( قال - C - ) ( وإذا باع المأذون من رجل عشرة أقفزة حنطة وعشرة أقفزة شعير فقال أبيعك هذه العشرة الأقفزة حنطة وهذه العشرة الأقفزة شعير كل قفيز بدرهم فالبيع جائز ) لأن جملة المبيع معلوم والثمن معلوم وكل متى أضيفت إلى ما يعلم منتهاه تتناول الجميع فإن تقابضا ثم وجد بالحنطة عيبا ردها بنصف الثمن على حساب كل قفيز بدرهم لأنه كذلك اشترى وعند الرد بالعيب إنما يرد المعيب بالثمن المسمى بمقابلته .
فإذا كان المسمى بمقابلة كل قفيز من الحنطة درهما ردها بذلك أيضا .
وكذلك لو قال القفيز بدرهم لأن الألف واللام للجنس إذا لم يكن هناك معهود فيتناول كل قفيز من الحنطة وكل قفيز من الشعير بمنزلة قوله كل قفيز ولو قال كل قفيز منهما بدرهم وتقابضا ثم وجد بالحنطة عيبا فإنه يردها على حساب كل قفيز منهما النصف من الحنطة والنصف من الشعير بدرهم وذلك بأن يقسم جميع الثمن عشرين درهما على قيمة الحنطة وقيمة الشعير .
فإن كانت قيمة الحنطة عشرين درهما وقيمة الشعير عشرة رد الحنطة بثلثي الثمن لأنه أضاف القفيز نصف كل قفيز بمقابلة الدرهم من الحنطة ونصف من الشعير فلهذا يقسم جملة الثمن على قيمتهما بخلاف الأول فهناك ذكر القفيز مطلقا وإطلاقه يقتضي أن يكون بمقابلة كل قفيز من الحنطة درهم وبمقابلة كل قفيز من الشعير درهم .
وكذلك لو قال القفيز منهما بدرهم فهذا وقوله كل قفيز منهما بدرهم سواء كما بينا .
ولو قال أبيعك هذه الحنطة وهذا الشعير ولم يسم كيلهما كل قفيز بدرهم فالبيع فاسد في قول أبي حنيفة - C - لأن من أصله أنه إذا لم تكن الجملة معلومة . فإن ما يتناول هذا اللفظ قفيزا واحدا وقد بينا له هذا الأصل في البيوع ولا يعلم إن ذلك القفيز من الحنطة أو من الشعير ففسد البيع في ذلك أيضا للجهالة حتى يعلم الكيل كله .
فإن علمه فهو بالخيار إن شاء أخذ كل قفيز حنطة بدرهم وكل قفيز شعير بدرهم .
وإن شاء ترك وهكذا يكشف الحال عنده إذا صارت جملة الثمن معلومة له الآن فيتخير بين الأخذ والترك وعندهما البيع جائز كل قفيز من الحنطة بدرهم وكل قفيز من الشعير بدرهم لأن جهالة الجملة لا تفضي إلى تمكن المنازعة .
ولو قال كل قفيز منهما بدرهم : .
كان البيع واقعا في قول أبي حنيفة - C - على قفيز واحد نصفه من الحنطة ونصفه من الشعير بدرهم لأن هذا معلوم وثمنه معلوم وفيما زاد على القفيز الواحد إذا علم بكيل ذلك فهو بالخيار إن شاء أخذ كل قفيز منهما بدرهم وإن شاء ترك .
وفي قول أبي يوسف ومحمد البيع لازم له في جميع ذلك كل قفيز منهما بدرهم نصفه من الحنطة ونصفه من الشعير ولو قال أبيعك هذه الحنطة على أنها أقل من كر فاشتراها على ذلك فوجدها أقل من كر فالبيع جائز لأن المعقود عليه صار معلوما بالإشارة إليه ووجده على شرطه الذي سماه في العقد والثمن معلوم بالتسمية فيجوز العقد .
وإن وجدها كرا أو أكثر من كر فالبيع فاسد لأن العقد إنما يتناول بعض الموجود وهو أقل من كر كما سمى وذلك مجهول لأنه لا يدري أن المشترى أقل من الكر بقفيز وقفيزين وهذه الجهالة تقتضي المنازعة .
وكذلك لو قال على أنها أكثر من كر فإن وجدها أكثر من كر بقليل أو كثير فالبيع جائز لأنه وجدها على شرطه والبيع يتناول جميعها وإن وجدها أقل من كر أو كرا فالبيع فاسد لأنه لا يدري ما حصة ما نقص منها مما شرط له فإنه لا بد من إسقاط حصة النقصان من الثمن وذلك مجهول جهالة تفضي إلى المنازعة ولو قال على أنها كرا وأقل منه .
فإن وجدها كرا أو أقل منه فهو جائز لأنه وجدها على شرطه وإن وجدها أكثر من كر لزم المشتري من ذلك كرا وليس للبائع أن ينقصه من ذلك شيئا لأنه لو وجدها كرا كان الكل مستحقا للمشتري فإن وجدها أكثر أولى أن يكون مقدار الكر مستحقا للمشتري والزيادة على الكر للبائع لأن البيع لا يتنالها .
ولو قال على أنها كر أو أكثر فوجدها كذلك جاز البيع .
وإن وجدها أقل فالمشتري بالخيار إن شاء أخذ الموجود بحصته من الثمن إذا قسم على كر وإن شاء ترك لأن استحقاقه إنما يثبت في مقدار الكر بدليل أنه لو وجدها كرا لزمه جميع الثمن ولا خيار له .
فإذا كان أنقص من كر فقدر النقصان معلوم وحصته من الثمن معلومة فيسقط ذلك عن المشتري ويتخير لتفرق الصفقة عليه .
والحاصل أن حرف ( أو ) للتخيير فإنما يثبت الاستحقاق عند ذكر حرف ( أو ) في المقدار المعلوم في نفسه سواء ردد الكلام بين ما هو معلوم في نفسه والزيادة عليه أو النقصان عنه إلا أن في ذكر النقصان للبائع فائدة وهو أن لا يخاصمه إن وجده أقل فهو بمنزلة البراءة من العيب وفي ذكر الزيادة للمشتري فائدة وهو أن لا يلزمه رد شيء إذا وجده أكثر .
ولو قال أبيعك هذه الدار على أنها أقل من ألف ذراع فوجدها أقل من ذلك أو ألفا أو أكثر فالبيع جائز لأن الذرعان في الدار صفة والثمن بمقابلة العين لا بمقابلة الوصف فإن وجدها أزيد مما قال وصفا لا يتغير حكم البيع .
ولو قال على أنها أكثر من ألف ذراع فإن وجدها أكثر من ألف بقليل أو كثير فالبيع لازم لأنه وجدها على شرطه .
وإن وجدها ألف ذراع أو أقل كان المشتري بالخيار إن شاء أخذها بجميع الثمن وإن شاء ترك لأنه وجدها أنقص مما سمى البائع له من الوصف فيتخير لذلك فإذا اختار الأخذ لزمه جميع الثمن لأن الثمن بمقابلة العين دون الوصف .
ولو اشترى ثوبا من رجل بعشرة دراهم على أنه عشرة أذرع فوجده ثمانية فقال البائع بعتك على أنه ثمانية فالقول قول البائع مع يمينه لأن المشتري يدعي زيادة وصف شرطه ليثبت له الخيار لنفسه عند فوته فإن الذرعان في الثوب صفة والبائع منكر لذلك والقول قوله مع يمينه وعلى المشتري البينة على ما ادعاه من الشرط كما لو قال اشتريت العبد على أنه كاتب أو خباز .
ولو قال المشتري اشتريته بعشرة على أنه عشرة أذرع كل ذراع بدرهم فوجده ثمانية أذرع فقال البائع : بعتك على أنه ثمانية أذرع بعشرة دراهم ولم أشترط كل ذراع بدرهم تحالفا وترادا لأن الاختلاف ههنا بينهما في مقدار الثمن فإنه إذا لم يقل كل ذراع بدرهم كان الثمن عشرة دراهم سواء كان ذرعان الثوب عشرة أو ثمانية .
فإذا كان كل ذراع بدرهم فالثمن ثمانية إذا كان ذرعان الثوب ثمانية فعرفنا أن الاختلاف بينهما في مقدار الثمن والحكم فيه التحالف والتراد فأما في الأول فلم يختلفا في مقدار الثمن وإنما ادعى المشتري إثبات الخيار لنفسه لفوت وصف شرطه فهو بمنزلة ما لو ادعى أنه شرطه كاتبا أو ادعى شرط الخيار لنفسه ولا تحالف في ذلك بل يكون القول قول المنكر للشرط والله أعلم