( قال - C - ) ( وإذا جنى المأذون على حر أو عبد جناية خطأ وعليه دين قيل لمولاه ادفعه بالجناية أو افده ) لأنه على ملك مولاه بعد ما لحقه الدين وفي البداءة بالدفع بالجناية مراعاة الحقين وفي البداءة بالبيع بالدين إبطال حق الجناية فيجب المصير إلى ما فيه مراعاة الحقين .
وإذا اختار الفداء فقد طهر العبد من الجناية فيبقي حق الغرماء فيه فيباع في دينهم وإن دفعه بالجناية اتبعه الغرماء في أيدي أصحاب الجناية فباعوه في دينهم إلا أن يفديه أولياء الجناية لأن أولياء الجناية إنما يستحقون ملك المولى فيه بطريق الجزاء إلا أن يثبت لهم فيه سبب متجدد فهم بمنزلة الوارث يخلفونه في ملكه والعبد المديون إذا مات مولاه اتبعه الغرماء في ملك الوارث فباعوه في دينهم إلا أن يقضي الوارث دينهم فكذلك يتبعونه في يد صاحب الجناية فيباع في دينهم إلا أن يقضي صاحب الجناية ديونهم .
وإن كان للمأذون جارية من تجارته فقتل قتيلا خطأ فإن شاء المأذون دفعها .
وإن شاء فداها إن كان عليه دين أو لم يكن لأن التدبير في كسبه إليه وهو في التصرف بمنزلة الحر في التصرف في ملكه فيخاطب بالدفع أو الفداء بخلاف جنايته بنفسه فالتدبير في رقبته ليس إليه .
( ألا ترى ) أنه لا يملك بيع رقبته ويملك بيع كسبه فإن كانت الجناية نفسا وقيمة الجارية ألف درهم ففداه المأذون بعشرة آلاف فهو جائز في قياس قول أبي حنيفة ولا يجوز في قولهما لأن من أصلهما أن المأذون لا يملك الشراء بما لا يتغابن الناس في مثله .
وعند أبي حنيفة يملك ذلك فيطهرها من الجناية باختيار الفداء بمنزلة شرائها بما يفديها به على القولين أو بمنزلة ما لو دفعها إلى أولياء الجناية ثم اشتراها منهم بمقدار الفداء وإن كانت الجناية عمدا فوجب القصاص عليها فصالح المأذون عنها جاز .
وإن كان المأذون هو القاتل فصالح عن نفسه وعليه دين أو ليس عليه دين لم يجز الصلح لما بينا أنه في التدبير في كسبه بمنزلة الحر في ملكه وفي التدبير في نفسه هو بمنزلة المحجور عليه فلا يجوز صلحه في حق المولى لأنه يلتزم المال بما ليس بمال وهو غير منفك الحجر عنه في ذلك ولكن التزامه في حق نفسه صحيح فيسقط القود بهذا الصلح ويجب المال في ذمته ويؤاخذ به بعد العتق بمنزلة مال التزمه بالكفالة أو بالنكاح .
ولو كان للمأذون دار من تجارته فوجد فيها قتيل وعليه دين أو لا دين عليه فالدية على عاقلة المولى في قول أبي يوسف ومحمد لأنه مالك لهذه الدار وإن كان على عبده دين ودية المقتول الموجود في الملك على عاقلة صاحب الملك باعتبار أنه بمنزلة القاتل له بيده .
وعند أبي حنيفة - C - إن لم يكن على العبد دين محيط فكذلك وإن كان على العبد دين محيط ففي القياس لا شيء على عاقلة المولى لأنه غير مالك للدار عنده ولكن يخاطب بدفع العبد أو الفداء لأن حق العبد في كسبه في حكم الجناية كملك المالك في ملكه فبهذا الطريق يجعل كأن العبد قتله بيده .
ولكنه استحسن وجعل الدية على عاقلة المولى لأن العبد ليس من أهل الملك والمولى أحق الناس بملك هذه الدار على معنى أنه يملكها إذا سقط الدين ويملك استخلاصها لنفسه بقضاء الدين من موضع آخر فيكون بمنزلة القاتل بيده باعتبار إقامة سبب الملك التام له فيها مقام الملك ونظيره التركة المستغرقة بالدين إذا وجد في دار منها قتيل كانت الدية على عاقلة الوارث وهذا لأن المانع من الملك بعد تمام السبب حق الغرماء وفي حكم الجناية الغرماء كالأجانب ويجعل في القتيل الموجود فيها كأن المولى مالك لها لما تعذر اعتبار جانب الغرماء في ذلك وعلى هذا لو شهد على المأذون في حائط من هذه الدار مائل فلم ينقضه حتى وقع على إنسان فقتله فالدية على عاقلة المولى .
وقالا هذا بمنزلة القتيل يوجد في هذه الدار ولم يذكر فيه قول أبي حنيفة .
وقيل : هو كذلك على جواب الاستحسان عند أبي حنيفة لما قلنا وهو بخلاف ما إذا وقع على دابة فقتلها فإن قيمتها في عنق العبد يباع فيها أو يفديه لأن حق صاحب الدين يتعلق بالمالية والمولى من ماليته أجنبي لحق غرمائه فلهذا كان ذلك في عنق العبد بمنزلة جنايته على المال بيده وأما حق أولياء الجناية فلا يثبت في المالية التي هي حق الغرماء ولهذا كان موجب جنايته بيده على مولاه يخاطب بالدفع أو الفداء ففي جناية يترك هدم الحائط المائل أو يترك صيانة داره حتى وجد فيها قتيل يستحق موجبه على المولى أيضا .
وإذا كان موجب الجناية على المولى صار المولى فيه كالمالك للدار وكان الإشهاد وجد عليه بطريق أن جناية مملوكه كجنايته فتكون الدية على عاقلة المولى .
ولو كان على المأذون دين فجنى جناية فباعه المولى من أصحاب الدين بدينهم ولا يعلم بالجناية فعليه قيمته لأصحاب الجناية لأن حق أولياء الجناية لا يمنع المولى من بيع الجاني فإذا نفذ بيعه كان مفوتا على أولياء الجناية حقهم .
فإن كان عالما بالجناية فعليه الإرش وإن لم يكن عالما فعليه قيمته كما لو أعتقه ولو لم يبعه من الغرماء ولم يحضروا ولكن حضر أصحاب الجناية فدفعه إليهم بغير قضاء قاض فالقياس فيه أن يضمن قيمته للغرماء لأنه صار متلفا على الغرماء محل حقهم بإخراجه عن ملكه باختياره فيكون بمنزلة ما لو أعتقه .
وفي الاستحسان : لا ضمان عليه لأن حق أولياء الجناية ثابت في عنقه والمولى فعل بدون قضاء القاضي غير ما يأمر به القاضي أن لو رفع الأمر إليه فيستوى فيه القضاء وغير القضاء بمنزلة الروع في الهبة ثم هو ما فوت على الغرماء محل حقهم فإن العبد محل للبيع في الدين في ملك أولياء الجناية كما لو كان الدفع إليهم بقضاء قاض وإنما يضمن القيمة باعتبار تفويت محل حقهم .
فإن جعلنا هذا تسليما لما هو المستحق بالجناية لا يفوت به محل حقهم وإن جعلناه تمليكا مبتدأ لا يفوت به محل حقهم أيضا لأنهم يتمكنون من بيعه كما لو باعه أو وهبه ثم لا فائدة في هذا القبض لأن بعد القبض يجب دفعه إليهم بالجناية ثم بيعه في الدين فلهذا لم يضمن المولى شيئا بخلاف ما سبق من بيعه إياه في الدين ففيه تفويت محل حق أولياء الجناية على معنى أن البيع تمليك مبتدأ ولا سبيل لأولياء الجناية على نقض ذلك .
ولو لم يدفع بالجناية حتى طالبه الغرماء بدينهم ولم يحضر صاحب الجناية وقد أقر به المولى والغرماء عند القاضي لم يبعه في الدين حتى يحضر صاحب الجناية فيدفعه إليه المولى أو يفديه ثم يبيعه الغرماء لأن في بيعه في الدين من القاضي إبطال حق أولياء الجناية أصلا فإنه يفوت به محل حقهم ولا يكون المولى ضامنا شيئا إذا كان القاضي هو الذي يبيعه وفي التأخير إلى أن يحضر صاحب الجناية إضرار بالغرماء من حيث تأخر حقهم للانتظار وضرر التأخير دون ضرر الانتظار فلهذا يصير إلى الانتظار .
وإن قضى القاضي أن يباع لهم وصاحب الجناية غائب فالبيع جائز لأن حق الغريم ثابت في ماليته وهو طالب بحقه ولا يدري أن صاحب الجناية غائب فالبيع جائز لأن حق الغريم ثابت في ماليته وهو طالب بحقه ولا يدري أن صاحب الجناية هل يحضر فيطلب حقه أو لا يحضر فلا يمتنع نفوذ قضاء القاضي ببيعه لهذا ثم لا شيء لأصحاب الجناية أيضا أما على المولى فلان القاضي هو الذي باعه وببيع القاضي لا يصير المولى مفوتا محل حق صاحب الجناية والقاضي فيما يقضي مجتهد فلا يكون ضامنا شيئا والعبد بعد العتق ليس عليه من موجب جنايته شيء .
فإن باعه القاضي من أصحاب الدين أو من غيرهم بأكثر من الدين كان الفضل عن الدين لصاحب الجناية لأن الثمن بدل العبد وكان حقهم ثابتا في العبد فيثبت في بدله .
( ألا ترى ) أن العبد الجاني إذا قتل ثبت حق أولياء الجناية في قيمته فكذلك يثبت حقهم في الثمن إلا أنه لا فائدة في استرداد مقدار الدين من الغرماء لحقهم فيجعل الفضل على ذلك لهم .
وإن كان ذلك الفضل أكثر من قيمة العبد إلا أن يكون أكثر من أرش الجناية فحينئذ حق أولياء الجناية في مقدار الإرش وما فضل عن أرش الجناية فهو للمولى لأنه بدل ملكه وقد فرغ عن حق الغير وكذلك إن باعه المولى بأمر القاضي فهذا وبيع القاضي سواء .
وإن باعه بغير أمر القاضي بخمسة آلاف درهم وهو لا يعلم بالجناية وقيمته ألف درهم ودينه ألف وجنايته قتل رجل خطأ فإنه يدفع من الثمن إلى صاحب الدين مقدار دينه وهو ألف وإلى صاحب الجناية مقدار قيمته وهو ألف درهم والباقي للمولى لأنه قد أوفى صاحب الدين كمال حقه ولم يلتزم لصاحب الجناية إلا قيمة العبد ليفوت محل حقه ببيعه بنفسه اختيارا .
فإذا دفع إليه مقدار قيمته كان الباقي للمولى .
فإذا قتل المأذون عمدا وعليه دين أو لا دين عليه فعلى قاتله القصاص للمولى لأنه باق على ملكه بعد ما لحقه الدين ووجوب القصاص له باعتبار ملكه ولا شيء للغرماء لأن حقهم في ماليته وقد فات ولم يخلف بدلا فالقصاص ليس ببدل عن المالية وحقهم في محل تمكن إيفاء الدين منه وإيفاء الدين من القصاص غير ممكن .
فإن صالح المولى القاتل من دمه على مال قليل أو كثير جاز وأخذه الغرماء بدينهم إن كان من جنسه .
وإن كان من غير جنسه بيع لهم لأن القصاص بدل العبد وقد كانوا أحق به وذلك يوجب كونهم أحق ببدله إلا أنه لم يكن البدل محلا صالحا لإيفاء حقهم منه .
فإذا وقع الصلح عنه على مال صار محلا صالحا لذلك فيثبت حقهم فيه بمنزلة الموصى له بالثلث والغريم لا يثبت حقه في القصاص .
فإن وقع الصلح عنه على مال ثبت حقه فيه ونفذ الصلح من المولى على أي قدر من البدل كان لأنه لا ضرر فيه على الغرماء بل فيه توفير المنفعة عليهم بتحصيل محل هو صالح لإيفاء حقهم منه .
ولو لم يقتل المأذون ولكن قتل عبدا له ولا دين على المأذون فعلى القاتل القصاص للمولى دون المأذون لأن كسبه خالص ملك المولى وولاية استيفاء القصاص باعتبار الملك ولأنه خرج بالقتل من أن يكون كسبا للعبد لأن كسبه مما يتمكن هو من التجارة فيه وذلك لا يتحقق في العبد المقتول ولا في القصاص الواجب فكان المولى أخذه منه فيكون القصاص للمولى وإن كان على المأذون دين كثير أو قليل فلا قصاص على القاتل .
وإن اجتمع على ذلك المولى والغرماء لأن المولى ممنوع من استيفاء شيء من كسبه ما بقي الدين عليه قل الدين أو كثر فلا يتمكن هو من استيفاء القصاص بدلا عن كسبه والغرماء لا يتمكنون من ذلك لأن حقهم في المالية والقصاص ليس بمال فلانعدام المستوفى لا يجب القصاص وإذا لم يجب القصاص بأصل القتل لا يجب وإن اجتمعا على استيفائه وهو نظير عبد المضاربة إذا قتل وفي قيمته فضل على رأس المال لا يجب القصاص .
وإن اجتمع المضارب ورب المال على استيفائه لهذا المعنى وعلى القاتل قيمة المقتول في ماله في ثلاث سنين لأن القصاص لما لم يجب لاشتباه المستوفى وجب المال ووجوبه بنفس القتل فيكون مؤجلا في ثلاث سنين ولكنه في مال الجاني لأنه وجب بعمد محض فلا تعقله العاقلة إلا أن تبلغ القيمة عشرة آلاف فحينئذ ينقص منها عشرة لأن بدل نفس المملوك بالجناية لا يزيد على عشرة آلاف إلا عشرة ويكون ذلك لغرماء العبد لأنه بدل المقتول وهو محل صالح لإيفاء حقهم منه .
وإذا جنى عبد لرجل جناية خطأ فأذن له في التجارة وهو يعلم بالجناية أو لا يعلم فلحقه دين لم يصر المولى مختارا ويقال له ادفعه أو افده لأن بالإذن له في التجارة ولحوق الدين إياه لا يمنع دفعه بالجناية .
( ألا ترى ) أنه لو أقر أن ذلك بالجناية لم يمنع دفعه بها فكذلك إذا اعترض وإنما يصير المولى مختارا للفداء باكتساب سبب يعجزه عن الدفع بالجناية بعد العلم بها ولم يوجد .
فإن دفعه بالجناية اتبعه الغرماء فبيع لهم إلا أن يفديه صاحب الجناية بالدين لأن ماليته صارت حقا للغرماء .
فإن فداه صاحب الجناية بالدين أو بيع في الدين رجع صاحب الجناية على المولى بقيمة العبد فسلمت له لأنهم استحقوا بجنايتهم عبدا فارغا وإنما دفع إليهم عبدا هو مستحق المالية بالدين .
فإذا استحق من دينهم بذلك السبب كان لهم حق الرجوع على المولى بقيمته بخلاف ما إذا كانت الجناية من العبد بعد ما لحقه الدين .
فإن هناك ما استحقوا العبد إلا وهو مشغول بالدين مستحق المالية وقد دفعه إليهم كذلك وهو نظير من اغتصب عبدا مديونا ثم رده على المولى فبيع في الدين لم يرجع على الغاصب .
ولو غصبه فارغا فلحقه دين عند الغاصب بأن أفسد متاعا ثم رده فبيع في الدين رجع المولى على الغاصب بقيمته .
يوضحه : أن استحقاق المالية بالدين كان بسبب باشره المولى بعد تعلق حق أولياء الجناية به وهو الإذن له في التجارة فصار كأنه أتلف عليهم ذلك ولا يقال حق أولياء الجناية في نفس العقد لا في ماليته فكيف يغرم المولى لهم باعتبار اكتساب سبب استحقاق المالية وهذا لأن استحقاق نفس العبد بالجناية لا يكون إلا باعتبار ماليته .
( ألا ترى ) أن الجاني الذي ليس بمال لا يستحق نفسه باعتبار المالية وكذلك إذا كان مدبرا أو أم ولد وإنما يستحق نفس القن الذي هو محتمل للتمليك باعتبار المالية .
وكذلك إن كان المولى أذن له في التجارة فلم يلحقه دين حتى جنى جناية ثم لحقه الدين لأن استدامة الإذن بعد الجناية من المولى بمنزلة إنشائه .
وكذلك لو رآه يشتري ويبيع بعد الجناية فلم ينهه فسكوته عن النهي بمنزلة التصريح بالإذن له في التجارة .
وكذلك لو كان الدين لحقه قبل الجناية لم يرجع ولى الجناية على المولى بالقيمة لأنه ما استحقه بالجناية إلا وهو مشغول بالدين وإن كان لحقه ألف درهم قبل الجناية على المولى بالقيمة لأنه ما استحقه بالجناية إلا وهو مشغول بالدين .
وإن كان لحقه ألف درهم قبل الجناية وألف درهم بعد الجناية وقيمته ألف درهم ثم دفع العبد بالجناية بيع في الدينين جميعا فإن بيع أو فداه أصحاب الجناية بالدينين فإنهم يرجعون على المولى بنصف القيمة وهو حصة أصحاب الدين على الآخر اعتبارا لكل واحد من الدينين بما لو كان هو وحده وهذا لأن نصف الثمن الذي أخذه صاحب الدين الآخر إنما أخذه باستدامة الإذن من المولى بعد الجناية لأنه كان متمكنا من الحجر عليه .
ولو حجر عليه لم يلحقه الدين الآخر في حال رقه فلهذا صار المولى ضامنا لما وصل إلى صاحب الدين الآخر من مالية العبد .
فإن قيل : كيف يستقيم هذا ؟ ولو لم يلحقه الدين الآخر لم يسلم لأولياء الجناية شيء من ماليته أيضا لأن الدين الأول محيط بماليته فينبغي أن لا يضمن المولى لهم شيئا .
قلنا : نعم ولكن ما أخذه أصحاب الدين الآخر لا يسلم لهم إلا بعد سقوط حق صاحب الدين الأول عن ذلك وباعتبار سقوط حقه عنه هو سالم لصاحب الجناية لولا استدامة المولي الإذن له حتى لحقه الدين الآخر فلهذا ضمن المولى ذلك لصاحب الجناية .
وإذا قتل العبد المأذون أو المحجور رجلا خطأ ثم أقر عليه المولى بدين يستغرق رقبته فليس هذا باختيار منه لأن إقرار المولى عليه لا يمنعه من الدفع بالجناية فإن هذا الدين لا يكون أقوى من الدين الذي يلحقه بتصرفه فإن دفعه بيع في الدين إلا أن يفديه ولي الجناية لأن الدين ثبت عليه بإقرار المولى فاشتغلت ماليته بالدين كما لو رهن عبده الجاني ثم يرجع ولي الجناية على المولى بقيمته لما بينا أنه أتلف عليه ماليته باكتسابه سبب اشتغاله بحق المقر له بعدما ثبت فيه حق ولي الجناية .
ولو كان المولى أقر عليه بقتل رجل خطأ ثم أقر عليه بقتل رجل خطأ وكذبه في ذلك أولياء الجناية الأولى فإنه يدفعه بالجنايتين أو يفديه لأن إقراره عليه بالجناية بمنزلة التصرف منه فيه وحق ولي الجناية فيه لا يمنع نفوذ تصرف المولى فما ثبت بإقراره من الجناية بمنزلة الثابت بالبينة أو بالمعاينة في حقه فيدفعه بالجنايتين .
فإن دفعه إليهما نصفين رجع أولياء الجناية الأولى على المولى بنصف قيمته لأنهم كانوا استحقوا جميع العبد بالجناية حين أقر لهم المولى بذلك ثم صار المولى متلفا عليهم نصف الرقبة بإقراره بالجناية الأخرى وقد تم ذلك الإتلاف بدفع النصف إلى المقر له فلهذا يغرم له نصف قيمته ولا يغرم للمقر له الثاني شيئا لأنه ما ثبت حقه إلا في النصف فإنه حين أقر له بالجناية كانت الجناية الأولى ثابتة وهي مزاحمة للأخرى فيمنع ثبوت حق المقر له الثاني فيما زاد على النصف وقد سلم نصف العبد .
وإن كان عليه دين يستغرق رقبته فأقر لمولى عليه بجناية لم يجز إقراره لأن استغراق رقبته بالدين يمنع المولى من التصرف فيه والإقرار عليه بالجناية تصرف فلا يصح إلا أن يفديه من الدين فيزول المانع به ويصير كالمحدود لإقراره بعد ما سقط الدين فيؤمر بأن يدفعه بالجناية أو يفديه .
ولو قتل العبد رجلا عمدا وعليه دين فصالح المولى صاحب الجناية منها على رقبة العبد فإن صلحه لا ينفذ على صاحب الدين لأنه يملك رقبته عوضا عما لا يتعلق به حق صاحب الدين ولو ملكه عوضا عما يتعلق به حقهم لم ينفذ عليهم كالبيع فهذا أولى ولكن ليس لصاحب الدم أن يقتله بعد ذلك لأن صلحه كعفوه وأكثر ما فيه أن البدل مستحق لصاحب الدين ولكن استحقاق البدل في الصلح من دم العمد لا يمنع سقوط القود ثم يباع العبد في دينه .
فإن بقي من ثمنه شيء بعد الدين كان لأصحاب الجناية لأن حكم البدل حكم المبدل وهم قد استحقوا نفس العبد بالصلح متى سقط صاحب الدين عنه .
( ألا ترى ) أنه لو أبرأه عن الدين كان العبد سالما لأصحاب الجناية فلذلك لم يسلم لهم ما يفرغ من بدله من حق صاحب الدين .
فإن لم يبق من ثمنه شيء فلا شيء لصاحب الجناية على المولى ولا على العبد في حال رقه ولا بعد العتق لأن المولى ما التزم لصاحب الجناية شيئا في ذمته بالصلح وإنما سلم للعبد القصاص بالعقد وهو لا يضمن بالمال عند الإتلاف فكذلك لا يضمنه العبد باحتباسه عنده أو سلامته له ولو لم يصالح ولكن عفا أحد أولياء الدم فإن المولى يدفع نصفه إلى الآخر أو يفديه لأن حق الذي أسقط لم يظهر في حق الذي لم يعف فهذا وما لو كانت الجناية خطأ في الابتداء سواء فيدفع المولى إليه نصيبه أو يفديه ثم يباع جميع العبد في الدين لأن حق الغريم لا يسقط عن مالية العبد بدفع جميعه بالجناية فكذلك بدفع نصفه .
ولو أقر العبد أنه قتل رجلا عمدا وعليه دين كان مصدقا في ذلك صدقه المولى أو كذبه لأن موجب إقراره استحقاقه دمه ودمه خالص حقه فإن العبد يبقى فيه على أصل الحرية ثم حق الغريم في ماليته لا يكون أقوى من ملك مولاه وملك المولى لا يمنع استحقاق دمه بإقراره على نفسه بالقود فكذلك حق الغريم وإن عفا أحد أولياء الجناية بطلت الجناية كلها لأن نصيب العافي قد سقط بالعقر ولو بقي نصيب الذي لم يعف لكان موجبة الدفع بمنزلة جناية الخطأ وإقرار العبد بالجناية خطأ باطل إذا كذبه المولى فيه فيباع في الدين إلا أن يفديه المولى بجميع الدين .
فإن فداه وقد صدق العبد بالجناية قبل له ادفع النصف إلى الذي لم يعف .
وإن كان كذبه في ذلك كله فالعبد كله للمولى إذا فداه بالدين لأن حق الذي لم يعف غير ثابت في حق المولى إذا كذب العبد فيه وإذا وجد المأذون في دار مولاه قتيلا ولا دين عليه فدمه هدر .
وإن كان عليه دين كان على المولى في ماله حالا الأقل من قيمته ومن دينه بمنزلة ما لو قتل المولى القتيل بيده .
( ألا ترى ) أنه لو وجد عند الغير قتيلا في داره جعل كأنه قتله بيده فكذلك إذا وجد عنده قتيلا فيه ولو قتله بيده عمدا أو خطأ كان عليه الأقل من قيمته ومن الدين في ماله حالا لأن وجوب الضمان عليه باعتبار حق الغريم في المالية ولو وجد عبدا من عبيد المأذون قتيلا في دار المولى ولا دين على المأذون فدمه هدر لأنه مملوك للمولى بمنزلة رقبة المأذون ولأنه كالقاتل له بيده .
وإن كان على المأذون دين محيط بقيمته وكسبه فعلى المولى قيمته في ماله في ثلاث سنين في قياس قول أبي حنيفة - C - وفي قولهما عليه قيمته حالا .
وإن كان الدين لا يحيط بجميع ذلك كانت القيمة حالة في قولهم جميعا بمنزلة ما لو قتله المولى بيده وهذا بناء على ما تقدم أن الدين إذا لم يكن محيطا فالمولى مالك لكسبه كما هو مالك لرقبته فيكون الضمان عليه لحق الغريم في ماليته وإن كان الدين محيطا فكذلك عندهما .
وعند أبي حنيفة هو لا يملك كسبه في هذه الحالة فقتله إياه بمنزلة قتله عند الأجنبي فتكون القيمة مؤجلة في ثلاث سنين لأن وجوبها باعتبار القتل ولكنها عليه في ماله لأنه من وجه كالمالك على معنى أنه يتمكن من استخلاصه لنفسه بقضاء الدين من موضع آخر فلا تعقله العاقلة لذلك .
وإن قتل المولى مكاتبه أو عبد مكاتبه عمدا أو خطأ أو وجد المكاتب قتيلا في دار مولاه يجب على المولى قيمة القتيل في ماله في ثلاث سنين لأن وجوب القيمة ها هنا باعتبار القتل .
فإن كسب المكاتب غير مملوك للمولى رقبته من وجه كالزائلة عن ملك المولى على ما عرف أن المكاتب صار بمنزلة الحر يدا فتجب على المولى القيمة بنفس القتل فتكون مؤجلة ولكنها تجب في ماله لأن رقبته مملوكة له من وجه أن له في كسبه حق الملك على معنى أنه يملكه حقيقة عند عجز المكاتب فلا تعقله العاقلة كذلك وهذا إذا كان في القيمة وفي تركته وفاء لمكاتبة لأنه حينئذ يبقى عقد الكتابة ويؤدى البدل من كسبه وبدل نفسه فيحكم بحريته .
فإن لم يكن وفاء فيهما فلا شيء على المولى في قتل مكاتبه لأن الكتابة انفسخت بموته عاجزا فتبين أنه قتل عبده ولا دين عليه .
ولو وجد المولى قتيلا في دار العبد المأذون كانت دية المولى على عاقلته في ثلاث سنين لورثته في قياس قول أبي حنيفة .
وفي قولهما : دمه هدر لأن هذه الدار في حكم القتيل الموجود فيها بمنزلة دار أخرى للمولى حتى لو وجد فيها أجنبي قتيلا كانت ديته على عاقلة المولى .
فإذا وجد المولى قتيلا فيها فهذا رجل وجد قتيلا في دار نفسه وهذا الخلاف معروف فيما إذا وجد قتيلا في دار نفسه وسنبينه في كتاب الديات .
ولو وجد العبد قتيلا في دار نفسه ولا دين عليه فدمه هدر لأن داره مملوكة للمولى فكأنه وجد قتيلا في دار المولى وإن كان عليه دين فعلى المولى الأقل من قيمته ومن ديته حالا في ماله بمنزلة ما لو وجد قتيلا في دار أخرى للمولى لأن دار العبد في حكم القتيل الموجود فيها بمنزلة دار المولى فكذلك إذا وجد العبد فيها قتيلا وذكر في المأذون الصغير أن هذا استحسان سواء كان عليه دين أو لم يكن .
ولو وجد الغريم الذي له الدين قتيلا في دار العبد المأذون كانت ديته على عاقلة مولاه في ثلاث سنين لأنه في ملك داره كغيره من الأجانب وإنما حقه في دين ذمته متعلق بمالية كسبه وبذلك لا يختلف حكم جنايته عليه ثم لا يبطل دينه على العبد بمنزلة ما لو وجد قتيلا في دار أخرى للمولى .
وكذلك لو كان القتيل عبدا للغريم كانت قيمته على عاقلة المولى في ثلاث سنين عبده في ذلك كعبد غيره وإذا أذن المكاتب لعبده في التجارة فوجد في دار المأذون قتيل وعليه دين أو لا دين عليه فعلى المكاتب قيمة رقبته لأولياء القتيل في ماله حالة بمنزلة ما لو وجد قتيلا في دار أخرى من كسب المكاتب لأن المكاتب في كسبه بمنزلة الحر في ملكه فيصير كالجاني بيده وجناية المكاتب توجب الأقل من قيمته ومن أرش الجناية فهذا مثله ولو كان الذي وجد قتيلا في دار العبد هو المكاتب كان دمه هدرا كما لو وجد قتيلا في دار أخرى له وهذا لأنه يصير كالجاني على نفسه .
وأبو حنيفة - C - يفرق بين المكاتب والحر في ذلك لأن موجب جناية الحر على العاقلة وموجب جناية المكاتب على نفسه فلا يستقيم أن يجب له على نفسه وسنقرر هذا الفرق في كتاب الديات إن شاء الله تعالى .
ولو كان المأذون هو الذي وجد قتيلا في داره كان على المكاتب الأقل من قيمته ومن قيمة المأذون في ماله حالا لغير المأذون لأن هذه الدار في حكم القتيل الموجود فيها كدار أخرى للمكاتب ولو وجد العبد قتيلا في دار أخرى للمكاتب كان المكاتب كالجاني عليه بيده فيلزمه أقل القيمتين في ماله حالا لغرمائه فكذلك إذا وجد في هذه الدار قتيلا والله أعلم بالصواب