( قال - C - ) ( توكيل المأذون بالخصومة له وعنه جائز مثل الحر ) لأنه من صنيع التجار ومما لا يجد التاجر منه بدا وانفكاك الحجر فيه بالإذن كانفكاك الحجر عنه بالعتق فكل ما يصح منه من هذا الباب بعد العتق فهو صحيح بعد الإذن .
وكذلك إن كان الوكيل مولاه أو بعض غرمائه أو ابنه أو ابن المدعي أو مكاتبه أو عبد مأذون له لأنه صالح للنيابة عنه في تجاراته واستيفاء حقوقه فيصلح نائبا عنه في المطالبة بحقوقه والخصومة فيها وإقرار وكيله عليه عند القاضي جائز وإن أنكر مولاه أو غرماؤه لأن الوكيل فيما هو من جواب الخصم قائم مقام الموكل كما في الحر وقد بينا اختلاف العلماء فيه في كتاب الوكالة فإقرار وكيل العبد ههنا في مجلس القاضي كإقرار العبد وإقرار العبد صحيح وإن كذبه مولاه وغرماؤه فكذلك إقرار وكيله .
وإن أقر عند غير القاضي فقدمه خصمه إلى القاضي وادعى إقراره عند غيره سأله عن ذلك فإن أقر له بذلك قبل أن يتقدم إليه ألزمه ذلك لأن كلامه هذا إقرار مستأنف منه في مجلس القاضي مع حكايته ما كان منه من الإقرار في غير مجلسه فإقراره المستأنف ملزم لموكله وما كان منه من الحكاية ساقط الاعتبار .
وإن قال أقررت به قبل أن توكلني وقال الخصم أقر به في الوكالة ألزمه القاضي ذلك باعتبار أنه إقرار مستأنف منه وسواء كان إقراره السابق قبل التوكيل أو بعده فإنما يلزمه باعتبار إقراره المستأنف في مجلسه ثم يدعي هو تاريخا سابقا في إقراره حين أسنده إلى ما قبل التوكيل وخصمه ينكر هذا التاريخ .
وحقيقة المعنى فيه : أنه ينكر صحة التوكيل لأنه حين كان مقرا قبل التوكيل لا يصلح نائبا في الخصومة في هذه الحالة وقبوله الوكالة إقرار منه بصحتها .
فإذا ادعى بعد ذلك أنها لم تكن صحيحة كان مناقضا وإن صدقه خصمه في أنه أقر قبل الوكالة أخرجه القاضي من الوكالة ولم يقض بذلك الإقرار على الموكل لأن المناقض إذا صدقه خصمه كان قوله مقبولا منه وقد تصادقا على أنه لم يصر وكيلا وإنشاء الإقرار في مجلس القاضي ممن هو وكيل يكون ملزما للموكل .
وإذا تصادقا أنه لم يصر وكيلا لا يقضي القاضي على الموكل بإقراره بشيء وإن كان كلامه إنشاء الإقرار ولو جحد الوكيل الإقرار لم يستحلف عليه لأن الخصم لا يدعي لنفسه بهذا الإقرار شيئا على الوكيل إنما يزعم أنه ليس بخصم له لأنه أقر في غير مجلسه وكيف يستحلفه وهو يزعم أنه ليس بخصم له فإن أقام الخصم البينة على إقراره قبل الوكالة أو بعدما أخرجه القاضي عن الوكالة لم يجز إقراره على موكله لأنه يثبت إقرار من ليس بوكيل وهو بهذه البينة ثبت أنه ليس بخصم له وإن له المطالبة بإحضار الوكيل للخصومة معه فتقبل بينته عليه فيكون الثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة وإنما لا يستحلف على ذلك لأنه لو استحلف كان في معنى النيابة عن الموكل والنيابة لا تجزي في الاستحلاف وتجزي في قبول البينة .
ولو كان المدعي على العبد وكل مولى العبد بخصومته وعلى العبد دين أو لا دين عليه كانت وكالته باطلة لأنها لو صحت نفذ إقراره على موكله في مجلس القاضي وفيه براءة لعبده وقول المولى في ذلك غير مقبول لما فيه من المنفعة أو لأن الوكيل بالخصومة يملك القبض فكان هذا بمنزلة التوكيل بالقبض وقد بينا أن الطالب إذا وكل مولى العبد بقبض دينه من العبد لم يجز التوكيل .
وكذلك لو وكل به غريما من غرمائه لأن المنفعة للغريم فيه أظهر . ولو كان الوكيل ابن الغريم أو مكاتبه أو عبده كان جائزا وإقراره على موكله جائز بمنزلة ما لو أقر موكله بالقبض وهذا لأنه لا منفعة في هذا الإقرار للوكيل فهو كأجنبي آخر في حق الإقرار به بخلاف المولى والغريم بنفسه .
وإذا قبض المولى ما في يد المأذون ولا دين عليه ثم ادعى رجل فيه دعوى فوكل العبد بخصومته وكيلا لم يجز توكيله بذلك لأن المأخوذ خرج من أن يكون كسبا له وصار كسائر أملاك المولى فلا يكون العبد خصما فيه وتوكيله فيما ليس بخصم فيه باطل .
وكذلك لو أخذه بعد ما وكل العبد وكيلا بالخصومة قبل أن يقر الوكيل بما ادعى المدعي ثم أقر له فإقراره باطل لأن العبد خرج من أن يكون خصما فيه قبل إقرار الوكيل وأكثر ما في الباب أن يجعل إقرار الوكيل كإقرار الموكل وإقرار الموكل به بعد ما أخذه المولى منه باطل فكذلك إقرار الوكيل ولو كان على العبد دين كانت الوكالة صحيحة والإقرار جائزا لأن أخذ المولى بمنزلة الغصب لمكان حق الغرماء فلا يخرج المأخوذ به من أن يكون كسب العبد وكما يجوز إقرار العبد به في هذه الحالة فكذلك إقرار وكيله .
ولو كان المولى حجر عليه وقبض ما في يده ثم ادعى رجل بعض ما في يده فتوكيل العبد في ذلك باطل إذا لم يكن عليه دين لأنه خرج من الخصومة فيه بما فعله المولى وتوكيل المولى بالخصومة فيه صحيح وإقرار وكيله جائز لأن المولى هو الخصم في ذلك .
ولو ادعى العبد دينا على رجل فوكل بالخصومة بعد ما حجر عليه المولى جاز لأنه هو الخصم في بقاء تجاراته .
فإن أقر الوكيل عند القاضي أن العبد قد استوفى دينه كان إقراره به أيضا كإقرار العبد فينفذ في حق المولى والغرماء .
وإن أقر أنه لا حق للعبد قبل الخصم فإقراره به أيضا كإقرار العبد به يجوز عند أبي حنيفة - C - فيما في يده من المال دون رقبته وعندهما لا يجوز في شيء وقد تقدم بيان هذا الفصل .
وإذا وجب للمأذون ولشريك له على رجل ألف درهم فجحدها فوكل العبد وشريكه بخصومته مولى العبد وعلى العبد دين أو لا دين عليه فأقر المولى عند القاضي باستيفائهما المال جاز إقراره عليهما لأنه لا منفعة له في هذا الإقرار بل فيه ضرر فهو كأجنبي آخر ينفذ إقراره عليهما .
وإن جحداه فإن ادعى الشريك على العبد أنه قبض نصيبه فإن كان العبد لا دين عليه فإن الشريك يرجع في رقبة العبد بنصف حصته فيباع في ذلك لأن بإقرار المولى ثبت وصول نصيب العبد إليه فكأنه ثبت ذلك بإقرار العبد فكان للشريك أن يرجع عليه بنصفه ولم يثبت بإقرار المولى نصيب الشريك إليه في حق العبد لأنه كان نائبا عن الشريك في الخصومة مع المطلوب لا مع العبد وصحة إقراره باعتبار أنه وكيل في الخصومة ولأن في ثبوت وصول نصيب الشريك إليه منفعة العبد من حيث أنه يسلم المقبوض أو يثبت للعبد حق الرجوع عليه أن لم يكن هو قبض شيئا وإقرار المولى لا يصح بذلك فلهذا كان للشريك أن يرجع في رقبة العبد بنصف حصته .
وإن كان على العبد دين فلا سبيل له عليه ولا على مولاه حتى يقضي دينه لأن إقرار المولى على العبد بوصول نصيبه إليه لا يكون صحيحا في حق غرمائه فإنه إنما ينفذ إقراره عليه بكونه وكيلا في الخصومة وهو كان وكيلا في الخصومة مع المطلوب لا مع الأجنبي فإقراره على العبد الآن كإقراره على الأجنبي .
وإذا استوفى العبد دينه وفضل شيء رجع الأجنبي بحصته في ذلك لأن الفاضل خالص ملك المولى وقد أقر بوصول نصيب العبد إليه وللأجنبي أن يرجع في ذلك بنصفه بحكم إقراره كما لو لم يكن عليه دين .
ولو كان الشريك صدق المولى فيما أقر به عليهما وكذبه العبد وعليه دين أو لا دين عليه لم يرجع واحد منهما على صاحبه بشيء لأن بتصديق الشريك ثبت وصول نصيبه إليه وبإقرار المولى على عبده ثبت وصول نصيب العبد إليه أما إذا لم يكن عليه دين فغير مشكل .
وكذلك إن كان عليه دين فإنه يثبت وصول نصيبه إليه في حق المولى ويكون إقرار المولى عليه بذلك كإقرار العبد ثم بإقرار العبد يثبت وصول نصيبه إليه في حق غرمائه فكذلك بإقرار المولى فلهذا لا يرجع واحد منهما على صاحبه بشيء .
ولو كان الشريك هو الذي وكل العبد بالخصومة في دينه ولم يوكل المولى بذلك فأقر العبد عند القاضي أنه لا حق للشريك قبل الغريم أو أقر أنه استوفى من الغريم نصيبه وجحد ذلك الشريك برئ الغريم من حصة الشريك لأن إقرار وكيله في مجلس الحكم كإقراره فيما يرجع إلى براءة خصمه ويتبع العبد الغريم بنصف الدين لأنه لم يقر في نصيب نفسه بشيء .
فإذا أخذه شاركه الغريم فيه كان على العبد دين أو لم يكن لأن في إقرار العبد شيئين إبطال حق الشريك على الغريم وسلامة ما يقبضه له وقوله مقبول فيما يرجع إلى إبطال حق الشريك على الغريم بتوكله بخصومته فيكون راضيا بإقراره بذلك .
ولكن إقراره غير صحيح في سلامة المقبوض له لأن ذلك دعوى منه فكان المقبوض مشتركا بينهما لأنه جزء من دين كان مشتركا بينهما وهو نظير المودع في مال مشترك إذا ادعى أنه رد على أحد الشريكين نصيبه يقبل قوله في براءته عن الضمان ولا يقبل قوله في سلامة الباقي للآخر بل يكون مشتركا بينهما .
ولو كان للعبد ولشريكه على رجل ألف درهم هو مقربها فغاب الغريم وادعى العبد أن شريكه قد قبض حقه وأراد أن يرجع عليه بنصفه فجحد الشريك ووكل مولى العبد بخصومة العبد في ذلك وعلى العبد دين أو لا دين عليه أو وكل الشريك بعض غرماء العبد فأقر الوكيل أن الشريك قد استوفى نصيبه من الغريم فإقراره باطل ولا يكون وكيلا في ذلك لأنه يجر به إلى نفسه مالا فإنه إذا صح إقراره على الشريك سلم للعبد ما قبضه من الغريم من نصيبه وفيه منفعة لمولاه ولغرمائه فلهذا لا يكون وكيلا فيه به وقد تقدم بيان الفرق بين هذه المسألة وبين مسألة الطعن .
ولو كان الشريك ادعى على العبد الاستيفاء فوكل العبد بالخصومة لمولاه أو بعض غرمائه فأقر الوكيل على العبد بالاستيفاء جاز إقراره عليه لأنه لا منفعة للمقر في هذا الإقرار بل عليه فيه ضرر وهو كأجنبي آخر فيه وإقرار الوكيل عند القاضي كإقرار الموكل ولو أقر العبد بذلك رجع عليه الشريك بنصف ما قبض فهذا كذلك أيضا .
وإذا حضر الغريم وادعى أن العبد قد قبض ما قال الوكيل لم يصدق على ذلك لأن العبد إنما كان وكيلا بالخصومة مع الشريك لا مع الغرماء فإقراره في حق الغريم لا يكون نافذا على الموكل لأن صحة إقرار الوكيل لضرورة أنه من جواب الخصم وذلك في حق خصمه دون غيره فلهذا كان للعبد أن يرجع على الغريم بجميع دينه إلا أن يكون العبد لا دين عليه والوكيل هو المولى فيصدق على عبده في ذلك لأن جواز إقراره عليه الآن ليس باعتبار أنه جواب الخصم ولكن باعتبار أنه ملكه وفي ذلك الغريم والخصم سواء .
( ألا ترى ) أن قبل التوكيل لو أقر به عليه في هذه الحالة جاز إقراره فأما في غير هذه الحالة فصحة إقراره باعتبار التوكيل بالخصومة كما بينا ثم الغريم قد برئ من نصف حق الشريك لأنه قد قبضه من العبد فلا يكون له أن يرجع به على الغريم وذلك خمسمائة ويرجع الشريك بنصف حقه على الغريم وذلك مائتان وخمسون فما أخذوا حد منهما من شيء اقتسماه أثلاثا على قدر حقيهما على الغريم حتى يستوفا منه سبعمائة وخمسين .
وإذا كان لرجلين على المأذون دين ألف فادعى العبد على أحدهما أنه قد استوفى نصيبه وجحد المدعى عليه فوكل المدعى عليه مولى العبد بذلك فالتوكيل باطل وإقرار المولى به باطل سواء كان على العبد دين أو لم يكن لأن في إقراره منفعة المولى وهو براءة ذمة عبده عن نصيبه وسلامة ماليته للمولى بذلك القدر .
وإذا حضر الغريم الآخر فادعى ما أقر به المولى على شريكه فأراد أن يأخذه بنصفه لم يكن له ذلك لأن إقرار المولى به كان باطلا لأن المولى لم يكن وكيلا بالخصومة في حق الشريك .
وكذلك لو كان الوكيل غريما للعبد لأن منفعة المولى في هذا الإقرار أظهر من منفعة المولى لأنه يخرج به موكله من مزاحمته في مالية العبد .
ولو كان أحد الشريكين وكل صاحبه بخصومة العبد في ذلك فادعى عند القاضي أن صاحبه قد استوفى من العبد حصته جاز ذلك عليه وعلى شريكة ويبطل من الدين خمسمائة لأنه لا منفعة له في هذا الإقرار ثم ما أخذ الشريك الوكيل من الخمسمائة الباقية أخذ صاحبه منه نصفه لأن صحة إقراره في براءة الغريم لا في سلامة الباقي له إذ هو متهم في ذلك .
ولو كان الوكيل غريما للعبد ليس بينه وبين الوكيل شركة في المال الذي على العبد لم يجز إقراره فيما فيه المنفعة له وهو دفع مزاحمة الموكل عن نفسه في مالية العبد .
وإذا وجب لرجلين على عبد ألف درهم فادعى أحدهما على صاحبه أنه قبض نصيبه من الدين فأنكر شريكه ووكل بذلك مولى العبد أو العبد أو غريما للعبد بخصومته فأقر الوكيل عند القاضي أن موكله قد قبض ما ادعاه شريكه لم يجز توكيله ولا إقراره لأن العبد إن كان هو الوكيل فهو بهذا الإقرار يبرئ نفسه والمولى يبرئ به عبده والغريم يزيل به مزاحمة الموكل معه في مالية العبد فلا يجوز إقرارهم بذلك .
( ألا ترى ) أنه لو جاز إقرار المولى أو الغريم بذلك كان للمدعي أن يأخذ نصف ما قبض المدعى عليه ويبرئ العبد من ذلك .
ولو كان المدعي هو الموكل فأقر وكيله أن المدعى عليه لم يأخذ من الدين شيئا جاز إقراره على المدعي وكان حقهما على العبد بحاله لأنه لا منفعة للوكيل في هذا الإقرار وهو فيه كأجنبي آخر والله أعلم