ولو أن أميرا فتح أبواب القصر وأمر المؤذن فأذن فجمع بالناس في قصره فإنه يجزيهم . والمراد من فتح أبواب القصر الإذن للعامة بالدخول وقد أدى الجمعة وهو مستجمع لشرائطها ولكنه مسيء فيما صنع لأن الموضع المعد لإقامة الجمعة فيه المسجد وقد جفا ذلك الموضع وفي فعله نوع ترفع حيث لم يخرج من قصره إلى المسجد ففعله هذا مخالف فعل السلف فكان مسيئا في ذلك وإن لم يفتح باب قصره ولم يأذن للناس بالدخول وصلى بحشمه ومواليه لم يجزهم لأن من شرط الجمعة الإذن العام ولم يوجد وإنما جعلنا الإذن العام شرطا لأنه مأمور بأن يصلي الجمعة بأهل المصر فإن موضع إقامة الجمعة فيه المصر وإذا لم يفتح باب قصره ولم يأذن للناس بالدخول لم يكن مصليا بأهل المصر وإنما جعلنا السلطان شرطا في الجمعة لئلا يفوت بعض أهل المصر على البعض صلاة الجمعة لذلك لا يكون للسلطان أن يفوت الجمعة على أهل المصر فلهذا شرطنا الإذن العام في ذلك .
ولو أمر الأمير إنسانا فصلى بالناس الجمعة في المسجد الجامع وانطلق في حاجة له ثم دخل المصر في بعض المساجد فصلى الجمعة قال : يجزئ أهل المسجد الجامع لأن خليفته مستجمع لشرائط الجمعة وقد صلى بأهل المصر ولا يجزئه صلاته إلا أن يكون علم الناس بذلك بأن أذن لهم إذنا عاما في الصلاة معه فحينئذ يجوز لأنه لا يكون مستجمعا شرائط الجمعة إلا بذلك .
قال : وهذا إقامة الجمعة في موضعين واختلفت الروايات في إقامة الجمعة في موضعين في مصر واحد : فالصحيح من قول " أبي حنيفة " و " محمد " رحمهما الله تعالى فيه روايتان : .
في إحدى الروايتين : تجوز في موضعين ولا تجوز في أكثر من ذلك .
وفي الرواية الأخرى : لا يجوز إقامة الجمعة في مصر واحد في موضعين إلا أن يكون في وسط المصر نهر عظيم كما هو ب " بغداد " فحينئذ يكون كل جانب في حكم مصر على حدة .
صفحة [ 121 ] ووجه هذه الرواية : أن في زمن رسول الله A والخلفاء بعده فتحت الأمصار ولم يتخذ أحد منهم في كل مصر أكثر من مسجد واحد لإقامة الجمعة ولو جاز إقامتها في موضعين جاز في أكثر من ذلك فيؤدي إلى القول بأن يصلي أهل كل مسجد في مسجدهم وأحد لا يقول بذلك وفي تجويز إقامة الجمعة في موضعين في مصر واحد تقليل الجماعة وإقامة الجمعة من أعلام الدين فلا يجوز القول بما يؤدي إلى تقليلها .
ووجه الرواية الأخرى : أن المصر قد يكون متباعد الجوانب فيشق على الشيوخ والضعفاء التحول من جانب إلى جانب لإقامة الجمعة فلدفع هذا العسر جوزنا إقامتها في موضعين والأصل فيه حديث " علي " Bه حين خرج يوم العيد إلى الجبانة استخلف من يصلي بالضعفة في المسجد الجامع وما ثبت بالضرورة يتقدر بقدرها وهذه الضرورة ترتفع بتجويزها في موضعين فلا نجوزها في أكثر من ذلك . وجه قول " أبي حنيفة " و " محمد " رحمهما الله تعالى : " قول النبي A : لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر جامع " فإنما شرط لإقامة الجمعة المصر الواحد وهذا الشرط في حق كل فريق ولأن الحرج مدفوع وفي القول بأنه لا تجوز إقامتها إلا في موضع واحد معنى الحرج ومعنى تهييج الفتنة فقد يكون بين أهل مصر واحد اختلاف على وجه لو اجتمعوا في موضع كان ذلك سببا لتهييج الفتنة وقد أمرنا بتسكينها فلهذا جوزنا إقامتها في موضعين وأكثر من ذلك