( قال - C - ) : ( وإذا ادعت امرأة على زوجها قذفا وجحده الرجل فأقامت عليه البينة بذلك وزكوا في السر والعلانية وأمر القاضي الزوج أن يلاعنها فأبى أن يفعل وقال لم أقذفها وقد شهدوا علي بالزور فإن القاضي يجبره على اللعان ويحبسه حتى يلاعن ) لأنه ممتنع من إيفاء ما هو مستحق عليه فيحبسه لأجله ولا يضربه الحد وقد بينا هذا في الطلاق .
فإن حبسه حتى يلاعن أو هدده بالحبس حتى يلاعن وقال : أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا قاله أربع مرات ثم قال ولعنة الله علي إن كنت من الكاذبين فيما رميتها به من الزنا والتعنت المرأة أيضا وفرق القاضي بينهما ثم ظهر أن الشهود عبيد أو محدودون في قذف أو بطلت شهادتهم بوجه من الوجوه فإن القاضي يبطل اللعان الذي كان بينهما ويبطل الفرقة ويردها إليه لأنه تبين أنه قضى بغير حجة والقضاء بغير حجة باطل مردود .
ولا يقال فقد أقر بالقذف بالزنا في شهادات اللعان لأن ذلك كان بإكراه من القاضي إياه على ذلك والإكراه بالحبس يمنع صحة الإقرار .
( ألا ترى ) أنه لو هدده بالحبس على أن يقر بأنه قذف هذا الرجل فأقر بذلك لم يلزمه بهذا الإقرار شيء فكذلك هنا .
فإن قيل : ذاك إكراه بالباطل وهذا إكراه بحق .
قلنا : هذا إكراه بحق ظاهرا .
فأما إذا تبين أن الشهود عبيد فقد ظهر أن الإكراه كان بالباطل حقيقة ولو كان القاضي لم يحبسه حتى يلاعن ولم يهدده بحبس ولكنه قال : قد شهدوا عليك بالقذف وقضيت عليك باللعان فالتعن ولم يزده على هذا فالتعن الرجل كما لو وصفت لك والتعنت المرأة وفرق القاضي بينهما ثم ظهر أن الشهود كانوا عبيدا فأبطل شهادتهم فإنه يمضي اللعان بين الزوج والمرأة وتمضي الفرقة ويجعلها بائنا من زوجها لأن القاضي لما لم يهدده بحبس ولا غيره حتى قال أشهدكم بالله إني لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا كان هذا إقرارا منه بأنه قذفها بغير إكراه فيلزمه ما أقر به من ذلك ويصير كأنه أقر بقذفه إياها بعد ما جحد ثم التعن ثلاث مرات وفرق القاضي بينهما فيكون ذلك تفريقا صحيحا باعتباره حجة شرعية .
( ألا ترى ) أنه لو قال له القاضي قد شهدوا عليك أنك قذفت هذا الرجل بالزنا وقد قضيت عليك بالحد فقال المقضي عليه أجل قد قذفته بالزنا ثم علم أن شهادة الشهود باطلة ضرب الحد لإقراره على نفسه بالقذف .
ولو قال : قد شهد عليك الشهود بالقذف فلتقرن بذلك أو لأحبسنك ثم علم أن شهادة الشهود باطلة لم يكن عليه حد بإقراره أنه قذفه لأنه كان مكرها على ذلك فكذلك ما وصفنا من حكم التفريق بسبب اللعان ولو لم يظهر أن الشهود عبيد ولكنهما يعلمان أنهم شهدوا عليهما بزور فالتعنا وفرق القاضي بينهما كان قضاؤه نافذا ظاهرا وباطنا في قول أبي حنيفة وأبي يوسف الأول - رحمهما الله .
وفي قول أبي يوسف الآخر وهو قول محمد - رحمهما الله - لا ينفذ قضاؤه باطنا وقد بينا هذا في كتاب الرجوع عن الشهادات والله أعلم بالصواب