( قال - C - ) ( وإذا أقر المأذون بالدين من غصب أو غيره لزمه صدقه المولى أو لم يصدقه ) لأن الغصب يوجب الملك في المضمون عند أداء الضمان فالضمان الواجب به من جنس ضمان التجارة وإقرار المأذون بمثله صحيح ولهذا لو أقر به أحد المتفاوضين كان شريكه مطالبا .
وكذلك لو أقر أنه اشترى جارية فوطئها فوجوب العقر هنا باعتبار الشراء لولاه لكان الواجب الحد .
وكذلك لو غصب جارية بكرا فافتضها رجل في يده ثم هرب كان لمولاه أن يأخذ العبد بعقرها لأن الفائت بالافتضاض جزء من ماليتها وهي مضمونة على العبد بجميع أجزائها فإذا فات جزء منها في ضمانه كان عليه بدل ذلك الجزء وهو مؤاخذ به في الحال إما لأنه ضمان غصب والعبد مؤاخذ بضمان الغصب في الحال مأذونا كان أو محجورا أو لأن هذا من جنس ضمان التجارة .
ولو أقر العبد أنه وطئ جارية هذا الرجل بنكاح بغير إذن مولاه فافتضها لم يصدق لأنه ليس من التجارة ولهذا لو أقر به أحد المتفاوضين لم يلزم شريكه فإن صدقه مولاه بذلك بدئ بدين الغرماء لأن تصديق المولى في حق الغرماء ليس بحجة فوجوده كعدمه فإن بقي شيء أخذه مولى الجارية من عقرها لأن الباقي حق مولى العبد وتصديق مولى العبد في حقه معتبر ولو كان هذا السبب معاينا كان لمولى الجارية أن يأخذ عقرها من كسبه في الحال فكذا إذا ثبت بتصادقهما عليه .
ولو تزوج العبد المأذون وعليه دين امرأة بإذن مولاه كانت المرأة أسوة الغرماء بمهرها وبما يجب لها من النفقة وهذا لأن النكاح بإذن المولى صحيح مع قيام الدين عليه فإن الدين لا يزيل ملكه عن رقبته وإنما تثبت ولاية التزويج باعتبار ملكه ثم في النكاح منفعة الغرماء لأنه يستعف به والمرأة تعينه على الاكتساب لقضاء الدين فظهر وجوب الدين بهذا السبب في حق الغرماء فلهذا كانت المرأة أسوة الغرماء بمهرها ونفقتها .
ولو كان العبد أقر أنه وطئها بنكاح وجحد المولى أن يكون أذن له في ذلك لم يؤخذ بالمهر حتى يعتق لأن انفكاك الحجر عنه في التجارة والنكاح ليس بتجارة فالمأذون فيه والمحجور سواء .
ولو أقر المحجور بذلك وكذبه المولى لم يؤاخذ بشيء حتى يعتق وكذلك لو أقر أنه وطئ أمة بنكاح فافتضها بإذن مولاه أو بغير إذن مولاه ومولاه يجحد ذلك فإقراره بهذا لا يكون حجة على المولى ولا يظهر الدين به في حق المولى لأنه لولا النكاح لكان الواجب عليه الحد سواء كانت الموطوءة حرة أو أمة فلهذا لا يطالب بشيء حتى يعتق .
وكذلك لو أقر أنه افتضها بأصبعه غاصبا كان إقراره باطلا في قياس قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - لأنه بمنزلة الجناية فإنه إقرار بإتلاف جزء من الآدمي فهو كإقراره بقطع يدها أو رجلها وفي قول أبي يوسف - C - إقراره جائز ويضرب مولاها بمهرها مع الغرماء لأنه إقرار بدين الاستهلاك والفائت بهذا الفعل جزء من المالية .
( ألا ترى ) أن هذا السبب لو كان معاينا يباع ولا يدفع به وإقرار المأذون بدين الاستهلاك صحيح في مزاحمة الغرماء وفي حق المولى وقد بينا المسألة في كتاب الإقرار فإن كان أقر أنه غصبها ثم افتضها بأصبعه فإن اختار المقر له التضمين بالغصب كان الإقرار صحيحا لأن ضمان الغصب من جنس ضمان التجارة فالإقرار به صحيح ويجعل في الحكم كان غيره فعل بها ذلك في ضمان العبد .
وإن اختار التضمين بالافتضاض فهو على الخلاف عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - الإقرار باطل .
وعند أبي يوسف - C - هو صحيح كما بينا .
وإذا كان على المأذون دين كثير فأقر بدين لزمه ذلك وتخاصموا فيه لأنه مطلق التصرف ما دام مأذونا وإن لحقه الدين فإقراره يكون حجة بمنزلة البينة في إثبات المزاحمة للمقر له مع سائر الغرماء وهذا لأن الإقرارين متى جمعهما حالة واحدة يجعلان كأنهما كانا معا وكما وجب تصحيح إقرار المأذون في حق المولى لحاجته إلى ذلك في تجارته يجب تصحيحه في حق غرمائه لأن الناس إذا علموا أن إقراره لهم لا يصح بعد لحوق الدين تحرزوا عن معاملته .
ولو أقر بشيء بعينه في يديه أنه لفلان غصبه منه أو أودعه إياه وعليه دين كثير بدئ بالذي أقر بعينه لأن إقراره بالعين صحيح ما دام مأذونا ويكون الثابت بإقراره كالثابت بالمعاينة وبين أن المقر به ليس من كسبه فلا يتعلق به حق غرمائه وإن أتى ذلك على ما في يده .
ولو أقر بعبد في يده أنه ابن فلان أودعه إياه أو قال هو حر لم يملك فالقول قوله لأنه نفى ملكه عن هذا العين ولم يظهر له فيه سبب الملك فإن الظاهر كونه في يده واليد في الآدمي لا تكون دليل الملك .
( ألا ترى ) أن من في يده لو ادعى ذلك وقال لست بملك له بل أنا حر كان القول قوله ولا سبيل للغرماء عليه فكذلك إذا أقر به المأذون .
ولو اشترى المأذون من رجل عبدا ونقده الثمن وعليه دين أو لا دين عليه ثم أقر أن البائع أعتق هذا العبد قبل أن يبيعه إياه أنه حر الأصل وأنكر البائع ذلك فالعبد مملوك على حاله لأن سبب الملك للمأذون فيه قد ظهر وهو شراؤه وانقياد العبد له عند الشراء إقرار منه بأنه مملوك حتى لو ادعى بعد ذلك أنه حر الأصل وأن البائع أعتقه لم يقبل قوله فيه إلا بحجة فإقرار المأذون بذلك بعد ظهور سبب الملك له فيه مع إنكار البائع بمنزلة إعتقاقه إياه والمأذون لا يملك الإعتاق فلا يقبل قوله فيما يوجب العتاق له لأن كل واحد من الكلامين إبطال للملك بعد ظهوره في المحل بظهور سببه بخلاف الأول فالذي ظهر للمأذون هناك اليد في العبد وهو ليس بدليل الملك فيكون كلامه إنكارا لتملكه لا إبطالا للملك الثابت فيه .
وكذلك لو أقر بالتدبير من البائع أو كانت جارية فأقر بولادتها من البائع لأن التدبير والاستيلاد يوجب حق العتق للمملوك والعبد ليس من أهل إيجابه فلا يصح إقراره به لحقيقة العتق فإن صدقه البائع انتقض البيع بينهما ورجع بالثمن عليه لأنهما تصادقا أن البيع كان باطلا بينهما وهما يملكان نقض البيع باتفاقهما بالإقالة فيعمل بعد تصادقهما على بطلانه ويرجع العبد بالثمن عليه والحرية أو حق الحرية يثبت للمملوك بعد تصديق البائع من جهته والبائع أهل لإيجاب ذلك بأن يشتريه من العبد ثم يعتقه بخلاف الأول فهناك البائع منكر والبيع بينهما صحيح باعتبار الظاهر فلو ثبتت الحرية أو حقها للمملوك فإنما تثبت من جهة المأذون وهو ليس بأهل لذلك .
ولو أقر المأذون أن البائع كان باعه من فلان قبل أن يبيعه منه وقبضه فلان منه ونقده الثمن وجاء فلان يدعي ذلك فهو مصدق على ذلك ويدفع العبد إلى المقر له لأن كلامه إقرار بالملك في العبد للمقر له وهو من أهل أن نوجب الملك له فيه بطريق التجارة فيكون قوله مقبولا في الإقرار بالملك له وإنما يثبت الملك للمقر له ههنا من جهة العبد بمنزلة ما لو أقر له بالملك مطلقا بخلاف الأول فكلامه هناك إبطال للملك والعبد ليس من أهله ثم لا يرجع على البائع بالثمن إلا ببينة يقيمها على ما ادعى أو يقر البائع به أو يأبى اليمين لأن إقراره ليس بحجة على البائع والبائع مستحق الثمن باعتبار صحة البيع ظاهرا فلا يبطل استحقاقه إلا بالبينة أو بإقراره أو بما يقوم مقام إقراره وهو النكول .
فإن قيل : كيف تقبل البينة من المأذون أو يحلف البائع على دعواه وهو مناقض في هذه الدعوى لأن إقدامه على الشراء إقرار منه بالملك لبائعه وبصحة البيع فقوله بعد ذلك بخلافه يكون تناقضا .
قلنا : لا كذلك بل هذا إقرار منه أن البائع بسبيل من بيعه لأنه وكيل المشتري أو بائع له بغير أمر المشتري على أن يجيزه المشتري .
فإذا أبى أن يجيزه كان له أن يرجع بالثمن عليه فلهذا قبلنا بينته على ذلك وحلفنا البائع لأنه ادعى عليه ما لو أقر به لزمه فإذا أنكر استحلفه عليه .
ولو باع العبد جارية من رجل وقبضها ذلك الرجل بمحضر من الجارية ولا يدري ما حالها فادعى رجل أنها ابنته وصدقه بذلك المشتري والعبد فالجارية ابنة الرجل وترد إليه ولا ينتقض البيع فيما بينهما لأنها مملوكة للمشتري بما جرى من البيع بينه وبين العبد وقد أقر أنها حرة بنت المدعي وإقراره بذلك صحيح في ملكه لأنه يملك إيجاب الحرية فيها من قبله فيصح الإقرار به أيضا ولا ينتقض البيع فيما بينهما لأن المأذون قد استحق الثمن عليه فلا يقبل قوله في إبطال ملكه عن الثمن من غير أن يعود إليه بمقابلته شيء وهذا لأن الجارية لما انقادت للبيع والتسليم فذلك إقرار منها أنها كانت مملوكة للعبد حتى لو ادعت الحرية بعد ذلك لا يقبل قولها إلا بحجة فإقرار العبد بعد ذلك أنها كانت حرة الأصل يكون إبطالا لملكه الثابت فيها ظاهرا وقوله في ذلك غير مقبول وليس من ضرورة ثبوت النسب والحرية لها بتصديق المشتري رجوعه على العبد بالثمن .
ولو كان اشتراها من رجل وقبضها منه فأقر البائع بذلك أيضا انتقضت البيوع كلها ويرجعوا بالثمن لأن بائعها من العبد أهل لإيجاب الحرية لها في ملكه فيصح إقراره بحريتها ويكون هذا تصادقا منه على بطلان البيع جميعا وهم متمكنون من ذلك بنقض البيعين بالإقالة فيعمل تصادقهم على إبطالها ويرجع بالثمن بعضهم على البعض بخلاف الأول فهناك لو عمل تصديق العبد كانت الحرية لها من جهته وكسب المأذون لا يحتمل ذلك .
ولو كان المأذون اشتراها من رجل بمحضر منها وقبضها وهي ساكتة لا تنكر ثم باعها من رجل وقبض الثمن ثم ادعى أجنبي أنها ابنته وصدقه في ذلك المأذون والجارية والمشتري وأنكر ذلك البائع من العبد فالجارية حرة بنت الذي ادعاها بإقرار المشتري ولا يبطل البيع الذي كان بين العبد وبين المشتري الآخر لما بينا أن المشتري من العبد يملك إيجاب الحرية فيها فيعمل تصديقه للأجنبي في ملكه والعبد لا يملك ذلك في كسبه فلا يعمل تصديقه في ذلك .
وكذلك لو ادعى المشتري الآخر أن الذي باعها من العبد كان أعتقها قبل أن يبيعها أو دبرها أو ولدت وصدقه العبد بذلك فإقرار المشتري من العبد بذلك صحيح لتمكنه من إيجاب الحرية أو حق الحرية لها وتصديق العبد إياه بذلك باطل فإن كان أقر بالحرية فهي حرة موقوفة الولاء لأن المشتري ينفي ولاءها عن نفسه ويزعم أن البائع الأول أعتقها وهو منكر لذلك فتكون موقوفة الولاء .
ولو كان أقر فيها بتدبير أو ولادة فهي موقوفة في ملك المشتري الآخر فإذا مات البائع الأول عتقت لأن المشتري الآخر مقر بأن عتقها تعلق بموت البائع الأول والبائع الأول مقر أن إقرار المشتري الآخر فيها نافذ لأنها مملوكة له ولا يرجع بالثمن على العبد حتى يعتق فيرجع به عليه حينئذ لأنه بالتصديق صار مقرا بوجوب رد الثمن عليه ولكن لم يصح إقراره بهذا مع قيام الرق لحق مولاه وغرمائه فإذا زال ذلك بالعتق كان مأخوذا به كما لو أقر بكفالة أو مهر .
وكذلك لو كان المأذون منكرا لجميع ذلك إلا أنه لا يرجع عليه بالثمن في هذا الفصل بعد العتق أيضا لأن المشتري يدعي وجوب رد الثمن عليه وهو منكر لذلك فما لم يثبت المشتري دعواه بالحجة لا يرجع عليه بخلاف الأول فهناك العبد مصدق له مقر بوجوب رد الثمن عليه بسبب لا يحتمل الفسخ فيجعل كالمجدد للإقرار به بعد العتق فيرجع عليه بالثمن .
ولو كان المشتري الآخر ادعى أن الذي باعها من العبد كان كاتبها قبل أن يبيعها وصدقه المأذون في ذلك أو كذبه وادعت الأمة ذلك لم تكن مكاتبة وهي أمة للمشتري يبيعها إن شاء لأن الكتابة تحتمل الفسخ وقد عجزت هي عن أداء بدل الكتابة بجهالة من يؤدي البدل إليه لأن المشتري الآخر يزعم أنها مكاتبة للبائع الأول وأنه لا ينفعها دفع البدل إليه والبائع الأول ينكر ذلك ويزعم أنها مكاتبة للمشتري الآخر بإقراره فصارت كما لو عجزت عن أداء البدل لعدم ما تؤدي البدل به في يدها وذلك موجب انفساخ الكتابة فإذا انفسخت كانت أمة فالمشتري يبيعها إن شاء .
وإن كان على المأذون دين فأقر بشيء في يده أنه وديعة لمولاه أو لابن مولاه أو لأبيه أو لعبد له تاجر عليه دين أو لا دين عليه أو لمكاتب مولاه أو لأم ولده فإقراره لمولاه ولمكاتبه وعبده وأم ولده باطل لأن حق غرمائه تعلق بكسبه والمولى يخلفه في كسبه خلافة الوارث المورث فكما أن إقرار المريض لوارثه أو لعبده أو لمكاتبه لا يصح لكونه متهما في ذلك فكذلك إقرار العبد لمولاه لأن سبب التهمة بينهما قائم .
وكذلك لعبد مولاه أو لأم ولده فإن كسبهما لمولاه وكذلك إقراره لمكاتب مولاه لأن للمولى في كسب المكاتب حق الملك فأما إقراره لابن مولاه أو لابنه فجائز لأنه ليس للمولى في ملكهما ملك ولا حق ملك .
( ألا ترى ) أن المريض إذا أقر لأبي وارثه أو لابن وارثه جاز إقراره لهذا المعنى وإذا صح الإقرار صار المقر به بعينة ملكا للمقر له فلا يتعلق به حق غرمائه كما لو أقر به لأجنبي .
ولو لم يكن على العبد دين كان إقراره جائزا في ذلك كله لأنه لاتهمة في إقراره فإنه لا حق لأحد في كسبه .
وإن لحقه دين بعد ذلك لا يبطل حكم ذلك الإقرار بمنزلة الصحيح إذا أقر بعين لوارثه ثم مرض ومات فإقراره يكون صحيحا .
وإن كان أقر بدين لأحد منهم ثم لحقه دين بعد ذلك لم يكن للمقر له شيء إن كان هو المولى أو أم ولده أو عبده الذي لا دين عليه لأن المولى لا يستوجب على عبده دينا فإقراره له ما كان ملزما إياه شيئا بخلاف إقراره له بالعين فقد يجوز أن يكون للمولى عين في يد عبده وأم ولده وعبده الذي لا دين عليه كسبهما للمولى فالإقرار لهما كالإقرار للمولى .
فإن كان عليه دين أو كان أقر لمكاتب مولاه أو لابنه ثم لحقه دين اشتركوا في ذلك لأن المقر له ههنا ممن يستوجب الدين على العبد وقد صح إقراره له لانتفاء التهمة حين لم يتعلق حق أحدهما بماله فهو كما لو أقر لأجنبي ثم لحقه دين آخر فيشتركون في كسبه .
وإذا أقر المأذون لابنه وهو حر أو لابنه أو لزوجته وهي حرة أو لمكاتب ابنه أو لعبد ابنه وعليه دين أو لا دين عليه وعلى المأذون دين أو لا دين عليه فإقراره لهؤلاء باطل في قول أبي حنيفة .
وفي قولهما : إقراره لهؤلاء جائز ويشاركون الغرماء في كسبه وهذا لأن كسب المأذون فيه حق غرمائه أو حق مولاه وإقراره عند أبي حنيفة لمن لا تقبل شهادته في حق الغير باطل لو كان حرا فكذلك إذا كان عبدا وفي قولهما إقراره لهؤلاء جائز بمنزلة إقراره لأخيه وأصل المسألة في إقرار أحد المتفاوضين لأبيه أو لابنه بدين أو وديعة لأنه لا يجوز على شريكه في قول أبي حنيفة - C .
وهو جائز في قولهما وقد بيناه في كتاب الإقرار والشركة أو هو بناء على بيع الوكيل ممن لا تقبل شهادته له بمثل القيمة أو بالمحاباة وقد بيناه في كتاب البيوع .
وإذا كان على العبد المأذون دين فأذن لجارية له في التجارة فلحقها دين ثم أقرت له بوديعة في يدها لم تصدق على ذلك لأن المأذون في حقها بمنزلة المولى في حق المأذون وقد بينا أن إقرار المأذون المديون لمولاه بعين في يده غير صحيح فكذلك إقرارها له ولأنها مملوكة للمولى إذا لم يكن على المأذون دين بالاتفاق فإقرارها له بالوديعة إقرار لعبد مولاها وإقرار المأذون لعبد مولاه باطل وإن أقر العبد لها بوديعة في يده صدق على ذلك بمنزلة إقرار المولى لعبده بعين في يده فإنه يكون صحيحا ويستوي إن كان على المأذون دين أو لم يكن فتكون هي أحق به من الغرماء .
فإن قيل : هي مملوكة للمولى المأذون فإقراره لها كإقراره لأمة مولاه فينبغي أن لا يصح إذا كان على المأذون دين .
قلنا : نعم ولكن إن صح لم يكن عليها دين فجميع ما أقر لها به قد يعود إليه ويكون مصروفا إلى غرمائه كسائر إكسابها فلا يكون في هذا الإقرار إبطال حق الغرماء عن شيء مما تعلق حقهم به ولا إبطال حق المولى بخلاف إقراره لأمة مولاه فليست من كسبه لأن فيه إبطال حق الغرماء عما أقر به لها .
وإن كان عليها دين فإقراره لها يكون إقرارا لغرمائها وإقرار المأذون لغرمائها صحيح لأنهم منه بمنزلة الأجانب فلهذا جاز إقراره لها بخلاف إقرارها لأنه إذا صح إقرارها له يخرج المقر به من أن يكون كسبا لها ويبطل حق غرمائها عنه فلهذا إلا يحكم بصحته .
وكذلك إن أقر لها بدين إلا أن في الإقرار بالدين هي تشارك غرماء المأذون في كسبه وفي الإقرار بالعين هي أولى بالعين من غرماء المأذون .
فإن كان بعض غرمائها مكاتبا للمولى أو عبدا مأذونا له في التجارة وعليه دين فإن كان العبد المقر لا دين عليه فإقراره لها بالدين والوديعة صحيح بمنزلة إقراره بذلك لغرمائها وإن كان عليه دين فإقراره لها باطل لأنه لو جاز ذلك شارك المكاتب والعبد بدينهما سائر غرمائه فيه وإقراره لمكاتب مولاه أو لعبد مولاه باطل إذا كان عليه دين فكذلك إقراره بما يوجب الشركة لهما يكون باطلا .
( ألا ترى ) أن رجلا لو مات وعليه دين لقوم شتى ثم حضر رجل آخر الموت فأقر للميت بوديعة ألف درهم في يده أو بدين ثم مات وبعض غرماء الميت الأول أحد ورثة الآخر كان إقراره باطلا لأنه لو صح إقراره ثبتت لوارثه الشركة في المقر به .
ولو كان بعض غرماء الجارية أبا للمولى أو ابنه فأقر لهما العبد بوديعة أو دين وعلى العبد دين فإقراره جائز لأن إقرار المأذون لأب مولاه أو ابنه بالدين والعين صحيح فكذلك إقراره بما تثبت فيه الشركة لهما .
ولو كان بعض غرمائها أب العبد أو ابنه وعلى العبد دين أو لا دين عليه فإقراره في قياس قول أبي حنيفة باطل .
وهو جائز في قولهما وهذا بناء على الأول في أنه لو أقر لأبيه أو لابنه بدين أو عين لم يجز عند أبي حنيفة فكذلك إقراره بما يوجب الشركة لهما في المقر به .
وكذلك لو كان بعض غرمائها مكاتبا لأبي العبد المأذون أو لابنه ولو كان بعض غرمائها أخا للعبد كان إقراره لها جائزا لأنه لا تهمة في إقراره لاخته فكذلك لا تهمة في إقراره لها وإن كان يثبت فيه الشركة لأخته .
وإذا أقر المأذون وعليه دين أو لا دين عليه بدين كان عليه وهو محجور عليه من قرض أو غصب أو وديعة استهلكها فصدقه رب المال بذلك أو كذبه وقال ذلك بعد ما أذن لك مولاك في التجارة فالقول قول المقر له والمال لازم للعبد إذا لم يصدقه المقر له أنه كان في حالة الحجر لأنه من أهل التزام المال بالإقرار في الحال وقد أضاف الإقرار الى حالة لا تنافي وجوب المال عليه فإن المال بهذه الأسباب يجب على المحجور عليه .
وإن تأخر إلى عتقه فلم يكن هو في هذه الإضافة منكرا وجوب المال عليه بل هو مدع أجلا فيه إلى وقت عتقه فإن صدقه المقر له بذلك لم يؤخذ بشيء منه حتى يعتق إلا بالغصب خاصة فضمان الغصب يلزمه في الحال .
وإن كذبه المقر له أخذ بالمال في الحال لأن ما ادعى من الأجل لم يثبت عنه تكذيب المقر له فكأنه ادعى الأجل إلى شهر في دين أقر به مطلقا وقيل في القرض والوديعة التي استهلكها هذا الجواب على قول أبي حنيفة ومحمد فأما عند أبي يوسف فيؤاخذ به في الحال وإن صدقه كما في الغصب وقد بينا المسألة في الوديعة وكذلك الصبي والمعتوه الذي يعقل البيع والشراء وقد أذن له في التجارة فيقر بنحو ذلك لأن الإذن لهما في التجارة صحيح وإقرارهما بعد الإذن نافذ كإقرار العبد وكما ينفذ إقرارهما بعد البلوغ عن عقل إلا أنهما لا يؤاخذان بالقرض والوديعة المستهلكة إذا صدقهما المقر له في ذلك بعد الكبر والإفاقة لأن الثابت بإقرارهما كالثابت بالمعاينة .
وقد طعن عيسى - C - في مسألة الصبي فقال : هذا في قياس قول أبي حنيفة وأبي يوسف صحيح وهو خطأ في قول محمد على قياس مسألة الإقرار إذا أسلم حربي ثم قال لرجل غصبتك ألف درهم في دار الحرب وأنا حربي فاستهلكتها وقال الرجل غصبتها في دار الإسلام فالقول قول الحربي في قول محمد .
وكذلك إذا قال المولى لمعتقه أخذت منك ألف درهم في حال ما كنت عبدي فاستهلكتها وقال العبد بل أخذتها بعد العتق فالقول قول المولى عند محمد لأنه ينكر وجوب الضمان عليه أصلا بإضافته الإقرار إلى الحالة التي أضاف إليها فكذلك الصبي والمعتوه فإنهما ينكران وجوب المال عليهما أصلا بالإضافة إلى حالة الحجر فينبغي أن لا يجب المال عليهما عند محمد وإن كذبهما المقر له في الإضافة .
ولكنا نقول : الأصح أن محمدا - C - يفرق بين هذه الفصول فإن في مسألة الحربي لا يجب عليه رد ما أخذه حال كونه حربيا وإن كان غاصبا ذلك وكذلك في مسألة المولى لا يلزمه رد ما أخذه من العبد في حال قيام رقه وإن كان غاصبا ذلك فإنما أقر بمال لو علم صدقه لم يجب عليه دره قبل تبدل الحال فلا يكون إقراره ملزما شيئا والصبي أقر بما كان يجب رده لو كان معلوما حال قيام عينه لأن ما استقرضه الصبي أو أخذه وديعة يجب رده ما دام قائما بعينه فلا يخرج إقراره بهذه الإضافة من أن يكون ملتزما في الأصل فلهذا يلزمه الضمان إذا كذبه المقر له في الإضافة كما في فصل العبد .
فإن أقاما البينة أنهما فعلا ذلك قبل أن يؤذن لهما في التجارة وأقام المقر له البينة أنهما فعلا ذلك بعد ما أذن لهما في التجارة فالبينة بينة المقر له لأن في بينته إلزام المال والبينات لذلك شرعت ولأنه أثبت بقاء العين في يدهما بعد ما أذن لهما في التجارة وذلك يدفع بينتهما على استهلاك العين قبل أن يؤذن لهما في التجارة فلهذا كان القول قوله والبينة بينته .
وإذا أذن لعبده في التجارة ثم حجر عليه ثم أذن له بعد ذلك ثم أقر أنه كان استقرض من هذا الرجل ألف درهم في حال إذنه الأول وقبضها منه أو أنه استودعه في حال إذنه الأول ألف درهم فاستهلكها أو ما أشبه ذلك فصدقه رب المال أو كذبه فالمال لازم للعبد في الوجوه كلها ويحاص به غرماءه المعروفين لأنه أقر وهو من أهل التزام المال بالإقرار في الحال وأضاف الإقرار إلى حالة لا تنافي وجوب الضمان عليه بذلك السبب في الحال فهو بمنزلة إقراره بالدين مطلقا في المحاصة مع الغرماء فكذلك الصبي والمعتوه في نحو هذا بخلاف الأول فهناك أضاف الإقرار إلى حالة تنافي وجوب المال بذلك السبب على الصبي والمعتوه أصلا وعلى العبد ما لم يعتق فلهذا فرقنا بين تصديق المقر له في ذلك وتكذيبه هناك وسوينا بينهما ههنا .
ولو أذن لعبده في التجارة ثم حجر عليه فأقر بعد الحجر بغصب اغتصبه في حال إذنه أو بقرض أو بوديعة أو مضاربة استهلكها في حال إذنه فكذبه المولى ولا مال في يد العبد لم يصدق حتى يعتق لأنه حين أقر فهو محجور عن الإقرار وإقراره ليس بحجة في حق المولى فلا يثبت به الدين في حق المولى إذا كذبه ولكن إقراره حجة في حق نفسه .
فإذا سقط حق المولى عنه بالعتق كان مؤاخذا به فإن لم يعتق حتى أذن له المولى مرة أخرى سأله القاضي عما كان أقر به فإن أقر به بعد الإذن الأخير أخذ به لأن إقراره الأول في حالة الحجر كالمعدوم في حق المولى فكأنه ما أقر به حتى الآن وهو منفك الحجر عنه حين أقر به الآن .
وإن أنكر ذلك أو قال لم يكن إقراري ذلك بحق وإن كنت أقررت به في تلك الحالة لم يؤخذ به لأنه لم يوجد بعد انفكاك الحجر منه إقرار ملزم في حق المولى وإقراره في حالة الحجر مما كان ملزما في حق المولى فأكثر ما فيه أنه ظهر ذلك بقوله الآن .
ولو كان ظاهرا عند القاضي بأن كان في مجلسه في حالة الحجر لم يؤاخذ به في الإذن الآخر ما لم يعتق فكذلك إذا ظهر بقوله الآن والصبي والمعتوه في ذلك كالعبد .
ولو لم يكن أقر في حال حجره ولكن أقر في حال إذنه الآخر أنه كان قد أقر وهو محجور عليه أنه غصب من هذا الرجل ألف درهم في حال إذنه الأول أو أنه أخذ منه ألف درهم وديعة أو مضاربة فاستهلكها وصدقه رب المال بذلك لم يلزمه حتى يعتق لأن بتصادقهما ظهر إقراره في حالة الحجر .
ولو كان إقراره في حالة الحجر معلوما للقاضي لم يقض عليه بشيء حتى يعتق فكذلك إذا ظهر ذلك بتصادقهما .
ولو قال المقر له قد أقررت لي بذلك في حال إذنك الأول أو قال في حال إذنك الآخر فالقول قول المقر له لما بينا أن العبد أضاف الإقرار إلى حال لا ينافي التزام المال بالإقرار .
وإن كان يتأخر إلى العتق فكان مدعيا للأجل لا منكرا للمال فإذا كذبه المقر له فيما ادعى من الأجل أخذ بالمال في الحال .
وإن أقاما البينة على ذلك فالبينة بينة المقر له أيضا لأن في بينته إثبات الملك في الحال ولأنه لا منافاة بين البينتين فيجعل كأن الآمرين كانا وكأنه أقر بذلك قبل الحجر وأقر به بعد الحجر أو أقر به بعد الحجر وأقر به في الإذن الآخر أيضا ولو كان ذلك من الصبي والمعتوه لم يلزمهما ذلك بإقرارهما كما لزم العبد بإقراره من غير بينة لأنهما أضافا الإقرار إلى حالة معهودة تنافي صحة إقرارهما أصلا فكانا منكرين للمال بخلاف العبد فهو إضافة الإقرار إلى حالة الحجر وذلك لا ينافي صحة الإقرار في حقه فإن قامت البينة للمقر له على إقرارهما به في حالة الإذن الأول أو في حالة الإذن الآخر أخذا بذلك لأن الثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة .
وإذا أذن لعبده في التجارة ثم حجر عليه ثم أذن له وفي يده ألف درهم يعلم أنها كانت في حال الإذن الأول في يده فأقر أنها وديعة لفلان فهو مصدق في قول أبي حنيفة .
وكذلك لو أقر بألف في يده أنه غصبها من فلان في حالة الإذن الأول فهو مصدق في قول أبي حنيفة وقالا لا يصدق العبد على الألف وهي للمولى ويتبع المقر له العبد بما أقر له به في رقبته فيبيعه فيه .
وكذلك لو أقر بها بعد ما لحقه الدين في الإذن الثاني فالألف للمقر له في قول أبي حنيفة - C .
وعندهما هي للمولى .
وأصل هذه المسألة فيما إذا حجر المولى على عبده المأذون وفي يده مال فلم يأخذ المال من يده حتى أقر العبد بذلك المال بعينه لإنسان أو أقر بدين له على نفسه فإقراره جائز عند أبي حنيفة .
وعندهما إقراره باطل وما في يده للمولى لأن صحة إقراره في حق المولى باعتبار الإذن وقد ارتفع بالحجر فهو كما لو كان محجورا عليه في الأصل فأقر بعين في يده لإنسان أو بدين وهناك إقراره في حق المولى باطل .
يوضحه : أن إقراره معتبر كسائر تصرفاته ولو أنشأ تصرفا آخر فيما في يده بعد الحجر لم ينفذ ذلك منه فكذلك إذا أقر به .
يوضحه : أن الحجر عليه لما كان منعا له من التجارة فيما في يده كان قائما مقام أخذ المال منه .
ولو أخذ المال منه لم يصح إقراره فيه بعد ذلك فكذلك إذا حجر عليه لأن صحة إقراره لحاجته إليه في التجارة .
ولأبي حنيفة حر فان : .
أحدهما : أن إقراره في هذا المال كان صحيحا في حال إذنه وإنما كان يصح باعتبار يده على المال لا باعتبار كونه مأذونا .
( ألا ترى ) أنه لو أخذ المال منه ولم يحجر عليه لم يصح إقراره فيه بعد ذلك لانعدام يده فعرفنا أن صحة إقراره فيه بعد ذلك باعتبار يده ويده باقية بعد الحجر عليه ما لم يأخذ المال منه فيصح إقراره فيه كما قبل الحجر بخلاف ما بعد أخذ المال منه .
والثاني : أن بقاء يده على المال أثر ذلك الإذن وبقاء أثر الشيء كبقاء أصله فيما يرجع إلى دفع الضرر كما أن بقاء العدة يجعل كبقاء أصل النكاح في المنع لدفع الضرر وصحة إقرار المأذون بالدين والعين لدفع الضرر عن الذين يعاملون معه والحاجة إلى دفع الضرر باقية بعد الحجر لأنه لو لم يجز إقراره حجر المولى عليه أيضا إذا صار الكسب في يده قبل أن يقر بما عليه ثم لا يصح إقراره فيتضرر به الغرماء فلدفع الضرر جعلنا بقاء أثر الإذن كبقاء أصله بخلاف ما بعد أخذ المال منه لأنه لم يبق هناك شيء من آثار ذلك الإذن وهذا على أصل أبي حنيفة مستمر فإنه جعل السكر في العصير بعد الشدة بمنزلة بقاء صفة الحلاوة في إباحة شربه .
والدليل عليه : أن العبد بعد الحجر عليه هو الخصم في حقوق تجاراته حتى لو كان وجد المشتري منه بالمشتري عيبا كان له أن يخاصمه فيه كما قبل الحجر وصحة إقراره من حقوق تجاراته إلا أنه لا يبقى ذلك بعد أخذ المال منه لأنه لو بقي كان كلامه استحقاقا للملك على المولى ابتداء وذلك لا يجوز بعد الحجر فأما ما بقي الكسب في يده فيكون إقراره في المعنى إنكارا لاستحقاق المولى إلا أن يكون استحقاقا عليه ابتداء وبخلاف إنشاء التجارة فإن ذلك إثبات سبب الاستحقاق ابتداء على المولى وهو غير محتاج إلى ذلك وإقامة أثر الإذن مقام الإذن باعتبار الحاجة فلا يعدو موضعها إذا عرفنا هذا فنقول : لا أثر للإذن الثاني فيما في يده من المال مما علم أنه كان في الإذن الأول فيجعل وجوده كعدمه ولو لم يوجد كان الإقرار صحيحا عند أبي حنيفة في استحقاق المقر له العين وعندهما يكون إقراره باطلا فكذلك بعد الإذن الثاني إلا أن عندهما إقراره في الإذن الثاني إقرارا بوديعة مستهلكة فيكون إقرارا بالدين وهو لو أقر بدين اتبعه المقر له في رقبته فباعه فيه فكذلك هنا .
وإذا أذن لعبده في التجارة فأقر أنه كان أقر لهذا الرجل وهو محجور عليه بألف درهم وقال المقر له قد أقررت لي بعد الإذن فالقول قول المقر له لأنه أضاف الإقرار إلى حالة لا تنافي صحة إقراره فإن إقرار العبد المحجور بالمال ملزم إياه بعد العتق .
ولو كان العبد صغيرا أو كان صغيرا حرا أو معتوها فأقروا بعد الإذن أنهم قد أقروا له بذلك قبل الإذن كان القول قولهم لأنهم أضافوا الإقرار إلى حالة معهودة تنافي صحة إقرارهم أصلا فلم يكن كلامهم في الحال إقرارا بشيء إنما هو بمنزلة قول أحدهم أقررت لك بألف قبل أن أولد أو قبل أن أخلق فلا يلزمه شيء وإن كذبه المقر له في الإضافة لأنه منكر للمال في الحقيقة والله أعلم بالصواب