( قال - C - ) : ( وإذا أكره الرجل على الكفر بالله تعالى فقال قد كفرت بالله وقلبه مطمئن بالإيمان لم تبن منه امرأته استحسانا ) وقد بينا ثم المسألة على ثلاثة أوجه : .
أحدها : أن يقول قد خطر على بالي أن أقول لهم قد كفرت بالله أريد به الخبر عما مضى فقلت ذلك أريد به الخبر والكذب ولم أكن فعلت ذلك فيما مضى وهذا مخرج له صحيح فيما بينه وبين ربه ولا يسعه إلا ذلك إذا خطر بباله لأن الإنشاء جناية صورة من حيث تبديل الصدق باللسان وإن لم يكن جناية معنى لطمأنينة القلب بالإيمان والإخبار لا يكون جناية صورة ولا معنى فعليه أن ينوي ذلك إذا خطر بباله ولكن لا يظهره للناس .
فإن أظهر هذا المراد للناس بانت منه امرأته في الحكم وإن لم تبن فيما بينه وبين الله تعالى لأنه أقر أنه أتى بغير ما أكره عليه فقد أكره على الإنشاء وإنما أتى بالإقرار فكان طائعا في هذا الإقرار ومن أقر بالكفر طائعا بانت منه امرأته في الحكم وفيما بينه وبين ربه لا تبين منه .
والثاني : أن يقول خطر على بالي ذلك ثم قلت قد كفرت بالله أريد به ما طلب مني المكره ولم أرد به الخبر عن الماضي فهذا كافر تبين منه امرأته في القضاء وفيما بينه وبين الله تعالى لأنه بعدما خطر هذا بباله قد يمكن من الخروج عما ابتلى به بأن ينوي غير ذلك والضرورة تنعدم بهذا التمكن فإذا لم يفعل وأنشأ الكفر كان بمنزلة من أجرى كلمة الشرك طائعا على قصد الاستحقاق . أو لا على قصده ولكن مع علمه أنه كفر وفي هذا تبين منه امرأته في القضاء وفيما بينه وبين الله تعالى فينبغي أن يتوب عن ذلك .
والثالث : أن يقول لم يخطر ببالي شيء ولكني كفرت بالله كفرا مستقبلا وقلبي مطمئن بالإيمان فلا تبين منه امرأته استحسانا لأنه لما لم يخطر بباله سوى ما أكره عليه . كانت الضرورة متحققة ومتى تحققت الضرورة يرخص له إجراء كلمة الشرك مع طمأنينة القلب بالإيمان .
وكذلك لو أكره على أن يصلي لهذا الصليب ومعناه يسجد لهذا الصليب فإن لم يخطر بباله شيء لم تبن امرأته منه وإن خطر بباله أن يصلي لله وهو مستقبل القبلة أو غير مستقبل القبلة ينبغي أن يقصد ذلك لأن الصلاة غير مستقبل القبلة تجوز عند الضرورة والأعمال بالنيات .
فإن ترك هذا بعد ما خطر بباله فصلى يريد الصلاة للصليب كما أكره عليه كفر بالله تعالى وبانت منه امرأته لأنه بعدما خطر بباله قد وجد المخرج عما ابتلى به فإذا لم يفعل كان كافرا .
وهذه المسألة تدل على أن السجود لغير الله تعالى على وجه التعظيم كفر .
وكذلك لو أكره على شتم محمد - E - فإن أجابهم إلى ذلك ولم يخطر بباله شيء لم تبن منه امرأته وإن خطر على باله رجل من النصارى . يقال له محمد فإن شتم محمدا ويريد به ذلك الرجل فلا تبين منه امرأته وقد أظرف في هذه العبارة حيث لم يقل خطر بباله رجل من المسلمين يقال له محمد غير رسول الله - A - وإنما قال رجل من النصارى لأن الشتم في حق النصارى أهون منه في حق المسلمين .
فإن ترك ما خطر بباله وشتم محمدا - A - وقلبه كاره لذلك كان كافرا وتبين منه امرأته لأنه بعد ما خطر بباله قد وجد مخرجا عما ابتلى به فإذا لم يفعل كان كافرا فإن شتم النبي - A - في غير موضع الضرورة كفر وكراهته بقلبه لا تنفع شيئا .
ولو أكره بوعيد تلف على أن يعتق عبده فخطر على باله أن يقول هو حر يريد الخبر والكذب وسعه أن يمسكه فيما بينه وبين الله تعالى لما بينا أن المخبر به إذا كان باطلا فبالإخبار لا يصير حقا ولكن إن ظهر ذلك للقاضي أعتقه عليه لإقراره به أي بغير ما أكره عليه فإنه أكره على إنشاء العتق والإقرار غير الإنشاء ومن أقر بحرية مملوكه طائعا يعتق عليه في القضاء ولا يضمن المكره له شيئا لأنه حين أقر أنه أنى بغير ما أكره عليه فقد صار مغريا المكره على الضمان .
( ألا ترى ) أنه لو بين لهم ذلك وقال : كيف تكرهونني على العتق وهو حر الأصل أو قد أعتقته أمس أعتقه القاضي ولم يضمن له المكره شيئا ولو قال خطر ذلك على بالي فقلت : هو حر أريد به عتقا مستقبلا كان حرا في القضاء ويدين فيما بينه وبين الله تعالى وضمن الذي أكرهه قيمته لأن الذي خطر على باله لو فعله عتق به في القضاء أيضا فإتلاف المالية بفعل المكره في القضاء متحقق وسواء قصد ما خطر بباله أو لم يقصد كان الإتلاف في القضاء مضافا إلى المكره فعليه قيمته ثم قد أنشأ عتقا مستقبلا وذلك يجعل المملوك حرا في القضاء وفيما بينه وبين الله تعالى سواء كان مكرها لم يكن مكرها .
( ألا ترى ) أنه لو لم يخطر بباله شيء ولكن أتى بما أكره عليه كان حرا في القضاء وفيما بينه وبين الله تعالى ويضمن المكره قيمته فكذلك ما سبق .
فإن قال المكره قد خطر على باله الخبر بالكذب فقال هو حر يريد به الخبر الكذب فأنا أريد يمينه على ذلك كان له أن يستحلف عليه لأنه ادعى ما لو أقر به كان مكرها إياه ولا يكون له أن يضمن المكره بعده فإذا أنكره كان له أن يستحلف لرجاء نكوله .
وكذلك لو أكره على طلاق امرأته ولم يدخل بها فقال : هي طالق ثم قال بعد ذلك أردت الخبر بالكذب أو أنها طالق عن وثاق أو قيد وسعه ذلك فيما بينه وبين الله تعالى فأما في القضاء فهي بائن منه ولا ضمان على المكره لإقراره أنه أتى بغير ما أكره عليه وأنه كان طائعا فيما قاله بناء على قصده .
وإن كان قال قد كان خطر ببالي أن أقول هي طالق أريد الخبر أو أنها طالق من وثاق أو قيد فلم أقل ذلك وقلت هي طالق أريد طلاقا مستقبلا كانت طالقا في القضاء وفيما بينه وبين الله تعالى ولها على الزوج نصف المهر ويرجع على الذي أكرهه لأن الإتلاف مضاف إلى المكره في القضاء سواء قصد ما خطر بباله أو لم يقصد فهو وما لم يخطر بباله شيء في الحكم سواء .
وإن قال المكره إنما قال ذلك يريد الخبر بالكذب أو طلاقا من قيد فطلب يمينه على ذلك استحلف له عليه لرجاء نكوله فإنه لو أقر بذلك يسقط حقه في تضمين المكره