( قال C ) وإذا دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة بالنصف على أن للمضارب بما عمل في المال أجرا عشرة دراهم كل شهر فهذا شرط فاسد ولا ينبغي له أن يشترط مع الربح أجرا لأنه شريك في المال بحصته من الربح وكل من كان شريكا في مال فليس ينبغي له أن يشترط أجرا فيما عمل لأن المضارب يستوجب حصة من الربح على رب المال باعتبار عمله له فلا يجوز أن يستوجب باعتبار عمله أيضا أجرا مسمى عليه إذ يلزم عوضان لسلامة عمل واحد له وإن اعتبرنا معنى الشركة في المضاربة كان رأس مال المضاربة عمله ورأس ماله فلا يجوز أن يستوجب باعتبار عمله على رب المال أجرا فإن عمل على هذا الشرط فربح فالربح على ما اشترطا ولا أجر للمضارب في ذلك لأنه ما سلم عمله بحكم الإجارة على رب المال والمضاربة شركة والشركة لا تبطل بالشرط الفاسد إذا كان لا يؤدي ذلك إلى قطع الشركة بينهما في الربح بعد حصوله وقد طعن عيسى C في هذه المسألة وقال يجب أن يكون للمضارب أجر مثله فيما عمل لأن شرط الأجر المسمى ينافي موجب المضاربة فإن المضاربة جائزة غير لازمة فلكل واحد منهما أن يفسخها واشتراط الأجر المسمى يجعل العقد لازما وكل شرط يضاد موجب المضاربة فهو مفسد للمضاربة كما لو شرط للمضارب مائة درهم من الربح واستدل بما قاله في كتاب المزارعة في نظير هذه المسألة إن المزارعة تفسد والخارج كله لصاحب البذر وقد قيل في الفرق بينهما أنه قال في مسألة المزارعة على أن للمزارع أجر مائة درهم ولم يقل كل شهر فصار الأجر شرطا على العمل الذي قد اشترط له نصيبه من الزرع عليه وفي المضاربة قال على أن له أجرا عشرة دراهم كل شهر فالأجر هناك مشروط بمقابلة منافعه لا مقابلة العمل ( ألا ترى ) أن بمضي المدة بعد تسليم النفس يجب الأجر وإن لم يعمل له شيئا وشرط الربح بمقابلة العمل فكانا في حكم عقدين إذا فسد أحدهما لم يفسد الآخر به وقيل في الفرق بينهما المزارعة إجارة ولهذا شرط التوقيت فيها والإجارة تبطل بالشروط الفاسدة فأما المضاربة فشركة حتى لا يشترط فيها التوقيت والشركة لا تبطل بالشروط الفاسدة قوله هذا الشرط يضاد موجب المضاربة قلنا الشرط لا يضاد ذلك ولكن صحة الشرط واستحقاق الأجر به يوجب اللزوم وهذا الشرط غير صحيح هنا بل هو لغو كما ذكرنا فتبقى المضاربة بينهما صحيحة كما هو موجب المضاربة ولذلك إذا شرط ذلك الأجر لعبد له يعمل معه في المضاربة أو لبيت يشتري فيه ويبيع فالربح على ما اشترطا ولا أجر لعبد المضارب ولا لبيته لأن المشروط للبيت مشروط للمضارب وعليه حفظ مال المضاربة في بيته ولا يجوز أن يستوجب على ذلك أجرا ولهذا لا يجوز استئجار المرتهن على حفظ المرهون وعبد المضارب الذي لا دين عليه كسبه لمولاه فالمشروط له من الأجر كالمشروط للمضارب ولو كان العبد الذي اشترط له الأجر عليه دين أو كان مكاتب المضارب أو ولده أو والده فهو جائز على ما اشترطا وللذي عمل بالمال مع المضارب من هؤلاء عشرة دراهم كل شهر ما اشترطا لأنه من كسب هؤلاء كالأجنبي وله أن يستأجرهم للعمل معه ويكون أجرهم في مال المضاربة فاشتراط ذلك في المضاربة لا يزيده إلا وكادة وليس له أن يستأجر عبده الذي لا دين عليه ولا بيته من نفسه ليبيع فيه ويشتري للمضاربة فكان اشتراط ذلك في العقد شرطا فاسدا ولو اشترطا أن يعمل عبد رب المال مع المضارب على أن للعبد أجرا عشرة دراهم كل شهر ما عمل معه فهذا شرط فاسد لأن عبد رب المال إذا لم يكن عليه دين كنفسه ولو شرط عمل رب المال معه بأجر لم يجز ذلك ولا أجر له فيما عمل فكذلك إذا شرط ذلك لعبده أو لأبيه والربح بينهما على الشرط لأن الشرط الفاسد غير متمكن في صلب العقد بخلاف ما إذا شرط رب المال أن يعمل معه وهو بغير أجر لأن ذلك الشرط يعدم التخلية بين المضارب ورب المال وهنا الشرط لا يعدم التخلية فإن العبد أجير المضارب ويد الأجير كيده ولو كان عبد رب المال عليه دين فاشترط له أجرا عشرة دراهم كل شهر أو اشترط ذلك لمكاتبه أو لابنه جاز لما بينا أن هؤلاء كأجنبي آخر فيما يشترط لهم من الأجر على العمل وإذا استأجر رجل رجلا عشرة أشهر كل شهر بعشرة دراهم يشتري له البز ويبيع ذلك فهو جائز لأنه عقد على منافعه في مدة معلومة ببدل معلوم فإن دفع إليه رب المال في هذه العشرة الأشهر ما لا يعمل به على أن الربح بينهما نصفان فعمل به الأجير فالربح لرب المال والوضيعة عليه ولا شيء للأجير من الربح في قول أبي يوسف وقال محمد ربح المضاربة بينهما على ما اشترطا ولا أجر للأجير ما دام يعمل بهذا وإذا عمل بغيره من ملك رب المال فله أجر عشرة دراهم في كل شهر حتى تنقضي هذه الشهور لأن .
اتفاقهما على المضاربة بمنزلة الفسخ منهما للإجارة ولكن هذا الفسخ في ضمن المضاربة فيقتصر على المنافع التي يعمل بها في مال المضاربة ولا تتعدى إلى ما يعمل به في غيره من مال رب المال فيستوجب الشركة في الربح باعتبار المضاربة والأجر بمنافعه المصروفة إلى عمله لرب المال من غير مال المضاربة ولأن المضاربة شركة ولو أن الأجير شارك رب المال بألف من ماله خلطه بمال رب المال بإذنه على أن يعمل بالمالين فما رزق الله تعالى في ذلك من شيء فهو بينهما نصفان كانت الشركة جائزة على ما اشترطا ولا أجر للأجير ما دام يعمل بهذا المال فكذلك في المضاربة وأبو يوسف يقول عقد الإجارة لا ينتقض بالمضاربة لأن المضاربة دون الإجارة فالإجارة لازمة من الجانبين والمضاربة غير لازمة ولا ينتقض الشيء بما هو دونه ولأن المعقود عليه في الإجارة منافعه وفي المضاربة العمل وأحدهما غير الآخر والعقد المضاف إلى محل لا يبطل عقدا مضافا إلى محل آخر وهو أقوى منه ومع بقاء الإجارة لا يجوز أن تثبت له الشركة في الربح إذا اجتمع له الأجر والشركة في الحاصل بعمله وذلك لا يجوز ولأن المضارب إنما يستحق الشركة في الربح بإزاء عمل نفسه بمنافع هي له وهنا منافعه بعقد الإجارة مستحقة للمستأجر فلا يوجد ما هو موجب استحقاق الشركة في الربح وهذا بخلاف الشركة فإن الشريك يستحق الربح بماله لا بعمله فبالإجارة السابقة بينهما لا ينعدم ما به يستحق الشريك ولأن الشريك يعمل لنفسه في مال نفسه فلا يستوجب الأجر بهذا العمل على المستأجر والمضارب يعمل لرب المال وهو بعمله لرب المال يستوجب الأجر هنا فلا يجوز أن يستوجب الشركة في الربح وعقد الإجارة يرد على منافعه كما قال ولكن المقصود هو العمل فإذا وجد ما هو المقصود كان البدل بمقابلته وإن كان تسليم النفس عند عدم العمل يقام مقامه في استحقاق الأجر كالصداق فإنه بمقابلة ما هو المقصود وإن كان تسليم المرأة نفسها قد يقام مقام ما هو المقصود في تأكد المهر به لدفع الضرر عنها ولو كان الأجير دفع إلى رب المال مالا مضاربة يعمل به على النصف جاز والأجير على الإجارة والمستأجر على المضاربة لأن عقد الإجارة لا يوجب للأجير حقا في منافع رب المال ولا في عمله فدفعه المال إليه مضاربة بعد الإجارة كدفعه إليه قبل الإجارة فإن استبضع رب المال الأجير مال المضاربة يشتري به ويبيع على المضاربة فقبضه الأجير فاشترى به وباع فهو جائز على ما اشترطا في المضاربة لأن عمل المستبضع كعمل المبضع كما لو أبضعه المضارب مع أجنبي آخر والأجر على حاله للأجير لأنه قد تحقق منه تسليم نفسه في المدة للعمل به وهو يستوجب الأجر بذلك وعقد المضاربة لا يفسد هنا بخلاف ما إذا اشترط عمل رب المال بالمال لأن ذلك الشرط يعدم التخلية فأما الإبضاع فلا يعدم التخلية المستحقة لتمكن المضارب من استرداد المال منه متى شاء وإذا دفع إلى رجل مالا مضاربة بالنصف على أن يعمل معه رب المال على أن لرب المال أجرا عشرة دراهم كل شهر فهذا الشرط يفسد عقد المضاربة لأنه يعدم التخلية وقد بينا أنه لو شرط عمل رب المال مع المضارب بغير أجر فسد العقد فإذا شرط عمله مع المضارب كان أولى وإذا فسد العقد كان الربح كله لرب المال والضيعة عليه وللمضارب أجر مثله فيما عمل وهو الحكم في المضاربة الفاسدة ولا أجر لرب المال لأنه عامل في مال نفسه لنفسه وهو في ذلك لا يكون أجيرا لغيره فلهذا لا يستوجب الأجرة به والله أعلم