( قال - C - ) : ( وإذا بعث الخليفة عاملا على كورة فقال لرجل : لتقتلن هذا الرجل عمدا بالسيف أو لأقتلنك فقتله المأمور فالقود على الآمر المكره في قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - ولا قود على المكره ) وقال زفر - C - : القود على المكره دون المكره .
وقال الشافعي - C - : يجب القود على المكره قولا واحدا وله في إيجاب القود على المكره قولان .
وقال أهل المدينة - رحمهم الله عليهما - القود وزادوا على هذا فأوجبوا القود على الممسك حتى إذا أمسك رجلا فقتله عدوه قالوا : يجب القود على الممسك .
وقال أبو يوسف : أستحسن أن لا يجب القود على واحد منهما ولكن تجب الدية على المكره في ماله في ثلاث سنين .
أما زفر - C - فاستدل بقوله تعالى : { ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا } ( الإسراء : 33 ) والمراد سلطان استيفاء القود من القاتل والقاتل هو المكره حقيقة .
والمعنى فيه : أن من قتل من يكافئه لإحياء نفسه يعتمد بحق مضمون فيلزمه القود كما لو أصابته مخمصة فقتل إنسانا وأكل من لحمه .
والدليل على أن القاتل هو المكره أن القتل فعل محسوس وهو يتحقق من المكره والطائع بصفة واحدة فيعرف به أنه قاتل حقيقة ومن حيث الحكم أنه يأثم إثم القتل وإثم القتل على من باشر القتل .
والدليل عليه أن المقصود بالقتل إذا قدر على قتل المكره كان له أن يقتله كما لو كان طائعا وبه نعلل فنقول كل حكم يتعلق بالقتل فإنه لا يسقط عن المكره بالإكراه . كالإثم والتفسيق ورد الشهادة وإباحة قتله للمقصود بالقتل بل أولى لأن تأثير الضرورة في إسقاط الإثم دون الحكم حتى أن من أصابته مخمصة يباح له تناول مال الغير ويكون ضامنا ثم هنا لا يسقط إثم الفعل عن المكره فلأن لا يسقط عنه حكم القتل أولى ولما جعل هذا نظير الإكراه بالحبس في إثم الفعل فكذلك في حكمه .
ولا يقال إنما يأثم إثم سوء الاختيار أو إثم جعل المخلوق في معصية الخالق لأنه مكره على هذا كله كما هو مكره على القتل .
والشافعي يستدل بهذا أيضا إلا أنه يوجب القود على المكره أيضا للسبب القوي لأن القصد إلى القتل بهذا الطريق ظاهر من المتخيرين والقصاص مشروع بطريق الزجر فيقام السبب القوي مقام المباشرة في حق المكره لتغليظ أمر الدم وتحقيق معنى الزجر كما قال في شهود القصاص يلزمهم القود .
قال : ( وعلى أصلكم حد قطاع الطريق يجب على الرديء بالسبب القوي ) .
والدليل عليه أن الجماعة يقتلون بالواحد قصاصا لتحقيق معنى الزجر ومن أوجب القود على الممسك يستدل بها أيضا .
فنقول : الممسك قاصد إلى قتله مسبب له فإذا كان التسبيب يقام مقام المباشرة في أخذ بدل الدم وهو الدية يعني حافر البئر في الطريق فكذلك في حكم القصاص إلا أن المتسبب إذا قصد شخصا بعينه يكون عامدا فيلزمه القود وإذا لم يقصد بتسببه شخصا بعينه فهو بمنزلة المخطئ فتلزمه الدية .
وللشافعي - C - طريق آخر : أن المكره مع المكره بمنزلة الشريكين في القتل لأن القصد وجد من المكره وما هو المقصود به وهو الانتقام يحصل له والمباشرة وجدت من المكره فكانا بمنزلة الشريكين ثم وجب القود على أحدهما وهو المكره فكذلك على الآخر .
والدليل على أنهما كشريكين أنهما مشتركان في إثم الفعل وأن المقصود بالقتل أن يقتلهما جميعا .
وحجة أبي حنيفة ومحمد : أن المكره ملجأ إلى هذا الفعل والإلجاء بأبلغ الجهات يجعل الملجأ آلة للملجئ فلا يصلح أن يكون آلة له كما في إتلاف المال فإن الضمان يجب على المكره ويصير المكره آلة له حتى لا يكون عليه شيء من حكم الإتلاف ومعلوم أن المباشر والمتسبب إذا اجتمعا في الإتلاف فالضمان على المباشر دون المتسبب ولما وجب ضمان المال على المكره علم أن الإتلاف منسوب إلى المكره ولا طريق للنسبة إليه سوى جعل المكره آلة للمكره فكذلك في القتل لأن المكره يصلح أن يكون آلة للمكره فيه بأن يأخذ بيده مع السكين فيقتل به غيره وتفسير الإلجاء أنه صار محمولا على ذلك الفعل بالتهديد بالقتل فالإنسان مجبول على حب الحياة ولا يتوصل إلى ذلك إلا بالإقدام على القتل فيفسد اختياره بهذا الطريق ثم يصير محمولا على هذا الفعل وإذا فسد اختياره التحق بالآلة التي لا اختيار لها فيكون الفعل منسوبا إلى من فسد اختياره وحمله على هذا الفعل لا على الآلة فلا يكون على المكره شيء من حكم القتل من قصاص ولا دية ولا كفارة .
( ألا ترى ) أن شيئا من المقصود لا يحصل للمكره فلعل المقتول من أخص أصدقائه فعرفنا أنه بمنزلة الآلة فأما الآثم فبقاء الإثم عليه لا يدل على بقاء الحكم كما إذا قال لغيره اقطع يدي فقطعها كان آثما ولا شيء عليه من حكم القطع بل في الحكم يجعل كأن الآمر فعله بنفسه وقد بينا أنه مع فساد الاختيار يبقى مخاطبا فلبقائه مخاطبا كان عليه إثم القتل ولفساد اختياره لم يكن عليه شيء من حكم القتل .
ثم حقيقة المعنى في العذر عن فعل الإثم من وجهين : .
أحدهما : أن تأثير الإلجاء في تبديل النسبة لا في تبديل محل الجناية ولو جعلنا المكره هو الفاعل في حكم الضمان لم يتبدل به محل الجناية ولو أخر جناية المكره من أن يكون فاعلا في حق الآثم تبدل به محل الجناية لأن الإثم من حيث إنه جناية على حد الدين وإذا جعلنا المكره في هذا آلة كانت الجناية على حددين المكره دون المكره .
وإذا قلنا المكره آثم ويكون الفعل منسوبا إليه في حق الآثم كانت جناية على دينه بارتكاب ما هو حرام محض وبسبب الإكراه لا يتبدل محل الجناية فأما في حق الضمان فمحل الجناية نفس المقتول سواء كان الفعل منسوبا إلى المكره أو إلى المكره وبهذا تبين أن في حق الإثم لا يصلح أن يكون آلة لأن الإنسان في الجناية على حد دين نفسه لا يصلح أن يكون آلة لغيره .
والثاني : أنا لو جعلنا المكره آلة في حق الإثم كان ذلك إهدارا وليس تأثير الإلجاء في الإهدار .
( ألا ترى ) أن في المال لا يجعل فعل المكره كفعل بهيمة ليس لها اختيار صحيح والمكره آثم بإكراهه فإذا لم يجعل المكره آثما كان هذا إهدارا للآثم في حقه أصلا ولا تأثير للإلجاء في ذلك بخلاف حكم الفعل فإنه إذا جعل المكره آلة فيه كان المكره مؤاخذا به إلا أن يكون هدرا .
ولا يقال الحربي إذا أكره مسلما على قتل مسلم فإن الفعل يصير منسوبا إلى المكره عندكم وفي هذا إهدار لأنه ليس على المكره شيء من الضمان وهذا لأنه ليس بإهدار بل هو بمنزلة ما لو باشر الحربي قتله فيكون المقتول شهيدا ولا يكون قتل الحربي إياه هدرا وإن كان لا يؤاخذ بشيء من الضمان إذا أسلم وبه فارق المضطر لأنه غير ملجأ إلى ذلك الفعل من جهة غيره ليصير هو آلة للملجئ .
( ألا ترى ) أن في المال الضمان واجب عليه فعرفنا به أن حكم الفعل مقصور عليه .
والدليل على أن الفاعل هو المكره أن القصاص يلزمه عند الشافعي - C - والقصاص عقوبة تندرئ بالشبهات فيعتمد المساواة حتى أن بدون المساواة لا يجب القصاص كما بين المسلم والمستأمن وكما في كسر العظام ولا مساواة بين المباشرة والتسبب ولا طريق لجعل المكره شريكا إلا بنسبة بعض الفعل إليه وإذا كان للإلجاء تأثير في نسبة بعض الفعل إلى الملجئ فكذلك في نسبة جميع الفعل إليه ولا معنى لإيجاب القود على الممسك لأن القصاص جزاء مباشرة الفعل فإنه عقوبة تندرئ بالشبهات وفي التسبب نقصان فيجوز أن يثبت به ما يثبت مع الشبهات وهو المال ولا يجوز أن يثبت ما يندرئ بالشبهات بخلاف حد قطاع الطريق فإن ذلك جزاء المحاربة والردء مباشر للمحاربة كالقاتل وقد بينا هذا في السرقة .
والأصل فيه قوله - E - : ( يصبر الصابر ويقتل القاتل ) أي يحبس الممسك ويقتل القاتل .
فأما أبو يوسف - C - فقال : أستحسن أن لا يجب القود على واحد منهما لأن بقاء الإثم في حق المكره دليل على أن الفعل كله لم يصر منسوبا إلى المكره والقصاص لا يجب إلا بمباشرة تامة وقد انعدم ذلك من المكره حقيقة وحكما فلا يلزمه القود وإن كان هو المؤاخذ بحكم القتل فيما يثبت مع الشبهاب .
والدليل عليه أن وجوب القصاص يعتمد المساواة ولا مساواة بين المباشرة والإكراه فلا يمكن إيجاب القود على المكره إلا بطريق المساواة .
ولكنا نقول المكره مباشر شرعا بدليل أن سائر الأحكام سوى القصاص نحو حرمان الميراث والكفارة في الموضع الذي يجب والدية يختص بها المكره فكذلك القود والأصل فيه قوله تعالى : { يذبح أبناءهم ويستحي نساءهم } ( القصص : 4 ) فقد نسب الله الفعل إلى المعين وهو ما كان يباشر صورة ولكنه كان مطاعا فأمر به وأمره إكراه .
إذا عرفنا هذا فنقول سواء كان المكره بالغا عاقلا أو كان معتوها أو غلاما غير يافع فالقود على المكره لأن المكره صار كالآلة والبلوغ والعقل لا معتبر به في حق الآلة وإنما المعتبر تحقق الإلجاء لخوف التلف على نفسه وكذلك حكم حرمان الميراث فإنه يثبت في حق المكره دون المكره .
وإن كان الآمر غير بالغ ولكنه مطاع بتحقق الإكراه منه أو كان رجلا مختلط العقل ولكن يتحقق الإكراه منه فإن الفعل يصير منسوبا إليه وذلك يكون بمنزلة جنايته بيده في أحكام القتل .
واستدل بقول الحسن البصري - C - في أربعة شهدوا على رجل بالزنا ورجمه الناس فقتلوه ثم رجع بعض الشهود أن على الراجع القتل وهذا شيء لا يؤاخذ به ولكن قصد بهذا الاستشهاد دفع النسبة عمن تمسك بالصورة ويقول كيف أوجبتم القتل على المكره ولم يباشر القتل حسا .
واستدل عليه بقول أهل المدينة في الممسك ويقتل الرديء في قطع الطريق وإن لم يباشروا قتل أحد حسا .
وكذلك لو قال العامل له : لتقطعن يده أو لأقتلنك لم ينبغ له أن يفعل ذلك لأن لأطراف المؤمن من الحرمة مثل ما لنفسه .
( ألا ترى ) أن المضطر لا يحل له أن يقطع طرف الغير ليأكله كما لا يحل له أن يقتله وكذلك لو أمره بقطع أصبع أو نحوه فإن حرمة هذا الجزء بمنزلة حرمة النفس فإن القتل من المظالم والمكره مظلوم فليس له أن يظلم أحدا ولو ظلم وإن أقدم على القتل فليس عليه إلا الإثم فأما الفعل في حق الحكم فقد صار منسوبا إلى المكره لوجود الإلجاء بالتهديد بالقتل .
وإن رأى الخليفة أن يعزر المكره ويحبسه فعل لإقدامه على ما لا يحل له الإقدام عليه وإن أمره أن يضربه سوطا واحدا أو أمره أن يحلق رأسه أو لحيته أو أن يحبسه أو أن يقيده وهدده على ذلك بالقتل رجوت أن لا يكون آثما في فعله ولا في تركه أما في تركه فلأنه من المظالم والكف عن المظالم هو العزيمة والمتمسك بالعزيمة لا يكون آثما وأما إذا قدم عليه فلأنه يدفع القتل عن نفسه بهم وحزن يدخل على غيره فإن بالحبس والقيد وبحلق اللحية وضرب سوط يدخله هم وحزن ولا يخاف على نفسه ولا على شيء من أعضائه ولدفع الهلاك عن نفسه قد رخص له الشرع في إدخال الهم والحزن على غيره .
( ألا ترى ) أن المضطر يأخذ طعام الغير بغير رضاه ولا شك أن صاحب الطعام يلحقه حزن بذلك إلا أنه علق الجواب بالإلجاء لأنه لم يجد في هذا بعينه نصا والفتوى بالرخصة فيما هو من مظالم العباد بالرأي لا يجوز مطلقا فلهذا قال : ( رجوت ) .
إن كان يهدده على ذلك بحبس أو قيد أو ضرب سوط أو حلق رأسه ولحيته لم ينبغ له أن يقدم على شيء من الظلم قل ذلك أو كثر لأن الرخصة عند تحقق الضرورة وذلك إذا خاف التلف على نفسه وهو بما هدده هنا لا يخاف التلف على نفسه .
ولو أكرهه بالحبس على أن يقتل رجلا فقتله كان القود فيه على القاتل لأن بالتهديد بالحبس لا يتحقق الإلجاء ولهذا كان الضمان في المال عند الإكراه بالحبس على المكره دون المكره ولو أمره بقتله ولم يكرهه على ذلك إلا أنه يخاف إن لم يفعل أن يقتله ففعل ما أمر به كان ذلك بمنزلة الإكراه لأن الإلجاء باعتبار خوفه التلف على نفسه أن لو امتنع من الإقدام على الفعل وقد تحقق ذلك هنا ومن عادة المتجبرين الترفع عن التهديد بالقتل ولكنهم يأمرون ثم لا يعاقبون من خالف أمرهم إلا بالقتل فباعتبار هذه العادة كان الأمر من مثله بمنزلة التهديد بالقتل .
ولو أكرهه بوعيد تلف حتى يفتري على مسلم رجوت أن يكون في سعة منه .
( ألا ترى ) أنه لو أكرهه بذلك على الكفر بالله تعالى كان في سعة من إجراء كلمة الكفر على اللسان مع طمأنينة القلب بالإيمان فكذلك إذا أكرهه بالافتراء على مسلم لأن الافتراء على الله تعالى والشتم له يكون أعظم من شتم المخلوق إلا أنه علقه بالرجاء لأن هذا من مظالم العباد وليس هذا في معنى الافتراء على الله تعالى من كل وجه فإن الله تعالى مطلع على ما في ضميره ولا اطلاع للمقذوف على ما في ضميره ولأن الله تعالى يتعالى أن يدخله نقصان بافتراء المفترين وفي الافتراء على هذا المسلم هتك عرضه وذلك ينقص من جاهه ويلحق الحزن به فلهذا علق الجواب بالرجاء .
قال ( ألا ترى ) ( أنه لو أكرهه على شتم محمد - A - بقتل كان في سعة إن شاء الله ) فهذا أعظم من قذف امرئ مسلم ولو تهدده بقتل حتى يشتم محمدا - A - أو يقذف مسلما فلم يفعل حتى قتل كان ذلك أفضل له لما بينا أن في الامتناع تمسك بما هو العزيمة و ( لما امتنع خبيب - Bه - حتى قتل سماه رسول الله - A - أفضل الشهداء ) .
ولو تهدده بقتل حتى يشرب الخمر فلم يفعل حتى قتل خفت أن يكون آثما وقد بينا هذا الفصل إلا أنه ذكره هنا بلفظ يستدل به على أنه كان من مذهبه أن الأصل في الأشياء الإباحة وأن الحرمة بالنهي عنها شرعا فإنه قال : لأن شرب الخمر وأكل الميتة لم يحرم إلا بالنهي عنهما وبين أهل الأصول في هذا كلام ليس هذا موضع بيانه .
ولو أكرهه بوعيد تلف على أن يأخذ مال فلان فيدفعه إليه رجوت أن يكون في سعة من أخذه ودفعه إليه لأنه بمنزلة المضطر وقد بينا أنه يباح للمضطر أخذ مال الغير ليدفع به الضرورة عن نفسه ولكنه علق الجواب بالرجاء لأن هذا ليس في معنى المضطر من وجه فالعذر هناك وهو الجوع ما كان بصنع مضاف إلى العباد والخوف هنا باعتبار صنع مضاف إلى العبد وبينهما فرق .
( ألا ترى ) أن المقيد إذا صلى قاعدا يلزمه الإعادة إذا أطلق عنه القيد بخلاف المريض .
قال : ( والضمان فيه على الآمر ) لأن الإلجاء قد تحقق فيصير الأخذ والدفع كله منسوبا إلى الآمر والمكره بمنزلة الآلة له وإنما يسعه هذا ما دام حاضرا عند الآمر فإن كان أرسله ليفعل فخاف أن يقتله إن ظفر به ولم يقل إن لم يفعل ما هدد به لم يحل الإقدام على ذلك لأن الإلجاء إنما يتحقق ما دام في يد المكره بحيث يقدر على إيقاع ما هدده به عاجلا وقد انعدم ذلك حين بعد عنه ولا يدري أيقدر عليه بعد ذلك أو لا يقدر وبهذا الفصل تبين أنه لا عذر لأعوان الظلمة في أخذ الأموال من الناس فإن الظالم يبعث عاملا إلى موضع ليأخذ مالا فيتعلل العامل بأمره وإنه يخاف العقوبة من جهته إن لم يفعل وليس ذلك بعذر له إلا أن يكون بمحضر من الآمر فأما بعد ما بعد من الظالم فلا إلا أن يكون رسول الآمر معه على أن يرده عليه إن لم يفعل فيكون هذا بمنزلة الذي كان حاضرا عنده لأن كونه تحت يد رسوله ككونه في يده ويتمكن الرسول من رده إليه ليعاقبه بتحقق الإلجاء ولو لم يفعل ذلك حتى قتله كان في سعة إن شاء الله لأنه تحرز عما هو من مظالم العباد وذلك عزيمة .
( ألا ترى ) أن للمضطر أن يأخذ طعام صاحبه بقدر ما تندفع عنه الضرورة به ولو لم يأخذه حتى تلف لم يكن مؤاخذا به فهذا مثله .
ولو كان المكره هدده بالحبس أو القيد لم يسعه الإقدام على ذلك لأن الإلجاء والضرورة بهذا التهديد لا يتحقق .
ولو أكره رجلا على قتل أبيه أو أخيه بوعيد قتل فقتله فقد بينا حكم المسألة أن الفعل يصير منسوبا إلى المكره فيما هو من أحكام القتل فكأنه هو المباشر بيده وعلى هذا الحرف ينبني ما بعده من المسائل حتى قالوا : لو أن لصين أكرها رجلا بوعيد تلف على أن يقطع يد رجل عمدا كان ذلك كقطعهما بأيديهما فعليهما أرش اليد في مالهما في سنتين ولا قود عليهما لأن اليدين لا يقطعان بيد واحدة .
وإن مات فيهما فعلى المكرهين القود لأن القطع إذا اتصلت به السراية كان قتلا من أصله .
ولو باشرا قتله لزمهما القود ولو كان الآمر واحدا والمأمور اثنين كان على الآمر القصاص في اليد إن عاش وفي البدن إن مات من ذلك لأن الفعل منسوب إلى المكره وهو واحد لو باشر قطع يده أو قتله يجب القود عليه فكذلك إذا أكرهه على ذلك رجلان والله أعلم بالصواب