( قال - C - ) ( والمأذون مثل الحر في حكم الخيار المشروط في البيع ) لأن اشتراط الخيار في البيع لدفع الغبن وحاجة العبد إليه كحاجة الحر .
وإذا باع المأذون متاعا أو اشتراه واشترط الخيار لنفسه ثلاثة أيام وعلى العبد دين أو لا دين عليه فنقض المولى البيع في الثلاثة بمحضر من الآخر لم يجر نقضه لأنه حجر خاص في إذن عام فإن هذا التصرف من العبد تناوله الإذن فالمولى يفسخ هذا التصرف عليه بحجر عليه من إمضائه بالإجازة والحجر الخاص مع قيام الإذن العام باطل كما أن استثناء تصرف من الإذن في التجارة عند ابتداء الإذن باطل وإن أجازه جاز إن لم يكن على العبد دين لأن الإجازة اتمام لتصرف العبد .
فإذا لم يكن على العبد دين فهو في حكم العقد متصرف للمولى لأن كسبه خالص ملك المولى فيعمل إجازة المولى كما يعمل إجازة الموكل لتفرق الوكيل مع خيار الشرط .
فإن كان عليه دين لم يجز إجازة المولى كما يعمل إجازة الموكل لتفرق الوكيل مع خيار الشرط .
فإن كان عليه دين لم يجز إجازة المولى لأنه من كسبه كأجنبي آخر وهذا التصرف من العبد لنفسه فإن المقصود بتصرفه تصرف لغرمائه من كسبه كأجنبي فلهذا لا تعمل إجازته .
فإن كان الخيار للمشتري مع العبد أو للبائع مع العبد فنقض صاحب الخيار البيع بحضرة المولى وعلى العبد دين أو لا دين عليه فنقضه باطل في قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - أما إذا كان على العبد دين فلا إشكال فيه وإن لم يكن عليه دين فلان النقض تصرف في أصل العقد بالفسخ لا في حكم العقد والمولى في أصل السبب كأجنبي آخر .
وعند أبي حنيفة ومحمد فسخ من له الخيار بغير محضر من عاقده لا ينفذ وإن كان بمحضر من الأجنبي بخلاف الإجازة فالإجازة تصرف في الحكم بالإثبات أو التقرير والمولى في الحكم ليس كالأجنبي إذا لم يكن على العبد دين بل العبد بمنزلة النائب عنه .
ولو باع المأذون جارية على أنه بالخيار ثلاثة أيام فأخذ المولى الجارية فباعها أو وطئها أو قبلها بشهوة أو فقأ عينها بغير محضر من المشتري وذلك بعد ما أخذها .
فإن كان المأذون لا دين عليه فهذا نقض للبيع والجارية للمولى وقد خرجت من تجارة العبد لأنها بالبيع بشرط الخيار تخرج من أن تكون كسب العبد والمولى مالك لكسبه إذا لم يكن عليه دين فيتمكن من أخذها منه وأحداث هذه التصرفات منه يوجب تقرير ملكه ومن ضرورته فسخ ذلك البيع .
ولهذا لو كان البائع حرا مالكا فتصرف فيه هذه التصرفات بغير محضر من المشتري انفسخ العقد به حكما فكذلك المولى إذا فعله انفسخ العقد حكما ولا يكون هذا من المولى حجرا خاصا في إذن عام .
وكذلك لو قبضها المولى ثم قال قد نقضت البيع بمحضر من المشتري فالبيع منتقض لأنه بالقبض أخرجها من أن تكون كسبا للعبد فنقضه البيع فيها لا يكون حجرا خاصا في إذن عام لأن الإذن العام له في التصرف في كسبه وقد أخرجه من أن يكون كسبا له .
ولو قبضها ولم ينقض البيع حتى مضت الأيام الثلاثة جاز البيع والثمن للعبد على المشتري لأن بمجرد أخذها لا يكون فسخا للبيع فالأخذ قد يكون للحفظ والنظر فيها هل تصلح له أم لا .
وإذا لم يفسخ البيع بالأخذ تم البيع بمضي الأيام وتملكها المشتري من وقت العقد فيكون الثمن للعبد على المشتري .
وإن كان العبد دين في جميع ما وصفنا فنقض المولى البيع وأخذه الجارية باطل والبيع والخيار فيها على حاله لأن المولى ممنوع من أخذها لمكان الدين على العبد فلا يخرج بأخذه إياها من أن تكون كسبا للعبد فيكون نقضه البيع فيها حجرا خاصا في إذن عام . ولو اشترى المأذون جارية واشترط الخيار لمولاه ثلاثة أيام .
فإن نقض البيع المولى أو العبد فهو نقض لأن اشتراط الخيار لمولاه اشتراط منه لنفسه فإنه يجعل المولى نائبا عنه في التصرف بحكم الخيار وقد بيناه في البيوع فيما إذا اشترط الخيار لأجنبي فكذلك لمولاه .
وكذلك إن أجاز العقد أحدهما فهو جائز فإن نقض المولى البيع بمحضر من البائع وأجازه العبد فالسابق منهما أولى نقضا كان أو إجازة لأن بإجازة أحدهما أو لا يتم البيع فلا ينفرد الآخر بفسخه بعد ذلك وبنقض أحدهما أو لا ينفسخ البيع والمفسوخ لا تلحقه الإجازة وإن كان ذلك منهما معا فالنقض أولى من الإجازة لأن النقض يرد على الإجازة فالبيع التام يمكن نقضه والإجازة لا ترد على النقض فالبيع المنقوض لا تمكن إجازته وعند المعارضة الوارد يترجح على المورود عليه .
قال : ( ألا ترى ) أن رجلا لو اشترى جارية بعبد على أنه بالخيار ثلاثة أيام في الجارية وتقابضا ثم أعتق المشتري الجارية عتقت وجاز البيع لأن خياره فيها خيار المشتري وذلك لا يمنعه من التصرف فيها لأنه لما كان يملك تنفيذ العتق في كل واحد منهما على الانفراد نفذ عتقه فيها .
وإن لم يعتقها ولكنه أعتق العبد عتق وهو فسخ منه للبيع لأن خياره فيه خيار البائع وذلك لا يمنع من التصرف فيما باع ومن ضرورة نفوذ تصرفه انفساخ البيع .
ولو أعتقها جاز عتقه فيها أيضا وينتقض البيع باعتبار نفوذ عتقه فيما باع وعليه قيمة الجارية لأنه تعذر ردها لما نفذ عتقه فيها وقد انتقض البيع فعليه رد قيمتها ومقصوده من هذا الاستشهاد بيان أن النقض أولى من الإجازة وقد بينا ما في هذه المسألة من الاختلاف في البيوع .
وكذلك لو باع المأذون جارية واشترط الخيار لمولاه ثلاثة أيام فنقضه العبد وأجازه المولى معا فالنقض أولى لما بينا .
ولو اشترى المأذون جارية وقد رآها مولاه ولم يرها العبد وعليه دين أو لا دين عليه فللعبد الخيار إذا رآها لأنه هو المشتري والشرع إنما أثبت خيار الرؤية للمشتري والعبد في أصل التسبب مباشر لنفسه كالحر وخيار الرؤية ينبني على السبب ثم رؤية المولى لا تكون دليل الرضا منه بها لأنه ما كان يعلم أن عبده يشتريها وإن كان العبد رآها قبل الشراء ولم يرها المولى لم يكن للمولى أن يردها كان على العبد دين أو لم يكن لأن العبد في الشراء متصرف لنفسه ورؤيته قبل العقد دليل الرضا منه بها والفسخ من المولى يكون حجرا خاصا في إذن عام ولو لم يرها واحد منهما قبل الشراء ثم رأياها فالخيار للعبد لأن خيار الرؤية يثبت باعتبار السبب والعبد في أصل السبب متصرف لنفسه .
فإن رضيها المولى جازت على العبد إن لم يكن عليه دين لأن الرضا تقرير بحكم السبب والعبد فيما يرجع إلى الحكم نائب عن المولى إذا لم يكن عليه دين .
وإن كان عليه دين فرضا المولى باطل لأنه في الحكم أجنبي ما بقي من الدين شيء على العبد .
وإن نقض المولى البيع بمحضر من البائع فنقضه باطل كان على العبد دين أو لم يكن لأن النقض منه حجر خاص في إذن عام ولو رضيها المولى وردها العبد معا كان رد العبد أولى لما بينا أن النقض يرد على الإجازة والإجازة لا ترد على النقض .
وكذلك لو وجد بها عيبا قبل أن يقبضها فالعبد بالخيار إن شاء أخذها وإن شاء تركها لأن خيار العيب قبل القبض بمنزلة خيار الرؤية .
( ألا ترى ) أن الراد ينفرد به من غير قضاء ولا رضا وأنه لا يملك رد أحد العبدين به دون الآخر فإن رضيها المولى وعلى العبد دين فرضاه باطل وإن لم يكن عليه دين سوى ثمنها جاز رضا المولى عليه كما في خيار الرؤية .
وإن نقض المولى البيع فنقضه باطل كان عليه دين أو لم يكن لأنه خاص .
قال : ( ألا ترى ) أن رجلا لو اشترى لرجل جارية بأمره فلم يقبضها الوكيل حتى وجد بها عيبا فرضيها الآمر جاز .
وإن نقض الآمر البيع لم يجز نقضه وهذا إشارة إلى الحرف الذي بينا أن الرضا تصرف في الحكم وحكم تصرف الوكيل للموكل والنقض تصرف في السبب والوكيل أصل في السبب بمنزلة العاقد لنفسه فلم يجز نقض الموكل فيه فكذلك في المأذون مع مولاه ولو اشترى المأذون جاريتين بألف درهم فلم يقبضهما حتى قتلت إحداهما صاحبتها فالعبد بالخيار إن شاء أخذ الباقية بجميع الثمن .
وإن شاء نقض البيع ولو ماتت إحداهما موتا أخذ الباقية بحصتها من الثمن بخلاف الدابتين فهناك سواء قتلت أختهما صاحبتها أو ماتت أخذ الباقية بحصتها من الثمن وقد بينا هذا الفرق في كتاب الرهن أن فعل البهيمة هدر شرعا فالتي هلكت فاتت ولم تخلف بدلا فسقطت حصتها من الثمن وفعل الآدمي معتبر شرعا .
فإذا اختار المشتري أخذ الباقية انفسخ البيع في التي هلكت وتبين أن ملكه جنى على ملك البائع فوجب اعتباره ودفع القاتل بالمقتول فتبين أنه فات وأخلف بدلا فيبقي العبد ببقاء البدل فلهذا أخذ الباقية بجميع الثمن وثبوت الخيار له لتفرق الصفقة قبل التمام .
ولو اشترى المأذون جارية واشترط الخيار في الثمن فذلك اشتراط منه للخيار في الجارية سواء كان الثمن عينا أو دينا دفع الثمن أو لم يدفع لأن الخيار إنما يشترط لفسخ العقد أو لا لتنعدم صفة اللزوم به وهذا لا يختص بأحد العوضين فاشتراط الخيار في أحد العوضين يكون اشتراطا في الآخر ضرورة وتقرير كلامه كأنه قال إن رضيت أسلم لك الثمن فيما بيني وبين ثلاثة أيام سلمت .
وإن شئت أخذت الثمن ولم أسلمه لك ولو صرح بهذا كان ذلك منه شرطا للخيار في العوضين .
ولو اشترى ثوبين كل ثوب بعشرة على أن يأخذ أيهما شاء ويرد الآخر فهلك أحدهما عند البائع فالمشتري على خياره في الباقي لأن الخيار كان ثابتا للمشتري فيهما والذي هلك عند البائع انفسخ البيع فيه لفوات القبض المستحق بالعقد فيبقي هو على خياره في الباقي .
ولو هلك أحدهما عند المشتري لزمه البيع فيه لأنه لما أشرف على الهلاك فقد عجز عن رده حكما كما قبضه فيتعين البيع فيه ثم يهلك على ملكه ومن ضرورته تعين الرد في الآخر ولو حدث بأحدهما عيب عند المشتري لزمه الذي حدث به العيب لأنه عجز عن رده كما قبضه بخلاف ما إذا حدث بأحدهما عيب عند البائع أو بهما فالمشتري على خياره لما بينا .
ولو باع المأذون من رجل ثوبين على أن البائع بالخيار يلزمه أيهما شاء بعشرة ويرد الآخر فهذا وخيار المشتري سواء والقياس فيها أن البيع باطل .
وفي الاستحسان : هو جائز على ما اشترطا وقد بينا ذلك في البيوع فإن قبضها المشتري فهلك أحدهما عنده فهو أمين فيما هلك والبائع بالخيار إن شاء لزمه الباقي بعشرة لأنه قبض أحدهما على جهة البيع والآخر لا على جهة البيع فكان أمينا فيما قبضه بإذن المالك لا على جهة البيع والبيع ههنا في الهالك لم يتعين بل تعين في الباقي ضرورة .
( ألا ترى ) أن البائع ليس له أن يلزمه الهالك لأن تعيين البيع فيه كإنشاء البيع وإنشاء البيع في الهالك لا يتحقق فكذلك تعين البيع فيه .
وإذا ثبت أن البيع متعين في الباقي فالبائع فيه بالخيار ثبت بعين الأمانة في الهالك .
ولو لم يهلك واحد منهما ولكن حدث بأحدهما عيب عند المشتري كان البائع على خياره لأنه لا تأثير للعيب الحادث عند المشتري في إسقاط خيار البائع فالمعيب محل ابتداء العقد كالتسليم بخلاف الهالك فلهذا كان البائع على خياره يلزمه أيهما شاء فإن نقض البيع فيهما أخذهما ونصف قيمة المعيب في القياس لأن المعيب كان متردد الحال بين أن يكون مضمونا باعتبار تعين العقد وبين أن يكون أمانة باعتبار تعين البيع في الآخر وبحدوث العيب فات جزء منه فيتنصف ضمان ذلك الجزء باعتبار التردد فيه .
( ألا ترى ) أن البائع لو ألزم المشتري الصفقة فيه كان فوات ذلك الجزء على المشتري فلو لزمه في الآخر كان فوات ذلك الجزء على البائع .
فإذا نقض البيع فيهما كان على المشتري نصف قيمة المعيب ولكن في الاستحسان لا يأخذ من قيمة المعيب شيئا لأن فوات الجزء معتبر بفوات الكل ولو هلك أحدهما في يد المشتري لم يضمن من قيمته شيئا للبائع وإن فسخ البائع العقد في الآخر فكذلك إذا تعيب في يده .
ولو هلك أحد الثوبين عند البائع كان له أن يوجب البيع في الباقي وإن شاء نقضه لأن الهالك خرج من العقد فيبقي خيار البائع في الباقي كما كان ولو لم يهلك وحدث بأحدهما عيب عند البائع فهو على خياره .
فإن اختار إلزام المشتري الثوب المعيب كان المشتري بالخيار لأن البائع لما عين العقد فيه التحق بما لو كان البيع متعينا فيه في الابتداء وقد تعيب عند البائع فيتخير المشتري بين أن يأخذه أو يتركه .
وإذا رده فليس للبائع أن يلزمه الآخر لأن تعيينه العيب في المبيع يوجب انتفاء العقد عن الآخر ضرورة فكيف يلزمه العقد في الآخر بعد ما انتفى العقد عنه والله أعلم