتص وبرأ المقتص منه ثم قطع أحدهما ذراع صاحبه من تلك اليد فلا قصاص فيه وإن كانا سواء إلا في رواية عن أبي يوسف قال : .
إذا استويا يجب القصاص لأنه قطع من المفصل فيمكن اعتبار المساواة فيه .
ولكنا نقول : الواجب في الذراع بعد قطع الكف حكم عدل فطريق معرفته التقويم فلا يعلم به حقيقة المساواة بينهما في البدل وبدون ذلك لا يجب القصاص والله أعلم بالصواب