( قال - C - ) ( وإذا اشترى المأذون جارية بألف درهم على أنه إن لم ينقد الثمن إلى ثلاثة أيام فلا بيع بينهما فهو جائز منه بمنزلة اشتراط الخيار ثلاثة أيام كما يجوز من الحر ) وقد بيناه في كتاب البيوع وبينا أنه لو كان الشرط إن لم ينقد الثمن إلى أربعة أيام فلا بيع بينهما كان البيع فاسدا في قول أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله .
وفي قول محمد - C - هو جائز على ما اشترطا ووقع في بعض النسخ وقال أبو يوسف هو جائز على ما اشترطا . وهو غلط والصحيح أن أبا يوسف فرق بين هذا وبين اشتراط الخيار أربعة أيام وبينا ذلك في البيوع .
وكذلك لو اشتراها وقبضها ونقد الثمن علي أن البائع إن رد الثمن على المشتري ما بينه وبين ثلاثة أيام فلا بيع بينهما فهو جائز على ما اشتراطا وهو بمنزلة اشتراط الخيار للبائع .
ولو اشتراها علي أنه إن لم ينقد الثمن إلى ثلاثة أيام فلا بيع بينهما فقبضها وباعها نفذ بيعه لأن خيار المشتري لا يمنعه من التصرف فيها والبيع تام لازم من جانب البائع فإن مضت الأيام الثلاثة قبل أن ينقده الثمن فلا سبيل للبائع على الجارية ولكنه يتبع المشتري بالثمن لأن من ضرورة نفوذ بيعه فيها سقوط خياره ولأن امتناعه من إيفاء الثمن في آخر جزء من الأيام الثلاثة بمنزلة فسخ البيع منه وفسخه للبيع فيها بعد ما باعها باطل .
فإذا جاز البيع والجارية ملك المشتري الثاني علمنا أنه لا سبيل للبائع عليها ولكنه يتبع المشتري منه بالثمن .
وكذلك لو قتلها المشتري أو ماتت في يده أو قتلها أجنبي آخر حتى غرم قيمتها في الأيام الثلاثة لأن حدوث هذه المعاني في يد المشتري في مدة خياره يكون مسقطا خياره لما فيه من فوات محل الفسخ وهذا في الموت ظاهر .
وكذلك في قتل الأجنبي لأن القيمة الواجبة على القاتل لأجل ملك المشتري والعقد فيها فلا ينتهي بالقبض فلا يتحول العقد إلى ملك القيمة .
( ألا ترى ) أنه يجوز الفسخ بالتحالف والرد بالعيب باعتبار القيمة الواجبة على القاتل بعد قبض المشتري فكذلك الفسخ بخيار الشرط .
فإن كان المشتري وطئها وهي بكر أو ثيب في الأيام الثلاثة أو جنى عليها جناية أو أصابها عيب من غير فعل أحد ثم مضت الأيام الثلاثة قبل أن ينقد الثمن فالبائع بالخيار إن شاء أخذها ولا شيء له غيرها .
وإن شاء سلمها للمشتري لأن امتناع المشتري من نقض الثمن حتى مضت الأيام الثلاثة فسخ منه للبيع ولو فسخ البيع قصدا تخير البائع لحدوث ما حدث فيها عند المشتري . فكذلك إذا لم ينقد الثمن حتى مضت الأيام .
ولو كان الواطئ أو الجاني أجنبيا فوجب العقر أو الإرش لم يكن للبائع على الجارية سبيل لحدوث الزيادة المنفصلة المتولدة في يد المشتري فإن ذلك يمنع الفسخ بعد تمام البيع في جانب البائع حق للشرع وإنما له الثمن على المشتري ولو كان حدث فيها عيب من فعل الجاني الأجنبي بعد مضي الأيام الثلاثة فالبائع بالخيار إن شاء أخذ الجارية واتبع الجاني بموجب ما أحدثه فيها من وطء أو جناية .
وإن شاء سلمها للمشتري بالثمن فإن سلمها للمشتري بالثمن كان للمشتري أن يتبع الأجنبي بذلك لأن بمضي الأيام الثلاثة قبل نقد الثمن انفسخ البيع فبقيت الجارية في يد المشتري مضمونة بعد الفسخ فيكون بمنزلة الجارية التي في يد البائع قبل التسليم إذا حدث فيها بفعل الأجنبي شيء من ذلك وهناك يتخير المشتري بين أن يأخذها بالزيادة وبين أن ينقض البيع فيها فكذلك بعد الفسخ يتخير البائع وهذا إذا كان الأجنبي وطئها وهي بكر حتى تمكن نقصان في ماليتها بالوطء .
فإن كانت ثيبا لم ينقصها الوطء أخذها البائع وأخذ عقرها من الأجنبي ولا خيار له في تركها لأن ثبوت الخيار باعتبار النقصان في المالية في ضمان المشتري ولم يوجد .
وقد طعن عيسى - C - في هذا الجواب وقال : للبائع أن لا يقبلها لأن الوطء كالجناية والمستوفى بالوطء في حكم جزء من العين وقيل في تخريجه أن قياس قول أبي حنيفة - C - بناء على أن المشتري لو كان هو الواطئ بعد مضي الأيام لم يلزمه شيء ولم يتخير البائع .
فإذا كان الواطئ أجنبيا فوجب العقر وتمكن البائع من أخذها مع العقد أولى أن لا يثبت له الخيار وأصل المسألة في المبيعة إذا وطئها البائع قبل التسليم وهي ثيب لم يتخير المشتري عند أبي حنيفة . وكذلك إن وطئها أجنبي أخذها المشتري مع عقرها ولم يتخير فكذلك البائع في هذا الفصل .
ولو كان المشتري هو الذي قطع يد الجارية أو افتضها وهي بكر بعد مضي الأيام الثلاثة فالبائع بالخيار إن شاء سلمها للمشتري بالثمن وإن شاء أخذها ونصف ثمنها في القطع لتغير الجارية في ضمان المشتري بعد الفسخ والأوصاف تضمن بالتناول مقصودة فيتقرر على المشتري حصة اليد من الثمن .
وكذلك كل جناية حنى عليها أخذ نقصانها من الثمن إذا اختار البائع أخذها .
وإن كان افتضها لم ينظر إلى عقرها ولكن ينظر إلى ما نقصها الوطء من قيمتها فيكون على المشتري حصة ذلك من ثمنها في قول أبي حنيفة .
وعندهما : ينظر إلى الأكثر من عقرها ومما نقص الوطء من قيمتها فيكون على المشتري حصة ذلك من ثمنها وإن كان لم ينقصها الوطء شيئا أخذها البائع ولا شيء على المشتري في الوطء في قول أبي حنيفة وعندهما يقسم الثمن على قيمتها وعلى عقرها فيأخذها البائع وحصة العقر من ثمنها .
وأصل المسألة في البائع إذا وطئ الجارية المبيعة قبل القبض وقد بينا ذلك في البيوع فحال المشتري ههنا بعد الفسخ كحال البائع قبل التسليم هناك لأنها في ضمان ملكه حتى لو هلكت قبل الرد كان هلاكها على ملكه كما في المبيعة قبل القبض فيستوي تخريج الفصلين على الاختلاف الذي بينا .
ولو كانت ولدت ولدا في الأيام الثلاثة ثم مضت الأيام وهما حيان ولم ينقد الثمن فالجارية وولدها للمشتري بالثمن ولا خيار للبائع في ذلك لأجل الزيادة المنفصلة المتولدة في يده قبل الفسخ ولو لم تلد ولكنها قد ازدادت في يده كان للبائع أن يأخذها بزيادتها لأن الزيادة المتصلة لا معتبر بها في البيع ولا يمنع الفسخ لأجلها كما في الفسخ بسبب العيب .
وفي رواية الحسن عن أبي حنيفة الزيادة المتصلة هنا كالزيادة المنفصلة وهو نظير ما بينا من اعتبار الزيادة المتصلة في المنع من الفسخ بسبب التحالف وفي المنع من التصرف في الصداق بالطلاق ولو كانت ولدت بعد مضي الأيام ونقصتها الولادة فالبائع بالخيار للنقصان الحادث فيها من يد المشتري كما لو تعيبت بعيب آخر وهذا لأن الزيادة المنفصلة بعد الفسخ لا تمنع من استردادها وتأثير نقصان الولادة في إثبات الخيار للبائع لا في تعذر الرد به .
ولو ماتت بعد مضي الأيام الثلاثة ولم تلد فعلى المشتري الثمن لأن العقد وإن انفسخ فقد تعيب في ضمان المشتري فإذا هلكت بطل ذلك الفسخ كما إذا هلكت المبيعة قبل القبض بطل البيع ولو كانت ولدت بعد مضي الأيام الثلاثة ثم ماتت وبقي ولدها فالبائع بالخيار إن شاء سلم الولد للمشتري وأخذ منه جميع الثمن .
وإن شاء أخذ الولد ورجع على المشتري بحصة الأم من الثمن وهو لأن الولد لما صار مقصودا بالاسترداد كان له حصة من الثمن وهو بمنزلة المبيعة إذا ولدت قبل القبض ثم ماتت الأم وبقي الولد فكما يتخير المشتري هناك يتخير البائع هنا ولو كان اشترى الجارية بعرض بعينه على أنه إن لم يعط البائع ذلك إلى ثلاثة أيام فلا بيع بينهما فهو جائز بمنزلة شرط الخيار .
فإن حدث بالجارية عيب في يد المشتري أو فقأ عينها أو وطئها وهي بكر أو ثيب أو فعل ذلك أجنبي ثم مضت الأيام قبل أن يعطيه البائع فهذا وما وصفنا من الدراهم سواء لاستوائهما في المعنى .
ولو مضت الأيام قبل أن يعطي المشتري البائع ما شرطه ثم هلكت الجارية في يد المشتري أو قتلها كان للبائع على المشتري قيمتها ولا سبيل له على ثمنها لأن بمضي الأيام الثلاثة انفسخ البيع وهلاك أحد العوضين في المقابضة بعد الفسخ لا يمنع بقاء الفسخ لبقاء العرض الآخر .
وإذا بقي الفسخ تعذر على المشتري رد عينها فيرد قيمتها بخلاف البيع بالدراهم ولو ذهبت عينها أو فقأها المشتري أخذ البائع الجارية ونصف قيمتها ولا سبيل له على الثمن لأن العين من الآدمي نصفه ففوات نصفها بعد الفسخ معتبر بفوات كلها ولو كان أجنبي فقأ عينها أو قتلها كان البائع بالخيار إن شاء أخذ قيمتها في القتل من مال المشتري حالا وإن شاء رجع بها على عاقلة القاتل في ثلاث سنين .
فإن أخذها من المشتري رجع بها على عاقلة القاتل لأنها بعد الفسخ مملوكة للبائع مضمونة في يد المشتري بنفسها كالمغصوبة وأما في فقء العين فإن البائع يأخذ الجارية ويتبع بإرش العين المشتري أو الجاني أيهما شاء حالا كما في المغصوبة إذا فقأ إنسان عينها في يد الغاصب .
فإن أخذه من المشتري رجع به المشتري على الجاني ولا سبيل للبائع في شيء من هذه الوجوه على الثمن لأنه لا يتمكن من أخذ ذلك إلا بفسخ ذلك العقد وبقاء أحد العوضين يمنعه من ذلك بخلاف ما إذا كان حدوث هذه المعاني قبل مضي الثلاثة لأن هناك العقد قائم بينهما حين حدث ما حدث ومضي الأيام الثلاثة بمنزلة الفسخ من المشتري قصدا وفسخه بعد ما تعيب في يده لا يكون ملزما للبائع فمن هذا الوجه وقع الفرق .
ولو باع المأذون أو الحر جارية بألف درهم فتقابضا على أن البائع إن رد الثمن على المشتري إلى ثلاثة أيام فلا بيع بينهما ثم أن المشتري وطئ الجارية أو فقأ عينها في الأيام الثلاثة .
فإن رد البائع الثمن على المشتري كان له أن يأخذ جاريته ويضمن المشتري بالوطء عقرها وفي الفقء نصف قيمتها لأن هذا الشرط بمنزلة خيار البائع والمبيعة قائمة على ملك البائع في يده على خياره فإذا تقرر ملكه بفسخ البيع ظهر أن جناية المشتري ووطأه حصلا في ملك الغير فعليه العقر والإرش .
وإن مضت الأيام الثلاثة قبل أن يرد الثمن تم البيع ولا شيء على المشتري من العقر والإرش لأن خيار البائع إذا سقط ملكها المشتري من وقت العقد بزيادتها فلا يلزمه العقر والإرش لأن فعله حصل في ملكه حكما .
ولو كان أجنبي فعل ذلك ثم رد البائع الثمن في الأيام الثلاثة أخذ جاريته ونصف قيمتها ففي فقء العين إن شاء من المشتري ويرجع به المشتري على الفاقئ وإن شاء من الفاقئ لأنها كانت مملوكة للبائع مضمونة بنفسها في يد المشتري كالمغصوبة وفي الوطء إن كانت بكرا فكذلك الجواب لأن الوطء ينقص ماليتها وهي مضمونة في يد المشتري بنفسها .
وإن كانت ثيبا لم ينقصها الوطء أخذها البائع واتبع الواطئ بعقرها ولا سبيل له على المشتري لأن المضمون على المشتري ماليتها ولم يتمكن نقصان في ماليتها بهذا الوطء وهي كالمغصوبة إذا وطئها أجنبي في يد الغاصب وهي ثيب .
ولو لم يرد البائع الثمن حتى مضت الأيام الثلاثة تم البيع واتبع المشتري الفاقئ أو الواطئ بالأرش والعقر لأنه عند سقوط الخيار للبائع ملكها من وقت العقد بزوائدها المنفصلة .
ولو كان البائع هو الذي وطئها وفقأ عينها فقد انتقض البيع رد الثمن بعد ذلك أو لم يرد ويأخذ جاريته لأن فعله ذلك تقرير لملكه حين عجز نفسه عن تسليمها كما باعها .
ولو فعل ذلك بعد مضي الثلاث ولم يرد الثمن فعليه الإرش والعقر للمشتري لأن بمضي الثلاث تم البيع وتأكد ملك المشتري بكونها في يده ففعل البائع فيها كفعل أجنبي آخر فيلزمه عقرها وأرشها للمشتري والله أعلم