( قال - C - ) : ( وإذا شهد شاهدان على رجل بالقتل خطأ وشهد الآخر على إقرار القاتل بذلك فهذا باطل ) لأنهما اختلفا في المشهود به فإن أحدهما شهد بفعل والآخر بقول والقول غير الفعل وواحد منهما لا يثبت عند القاضي إلا باتفاق الشاهدين عليه وكذلك لو شهدا على القتل واختلفا في الوقت أو المكان فإن الشهادة لا تقبل لأن الفعل لا يحتمل التكرار خصوصا القتل في محل واحد فكل واحد منهما يشهد بفعل غير ما يشهد به صاحبه وذلك يمنع قبول الشهادة كشهود الغصب إذا اختلفوا في المكان والزمان ثم ها هنا القاضي يوقن بكذب أحدهما لأنه بعدما قبل في يوم وفي مكان لا يتصور أن يقبله في مكان آخر في يوم آخر وبعد ما تيقن القاضي بكذب الشاهد لا يجوز له أن يقضي بشهادته .
وكذلك لو اختلفا فيما قتله به فقال أحدهما كان بحجر وقال الآخر بعصا لأنهما اختلفا في المشهود به فالقتل بالحجر غير القتل بالعصا حقيقة وإن كان حكمهما واحدا .
وكذلك لو قال أحدهما قتله عمدا وقال الآخر قتله خطأ فقد اختلفا في المشهود به لأن الخطأ غير العمد وحكمهما مختلف وكذلك لو قال أحدهما قتله بعصا وقال الآخر لا أحفظ الذي كان به القتل لأن الذي قال لا أحفظ ضيع بعض شهادته ولأنه شاهد بفعل غير الفعل الذي شهد به صاحبه .
( ألا ترى ) أنه يتمكن من أن يبين أنه قتله بالسلاح ولا يكون هذا البيان منه مخالفا لأول كلامه .
ولو قال الآخر مثل ذلك كان مناقضا في كلامه فعرفنا أنه شاهد بفعل غير الفعل الذي شهد به صاحبه فلا تقبل الشهادة .
وإن قالا جميعا لا ندري بم قتله فهو مثل الأول في القياس لأنهما أقرا أنهما ضيعا شهادتهما ولأن شرط قبول الشهادة اتفاقهما على فعل واحد ولا يكون ذلك إلا بأن يتفقا على آلة واحدة لأن الفعل بدون الآلة لا يتحقق واتفاقهما على آلة واحدة لا يثبت بدون التنصيص فأما إذا قالا لا ندري فبهذا اللفظ لا يثبت الاتفاق على آلة واحدة لجواز أنهما إذا بين كل واحد منهما ولم يكن بيانه ذلك مخالفا لأول كلامه والمحتمل لا يثبت إلا بحجة ولكنا نستحسن أن نجيز شهادتهما ونوجب عليه الدية في ماله لأن الشرط اتفاقهما فيما صرحا به في شهادتيهما وذلك أصل القتل وقد ثبت بنص لا احتمال فيه وأصل القتل موجب للدية فاتفاقهما عليه يكون اتفاقا على هذا الموجب فأما القصاص فإنما يجب باعتبار صفة العمدية ولم يتعرض الشهود لذلك وباختلاف الآلة إنما يختلف حكم القصاص فتوهم اختلاف الآلة إنما يعتبر في المنع من الحكم بالقصاص لا في المنع من الحكم بالمال فإنه لا أثر لاختلاف الآلة في ذلك ولكن الدية هنا في ماله لأن في تحمل العاقلة عنه معنى الشك والاحتمال فإنه إذا كان عمدا لا تتحملها العاقلة ومع الشك يتعذر إيجابها على العاقلة فكانت في ماله يوضحه أن الظاهر أن الشاهدين عرفا الآلة وأن الفعل كان عمدا بسلاح لأنهما شهدا بقتل مطلق والفعل المطلق يكون بآلته وآلة القتل السلاح .
وكذلك الفعل المطلق يكون من العامد إلا أنهما سترا ذلك لدرء القود ويحمل الولي على أن يكتفي بالدية وقد ندبا إلى ذلك بالشرع فلا يكون مبطلا شهادتهما بل يقضي بالدية في مال القاتل كما هو موجب شهادتهما وشهادة امرأتين مع رجل جائزة في قتل الخطأ وفي كل ما ليس فيه قصاص ولا تجوز فيما فيه قصاص .
وكذلك الشهادة على الشهادة وكتاب القاضي إلى القاضي لأن القصاص عقوبة تندرئ بالشبهات وفي شهادة النساء ضرب شبهة لأن الضلالة والنسيان يغلب عليهن .
وكذلك في الشهادة على الشهادة وكتاب القاضي إلى القاضي لأنهما بدل وفي البدل القائم مقام الأصل ضرب شبهة فلا يثبت به ما يندرئ بالشبهات ويثبت به ما لا يندرئ بالشبهات وهو المال ثم بهذه الشهادة إذا تعذر القضاء بالقصاص لا يقضي بالمال بخلاف مسألة الإقرار فإن القاتل إذا أقر بالخطأ بعد ما ادعى الولي العمد يقضى بالمال لأن ها هنا تعذر القضاء بالقود لمعنى من جهة الولي وهو اشتغاله بإقامة حجة فيها شبهة والولي لا ينفرد بأخذ المال بدون رضا القاتل وهناك تعذر القضاء بالقود لمعنى من جهة القاتل وهو إقراره بالخطأ فينزل ذلك منزلة الرضا منه يأخذ المال وللولى أن يأخذ المال مكان القصاص برضا القاتل .
يوضحه : أن الإقرار موجب للحق بنفسه من غير قضاء القاضي فيتمكن الولي من أخذ ما أقر به القاتل وهو المال فأما الشهادة فلا توجب شيئا بدون قضاء القاضي والقاضي إنما يقضي بما شهد به الشهود وقد تعذر عليه القضاء بذلك ها هنا لمكان الشبهة فلا يقضي بشيء وإن شهد عليه رجلان بالعمد حبس حتى يسأل عنهما لأنه صار متهما بالدم والسبيل في المتهم أن يحبس لما روي أن النبي - A - حبس رجلا في التهمة .
وروى أن عمر - Bه - رأى رجلا يعدو عليه ويقول : أجرني يا أمير المؤمنين فقال من ماذا فقال من الدم فقال : احبسوه الحديث .
وقد بينا في أول كتاب الحدود أن أخذ الكفيل في العقوبات غير ممكن لما في ذلك من معنى التوثق والاحتياط وأنه يصار فيه إلى الحبس فإن شهد عليه رجل واحد عدل حبسه أيضا أياما لأنه صار متهما بالدم فإن خبر الواحد وإن كان لا يتم بالحجة فتثبت به التهمة خصوصا إذا كان المخبر عدلا ولأن للشهادة شرطين العدد والعدالة وقد وجد أحد الشرطين ها هنا وهو العدالة فهو بمنزلة ما لو تم عدد الشهود ولم تظهر عدالتهم فكما يحبس هناك فكذلك يحبس ها هنا فإن جاء شاهد آخر والأخلى سبيله والعمد في ذلك والخطأ وشبه العمد سواء .
وكان ينبغي في القياس أن لا يحبس في الخطأ وشبه العمد لأن الواجب فيهما المال وفي الديون التي هي غير المؤجلة لا يحبس ما لم تتم الحجة لظهور عدالة الشهود ففيما يكون مؤجلا إلى العاقلة أولى ولكنه ترك القياس لما ذكرنا أن المتهم بالدم يحبس فإن القتل أمر عظيم إلى أن يتبين موجبه لظهور عذر القاتل أو انتفاء عذره .
فإذا ادعى ولي القتل بينة حاضرة في المصر والقتل خطأ أخذ به من المدعى عليه كفيلا إلى ثلاثة أيام بخلاف ما إذا زعم أن بينته غيب لأن الدعوى دعوى الدين فالخطأ موجب الدية دينا وأخذ الكفيل بالنفس في دعوى الديون صحيح إذا ادعى بينة حاضرة في المصر فأما في العمد فلا يصار إلى أخذ الكفيل قبل إقامة البينة ولا بعدها ولكن قبل إقامة البينة يلازمه المدعي وبعد إقامة البينة يحبسه على سبيل التعزير فإن ظهرت عدالة الشهود كان القتل موجبا للقود وقضي عليه بالقود والله أعلم بالصواب