( قال C ) : وإذا كان البذر من رب الأرض فأخرجت الأرض زرعا كثيرا فقال رب الأرض : شرطت لك الثلث وقال المزارع : شرطت لي النصف فالقول قول رب الأرض مع يمينه لأن المزارع يستحق عليه الخارج بمقابلة عمله بالشرط فهو يدعي زيادة فيما شرط له ورب الأرض ينكر تلك الزيادة فالقول قوله مع يمنه وعلى المزارع البينة على ما ادعى وتترجح بينته عند المعارضة لما فيها من إثبات الزيادة ولا يصار إلى التحالف عند أصحابنا جميعا رحمهم الله بعد استيفاء المنفعة لخلوه عن الفائدة وقد بينا ذلك في الإجارات وإن اختلفا قبل أن يزرع شيئا تحالفا وترد اليمين عليه أيضا وهنا أول المزارعة لأن المزارعة عقد محتمل للفسخ فإذا اختلفا في مقدار البدل فيه حال قيام المعقود عليه تحالفا وترادا ويبدأ بالمزارع في اليمين وهذا قول أبي يوسف الآخر وهو قول محمد C وقد بينا ذلك في البيوع أن البداءة في البيع بيمين المشتري لأن أول التسليمين عليه فأول التسليمين على المزارع ثم العقد لازم في جانبه حتى لا يتمكن من الفسخ من غير عذر وصاحب البذر يتمكن من ذلك فكانت اليمين في جانبه ألزم وأيهما نكل عن اليمين لزمه دعوى صاحبه لأن نكوله كإقراره وإن أقاما البينة قبل التحالف أو بعده فالبينة بينة المزارع لأنها مثبتة للزيادة واليمين الفاجرة أحق أن ترد من البينة العادلة ولو اختلفا والبذر من العامل وقد أخرجت الأرض الزرع فالقول قول العامل لأن رب الأرض هو الذي يستحق الخارج عليه بالشرط فإذا ادعى زيادة فيما شرط له كان عليه أن يثبت تلك الزيادة بالبينة وعلى الآخر اليمين لإنكاره وإن اختلفا قبل أن يزرع تحالفا ويبدأ بيمين صاحب الأرض لأن أول التسليمين عليه ولأن لزوم العقد هنا في جانبه وإذا دفع الرجل إلى رجل أرضا وبذرا يزرعها سنته هذه على أن للمزارع ثلث الخارج ثلثه من نصيب أحدهما بعينه والثلثان من نصيب الآخر فهذا جائز وله ستة من ثمانية عشر سهما والباقي بين صاحبي الأرض خمسة أسهم منه للذي شرط للمزارع الثلثين من نصيبه وسبعة للآخر لأن المزارع أجيرهما في العمل وقد استأجراه بجزء معلوم من الخارج وبينا مقدار ما له من نصيب كل واحد منهما من ذلك الجزء وذلك مستقيم فالأجير قد تسامح مع أحد المستأجرين دون الآخر وقد تعينت مع أحدهما وطلب الأجر من الآخر فإذا صح هذا الشرط احتجنا في التخريج إلى حساب له ثلث ينقسم أثلاثا وذلك تسعة إلا أن أصل الخارج بينهما نصفان فليس لتسعة نصف صحيح فيضعف الحساب ويجعل الخارج على ثمانية عشر سهما نصيب كل واحد منهما تسعة وقد شرطا للمزارع ثلث الخارج وهو ستة ثلثا ذلك وهو أربعة من نصيب أحدهما ونصيبه كان تسعة فإذا استحق المزارع من ذلك أربعة بقي له خمسة وثلث ذلك وهو سهمان من نصيب الآخر وقد كان نصيبه تسعة فلما استحق المزارع من ذلك سهمين بقي له سبعة ولو كانا اشترطا للمزارع الثلث ولم يزد على هذا كان الزرع بينهما أثلاثا لأن المشروط للمزارع مطلقا يكون من النصيبين على السواء فإذا استحق المزارع ثلث الخارج بقي الباقي بينهما على ما كان أصل الخارج فيكون بينهم أثلاثا ولو كانا اشترطا الثلث للزارع ثلثه من نصيب هذا بعينه والثلث من نصيب الآخر وما بقي بين صاحبي الأرض نصفين فللمزارع الثلث ستة من ثمانية عشر والباقي بينهما لأحدهما خمسة وللآخر سبعة كما خرجنا واشتراط المناصفة فيما بينهما فيما بقي باطل لأن الذي شرط للمزارع ثلثي الثلث من نصيبه باشتراط المناصفة في الباقي يستوهب من نصيب صاحبه سهما واحدا ليكون ستة له من الباقي ولصحبه ستة واستيهاب المعدوم باطل وهو طمع منه في غير مطمع ولأنه طمع في شيء من نصيب صاحبه من الخارج من غير أن يكون له أرض ولا بذر ولا عمل وعقد المزارعة إنما كان بينهما وبين المزارع والشرط الباطل فيما بينهما لا يؤثر في العقد الذي بينهما وبين الزارع ولو دفع رجل إلى رجلين أرضا بينهما نصفين ليزرعاها ببذرهما وعملهما على أن لصاحب الأرض ثلث الخارج ثلثه من نصيب أحدهما بعينه وثلثاه من نصيب الآخر فهو جائز لأنه أجر الأرض منهما بجزء معلوم من الخارج وفاوت بينهما ذلك الأجر وذلك مستقيم فإنه لا تتفرق الصفقة في حقه بهذا التفاوت فإذا حصل الخارج كان له الثلث ستة من ثمانية عشر والباقي بين العاملين على اثني عشر سهما خمسة للذي شرط لرب الأرض ثلثي الثلث من نصيبه لأن نصيبه كان تسعة وقد أوجب للمزارع من ذلك أربعة فبقي له خمسة والآخر إنما أوجب لرب الأرض سهمين من نصيبه فبقي له سبعة فإذا كانا اشترطا أن الباقي بعد الثلث بينهما نصفان فهذه مزارعة فاسدة لأن الذي شرط ثلثي الثلث من نصيبه لرب الأرض شرط لنفسه سهما من نصيب صاحبه ليستوي به وكان .
صاحبه عاقده عقد المزارعة في نصيبه بهذا السهم الذي شرط له وشرط عمله معه وذلك مفسد لعقد المزارعة بخلاف الأول فهناك ليس بين صاحبي الأرض شبهة عقد فاشتراط أحدهما لنفسه سهما من نصيب صاحبه استيهاب للمعدوم وإذا فسد العقد كان الخارج بين المزارعين نصفين ولرب الأرض أجر مثل أرضه أخرجت الأرض شيئا أو لم تخرج . فإن قيل : كان ينبغي أن لا يفسد العقد بينهما وبين رب الأرض لأن المفسد ممكن فيما بينها ولم يتمكن في العقد الذي فيما بينهما وبين رب الأرض . قلنا : العقد كله صفقة واحدة بعضه مشروط في البعض فيتمكن المفسد منه وفي جانب منه يفسد الكل ثم قد يمكن المفسد بينهما وبين رب الأرض من وجه وهو أن الذي شرط الثلثين لرب الأرض من نصيبه كأنه شرط ربع ذلك على صاحبه ليستوي به فيما بقي واشتراط شيء من الأجر في الإجارة على غير المستأجر يكون مفسدا للإجارة ولودفع رجلان أرضا وبذرا إلى رجل ليزرعها على أن للعامل ثلث الخارج الثلثان من ذلك لأحد صاحبي الأرض ثلاثة أرباعه وللآخر ربعه فعمل على ذلك فللعامل ثلث الخارج والباقي بين صاحبي الأرض نصفين لأن البذر بينهما نصفان والعامل أجيرهما بالثلث فاستحق الثلث بمطلق الشرط من نصيبهما سهمين وكان الباقي بينهما نصفين فالذي شرط له ثلاثة أرباع ما بقي يكون شرطها له نصف ما بقي من صاحبه لنفسه وهذا منه استيهاب المعدوم أو طمع في غير مطمع فيلغو ولو كان البذر من قبل العامل والمسألة بحالها جاز وكان الباقي بينهما على الشرط ثلاثة أرباعه للذي شرط ذلك له وربعه للآخر لأن العامل هنا مستأجر للأرض منهما وإنما استحقاق الخارج عليه بالشرط فيكون لكل واحد منهما مقدار ما شرط لأحدهما ثلاثة أرباع الثلثين وللآخر الربع بخلاف الأول فاستحقاقهما هناك يكون من الخارج نماء بذرهما لا بالشرط . فإن قيل : هنا العامل يكون مستأجرا نصيب أحدهما من الأرض بجميع الخارج لأن الخارج من نصف الأرض ثلاثة أرباع الثلثين مثل ما شرط له واستئجار الأرض في المزارعة بجميع الخارج لا يجوز . قلنا : نعم ولكن لا يميز نصيب أحدهما من نصيب الآخر لما في ذلك من تمكن الشيوع في العقد في نصيب كل واحد منهما وإذا لم يميز لم يتحقق هذا المعنى فبقي العقد بينهما على جميع الأرض بثلثي الخارج وذلك صحيح بينهما وبين صاحب البذر ثم جعلا ثلاثة أرباع الثلثين بمقابلة نصيب أحدهما من منفعة الأرض والربع بمقابلة نصيب الآخر وذلك مستقيم فيما بينهما أيضا ولو دفع رجل إلى رجلين أرضا يزرعها ببذرهما وعملهما على أن لصاحب الأرض ثلث الخارج وللعاملين الثلثين الربع من ذلك لأحدهما بعينه وثلاثة أرباعه للآخر فهذا فاسد لأنهما استأجرا الأرض على أن يكون جميع الأجر على أحدهما وهو الذي شرط له الربع من الباقي لأن الذي شرط لنفسه ثلاثة أرباع ما بقي قد شرط لنفسه جميع ما يخرجه بذره فعرفنا أنه شرط نصيبه من الأجر على صاحبه وذلك مفسد للعقد . ويوضحه أنهما شرطا لرب الأرض الثلث وذلك من نصيبهما نصفين فلما شرطا لأحدهما ثلاثة أرباع ما بقي فكان الآخر عقد عقد المزارعة بنصف الباقي من نصيبه على أن يعمل هو معه وذلك مفسد للمزارعة وإذا فسدت كان الخارج كله للمزارعين ولرب الأرض أجر مثل أرضه أخرجت الأرض شيئا أو لم تخرج وهو الحكم في المزارعة الفاسدة وإذا دفع الرجل إلى الرجل أرضا يزرعها ببذره وعمله على أن الخارج بينهما نصفان فلما حصل الخارج قال صاحب البذر : شرطت لك عشرين قفيزا من الخارج وقال رب الأرض : شرطت لي النصف منه فالقول قول صاحب البذر لأن صاحب البذر يدعي عليه استحقاق نصف الخارج بالشرط وهو منكر لذلك فالقول قول المنكر مع يمينه والبينة بينة رب الأرض لأنها تثبت الاستحقاق له ولا يقال الظاهر يشهد لرب الأرض فإن العقد الذي يجري بين المسلمين الأصل فيه الصحة لأن هذا الظاهر يصلح لدفع الاستحقاق لا للاستحقاق به وحاجة رب الأرض إلى ابتداء الاستحقاق فإذا حلف صاحب البذر أعطاه أجر مثل أرضه لأنه مقر له بذلك القدر وإن لم تخرج الأرض شيئا فقال المزارع : شرطت لك النصف وقال رب الأرض : شرطت لي عشرين قفيزا فالقول قول المزارع لأن رب الأرض يدعي لنفسه أجر المثل دينا في ذمة المزارع والمزارع منكر لذلك ثم الظاهر يشهد للمزارع فإن الأصل في العقود الصحة وحاجة المزارع إلى دفع استحقاق رب الأرض والظاهر يكفي لذلك وإن أقاما البينة فالبينة بينة المزارع أيضا لأنه يثبت ببينته اشتراط نصف الخارج ورب الأرض ليس يثبت ببينته ما .
شهد به الشهود لأنهم شهدوا باشتراط عشرين قفيزا وذلك لا يستحق بالشرط بل يفسد به العقد فيجب أجر المثل فتترجح بينه من تثبت بينته صحة العقد وصحة الشرط ولو لم يزرع حتى اختلفا كان القول قول رب الأرض إن ادعى أنه دفعها بأقفزة معلومة لأن المزارع يدعي عليه استحقاق منفعة الأرض ووجوب تسليمها إليه ورب الأرض منكر لذلك فالقول قوله مع يمينه وإن ادعى رب الأرض أنه دفعها بالنصف فالقول قول المزارع أنه أخذها بعشرين قفيزا مع يمينه على ما ادعى رب الأرض لأن رب الأرض يدعي استحقاق بعض الخارج عليه والمزارع منكر لذلك وقيل : لا معنى ليمين المزارع هنا لأنه متمكن من فسخ العقد قبل إلقاء البذر في الأرض وقد ادعى ما يفسد العقد فكان ذلك بمنزلة الفسخ منه ثم اليمين إنما تنبني على دعوى ملزمة ودعوى رب الأرض لا تلزمه شيئا قبل الزراعة فلا معنى لاستحلافه فإن كان البذر من صاحب الأرض فلما أدرك الزرع قال العامل : شرطت لي النصف وقال رب الأرض : شرطت لك عشرين قفيزا من الخارج فالقول قول رب الأرض والبينة بينة العامل لأن العامل يدعي استحقاق جزء من الخارج على رب الأرض بالشرط ورب الأرض منكر لذلك فالقول قوله مع يمينه والبينة بينة العامل لأنها تثبت الاستحقاق له وإن لم تخرج الأرض شيئا فقال العامل : شرطت لي عشرين قفيزا وقال رب الأرض : شرطت لك النصف فالقول قول رب الأرض لأن العامل يدعي أجر العمل دينا في ذمته وهو منكر لذلك والبينة بينة رب الأرض أيضا لأنه يثبت ببينته صحة العقد ويشهد شهوده باشتراط ما يثبت بالشرط في المزارعة والآخر إنما يشهد شهوده باشتراط ما لا يثبت بالشرط في المزارعة فكان الإثبات في بينة رب الأرض أظهر ولو لم يزرع حتى اختلفا فالقول قول الذي يدعي الفساد منهما مع يمينه لأنه ينكر وجوب تسليم شيء عليه ولو أقاما البينة فالبينة بينة الذي يدعي المزارعة بالنصف أيهما كان لأنه يثبت ببينته صحة العقد وكونه سببا للاستحقاق فتترجح بينته بذلك ولو أخرج زرعا كثيرا فقال لصاحب الأرض والبذر : شرطت لك النصف وزيادة عشرة أقفزة وقال العامل : شرطت لي النصف فالقول قول العامل لأنهما اتفقا على اشتراط النصف ثم ادعى رب الأرض زيادة على ذلك والعامل منكر لتلك الزيادة ثم رب الأرض متعنت في كلامه لأنه يقر له بزيادة ليبطل به أصل استحقاقه لا ليثبت حقه فيما أقر له به وقول المتعنت غير مقبول وإن أقاما جميعا البينة فالبينة بينة رب الأرض لأنه يثبت ببينته زيادة الشرط ولأنه يثبت ببينته فساد العقد بعد ما ظهر باتفاقهما ما هو شرط الصحة وهو اشتراط نصف الخارج فالزيادة ههنا في بينته ولو ادعى رب الأرض انه اشترط له نصف ما تخرج الأرض إلا خمسة أقفزة وقال العامل : لم يستثن شيئا فالقول قول رب الأرض لأن الكلام المقيد بالاستثناء يكون عبارة عما وراء المستثني فالمزارع يدعي عليه استحقاق نصف كامل بالشرط ورب الأرض ينكر الشرط في بعض ذلك النصف معنى فالقول قوله لإنكاره والبينة بينة المزارع لأنه يثبت صحة المزارعة والفضل فيما يدعيه لنفسه إن لم تخرج الأرض شيئا وقال المزارع : شرطت لي النصف وزيادة عشرة أقفزة وقال رب الأرض : شرطت لك النصف فالقول قول رب الأرض لاتفاقهما على اشتراط النصف وتفرد المزارع بدعوى الزيادة لا ليستحقها بل ليبطل العقد بها والبينة بينة المزارع لأنه يثبت زيادة شرط ببينته ويثبت لنفسه أجر المثل دينا في ذمة رب الأرض ولو قال المزارع : شرطت لي النصف إلا عشرة أقفزة وقال رب الأرض : شرطت لك النصف ولم تخرج الأرض شيئا فالقول قول رب الأرض لأن المزارع يدعي الأجر دينا في ذمة رب الأرض ورب الأرض منكر لذلك وإن أقاما البينة فالبينة بينة رب الأرض أيضا لأنه يثبت ببينته شرط صحة العقد وإن اختلفا قبل العمل فقال المزارع : شرطت لي النصف وزيادة عشرة أقفزة وقال رب الأرض : شرطت لك النصف فالقول قول رب الأرض في قياس قول أبي حنيفة C على قول من يرى جواز المزارعة وفي قول أبي يوسف ومحمد القول قول المزارع وهذا لأن رب الأرض يدعي صحة العقد ومن أصل أبي حنيفة أن القول قول من يدعي الصحة . بيانه فيما تقدم في السلم إذا ادعى أحد المتعاقدين الأجل في السلم وأنكره الآخر أن عند أبي حنيفة القول قول من يدعي الأجل أيهما كان لأنه يدعي صحة العقد وعندهما القول قول رب السلم لأن المسلم إليه إذا كان يدعي الأجل ورب السلم منكر لدعواه فالقول قوله وإن كان في إنكاره إفساد العقد وإن كان .
المسلم إليه منكرا للأجل فهو متعنت في هذا الإنكار لأن رب السلم يقر له بالأجل وهو ينكر ذلك تعنتا ليفسد به العقد فهنا كذلك عند أبي حنيفة C يجعل القول قول رب الأرض لأنه يدعي صحة العقد وعندهما يجعل القول قول المزارع لأن كلامهما خرج مخرج الدعوى والإنكار فرب الأرض يدعي على المزارع استحقاق تسليم النفس لإقامة العمل وهو منكر فالقول قوله مع يمينه وإن كان في إنكاره إفساد العقد وإن أقاما البينة فالبينة بينة المزارع في قولهم جميعا لأنه يثبت السبب المفسد بعد تصادقهما على ما هو شرط الصحة ولا يثبت الفضل فيما شرط له ولو قال المزارع : شرطت لي النصف إلا عشرة أقفزة وقال رب الأرض : شرطت لك النصف فالقول قول رب الأرض عندهم جميعا أما عند أبي حنيفة C فلأنه يدعي الصحة وأما عندهما فلأن المزارع متعنت لأن رب الأرض يقر له بزيادة فيما شرط له والمزارع يكذبه فيما أقر له به ليفسد به العقد فكان متعنتا فإن أقاما البينة فالبينة بينة رب الأرض لأنه يثبت شرط صحة العقد واستحقاق العمل على المزارع ببينته ولو قال المزارع قبل العمل : شرطت لي النصف وقال رب الأرض والبذر : شرطت لك النصف وزيادة عشرة أقفزة فالقول قول المزارع لأنهما اتفقا على شرط صحة العقد وهو اشتراط النصف ثم رب الأرض يدعي شرط زيادة على ذلك ليفسد به العقد والمزارع منكر لذلك فالقول قوله مع يمينه والبينة بينة رب الأرض لإثباته الشرط المفسد مع تصادقهما على ما هو شرط صحة العقد ولو قال رب الأرض : شرطت لك النصف إلا عشرة أقفزة وقال المزارع : شرطت لي النصف فالقول قول رب الأرض لأن المزارع يدعي زيادة أقفزة فيما شرط ورب الأرض منكر لما قلنا أن الكلام المصدر بالاستثناء يصير عبارة عما وراء المستثني والبينة بينة المزارع لأنه يثبت الفضل في المشروط له ببينته ولو كان البذر من قبل العامل كان حاله في جميع هذه الوجوه بمنزلة حال رب الأرض حتى كان البذر من قبله للمعنى الذي أشرنا إليه وإذا دفع الرجل إلى رجلين أرضا وبذرا على أن يزرعاها سنتهما هذه فما أخرج الله تعالى من ذلك فلأحدهما بعينه الثلث منه ولرب الأرض الثلثان وللآخر على رب الأرض أجر مائة درهم فهو جائز على ما اشترطوا لأنه استأجر أحدهما ببدل معلوم لعمل مدة معلومة واستأجر الآخر بجزء من الخارج مدة معلومة وكل واحد من هذين العقدين جائز عند الانفراد فكذا عند الجمع بينهما فإن أخرجت الأرض زرعا كثيرا فاختلف العاملان فقال كل واحد منهما : أنا صاحب الثلث فالقول قول رب الأرض في ذلك لأن كل واحد منهما يدعي استحقاق الثلث عليه بالشرط فإذا صدق أحدهما فقد أقر له بالثلث وأنكر استحقاق الآخر فالقول قوله : ثم لما كان كل واحد منهما يستحق عليه كان القول قوله في بيان ما يستحقه كل واحد منهما عليه من الأجر أو ثلث الخارج وإن أقام كل واحد منهما البينة أنه صاحب الثلث أخذ الذي أقر له رب الأرض الثلث بإقراره وأخذ الآخر الثلث ببينته لأنه أثبت ما ادعاه بالبينة ولا شيء له من الأجر لأن من ضرورة استحقاقه ثلث الخارج ابتغاء الأجر الذي به أقر له رب الأرض ولو لم تخرج الأرض شيئا فقال كل واحد منهما : أنا صاحب الأجر فالقول قول رب الأرض لما قلنا وإن أقاما البينة فلكل واحد منهما على رب الأرض مائة درهم لأحدهما بإقرار رب الأرض له وللآخر بإثباته بالبينة ولا يلتفت إلى بينة رب الأرض في هذا الوجه ولا في الوجه الأول مع بينتهما لأنهما المدعيان للحق قبله والبينة على المدعي دون المنكر ولو كان دفع الأرض إليهما على أن يزرعاها ببذرهما على أن ما خرج منه فلأحدهما بعينه نصفه ولرب الأرض عليه أجر مائة درهم وللآخر ثلث الزرع ولرب الأرض سدس الزرع فهذا جائز لأنه أجر الأرض منهما نصفها من أحدهما بمائة درهم ونصفها من الآخر بثلث ما يخرجه ذلك النصف وكل واحد من هذين العقدين صحيح عند الإنفراد وقد بينا أن باختلاف البدل لا تتفرق الصفقة في حق صاحب الأرض فإن زرعها فلم تخرج الأرض شيئا فقال كل واحد منهما لرب الأرض : أنا شرطت لك سدس الزرع فالقول قول كل واحد منهما فيما زعم أنه شرط له لأن رب الأرض يصدق أحدهما في ذلك ويدعي على الآخر وجوب الأجر دينا في ذمته وهذا منكر لذلك فالقول قوله لإنكاره مع يمينه وإن أقاما البينة أخذ ببينة رب الأرض لأنه يثبت للآخر ببينته دينا في ذمته ولو أخرجت زرعا كثيرا فادعى كل واحد منهما أنه هو الذي شرط له الأجر وادعى صاحب الأرض على أحدهما الأجر وعلى الآخر .
سدس الزرع فإنه يأخذ الأجر من الذي ادعاه عليه لتصادقهما على ذلك وفي حق رب الأرض يدعي عليه استحقاق بعض الخارج وهو منكر فالقول قوله ويقال لرب الأرض : أقم البينة على السدس الذي ادعيته عليه وإن أقام البينة أخذ ببينة رب الأرض لأنه هو المدعي المثبت لحقه ببينته ولو دفع رجل إلى رجل أرضا على أن يزرعها ببذره وعمله فما خرج منه فثلثاه للعامل والثلث لأحد صاحبي الأرض بعينه وللآخر مائة درهم أجر نصيبه فهو جائز لأنه استأجر من أحدهما نصيبه بأجر مسمى واستأجر من الآخر نصيبه بثلث ما يخرجه نصيبه وكل واحد منهما مستقيم فإن أخرجت زرعا كثيرا فادعى كل واحد من صاحبي الأرض أنه صاحب الثلث فالقول قول الزارع لأن كل واحد منهما يدعي استحقاق الخارج عليه وإن أقام كل واحد من صاحبي الأرض البينة كان لكل واحد منهما ثلث الخارج لأنه أقر لأحدهما بثلث الخارج والآخر أثبت ببينته استحقاق ثلث الخارج ولا يلتفت إلى بينة المزارع مع بينتهما لأنهما المدعيان والبينة في جانب المدعي دون المنكر وإذا دفع الرجل إلى رجلين أرضا وبذرا على أن لأحدهما بعينه ثلث الخارج وللآخر عشرين فقيزا من الخارج ولرب الأرض ما بقي فزرعاها فأخرجت الأرض زرعا كثيرا فالثلث للذي سمة له الثلث والثلثان لصاحب الأرض وللآخر أجر مثله أخرجت الأرض شيئا أو لم تخرج لأن عقد المزارعة بينه وبين الذي شرط له الثلث صحيح وبينه وبين الآخر فاسد لأنه شرط له شرطا يؤدي إلى قطع الشركة في الخارج مع حصوله والمزارعة بمثل هذا الشرط تفسد ولكن عقده مع أحدهما معطوف على العقد مع الآخر بحرف العطف وليس بمشروط فيه ففساد العقد بينه وبين أحدهما لا يفسد العقد بينه وبين الآخر فإن اختلفا في الذي شرط له الثلث منهما فالقول قول رب الأرض لأن كل واحد منهما يدعي الاستحقاق عليه بالشرط وإن أقاما البينة كان لكل واحد منهما ثلث الخارج لأحدهما بإقرار رب الأرض له به وللآخر بإثباته بالبينة ولو لم تخرج الأرض شيئا كان القول قول رب الأرض في الذي له أجر مثله منهما فإن أقام كل واحد منهما البينة على ما ادعى فالبينة بينة رب الأرض لأن رب الأرض صدق أحدهما فيما ادعى عليه من أجر المثل وإنما بقيت الدعوى بينه وبين الآخر ورب الأرض ببينة تثبت شرط صحة العقد بينه وبين الآخر والآخر ينفي ذلك ببينته وقد بينا أن البينة التي تثبت شرط صحة العقد تترجح بخلاف ما سبق فهناك كل واحد من العقدين صحيح فلا يكون رب الأرض ببينته مثبتا شرط صحة العقد ولو كان صاحب الأرض اثنين على مثل هذا الشرط دفعاه إلى واحد والبذر من قبل المزارع كان في جميع هذه الوجوه مثل ما بينا من حكم صاحب الأرض حين كان البذر من قبله لاستوائهما في المعنى وذلك يتضح لك إذا تأملت والله أعلم