( قال C ) : وإذا كان لرجل نهر في أرض رجل فادعى رجل فيه شرب يوم في الشهر وأقام البينة على ذلك قضى له به وكذلك مسيل الماء لأن الثابت بالبينة كالثابت باتفاق الخصمين عليه وقد بينا أن الجهالة في الشرب والمسيل لا تمنع إثباته بالبينة ولو ادعى يومين في الشهر فجاء بشاهد على يوم في رقبة النهر وشاهد آخر على يومين ففي قياس قول أبي حنيفة C لا يقضي بشيء وفي قولهما يقضي بيوم وهو نظير ما تقدم من اختلاف الشاهدين في التطليقة والتطليقتين والألف والألفين وإن كان المدعي يدعي شرب يوم في الشهر لم تقبل الشهادة لأنه كذب أحد شاهديه وإن شهدوا أن له شرب يوم ولم يسموا عددا ولم يشهدوا أن له في رقبة النهر شيئا لم تجز شهادتهم لأن المشهود به مجهول جهالة يتعذر على القاضي القضاء معها وإن ادعى عشر نهر أو قناة فشهد له أحدهما بالعشر والآخر بأقل من ذلك ففي قول أبي حنيفة C الشهادة باطلة وإن شهدوا بالإقرار لاختلاف الشاهدين لفظا ومعنى وعلى قولهما تقبل على الأقل استحسانا وإن شهد أحدهما بالخمس بطلت الشهادة لأنه قد شهد له بأكثر مما ادعى وإذا ادعى رجل أرضا على نهر شربها منه فأقام شاهدين أنها له ولم يذكر الشرب سببا فإني أقضي له بها وبحصته من الشرب لأن الشرب تبع الأرض واستحقاق التبع باستحقاق الأصل وإن شهدوا له بالشرب دون الأرض لم نقض له من الأرض بشيء لأن المشهود به تبع ولا يستحق الأصل باستحقاق التبع . ( ألا ترى ) أنهم لو شهدوا له بالبناء لا يستحق موضعه من الأرض ولو شهدوا له بالأرض استحق البناء تبعا وكذلك الأشجار مع الثمار وإذا ادعى أرضا في يد رجل فشهد له شاهد أنها له وشهد آخر على إقرار ذي اليد بذلك لم تقبل الشهادة لاختلافهما في المشهود به فإن أحدهما شهد بإقرار هو كلام محتمل للصدق والكذب والآخر شهد له بملك الأرض وهما متغايران ولو كاتب رجل عبده على شرب بغير أرض أو على أرض وشرب لم يجز أما الشرب بغير أرض فلا يستحق بالتسمية في شيء من عقود المعاوضات في الأرض مع الشرب إذا لم تكن بعينها فهي مما لا يستحق دينا بشيء من عقود المعاوضات وإن كانت أرضا بعينها لغيره لم يجز أيضا لأن عقد الكتابة يستدعي تسمية البدل فتسمية عين هو مملوك لغير العاقد لا يكون صحيحا كالبيع ولا يتصور أن يكون مملوكا لأن كسبه عند الكتابة مملوك للمولى فإنما يصير هو أحق بكسبه بعد الكتابة فيكون هذا من المولى مبادلة ملكه بملكه وقد بينا اختلاف الروايات في الكتابة على الأعيان في كتاب العتاق وإن شهد شاهد أن فلانا أوصى له بثلث أرضه وثلث شربه وشهد آخر بثلث شربه دون أرضه فإن يقضى له بثلث الشرب له لاتفاق الشاهدين عليه لفظا ومعنى وليس له في ثلث الأرض إلا شاهد واحد ولو أوصى بثلث شربه بغير أرضه في سبيل الله تعالى أو في الحج أو الفقراء أو في الرقاب كان باطلا لأن صرف الموصى به إلى هذه الجهات يكون بتمليك العين أو بالبيع وصرف الثمن إليها والشرب لا يحتمل شيئا من ذلك فإن كان أوصى بثلث حقه في النهر في كل شيء من ذلك جاز لأنه أوصى معه بشيء من الأرض يعني أرض النهر وهو مما يحتمل التمليك مع الأرض وإذا كان لرجل أرض وشرب فادعى الرجل أنه اشترى ذلك منه بألف فشهد له شاهد أنه اشترى الشرب والأرض بألف وشهد الآخر أنه اشترى الأرض وحدها بغير شرب أو لم يذكر شربا فهذه الشهادة لا تجوز لأن المشتري يكذب أحد شاهديه ولأن القاضي لا يتمكن من القضاء بالشرب له لأن الشاهد على شراء الشرب مع الأرض واحد والمدعي غير راض بالتزام الألف بمقابلة الأرض بدون الشرب فإن كان هذا الثاني شهد أنه اشتراها بكل حق هو لها أو بمرافقها أو بكل قليل وكثير هو فيها أو منها جازت الشهادة لأن الشرب يدخل في شراء الأرض بذكر هذه الألفاظ وإنما اختلف الشاهدان في العبارة بعد اتفاقهما في المعنى وذلك لا يمنع العمل بشهادتهما كما لو شهد أحدهما بالهبة والآخر بالنحلة ولو جحد المشتري البيع وادعى رب الأرض أنه باعها بألف بغير شرب فزاد أحد شاهديه الشرب أو الحقوق أو المرافق لم تجز الشهادة لأن البائع مكذب أحد شاهديه وإذا باع الرجل شربا بأمة وقبضها فوطئها فولدت منه فهي أم ولد له لأنه ملكها بالقبض بحكم عقد فاسد وهو ضامن لقيمتها ولم يذكر العقر هنا وقد بينا أن هذا هو الأصح خصوصا فيما إذا تعذر ردها بأن صارت أم ولد له ولو وطئها رجل بشبهة وأخذ بائع الشرب المهر أو قطع رجل يدها أو فقأ عينها فأخذ المشتري أرش ذلك ثم ماتت الجارية عنده ضمن قيمتها والأرش والمهر له لأنه إنما يضمن قيمتها من وقت القبض فيتقرر ملكه فيها من ذلك الوقت فكان الأرش والعقر حاصلا بعد .
ملكه فيكون له وهذا بخلاف الولد فإنها لو ولدت ثم ماتت فالمشتري ضامن لقيمتها وعليه رد الولد مع رد القيمة لأن الولد ليس بعوض عن جزء مضمون منها وإنما يتقرر له الملك بالضمان فيتقرر الملك في المضمون أو فيما هو عوض عن المضمون أو فيما هو تبع للمضمون لأن التبع يملك بملك الأصل والولد بعد الانفصال ليس بمضمون ولا هو عوض عن المضمون ولا هو تبع للمضمون فلا يسقط عنه وجوب رد الولد بتقرر الضمان عليه في الأم فأما الأرش فبدل جزء مضمون وقد سلم بدل هذا الجزء لمشترى الشرب حين ضمنه قيمتها صحيحة فلا يجوز أن يسلم له بدل آخر إذ لا يسلم للمرء بدلان عن شيء واحد وكذلك المهر فإنه عوض عن المستوفى بالوطء والمستوفى بالوطء في حكم جزء من العين وقد ضمن قيمة جميع العين فيسلم له ما كان بدل جزء من العين . فإن قيل المستوفة بالوطء في حكم جزء ولكنه جزء غير مضمون . ( ألا ترى ) أنه إذا لم يتمكن بالوطء نقصان فيها وتعذر استيفاء العقر من الواطئ ردها المشتري ولم يضمن شيئا . قلنا : نعم المستوفي بالوطء جزء غير مضمون حقيقة ولكنه في حكم جزء من العين الذي هو مضمون ولهذا قلنا أن وطء المشتري يمنع الرد بالعيب أو بمنزلة جزء هو ثمره كالكسب فالكسب تبع للمضمون في حكم الملك فكذلك العقر المستوفى من الواطئ فإن قيل : فالولد أيضا خلف عن جزء هو مضمون وهو النقصان المتمكن بالولادة ولهذا ينجبر به . قلنا : الخلافة بحكم اتحاد السبب لا لأنه عوض عن ذلك الجزء وإنما يمتنع رد العوض لوصول مثله إلى بائع الجارية وذلك غير موجود في الولد ولو كانت حية فأخذ البائع الجارية تبعها الأرش والمهر لأنه لم يتقرر ملك المشتري فيها بل انعدم من الأصل بردها ولأنه كان يلزمه رد هذا الجزء حال قيامه فكذلك يلزمه رد بدله مع رد الأصل والله أعلم