( قال - C - ) ( وشهادة الشهود على العبد والصبي والمعتوه المأذون بغصب أو ببضاعة مستهلكة أو بإقراره بذلك أو ببيع أو شراء جائز وإن كان مولاه غائبا ويقضي القاضي عليه بذلك ) لأنه بالإذن صار منفك الحجر عنه في التجارة وتوابعها فالتحق في ذلك بالحر العاقل البالغ فيكون الخصم فيما يدعي أو يدعى قبله هو ولا حاجة إلى حضور مولاه إلى القضاء بذلك استدلالا بالمكاتب .
ولو شهدوا على العبد المحجور عليه بغصب أو وديعة مستهلكة والمولى غائب لم يقض على العبد بذلك حتى يحضر المولى لأن المستحق به مالية رقبته والمولى هو الخصم في استحقاق مالية الرقبة عليه فلا يقضى ما لم يكن حاضرا في الأول .
وإن كان المستحق مالية رقبته أيضا ولكن المولى بالإذن قد صار راضيا بكونه خصما في استحقاق مالية رقبته بجهة التجارة .
( ألا ترى ) أنه مستحق بإقراره وبمباشرته التجارة .
وإن كان المولى غائبا فكذلك يستحق بينة تقوم عليه بالدين بخلاف ما نحن فيه وكما يشترط حضرة المولى ها هنا يشترط حضرة العبد لأن المدعي قبله والمستحق به دين في ذمته وكان يتعلق بمالية رقبته فلا بد من حضوره .
فإذا حضر قضى على العبد بالقيمة فيباع فيه لأن الحجر لا يؤثر في الأفعال الموجبة للضمان وأما الوديعة وما أشبهها فلا يقضى عليه بها حتى يعتق وهذا في قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله .
وقال أبو يوسف : يقضى عليه بما استهلك من الأمانات في الحال .
فإن كانوا شهدوا عليه بإقراره بذلك ومولاه حاضر أو غائب لم يقض على العبد بشيء من ذلك حتى يعتق فإذا عتق لزمه ما شهدوا به عليه لأنه محجور عن التزام الدين بالقول لحق مولاه والإقرار الثابت عليه بالبينة كالثابت بالمعاينة فلا نلزمه شيئا ما لم يسقط حق المولى عنه بقبضه .
ولو شهدوا عليه بقتل رجل عمدا أو قذف أو شرب خمر لم يقم عليه حد حتى يحضر مولاه في قول أبي حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف يقضى عليه بذلك .
وإن لم يحضر مولاه وكذلك لو شهدوا عليه بإقراره بذلك ومولاه غائب ففيما يعمل فيه الرجوع عن الإقرار لا تقبل هذه الشهادة وفيما لا يعمل فيه الرجوع عن الإقرار كالقصاص وحد القذف فهو على الخلاف الذي بينا ولا خلاف أنه لو أقر به قضى القاضي به عليه فأبو يوسف يقول المستحق بهذه الأسباب هو خالص حقه وهو دمه فإن وجوب العقوبات عليه باعتبار معنى النفسية دون المالية وهو في حكم النفسية مبقى على أصل الحرية ولهذا تقام عليه هذه العقوبات بإقراره .
وإن كان المولى غائبا أو مكذبا له ولا يقبل إقرار المولى بشيء من ذلك فلا يشترط حضور المولى لقبول البينة عليه بذلك .
وهما يقولان في القضاء بهذه البينة مع غيبة المولي إبطال حقه من أوجه .
أحدها : أنه يستوفي هذه العقوبة فتفوت به مالية المولى أو تنتقص .
والثاني : أنه يخرج من يد المولى إذا حضر مجلس الحكم لإقامة الحد عليه بذلك واليد مستحقة للمولى .
والثالث : أن له حق الطعن في الشهود لو كان حاضرا فبالقضاء عليه قبل حضوره يبطل حق الطعن الثابت له وإبطال حقه بالقضاء حال غيبته لا يجوز بخلاف الإقرار فإن الإقرار موجب للحق بنفسه وليس للمولى حق الطعن في إقراره فلا تفوت به يده ولا حقه في الطعن ثم لا تهمة في إقراره على نفسه لأن ما يلحقه بالضرر بذلك فوق ما يلحق مولاه وقد بينا هذه المعاني في كتاب الآبق وأما الصبي والمعتوه المأذون لهما فلا يلزمهما شيء من ذلك في الإقرار ولا في الشهادة على الفعل لأنهما غير مخاطبين والأهلية للعقوبة تنبني على كون المباشر مخاطبا إلا في القتل خاصة إذا كان أب الصبي أو المعتوه أو وصيهم حاضرا فإنه يقضى بالدية على عاقلتهما وفي حالة غيبة الولي لا يقضى بذلك .
ولو شهدوا عليهما بالإقرار بالقتل فالشهادة باطلة لأن القتل ليس من التجارة وفيما ليس من التجارة المأذون والمحجور سواء ولا قول له في ذلك والخصم في إثبات البينة عليه الولي فبدون حضرة المولى لا يقضى بشيء وبعد حضوره الثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة وأنه مما يوجب الدية على العاقلة ولو شهدوا على العبد المأذون بسرقة عشرة دراهم أو أكثر .
فإن كان مولاه حاضرا قطع وإن كان غائبا فكذلك عند أبي يوسف وفي قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - لا يقطع ولكن يضمن السرقة لأن المسروق منه يدعي المال ولكنه متى ثبت السبب الموجب للعقوبة عند القاضي استوفى العقوبة في حال غيبة المولى ولا يثبت السبب الموجب للعقوبة عليه بالبينة فتبقى دعوى المال والعبد خصم فيما يدعي قبله من المال كما لو كانت الدعوى بسبب الغصب وشهدوا عليه .
ولو شهدوا عليه بسرقة أقل من عشرة ضمن السرقة لأن فيما دون النصاب الأخذ بجهة السرقة كالأخذ بجهة الغصب .
ولو شهدوا على صبي أو معتوه مأذون لهما بسرقة عشرة دراهم أو أكثر قضي عليه بالضمان وإن كان وليه غائبا لأن جهة السرقة كجهة الغصب في حقهما إذ لا عقوبة عليهما بسبب السرقة وقد بينا أن المأذون خصم فيما يتهم بذلك عليه من الأخذ الموجب للضمان وإن كان وليه غائبا .
وإن شهدوا على إقرار واحد منهم بذلك قضى القاضي عليه بالضمان حضر مولاه أو وليه أو لم يحضر لأن الرجوع عامل في حق العقوبة فإذا كان هو جاحدا والشهود يشهدون على إقراره بذلك كانت هذه شهادة على ما يوجب ضمان المال ولو شهدوا على عبد محجور بسرقة عشرة أو أكثر ومولاه غائب لم يقض عليه بشيء حتى يحضر المولى لأن دعوى السرقة عليه كدعوى الغصب وقد بينا أنه يشترط حضرة المولى فيما يدعي على المحجور من الغصب فكذلك فيما يدعي قبله من السبب الموجب للعقوبة .
فإن كان مولاه حاضرا قطعت يده لأن السبب الموجب للعقوبة ظهر بشهادته وهو مخاطب .
وإن شهدوا على إقرار العبد بذلك وهو يجحد فالشهادة باطلة لأن إقرار المحجور عليه في حق المال باطل حتى يعتق وفي حق القطع الإقرار يبطل بالرجوع عنه ثم قد بينا أن إقرار المحجور بسرقة مال مستهلك أو قائم بعينه في يده وما في ذلك من الاختلاف بينه أصحابنا في كتاب السرقة .
قال : ( وإذا أذن المسلم لعبده الكافر في التجارة فاشترى خمرا أو خنزيرا فهو جائز كان عليه دين أو لم يكن ) لأنه يتصرف لنفسه بفك الحجر عنه فيراعى حاله في ذلك ثم المولى إنما يتملكه عليه بطريق الخلافة كما يتملك الوارث مال مورثه والمسلم من أهل أن يتملك الخمر بالميراث .
ولو اشترى ميتة أو دما أو بايع كافرا بربا فهو باطل لأن انفكاك الحجر عنه بالإذن كانفكاك الحجر عنه بالعتق وتصرف الحر الكافر في الميتة والدم باطل وهو في جميع بياعاته بمنزلة المسلم إلا في الخمر والخنزير فكذلك العبد المأذون .
ولو شهد عليه كافران بغصب أو وديعة مستهلكة أو بيع أو إجارة أو شهدوا على إقراره بذلك وهو ومولاه ينكران ذلك فشهادتهما جائزة استحسانا ذكره في كتاب المأذون الصغير .
وفي القياس : لا تقبل هذه الشهادة لأن المسلم يتضرر بها فإن الكسب ومالية الرقبة إنما يستحق على المولى بهذه الشهادة والمولى مسلم وشهادة الكافر فيما يتضرر به المسلم لا تكون حجة .
وجه الاستحسان : أن المولى فك الحجر عنه بالإذن فيجعل ذلك في إقامة الحجة عليه بمنزلة فك الحجر عنه بالعتق والمولى وإن كان يتضرر به ولكنه قد صار راضيا بالتزام هذا الضرر حين أذن له في التجارة مع علمه أن شهادة الكفار حجة على الكافر .
( ألا ترى ) أن العبد الكافر لو أقر بذلك صح إقراره .
وإن كان المولى يتضرر لوجود الرضا منه بذلك فكذلك إذا شهد الشهود عليه بذلك .
وكذلك الصبي الكافر يأذن له وصيه المسلم أو جده أب أبيه في التجارة لأن انفكاك الحجر عنه بالإذن كانفكاك الحجر عنه بالبلوغ فشهادة الكافر تكون حجة عليه وإن كان العبد المأذون مسلما ومولاه كافرا لم تجز شهادة الكافرين على العبد بشيء من ذلك وإن لم يكن عليه دين لأن العبد هو الخصم فيما يشهد به الشهود عليه وهو مسلم جاحد لذلك فلا تقبل شهادة الكفار عليه .
وإن شهد الكافران على العبد المحجور الكافر بغصب ومولا مسلم فشهادتهما باطلة لأن الخصم فيما يدعي على العبد المحجور مولاه .
( ألا ترى ) أن الشهادة عليه لا تقبل إلا بمحضر من مولاه فإذا كان المولى مسلما لم تكن شهادة الكفار حجة عليه بخلاف المأذون .
فإن كان مولاه كافرا فشهادتهما جائزة .
قال : ( وإذا أذن المسلم لعبده الكافر في التجارة فشهد عليه كافران بجناية خطأ أو بقتل عمد أو بشرب خمر أو بقذف أو شهد عليه أربعة من الكفار بالزنا وهو ومولاه منكران لذلك فالشهادة باطلة ) لأن الخصم ها هنا المولى .
( ألا ترى ) أن البينة لا تقبل على العبد بشيء من ذلك إلا بمحضر من المولى أما في جناية الخطأ فغير مشكل وفي الأسباب الموجبة للعقوبة كذلك عند أبي حنيفة ومحمد .
وفي قول أبي يوسف : المولى يتضرر بذلك ولم يوجد منه الرضا بالتزام هذا الضرر بالإذن له في التجارة فلهذا لا تقبل شهادتهم عليه .
وكذلك لو كان العبد مسلما ومولاه كافرا لأن الثابت بهذه البينة فعل العبد وشهادة الكفار لا تكون حجة في إثبات فعل المسلمين .
وإذا أذن المسلم لعبده الكافر في التجارة فشهد عليه كافران بسرقة عشرة دراهم أو أقل قضي عليه بضمان السرقة .
وإن كان المولى حاضرا أو غائبا لم يقطع لأن هذه البينة لا تكون حجة في إثبات العقوبة لإسلام المولى فكانت شهادتهما عليه بالأخذ بجهة السرقة بمنزلة الشهادة بجهة الغصب .
ولو كان العبد مسلما والمولى كافرا كانت شهادتهما باطلة لأنها تقوم لإثبات فعل المسلم فإذا أذن المسلم لعبده الكافر في التجارة فشهد عليه كافران لكافر أو لمسلم بدين ألف درهم والعبد يجحد وعليه ألف درهم دين لمسلم أو كافر فشهادتهما عليه جائزة .
وإن كان صاحب الدين الأول مسلما لأن هذه البينة تقوم لإثبات الدين في ذمة الكافر وقد بينا أن انفكاك الحجر عنه بالإذن كهو بالعتق والحر الكافر يثبت عليه الدين بشهادة الكافر وإن كان له عبد مسلم فهذا مثله .
فإن كان صاحب الدين الأول كافرا بيع في الدينين وإن كان مسلما بيع العبد وما في يده في الدين الأول حتى يستوفى جميع دينه فإن فضل فهو للذي شهد له الكافران الآن لأن الأول استحق كسبه ومالية رقبته فلو قبلنا شهادة الكافر في إثبات المزاحمة للثاني معه تضرر المسلم بشهادة الكافر وذلك لا يجوز .
فإن قيل : حق الغريم المسلم في رقبته وكسبه لا يكون أقوى من حق المولى المسلم وقد بينا أن شهادة الكفار عليه مقبولة في حق مولى المسلم فكذلك في حق الغريم المسلم .
قلنا : المولى المسلم رضي بالتزام هذا الضرر حين أذن له في التجارة فأما الغريم المسلم فلم يوجد منه الرضا بالتزام هذا الضرر وفي إثبات هذه المزاحمة عليه ضرر .
ولو ادعى عليه مسلمان كل واحد منهما ألف درهم فشهد لأحدهما مسلمان وشهد للآخر بدينه كافران فإن القاضي يقضي بالدين كله عليه فيبدأ بالذي شهد له المسلمان فيقضي دينه .
فإن بقي شيء كان للذي شهد له الكافران لأن الذي شهد له المسلمان أثبت دينه بما هو حجة على العبد خاصة وثبوت الحق بحسب السبب فكان دين الذي شهد له المسلمان ثابتا في حق الذي شهد له الكافران ودين الذي شهد له الكافران غير ثابت في حق الذي شهد له المسلمان فلهذا يبدأ من كسبه وثمنه بقضاء دينه الذي شهد له المسلمان .
فإن بقي شيء فهو للذي شهد له الكافران ولو صدق العبد الذي شهد له الكافران اشتركا في كسبه وثمن رقبته لأن دينه ثبت بإقرار العبد والثابت بإقرار المأذون من الدين كالثابت بالبينة فيظهر وجوبه في حق الغريم الذي شهد له المسلمان ويتحاصان فيه .
ولو كان الذي شهد له الكافران مسلما والذي شهد له المسلمان كافرا والعبد يجحد ذلك كله بيع العبد واقتسما ثمنه نصفين لأن كل واحد منهما أثبت دينه بما هو حجة على العبد وعلى خصمه فاستوى الدينان في القوة .
ولو كان الغرماء ثلاثة كل واحد منهم يدعي ألف درهم أحدهم مسلم شهد له كافران والثاني مسلم شهد له مسلمان فإنه يقضى عليه بجميع الدين ويباع فيه لأن البينات كلها حجة عليه ثم يقسم ثمنه بين المسلم الذي شهد له المسلمان والكافر الذي شهد له المسلمان نصفين لأن كل واحد منهما أثبت دينه بما هو حجة على العبد وعلى الخصمين الآخرين فأما الثالث الذي شهد له كافران فقد أثبت دينه بما ليس بحجة على المسلم الذي شهد له المسلمان فلا يستحق المزاحمة معه في ثمنه .
وإذا لم تثبت المزاحمة صار كالمعدوم واستوى دين الآخرين في القوة فالثمن بينهما نصفان سلم للمسلم نصفه والنصف الذي صار للكافر بينه وبين المسلم الذي شهد له الكافران نصفين لأنه أثبت دينه بما هو حجة على هذا الكافر وإنما كان محجورا لحق المسلم ولم يبق في هذا النصف للمسلم حق وبينهما مساواة في قوة دين كل واحد منهما في حق صاحبه فيقسم هذا النصف بينهما نصفين ثم لا يكون للمسلم أن يأخذ من يد هذا الذي شهد له الكافران ما يأخذه من صاحبه لأن ذلك لا يفيد شيئا إذا أخذ ذلك أتاه الكافر الذي شهد له المسلمان فاسترد ذلك منه لأنه يساويه في الثمن فلهذا لا يشغل بذلك .
ولو كان أحد الغرماء مسلما شهد كافران والآخران كافران شهد لكل واحد منهما كافران بدئ بالمسلم لأن دينه ثبت بما هو حجة على خصمه ودينهما ثبت بما ليس بحجة عليه .
فإن بقي بعد دينه كان بين الكافرين لاستوائهما في ثبوت دين كل واحد منهما في حق صاحبه .
ولو كان العبد مسلما والمولى كافرا والغرماء رجلين أحدهما مسلم شهد له كافران والآخر كافر شهد له مسلمان والعبد يجحد ذلك فإن القاضي يبطل دعوى المسلم الذي شهد له كافران ويباع العبد الآخر في دينه فيوفيه حقه .
فإن بقي شيء من ثمنه فهو للمولى لأن المسلم إنما أقام شهودا كفارا على دينه وشهادة الكفار لا تكون حجة على العبد المسلم فما لم يثبت دينه على العبد لا يستحق شيئا من ثمنه فلا يكون لهذا المسلم أن يزاحم الغريم الكافر فيما يأخذه ولا أن يأخذ من المولى شيئا مما بقي من ثمنه في يده بخلاف ما سبق فهناك الديون كلها تثبت على العبد .
وكذلك لو كان العبد محجورا عليه في هذا الفصل لأن أصل الدين لا يثبت عليه بشهادة الكفار وإن كان محجورا عليه وما لم يثبت عليه أصل الدين في ذمته لا يتعلق بمالية رقبته .
ولو كان العبد كافرا محجورا ومولاه مسلما والغرماء رجلين أحدهما مسلم شهد له كافران والآخر كافرا شهد له مسلمان بأنه غصب منه ألف درهم فإنه يقضى عليه بدين الكافر ولا يقضى عليه بدين المسلم حتى يعتق لأن مولاه مسلم وقد بينا أن شهادة الكفار على العبد الكافر لمحجور عليه بالغصب لا تكون حجة في حق المسلم فما لم يسقط حقه بالعتق لا يقضى عليه بدين المسلم وليكن إذا أخذ الكافر دينه من ثمنه شاركه المسلم لأن أصل دين المسلم ثابت على العبد بشهادة الكفار ها هنا .
( ألا ترى ) أنه يؤخذ به بعد العتق وإنما لا يظهر ذلك في حق المولى وقد سقط حق المولى عما أخذه الكافر من ثمن العبد وإنما بقي المعتبر فيه حق الكافر ودين المسلم ثابت بما هو حجة على الكافر وعلى العبد كدين الكافر ولهذا شاركه فيما أخذه .
وإذا أذن المسلم لعبده الكافر فشهد عليه كافران بدين ألف درهم لمسلم أو كافر بإقرار أو غصب وقضى القاضي بذلك فباع العبد بألف درهم فقضاها الغريم ثم ادعى على العبد دينا ألف درهم كانت عليه قبل أن يباع فإن أقام على ذلك شاهدين مسلمين فإن القاضي يأخذ الألف من الغريم الذي شهد له الكافران فيدفعها إلى هذا الغريم الذي شهد له المسلمان .
ولو كان الثاني كافرا أخذ منه نصف ما أخذه الأول لأنه أثبت دينه بتاريخ سابق على البيع فيلتحق بالدين الظاهر عليه بشهادة المسلمين قبل أن يباع ولو قامت البينة قبل البيع كان الحكم فيه ما ذكرنا فكذلك ها هنا .
قال : ( ولو كان الأول كافرا وشاهداه مسلمين والثاني مسلما أو كافرا وشاهداه كافرين فإنه يأخذ من الأول نصف ما أخذه ) لأن دين الثاني ثبت بما هو حجة على العبد وعلى الغريم الأول ودين الأول كذلك فلاستوائهما في القوة يجعل ثمنه بينهما نصفين . ( ألا ترى ) أن الكافر لو هلك وترك ألف درهم فأسلم وارثه وأقام كافر شاهدين مسلمين على الميت بألف درهم فقضى له القاضي ثم إن مسلما أو كافرا أقام على الميت شاهدين كافرين بدين ألف أنه يأخذ من الأول نصف ما أخذ للمعنى الذي بينا واستحقاق تركة الميت بدينه كاستحقاق كسب العبد وثمن رقبته بدينه .
قال : ( وإذا أذن الرجل لعبد الكافر في التجارة فباع واشترى ثم أسلم فادعى عليه رجلان دينا فجاء أحدهما بشاهدين كافرين عليه بألف درهم دينا كانت عليه في حالة كفره وجاء الآخر بشاهدين مسلمين عليه بمثل ذلك والمدعيان مسلمان أو كافران والمولى مسلم أو كافر فشهادة المسلمين جائزة ولا شيء للذي شهد له الكافران ) لأن العبد مسلم حين قامت البينة عليه وشهادة الكافر على المسلم لا تقبل سواء أطلق الشهادة أو أرخ بتاريخ سابق على إسلامه .
ولو كان العبد مسلما ومولاه كافرا أو مسلما فارتد العبد عن الإسلام والعياذ بالله فشهد عليه مسلمان لكافر أو لمسلم بمال وشهد عليه كافران لمسلم أو كافر بمال فشهادة المسلمين جائزة وشهادة الكافرين باطلة لأن المرتد مجبر على العود إلى الإسلام وحكم الإسلام باق في حقه ولهذا لا ينفذ تصرفه في الخمر والخنزير فشهادة الكافر لا تكون حجة أصلا .
وإذا أذن الرجل لعبده الكافر في التجارة ومولاه مسلم أو ذمي فشهد عليه مسلمان لمسلم بدين وشهد عليه ذميان لمسلم بدين وشهد عليه مستأمنان لمسلم بدين فإن القاضي يبطل شهادة المستأمنين لأن العبد ذمي وشهادة المستأمن لا تكون حجة على الذمي باعتبار أن الذمي من أهل دارنا ويقضي بشهادة الذميين والمسلمين لأنها حجة عليه ثم يبيع العبد فيبدأ بدين الذي شهد له المسلمان لأنه أثبت دينه بما هو حجة على العبد وعلى خصمه الآخر إنما أثبت دينه بما هو حجة على العبد لا على خصمه .
فإذا أخذ المسلم حقه وبقي شيء كان للذي شهد له الذميان لأن دينه كان ثابتا على العبد ولكن كان محجورا لحق المسلم وقد زال الحجر حين استوفى المسلم حقه فإن بقي شيء بعد دينه كان للمولى لأن دين الذي شهد له المستأمنان غير ثابت في حق العبد وكذلك لو كان المولى حربيا لأن الدين بشهادة الحربيين لا يثبت على العبد الذمي وما لم يثبت الدين على العبد لا يتعلق بماليته التي هي حق مولاه .
فلو كان المولى وعبده حربيين والمسألة بحالها قضي بالدين كله على العبد وبيع فيه فيبدأ بالذي شهد له المسلمان ثم بالذي شهد له الذميان لما قلنا ثم ما فضل يكون للذي شهد له الحربيان لأن دينه ثابت في حق العبد ههنا وإنما كان محجورا بحق الآخرين .
فإذا زال الحجر كان الباقي له فان كان أصحاب الدين كلهم أهل الذمة والمسألة بحالها يحاص في ثمنه الذي شهد له المسلمان والذي شهد له الذميان لأن دين كل واحد منهما ثبت بما هو حجة على العبد وعلى الخصمين الآخرين ودين الثالث إنما ثبت بما هو حجة على العبد خاصة فلا يزاحمهما في ثمنه ولكن يقدمان عليه ويتحاصان للمساواة بينهما في القوة فإن فضل شيء فهو للذي شهد له الحربيان .
ولو كان أصحاب الدين كله مستأمنين تحاصوا جميعا في دينهم لأن دين كل واحد منهما ثبت بما هو حجة على العبد وعلى الخصمين الآخرين .
ولو كان المولى مسلما أو ذميا والعبد حربيا دخل بأمان فاشتراه هذا المولى وأذن له في التجارة والمسألة بحالها لم تجز شهادة الحربيين عليه بشيء لأن العبد قد صار ذميا حين دخل في ملك مسلم أو ذمي فلا تكون شهادة أهل الحرب بالدين عليه حجة .
وإذا دخل الحربي دارنا بأمان ومعه عبد له فأذن له في التجارة جازت شهادة المستأمنين عليه بالدين كما تجوز على مولاه لأنه حربي مستأمن .
( ألا ترى ) أن لمولاه أن يعيده إلى دار الحرب .
ولو كان الغرماء ثلاثة مسلم شهد له حربيان بدين ألف درهم وذمي شهد له ذميان بدين ألف درهم وحربي شهد له مسلمان بدين ألف درهم ثم بيع العبد بألف درهم فإنه يقسم الألف بين الذمي الذي شهد له الذميان والحربي الذي شهد له المسلمان نصفيه لأن دين كل واحد منهما ثبت بما هو حجة على العبد وعلى صاحبه فأما المسلم فإنما يثبت دينه بما ليس بحجة على الذمي وهو شهادة الحربيين فلهذا لا يزاحمهما .
وإذا اقتسما ثمنه نصفين أخذ المسلم من الحربي نصف ما صار له لأن دينه ثابت بما هو حجة في حق الحربي وإنما كان ممنوعا لحق الذمي وقد سقط حق الذمي عن هذا النصف فكان بينهما نصفين .
وقال عيسى بن أبان - C - : هذا خطأ وينبغي أن يكون الألف بينهم أثلاثا لأن المسلم الذي شهد له الحربيان والذمي الذي شهد له الذميان استويا من حيث إن دين كل واحد منهما ثبت بما هو حجة على العبد دون صاحبه فليس جعل المسلم محجوبا عن المزاحمة لأجل الذمي بأولى من جعل الدمي محجوبا عن المزاحمة لأجل المسلم وقد ثبت دين كل واحد منهما بما هو حجة على الحربي ودين الحربي بما هو حجة عليهما فينبغي أن يكون بينهم أثلاثا وهذا ذكره الحسن بن زياد عن أبي يوسف - رحمهما الله .
وقيل : في تصحيح جواب الكتاب أنه وإن كان كذلك فشهادة الذمي أقوى من شهادة الحربي لأن شهادة أهل الحرب إنما تقبل بعقد الأمان والأمان يثبت للحربي بهذا المسلم أو من يقوم مقامه من المسلمين أما عقد الذمة فليس يثبت من جهة الذمي فكانت شهادة أهل الذمة للذمي أقوى وأبعد عن التهمة من شهادة المستأمنين للمسلم فترجح جانبه لهذا .
ولو كانت شهود الذمي حربين وشهود المسلم ذميين والمسألة بحالها كان الثمن بين المسلم والحربي نصفين لأن الذمي إنما أثبت دينه بما ليس بحجة على المسلم والمسلم أثبت دينه بما هو حجة على المسلم فكان الذمي محجوبا به بقي المسلم والحربي وقد أثبت كل واحد منهما دينه بما هو حجة على العبد وعلى صاحبه فكان الثمن بينهما نصفين ثم يأخذ الذمي نصف ما أصاب الحربي لأن بينته حجة عليه وإنما كان محجوبا عن المسلم وقد سقط حق المسلم عن هذا النصف .
ولو كان الذي شهد له المسلمان ذميا والذي شهد له الذميان حربيا والذي شهد له الحربيان مسلما فإن الثمن بين الحربي والذمي نصفين لأن دين كل واحد منهما ثبت بما هو حجة على صاحبه ودين المسلم ثبت بما ليس بحجة على الذمى فكان هو محجوبا .
وليس في هذا الفصل طعن .
فإن الدين ثبت بما هو حجة على المسلم لأن شهود الذمي مسلمون فلهذا كان الثمن بين الحربي والذمي نصفين ثم يأخذ المسلم نصف ما أخذ الحربي لما بينا أنه كان محجوبا بالذمي وقد زالت مزاحمته .
قال : ( فإذا لحق العبد دين فقال مولاه هو محجور عليه وقال الغرماء هو مأذون له فالقول قول المولى ) لأنه متمسك بالأصل وهو الحجر بسبب الرق ولأن الغرماء يدعون عليه بسبب استحقاق كسبه ومالية رقبته والمولى ينكر ذلك فعليهم إثبات هذا السبب بالبينة .
فإن جاؤوا بشاهدين على الإذن فشهد أحدهما أن مولاه أذن له في شراء البز وشهد آخر أنه أذن له في شراء الطعام فشهادتهما جائزة .
وإن كان الدين من غير هذين الصنفين لأن المشهود به إنما هو أصل الإذن فأما هذا التقيد بالبز والطعام فلغو لأن الإذن في التجارة لا يقبل التخصيص وقد اتفقا على ما هو المقصود والمشهود به .
فإن شهد أحدهما أنه أذن له في شراء البز وشهد إخر أنه رآه يشتري البز فلم ينهه فشهادتهما باطلة لأنهما اختلفا في المشهود به فإن أحدهما شهد بمعاينة فعل والآخر شهد بقول ولو شهد أحدهما أنه رآه يشتري البز فلم ينهه وشهد الآخر أنه رآه يشتري الطعام فلم ينهه فشهادتهما باطلة لأن كل واحد منهما شهد بمعاينة فعل غير الفعل الذي شهد الآخر بمعاينته فلم يثبت بما شهد بمعاينة كل فعل إلا شاهد واحد .
ولو شهد أنه رآه يشتري البز فلم ينهه كان الشراء جائزا وكان العبد مأذونا له في التجارة لأنهما اتفقا على الشهادة بمعاينة فعل واحد والثابت بشهادة شاهدين كالثابت بالمعاينة .
ولو عاينا المولى رآه يبيع البز فلم ينهه كان مأذونا له في التجارة في الأشياء كلها فكذلك إذا شهد عليه الشاهدان بذلك والله أعلم