( قال - C - ) : ذكر عن الشعبي - C - قال : لا يبلغ بالتعزير أربعون سوطا وبه أخذ أبو حنيفة ومحمد - رحمهما الله - قالا : لأن الأربعين سوطا أدنى ما يكون من الحد وهو حد العبيد في القذف والشرب وقال - E - : ( من بلغ حدا في غير حد فهو من المعتدين ) وهذا قول أبي يوسف الأول .
ثم رجع وقال : يبلغ بالتعزير خمسة وسبعين سوطا لأن أدنى الحد ثمانون سوطا وحد العبد نصف الحر وليس بحد كامل وهذا مروي عن محمد أيضا .
وعن أبي يوسف أنه يجوز أن يبلغ بالتعزير تسعة وسبعين سوطا وهذا ظاهر على الأصل الذي بينا وأما تقدير النقصان بالخمسة على الرواية الأولى فهو بناء على ما كان من عادته أنه كان يجمع في إقامة الحد والتعزير بين خمسة أسواط ويضرب دفعة فإنما نقص في التعزير ضربة واحدة وذلك خمسة أسواط .
وإذا أخذ الرجل مع المرأة وقد أصاب منها كل محرم غير الجماع عزر بتسعة وثلاثين سوطا وقد بينا في كتاب الحدود أن كل من ارتكب محرما ليس فيه حد مقدر فإنه يعزر ثم الرأي في مقدار ذلك إلى الإمام ويبني ذلك على قدر جريمته وهذه جريمة متكاملة فلهذا قدر التعزير فيها بتسعة وثلاثين سوطا وقد بينا أن الضرب في التعزير أشد منه في الحدود لأنه دخله تخفيف من حيث نقصان العدد وأنه ينزع ثيابه عند الضرر ويضرب على ظهره ولا يفرق على أعضائه إنما ذلك في الحدود .
وإذا نقب السارق النقب وأخذ المتاع فأخذ في البيت أو أخذ وقد خرج بمتاع لا يساوي عشرة دراهم فإنه يعزر لارتكابه محرما والمرأة في التعزير كالرجل لأنها تشاركه في السبب الموجب للتعزير وإذا كان الرجل فاسقا متهما بالشر كله فأخذ عزر لفسقه وحبس حتى يحدث توبة لأنه متهم وقد ( حبس رسول الله - A - رجلا في تهمة ) والذي يزني في شهر رمضان نهارا فيدعي شبهة يدرأ بها الحد عن نفسه يعزر لإفطاره لأنه مرتكب للحرام بإفطاره وإن خرج من أن يكون زانيا بما ادعى من الشبهة ولا يحبس هنا لأن الحبس للتهمة فأما جزاء الفعل الذي باشره فالتعزير وقد أقيم عليه والمسلم الذي يأكل الربا أو يبيع الخمر ولا ينزع عن ذلك إذا رفع إلى الإمام يعزره .
وكذلك المخنث والنائحة والمغنية فإن هؤلاء يعزرون بما ارتكبوا من المحرم ويحبسون حتى يحدثوا التوبة لأنهم بعد إقامة التعزير عليهم مصرون على سوء صنيعهم وذلك فوق التهمة في إيجاب حبسهم إلى أن يحدثوا التوبة .
وإذا شتم المسلم امرأة ذمية أو قذفها بالزنا عزر لأن الذمية غير محصنة فلا يجب الحد على قاذفها ولكن قاذفها مرتكب ما هو محرم فيعزر .
وكذلك إذا قذف مسلمة قد زنت أو مسلما قد زنا أو أمة مسلمة لأن المقذوف من هؤلاء غير محصن ولكن القاذف مرتكب ما هو حرام وهو إشاعة الفاحشة وهتك للستر على المسلم من غير حاجة وذلك موجب للتعزير عليه وإذا قطع اللصوص الطريق على قوم فلهم أن يقاتلوهم دفعا عن أنفسهم وأموالهم قال E ( من قتل دون ماله فهو شهيد ) وإذا استعانوا بقوم من المسلمين لم يحل لهم أن يعينوهم ويقاتلوهم معهم وإن أتوا على أنفسهم لأن النهي عن المنكر فرض وبذلك وصف الله تعالى هذه الأمة بأنهم خير أمة فلا يحل لهم أن يتركوا ذلك إذا قدروا عليه .
قلت : والرجل يخترط السيف على الرجل ويريد أن يضربه ولم يفعل أو شد عليه بسكين أو عصا ثم لم يضربه بشيء من ذلك هل يعزر ؟ .
قال : نعم لأنه ارتكب ما لا يحل من تخويف المسلم والقصد إلى قتله .
قلت : والرجل يوجد في بيته الخمر بالكوفة وهو فاسق أو يوجد القوم مجتمعين عليها ولم يرهم أحد يشربونها غير أنهم جلسوا مجلس من يشربها هل يعزرون ؟ .
قال : نعم لأن الظاهر أن الفاسق يستعد الخمر للشرب وإن القوم يجتمعون عليها لإرادة الشرب ولكن بمجرد الظاهر لا يتقرر السبب على وجه لا شبهة فيه فلا يمكن إقامة الحد عليهم والتعزير مما يثبت مع الشبهات فلهذا يعزرون .
وكذلك الرجل يوجد معه ركوة من الخمر بالكوفة أو قال ركوة وقد كان بعض العلماء في عهد أبي حنيفة - C - يقول : يقام عليه الحد كما يقام على الشارب لأن الذي يسبق إلى وهم كل أحد أنه يشرب بعضها ويقصد الشرب فيما بقي معه منها إلا أنه حكي أن أبا حنيفة - C - قال لهذا القائل : لم تحده ؟ قال : لأن معه آلة الشرب والفساد .
قال - C - : فارجمه إذا فإن معه آلة الزنا فهذا بيان أنه لا يجوز إقامة الحد بمثل هذا الظاهر والتهمة والله أعلم