رجل افتتح الصلاة مع الإمام فنام خلفه حتى فرغ الإمام ثم انتبه وقد كان الإمام ترك سجدة من الركعة الأولى فقضاها في الثانية ولم يقعد في الثانية مقدار التشهد ساهيا ثم علم الرجل كيف صنع الإمام قال : يتبعه ويصلي بغير قراءة لأنه قد أدرك أول الصلاة مع الإمام والتزم الاقتداء به فكان هو مقتديا بالإمام فيما يأتي به وليس على المقتدى قراءة ويسجد في موضعها من الركعة الأولى لأن الإمام قضى تلك السجدة فالتحقت بمحلها وصار كأنه أداها في موضعها ولا يقعد .
صفحة [ 99 ] مقدار التشهد في الركعة الثانية عندنا وقال " زفر " C تعالى يقعد لأن الإمام لما استتم قائما إنما لم يعد إلى القعود لما فيه من ترك الفريضة لأداء السنة وذلك المعنى غير موجود في حق هذا الرجل فعليه أن يأتي بالقعدة كما كان ذلك على الإمام قبل أن يقوم إلى الثالثة وقاس بالسجدة فإنه يأتي بها في موضعها كما كان على الإمام أن يأتي بها .
ولكنا نقول : هو في الحكم كأنه خلف الإمام ومن كان خلف الإمام تسقط عنه القعدة الأولى بسقوطها عن الإمام ألا ترى أن الإمام لو قام إلى الثالثة ساهيا ولم يقم القوم كان عليهم أن يتبعوه ولا يأتون بتلك القعدة فكذلك هذا الرجل وبه فارق السجدة فإن تلك السجدة ما سقطت عن الإمام بالترك ولهذا قضاها وقد سقطت القعدة عن الإمام ألا ترى أنه لا يقضيها فتسقط عن المقتدي .
ولو نام خلف الإمام حتى صلى ركعة ثم رعف فقدمه فإنه لا ينبغي له أن يتقدم لأن غيره أقدر على إتمام صلاة الإمام منه فهو أولى بأن يكون خليفة له وإن فعل جاز لأنه شريك الإمام في الصلاة فيصلح أن يكون خليفة له ثم ينبغي له أن يشير إلى القوم لينتظروه حتى يقضي الركعة التي نام فيها لأنه لاحق فيبدأ بالأول فالأول .
فإن لم يفعل ولكن صلى بهم بقية صلاة الإمام ثم أخذ بيد رجل فقدمه حتى سلم بهم وقام هو فقضى ركعته جاز عندنا خلافا " لزفر " C تعالى وهو بناء على الأصل الذي بينا في الصلاة أن مراعاة الترتيب في أعمال صلاة واحدة ليست بركن عندنا وعنده ركن .
وإن بدأ بالتي نام فيها فأتبعه القوم فصلاته تامة لأنه في حق نفسه كالمنفرد وصلاة من ائتم به فاسدة لأنهم صلوا ركعة قبل أن يصليها إمامهم فإن إمامهم مشغول بالركعة التي أدوها هم مع الأول وهم قد صلوا ركعة أخرى وذلك مفسد لصلاتهم .
ولو أن رجلا قال لله علي أن أصلي ركعتين فاقتدى فيهما بمتطوع لم يجزه عن الركعتين لأن المنذور واجب عليه قبل الشروع فيه والتطوع ليس بواجب وصلاة المتقدي بناء على صلاة الإمام وبناء القوي على الضعيف لا يجوز بمنزلة المفترض يقتدي بالمتطوع وهذا بخلاف ماإذا قال والله لأصلين ركعتين فأداهما خلف متطوع فإن ذلك يجزيه لأنه بيمينه ما وجب عليه الصلاة فكان هو في الأداء متطوعا وإن كان يبر به في يمينه ألا ترى أن البر في اليمين يحصل بما هو حرام لا يجوز التزامه بخلاف النذر والذي يوضح الفرق : أنه لو قال لله علي أن أصلي ركعتين اليوم فلم يفعل كان عليه قضاؤهما .
ولو أنه قال والله لأصلين اليوم ركعتين فلم يفعل حتى مضى اليوم لم يكن عليه قضاؤهما فبهذا يتضح .
صفحة [ 100 ] الفرق . ولو أن مسافرا ومقيما نسيا صلاة فأم أحدهما صاحبه بعد ما تذكرا فإن أم المسافر المقيم جاز وإن أم المقيم المسافر لم تجز صلاة المسافر وقد بينا هذا الفرق في كتاب الصلاة أن اقتداء المقيم بالمسافر يجوز بعد خروج الوقت كما يجوز في الوقت لأن فرضه لا يتغير بالاقتداء واقتداء المسافر بالمقيم يجوز في الوقت ولا يجوز بعد خروج الوقت لأن فرضه يتغير بالاقتداء . ولو أن رجلا صلى مع الإمام الفجر فجعل يركع معه ويسجد قبله فعليه أن يسجد سجدتين وصلاته تامة لأنه لما سجد قبله ورفع رأسه قبل أن يسجد الإمام لم يعتد بهذه السجدة فلما سجد الإمام وسجد الرجل ينوي الثانية كانت هذه هي السجدة الأولى في حقه فإنما صلى مع الإمام ركعتين وترك في كل ركعة سجدة فعليه أن يسجد سجدتين وليس مراده من هذه المسألة أنه سجد قبل الإمام ثم سجد الإمام قبل أن يرفع هو رأسه لأن هناك لا يلزمه قضاء شيء فإن الإمام لما أدركه في آخر السجدة فقد وجدت المشاركة بينهما في هذه السجدة وليس مراده أنه سجد سجدتين جميعا ورفع رأسه منهما قبل أن يسجد الإمام لأنه حينئذ لا تجوز صلاته بأداء السجدتين فإنه في الحقيقة يكون مصليا ركعة فإنما عليه أن يصلي أخرى فعرفنا أن مراده ما بينا .
ولو صلى ركعة وترك منها سجدة ثم صلى ركعة أخرى بسجدتين فهما لهذه الركعة لأن الركعة تتقيد بالسجدة الواحدة فقد سجد للركعة الثانية في أوانها فيكون سجوده عن الركعة الثانية وسجدة الركعة الأولى صارت في حكم القضاء لفوات محلها فلا تتأدى بدون النية .
فإن طاف بالبيت أسبوعا ثم صلى ركعتين عند طلوع الشمس أو بعد ما تغيرت الشمس لم يجزئه عندنا عن ركعتي الطواف خلافا " للشافعي " رضي الله تعالى عنه لحديث " " جبير بن مطعم " Bه أن النبي A قال : لا تمنعوا أحدا يطوف بهذا البيت أي ساعة شاء من ليل أو نهار وليصل لكل أسبوع ركعتين " .
ولكنا نستدل بحديث " " معوذ بن عفراء " Bه فإنه طاف بعد العصر أسبوعا ثم لم يصل فقيل له في ذلك فقال نهانا رسول الله A عن الصلاة في هذه الساعة . " .
وعن " أبي سعيد الخدري " Bه أنه طاف بعد العصر أسبوعا فقال " عطاء " ارمقوا صاحب رسول الله A هل يصلي فرمقوه فلم يصل حتى غربت الشمس .
وعن " عمر " رضي الله تعالى عنه أنه طاف بعد صلاة الفجر أسبوعا ثم خرج من " مكة " فلما كان بذي طوى وارتفعت الشمس صلى ركعتين ثم قال ركعتان مكان ركعتين .
ولأن ركعتي الطواف تجب بسبب .
صفحة [ 101 ] من جهة العبد فهي كالمنذورة وقد بينا أن المنذورة لا تؤدى بعد الفجر قبل طلوع الشمس ولا بعد العصر قبل غروب الشمس .
وتأويل حديث " جبير " وليصل لكل أسبوع ركعتين في الأوقات التي لا تكره الصلاة فيها . رجل صلى ركعتين تطوعا ثم اقتدى به رجل ثم رعف فانطلق يتوضأ فصلى إمامه ركعة أخرى ثم تكلم الذي أحدث فصلى هذا الإمام تمام ست ركعات فعلى الرجل الداخل معه أن يقضي أربع ركعات لأنه اقتدى بالإمام في الشفع الثاني فيصير ملتزما لهذا الشفع والشفع الأول الذي أداه الإمام بهذه التحريمة فعليه قضاء الشفعين ثم هو قد أفسد الاقتداء قبل قيام الإمام إلى الشفع الثالث وإنما يلزمه الشفع الثالث بالقيام إليه كما لو لم يكن إماما له حين قام إليها لم يكن عليه قضاؤها .
ولو أن رجلين افتتحا الصلاة معا ينوي كل واحد منهما أن يكون إماما لصاحبه فصلاتهما تامة لأن الإمام في حق نفسه كالمنفرد فإن صلاته لا تنبني على صلاة غيره فنية كل واحد منهما للإمامة ونيته الانفراد سواء . كل واحد منهما أن يأتم بصاحبه فصلاتهما فاسدة لأن كل واحدة منهما نوى الافتداء عند الشروع ونيته الافتداء بالمقتدى لا تصح ألا ترى أن المسبوق إذا قام إلى قضاء ما فات فاقتدى به إنسان لم يصح افتداؤه وهذا لأن المقتدي تبع ويستحيل أن يكون كل واحد منهما تبعا لصاحبه في صلاة واحدة فلهذا تفسد صلاتهما ثم ذكر مسألة المغمى عليه وقد بيناها في كتاب الصلاة وفرق بين الإغماء والنوم فإن النوم لا يسقط القضاء وإن كان أكثر من يوم وليلة لأن النائم في حكم القضاء كالمنتبه ألا ترى أنه إذا نبه انتبه بخلاف المغمى عليه وجعل الجنون كالإغماء فقال إذا جن يوما وليلة أو أقل فعليه قضاء الصلوات وإذا جن أكثر من يوم وليلة فليس عليه قضاء الصلوات وهذا لأن الجنون يعجزه عن فهم الخطاب مع بقاء الأهلية للفرض ألا ترى أن فرضه المؤدي يبقى على حاله يعني حجة الإسلام والصلاة المؤداة حتى لو أفاق قبل مضي الوقت لم يكن عليه اعادة الصلاة فعرفنا أن الجنون إذا قصر فهو كالإغماء فإن كان يوما وليلة أو أقل كان عليه قضاء الصلوات وقد ظن بعض أصحابنا أن الجنون إذا استوعب وقت صلاة كاملة لم يكن عليه قضاؤها بخلاف الإغماء قالوا لأن الجنون يزيل العقل .
ألا ترى أن من قال جن رسول الله A في شيء من عمره كفر وقد أغمى عليه في مرضه ولكن الأصح أنه في حكم الصلاة لا فرق بين الجنون والإغماء كما نص عليه هاهنا وهذا الأصح والأقرب للصواب البرنامج . رجل نسى صلاتين من يومين .
صفحة [ 102 ] وهو لا يدري أي صلاتين هما فعليه اعادة صلاة يومين أخذا بالاحتياط وليس عليه مراعاة الترتيب في القضاء لأن ما لزمه قضاؤها أكثر من ست صلوات فيسقط مراعاة الترتيب للكثرة وكذلك لو نسى صلاة من يوم وهو لا يدري أيها هي أو نسي سجدة من صلاة وعلى قول " سفيان الثوري " Bه يعيد الفجر والمغرب ثم يصلى أربع ركعات بنية ما عليه وعلى قول " محمد بن مقاتل " C تعالى يصلي أربع ركعات بثلاث قعدات وهذا ليس بصحيح عندنا لأن تعين النية في القضاء شرط للجواز والصلوات وإن اتفقت في أعداد الركعات فهي مختلفة في الأحكام لأن افتداء من يصلى الظهر بمن يصلي العصر لا يجوز فلا يتحقق تعيين النية .
فيما يقول " محمد بن مقاتل " C تعالى ولا فيما يقول " سفيان " Bه فلهذا ألزمناه قضاء صلاة يوم وليلة . ولو أن رجلا أم قوما شهرين ثم قال قد كان في ثوبي قذر فعلى القوم أن يصدقوه ويعيدوا صلاتهم لأنه أخبر بأمر من أمور الدين وخبر الواحد في أمر الدين حجة يجب العمل بها إلا أن يكون ما جنا فحينئذ لا يصدق لأن خبره في أمور الدين غير مقبول إذا كان ما جنا والذي يسبق إلى الأوهام أنه يكذب في خبره على قصد الإضرار بالقوم لمعني دخله من جهتهم والماجن هو الفاسق فإن المجون نوع من الجنون وهو أن لا يبالي بما يقول ويفعل فتكون أعماله على نهج أعمال المجانين وكان شيخنا الإمام Bه يقول الماجن هو الذي يدعي سبب نبت وهو الذي يلبس قباطاق 2 ويتمندل بمنديل خيش ويطوف في السكك ينظر في الغرف إن النساء ينظرن إليه أم لا . ولو طلعت الشمس وهو في خلال صلاة الفجر ثم قهقه قبل أن يسلم فليس عليه وضوء لصلاة أخرى أما على قول " محمد " C تعالى فلانه صار خارجا بطلوع الشمس وهو احدى الروايتين عن " أبي حنيفة " Bه وفي الرواية الأخرى وإن لم يصر خارجا من أصل التحريمة فقد فسدت صلاته بطلوع الشمس لأنه لا يجوز أداء النفل في هذا الوقت كما لا يجوز أداء الفرض فالضحك في هذه الحالة دون الضحك في صلاة الجنازة فلا يجعل حدثا وعلى قياس قول " أبي يوسف " C تعالى يلزمه الوضوء خصوصا على الرواية التي رويت عنه أنه يصبر حتى تطلع الشمس ثم يتم الفريضة فعلى هذه الرواية لا يشكل أن ضحكه صادف حرمة صلاة مطلقة فكان حدثا . ولو افتتح التطوع .
صفحة [ 103 ] حين طلعت الشمس ثم أفسدها متعمدا ثم قضاها حين احمرت الشمس أجزأه إلا على قول " زفر " C تعالى فإنه يقول لما أفسدها فقد لزمه قضاؤها وصار ذلك دينا في ذمته فلا يسقط بالأداء في الوقت المكروه بمنزلة المنذورة التي شرع فيها في وقت مكروه ولكنا نقول لو أداها حين افتتحها لم يكن عليه شيء آخر فكذلك إذا قضاها في مثل ذلك الوقت لم يلزمه شيء آخر لأن القضاء بصفة الأداء فهو والمؤدى حين شرع فيه سواء وقد بينا نظائره في كتاب الصلاة والله أعلم بالصواب .
قال : رجل رفع رأسه من السجود قبل الإمام ثم عاد فإن نوى عند عودة السجدة الأولى أو متابعة الإمام أو لم يكن له نية فهو عائد في السجدة الأولى لأن ذلك مستحق عليه . وكذلك لو نوى السجدة الثانية ومتابعة الإمام لأن متابعة الإمام تكون فيما فيه الإمام وهي السجدة الأولى فصار ناويا لهما والجمع بينهما غير متأت فتلغى نيته ويصير كأنه لم تحضره النية