( قال - C - ) ( وإذا وجب للعبد المأذون على رجل ألف درهم من ثمن مبيع أو غصب أو غير ذلك فأخره العبد عنه سنة فهو جائز ) لأن التأجيل من صنيع التجار وهو منفك الحجر عنه فيما هو من صنيع التجار وهذا لأن التأجيل لا يسقط الدين وإنما يؤخر المطالبة ولو ترك المطالبة زمانا من غير تأجيل لم يكن به متبرعا عليه بشيء من الدين فكذلك إذا أجله سنة ولو صالحه على أن أخر ثمن بعضه وحط عنه بعضه كان الحط باطلا والتأخير جائزا اعتبارا للبعض بالكل .
ولو كان الدين الواجب له قرضا اقترضه فتأجيله غير لازم كما في الحر وقد بيناه في كتاب الصرف .
ولو وجب للمأذون ولرجل على رجل ألف درهم وهما فيه شريكان فأخر العبد نصيبه منه فالتأخير باطل في قول أبي حنيفة - C .
وهو جائز في قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - وقد بينا المسألة في الحرين في كتاب الصلح فكذلك في العبد مع الحر وبينا أن على قولهما الذي لم يؤخر الدين يأخذ حصته فيكون له خاصة .
فإذا حل الأجل كان العبد بالخيار إن شاء أخذ من شريكه نصف ما أخذ لأن المقبوض كان دينا مشتركا بينهما وبالتأجيل لم تبطل الشركة فإن قسمة الدين قبل القبض لا يجوز إلا أن الأجل كان مانعا من مشاركة القابض .
فإذا ارتفع هذا المانع كان له أن يشاركه في المقبوض ثم يتبعان الغريم بالباقي وإن شاء سلم له المقبوض واختار اتباع الغريم بنصيبه في الدين .
ولو اقتضى العبد شيئا قبل حل الأجل كان لشريكه أن يأخذ منه نصفه لأن الأجل سقط فيما اقتضاه العبد فكأنه لم يكن ولأن المقبوض من دين مشترك ولا مانع للشريك من مشاركته في المقبوض لأن نصيبه من الدين حال .
وكذلك إن كان الدين كله مؤجلا فقبض أحدهما شيئا منه قبل حله كان للآخر أن يشاركه فيه لأن الأجل حق المطلوب فهو في مقدار ما أوفى قبل حله أسقط حقه من الأجل فسقط ذلك في حق الشريكين جميعا والحكم في هذا الحر بمنزلة ما لو كان الدين كله حالا فللذي لم يقبض أن يشارك القابض في المقبوض .
ولو كان الدين حالا فأجله العبد سنة ثم قبض الشريك حصته ثم أبطل الغريم الأجل الذي أجله العبد برضى منه قبل مضيه فقد بطل الأجل لأنه حق الغريم وقد أسقطه ولكن لا سبيل للعبد على ما قبض شريكه في قول أبي حنيفة ومحمد حتى يحل الأجل لأنه ثبت بالتأجيل حكمان أحدهما سقوط حقه عن مشاركة القابض في المقبوض قبل حل الأجل والآخر سقوط حقه عن مطالبة المديون قبل حل الأجل فإسقاط الغريم الأجل عامل في حقه وليس بعامل في حق القابض إذ لا ولاية له عليه فيجعل الأجل في حقه كالقائم وهو نظير الدين المؤجل إذا كان به كفيل فأسقط الأصيل الأجل بقي الأجل في حق الكفيل .
فإذا حل الأجل شاركه في المقبوض إن شاء وإن لم ينقص الأجل ولكن الغريم مات فحل عليه شارك العبد شريكه فيما قبض لأن انتقاض الأجل بالموت ثابت حكما فيظهر في حق مطالبة الغريم وحق مشاركة القابض في المقبوض بخلاف الأول فإنه كان عن قصد من الغريم وهذا بخلاف مسألة الكفيل فإن الأصيل إذا مات بقي الأجل في حق الكفيل لأن هناك الأجل في حق كل واحد منهما ثابت مقصود والغريم بالموت قد استغنى عن الأجل والكفيل محتاج إليه فبقي الأجل في حقه فأما ههنا فالأجل في حق الغريم خاصة فأما مشاركه القابض في المقبوض فلا أجل فيه مقصودا لأن ذلك عين والعين لا تقبل الأجل وإنما كان ذلك بناء على قيام المانع في حق الذي أجله ولم يبق المانع بعد موت الغريم حقيقة وحكما فأما بعد إسقاط الأجل من الغريم قصدا فالمانع كالقائم في حق الشريك حكما فمن هذا الوجه يقع الفرق .
ولو لم يمت ولكنهما تناقضا الأجل ثم قبض الشريك حقه كان للعبد أن يشاركه لأنهما حين تناقضا لم يكن في هذا الأجل حق سوى الغريم فصحت مناقضته مطلقا فصار الدين حالا فإذا قبض الآخر نصيبه بعد ذلك كان له أن يشاركه بخلاف الأول فهناك حين تناقضا كان حق الشريك ثابتا في ذلك الأجل من حيث تأخر رجوع الشريك عليه في المقبوض فلا يعمل انتقاضه في حقه .
يوضحه : أن هناك حين قبض مع قيام الأجل لم يثبت للشريك حق المشاركة في المقبوض إلا بعد حل الأجل فلو ثبت بعد ذلك إنما يثبت بتصرف الغريم وتصرفه في حق الغير لا يكون صحيحا وههنا حين قبض بعد مناقضة الأجل حق الشريك ثابت في المشاركة ومناقضة الأجل لم يكن تصرفا منه في حق الغير فكان صحيحا ولو كان المال حالا فقبض الشريك حقه ثم إن العبد أخر الغريم حقه وهو يعلم بقبضه أو لا يعلم فتأخيره جائز عندهما ولا سبيل له على ما قبض شريكه حتى يحل الأجل لأن كون نصيبه مؤجلا مانع له من الرجوع على شريكه في المقبوض قبل حل الأجل ولو كان هذا المانع قائما عند القبض لم يكن له أن يشاركه فكذلك إذا ثبت هذا المانع بالتأجيل بعد قبضه ولأن نصيبه في حصة الغريم على حاله .
( ألا ترى ) أنه لو سلم للقابض ما قبض واختار اتباع الغريم كان له ذلك فإذا صح تأجيله في نصيبه لم يكن له أن يشارك صاحبه في المقبوض حتى يحل الأجل فإذا حل أخذ منه نصف ما قبض إن شاء .
فإن قيل : لماذا لم يجعل تصرفه في نصيبه من حيث التأجيل مسقطا حقه في مشاركة القابض .
قلنا : لأنه لا منافاة بين تأجيله في نصيبه وبين ثبوت حقه في المشاركة في المقبوض بعد حل الأجل وهذا لأن حق المشاركة باعتبار الشركة في أصل الدين وبتأجيله لا ينعدم ذلك .
ولو كان مالهما إلى سنة فقبض الشريك عاجلا ثم أن العبد أخر حقه للغريم سنة أخرى وهو يعلم بقبضه أو لا يعلم فتأخيره جائز عندهما ولا سبيل له على ما قبض شريكه حتى يمضي السنتان جميعا لأن الزيادة في الأجل بعد قبض الشريك بمنزلة أصل التأجيل وقد بينا أن ذلك يمنعه من المشاركة قبل حل الأجل فلا يسقط حقه في المشاركة بعد حل الأجل فكذلك الزيادة في الأجل .
ولو كان المال حالا فأخذ الشريك حقه فسلمه له العبد كان تسليمه جائزا عندهم لأنه يسقط حقه في المشاركة بعوض وهو ما يستوفي من الغريم من نصيبه من الدين وذلك من صنيع التجار فيكون صحيحا من العبد ولا يرجع العبد على القابض بشيء حتى يتوي ما على الغريم فإذا توى ما عليه رجع على شريكه فيشاركه في المقبوض لأنه سلم له المقبوض بشرط أن يسلم له ما في ذمة الغريم .
فإذا لم يسلم عاد حقه كما كان كالمحتال عليه إذا مات مفلسا .
ولو كان المال إلى سنة فاشترى العبد من الغريم جارية بحصته فللشريك أن يأخذ العبد بنصف حقه من الدراهم لأنه صار مستوفيا نصيبه بطريق المقاصة كما هو الأصل في الشراء بالدين فكأنه استوفاه حقيقة وأحد الشريكين إذا استوفى نصيبه قبل حل الأجل كان للآخر أن يشاركه فيه فإن أخذ منه نصف نصيبه من الدراهم ثم وجد العبد بالجارية عيبا فردها على البائع بقضاء قاض عاد المال إلى أجله لأن الرد بقضاء القاضي فسخ من الأصل وسقوط الأجل كان من حكم البيع ووقوع المقاصة بالثمن وقد بطل ذلك بانفساخ العقد من الأصل فعاد المال إلى أجله واسترد العبد من شريكه ما أخذه منه لأنه أخذ باعتبار أنه استوفى نصيبه بالمقاصة وقد بطل ذلك من الأصل بانفساخ البيع فتبين أنه استوفى منه بغير حق فيلزمه رده .
ولو كان ردها بغير قضاء أو بإقالة لم يرجع على الشريك بشيء مما أعطاه لأن هذا السبب بمنزلة العقد المبتدأ في حق الشريك فلا يتبين به بطلان المقاصة وحكم الاستيفاء من العبد لنصيبه في حق الشريك فلهذا لا يرجع عليه بشيء ويكون للعبد ولشريكه على الغريم الخمسمائة الباقية إلى أجلها وللعبد على الغريم خمسمائة حالة فكان ينبغي أن يكون هذا مؤجلا عليه لأن الإقالة والرد بغير قضاء القاضي فسخ في حقهما والأجل في هذا المال من حقهما ولكن هذا بناء على الأصل الذي بينا فيما أمليناه من شرح الزيادات أن الإقالة والرد بغير قضاء القاضي فسخ في حقهما فيما هو من حكم ذلك العقد خاصة فأما فيما ليس من حكم ذلك فالعقد يكون بمنزلة البيع المبتدأ وعود الأجل ليس من حكم ذلك العقد فيجعل في حقه كالبيع المبتدإ فكأنه اشتراها بخمسمائة مطلقة فتكون حالة .
وكذلك لو كان العبد المشتري الجارية من الغريم بجميع الألف إلا أن للشريك أن يأخذه بنصف الألف ههنا لأنه صار مستوفيا جميع الدين بطريق المقاصة واحد الشركين أن استوفى الدين كان للآخر أن يرجع عليه بنصف ذلك الدين سواء كان الدين حالا أو مؤجلا .
فإن كان حين إقالة البيع أو رده بغير قضاء شرط عليه البائع أن الثمن إلى أجله كان إلى أجله لأن هذا بمنزلة البيع المبتدأ لكن بثمن مؤجل شرطا وهو نظير المشتري بالنسبة إذا ولاه غيره مطلقا يكون الثمن في حق البائع حالا إلا أن يكون اشترط في التولية أن يكون المال إلى أجله فحينئذ يكون مؤجلا كما شرط