( قال C ) وإذا مات المضارب وعليه دين ومال المضاربة في يده معروف وهو دراهم وكان رأس المال دراهم بدئ برب المال قبل الغرماء بأخذ رأس المال وحصته من الربح لأنه وجد عين ماله ومن وجد عين ماله فهو أحق به ثم دين المضارب إنما يتعلق بتركته بعد موته وتركته ما كان مملوكا له عند موته وهو حصته من الربح فأما مقدار رأس المال وحصة رب المال من الربح فهو ملكه ليس من تركة المضارب في شيء فإن قال ورثة المضارب والغرماء الدين الذي على المضارب من المضاربة وكذبهم رب المال فالقول قول رب المال لأنهم يدعون استحقاق ملكه بالدين الذي هو على المضارب في الظاهر فلا يقبل قولهم إلا بحجة ورب المال منكر لدعواهم فالقول قوله مع يمينه وإنما استحلف على علمه لأنه استحلاف على فعل الغير وإن كانت المضاربة حين مات المضارب عروضا أو دنانير فأراد رب المال أن يبيعها مرابحة لم يكن له ذلك لأنه في حال حياة المضارب كان هو ممنوعا عن أخذها وبيعها لحق المضارب وحقه بموته لا يبطل والذي يلي بيعها وصي المضارب لأنه قائم مقامه فيبيعها لتحصيل جنس رأس المال فإن لم يكن له وصي جعل القاضي له وصيا ببيعها فيوفي رب المال رأس ماله وحصته من الربح ويعطي حصة المضارب من الربح غرماءه لأن الميت عجز عن النظر لنفسه والقيام باستيفاء حقه فعلى القاضي أن ينظر له بنصي الوصي وقال في المضاربة الصغيرة يبيعها وصي الميت ورب المال ووجه أن رب المال ما كان راضيا بتصرف الوصي في ماله والمال وإن كان عروضا أو دنانير فالملك لرب المال فيه ثابت فلا ينفرد الوصي ببيعها ولكن رب المال ببيعها معه وما ذكر هنا أصح لأن الوصي قائم مقام الموصي وكان للموصي أن ينفرد ببيعها فكذلك لوصيه وهذا لأن رب المال لو أراد بيعها بنفسه لم يملك فلا معنى لاشتراط انضمام رأيه إلى رأي الوصي في البيع وإن كانت المضاربة لا تعرف بعينها في يد المضارب وعليه دين في الصحة فرب المال أسوة الغرماء في جميع تركته ولا ربح للمضارب لأن مال المضاربة كان أمانة في يده وقد صار مجملا بترك التعيين عند موته فيكون متملكا ضامنا له وهذا دين لزمه بسبب لا تهمة فيه فيكون رب المال مزاحما لغرماء الصحة في جميع تركته وتركته ما كان في يده لأن الأيدي المجهولة عند الموت تنقلب يد ملك وإذا دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة بالنصف فأقر المضارب عند موته أنه قد عمل بالمال فربح ألفا ثم مات والمضاربة غير معروفة وللمضارب مال فيه وفاء بالمضاربة وبالربح فإن رب المال يأخذ من مال المضارب رأس ماله ولا شيء له من الربح لأن المضارب لم يقر بأن الربح وصل إليه إنما أقر أنه ربح ألفا وليس لرب المال أن يأخذ من تركته شيئا من الربح ما لم يثبت وصوله إلى يده ولو كان أقر أن ذلك وصل إليه أخذ رب المال حصته منه مع رأس المال لأن حصة رب المال من الربح كانت أمانة في يد المضارب مع رأس المال وقد مات مجملا للملك فصار دينا عليه يستوفيه رب المال من مال المضاربة ولو قال المضارب في مرضه قد ربحت ألف درهم ووصلت إلي فضاع المال كله وكذبه رب المال فالقول قول المضارب مع يمينه لأنه أمين أخبر بما هو مسلط على الإخبار به فإن لم يستحلف على ذلك حتى مات فهو بريء من المال لإخباره بضياع المال ولرب المال أن يستحلف ورثته على علمهم بضياع المال لأنهم لو أقروا بما ادعاه رب المال كانوا ضامنين له من التركة فإذا أنكروا استحلفهم على العلم لرجال نكولهم وهو استحلاف على فعل الغير بأن يدهم ما وصلت إلى المال وذلك لو قال في مرضه قد دفعت رأس المال إلى رب المال وحصته من الربح فهو مخبر بما هو مسلط عليه فيقبل قوله في براءته عن ذلك إلا أن قوله غير مقبول في الحكم بإيصال المال إلى رب المال حقيقة فيأخذ حصة المضارب من الربح فيكون له من رأس ماله لأن ما وراء ذلك كالتاوي حين لم يثبت وصوله إلى رب المال ولم يكن المضارب ضامنا فإن كان على المضارب دين يحيط بماله وحصة المضارب من الربح غير معروفة وقد علم أن المضارب قد ربح ألف درهم ووصلت إليه فإن رب المال يحاص الغرماء بحصة المضارب من الربح لأن ذلك القدر قد صار دينا له في تركته بسبب لا تهمة فيه فيكون صاحبه مزاحما لغرماء الصحة ولو أقر المضارب عند موته وعليه دين يحيط بماله أنه ربح في المال ألف درهم وأن المضاربة والربح دين على فلان ثم مات فإن أقر الغرماء بذلك فلا حق لرب المال فيما ترك المضارب لأنه عين مال المضاربة بما أقر به وذلك يمنع صيرورة المال دينا في تركته ولكن يتبع رب المال المديون برأس ماله فيأخذه ويأخذ نصف ما بقي منه أيضا حصة من الربح واقتسم نصفه غرماء المضارب مع ماله وإن قال غرماء المضارب إن المضارب لم يربح في المال شيئا وليس الدين الذي .
على فلان من المضاربة كان ذلك الدين مع سائر تركته بين الغرماء ورب المال بالحصص يضرب رب المال برأس ماله ولا يضرب بشيء من الربح لأن ذلك الدين واجب بمعاملة المضارب فيكون في الظاهر له كالمال الذي في يده وإقراره به لرب المال كإقراره بعين في يد الإنسان ومن عليه الدين المستغرق إذا أقر في مرضه بعين لإنسان وكذبه الغرماء لم يصح إقراره فهذا مثله إلا أن يقدر رأس المال قد علمنا وجوبه في تركته وصيرورته دينا عليه حين لم يعمل بيانه فهذا القدر دين لزمه لسبب لا تهمة فيه فأما حصة رب المال من الربح لو لزمه إنما يلزمه بإقرار المضارب به وإقرار المضارب بالدين غير صحيح في مزاحمة غرماء الصحة ولو أقر في مرضه بمال في يده أنه مضاربة لفلان ولا يعرف إلا بقوله بدئ بدين الصحة لأن المريض محجور عن الإقرار بالدين والعين بحق غرماء الصحة فإن لم يكن عليه دين في الصحة وإنما أقر بالدين في مرضه قبل إقراره بالمضاربة حاص رب المال الغريم برأس ماله لأن إقراره بمضاربة بعينها كالإقرار بالوديعة وقد بينا في كتاب الإقرار أن المريض إذا أقر بالدين أولا ثم بالوديعة يتحاصان لأن حق الغريم متعلق بماله فيمنع ذلك سلامة العين للمقر له بالعين ويصير هذا كالإقرار بالوديعة مستهلكة ولو كان بدأ الإقرار بالمضاربة بعينها بدئ بها لأن العين صار مستحقا لرب المال وخرج من أن يكون مملوكا للمضارب فإقراره بالدين بعد ذلك يكون شاغلا لتركته لا لأمانة الغير في يده وإن أقر لها بغير عينها تحاصا لأن الإقرار بالمضاربة المجهولة كالإقرار بالدين فكأنه أقر بدين ثم بدين وإن أقر بها بعينها ثم أقر بالدين ثم أقر بعد ذلك إن المضاربة في هذه الألف بعينها تحاصا لأن إقراره بالعين كان بعد الإقرار بالدين فلا يكون مقبولا في استحقاق المقر له العين واختصاصه به بعدما صار مشغولا بحق المقر له بالدين وإن قال هذه الألف مضاربة لفلان عندي ولفلان عندي وديعة كذا ولفلان كذا من الدين بدئ بالمضاربة لأنه أقر بها بعينها فبنفس الإقرار صارت العين مستحقة لرب المال فلا يتغير ذلك بما يعطف عليه الإقرار بوديعة غير معينة بالدين ولو لم يقر بها بعينها كان جميع مال المضاربة بين صاحب الدين وصاحب الوديعة وصاحب المضاربة بالحصص لأن إقراره بأمانة غير معينة بمنزلة إقراره بالدين ولو قال لفلان عندي ألف درهم مضاربة وهي في هذا الصندوق ولفلان على ألف درهم فلم يوجد في الصندوق شيء كان ما تركه المضارب بين رب المال والغريم بالحصص لأنه حين لم يوجد في الصندوق شيء فقد ظهر أن تعيينه كان لغوا بقي إقراره بمضاربة غير معينة وبالدين ولو وجد في الصندوق ألف كان رب المال أحق بها لأن تعيينه كان صحيحا فإن التعيين وجد منه قبل الإقرار بالدين فكأنه أقر ابتداء بالمضاربة بيعينها فإن قيل كان ينبغي أن يقال إذا لم يوجد في الصندوق شيء أن لا يكون لرب المال شيء لفوات محل حقه . قلنا هذا إن لو صح تعيينه مع فراغ الصندوق عنه ولم يصح ذلك بل هو تجهيل منه والمضارب بالتجهيل ضامن وقال في المضاربة الصغيرة إذا لم يشهد الشهود إن هذه الألف كانت في الصندوق يوم أقر جعلناها بين الغرماء ورب المال بالحصص والقياس ما قاله ثمة لأن الموجود من المضارب تعيين الصندوق ولم يوجد منه تعيين مال المضاربة إذا لم يعلم أن الألف كانت في الصندوق يومئذ طريق العلم به شهادة الشهود وما ذكر هنا استحسان لأن الصندوق محل لما فيه من المال فتعيينه كتعيين المال فلهذا كان رب المال أحق بها ولو وجد في الصندوق ألفان فلرب المال ألف منها خاصة والباقي بين الغرماء لأن تعيينه صحيح لما وجد في الصندوق من جنس حق رب المال مقدار حقه وزيادة وسواء كانت الألفان مختلطة أو غير مختلطة لأن المضارب أمين في مال المضاربة واختلاط الأمانة بمال الأمين من غير صنعه لا يكون موجبا للضمان فإن علم أن المضارب هو الذي خلط المال بغير أمر رب المال كان المال كله بينهم بالحصص في قول أبي حنيفة وفي قول أبي يوسف ومحمد نصفه لرب المال ونصفه للغرماء وهو بناء على ما تقدم بيانه أن الأمين إذا خلط الوديعة بمال نفسه صار مستهلكا للمخلوط وصارت الأمانة دينا عليه عند أبي حنيفة C فيكون رب المال صاحب دين كغيره من الغرماء وأما عندهما فبالخلط يصير ضامنا ولكن لا يصير متملكا فلرب المال أن يرضى بالخلط ويختار المشاركة فيأخذ نصف المخلوط برأس ماله ونصفه للغرماء ولو قال لفلان عندي ألف درهم مضاربة وهي التي على فلان ولفلان على ألف درهم ولا مال له غيره فذلك الدين لرب المال لأن تعيينه للمضاربة التي على غيره كتعيينه ألفا في صندوقه أو في كيسه أو بيته فإذا حصل ذلك .
قيل الإقرار بالدين اختص رب المال به وإن جحد المضارب المضاربة في صحة أو مرض ثم أقر بها فهي دين في ماله لأن الإقرار بعد الإنكار صحيح ولكن الأمين بالجحود يصير ضامنا فإقراره بعد ذلك كالإقرار بالدين وكذلك لو جحد شيئا من الربح ثم أقر ثم قال لم يصل إلي ضمن ما جحد من الربح وإن كان دينا قال عيسى C هذا غلط وإن جحد الدين لم يضمنه حتى يقبضه على الجحود لأن الجحود إنما يكون موجبا للضمان عليه باعتبار أن المال في يده وأنه متملك له مستول عليه بهذا الجحود وهذا لا يتحقق فيما هو دين على الغير ما لم يقبضه فإن قبضه على الجحود فهو ضامن وإن رجع إلى الإقرار ثم قبضه فلا ضمان عليه وقيل يحتمل أن مراد محمد C قوله لرب المال لك ثلث الربح ولي ثلثاه ليس بإقرار وفي المختصر للكافي قال ليس إقراره بأن له النصف وقيل في تأويله أنه أقر له بالثلث ثم بالنصف بعد ذلك فيكون مقرا بالسدس بعد الجحود فيجب عليه الضمان وذكر القاضي أبو عاصم في شرحه فقال جحوده الربح إقرار بإبراء الغريم ولو صرح بالإبراء فإنه يضمن الربح وإن لم يصل إلى يده كذلك هذا بإقرار بأن له النصف فيكون ضامنا ثم سلم بما سلم من ذلك على ذلك والأصح أن يقول حق القبض فيما وجب بمعاملته له خاصة فكونه في ذمة الغريم وكونه في يده سواء في أنه صار متملكا مقدار ما جحده متويا حق رب المال فيه فكان قبضه على الجحود وعلى الإقرار بعد الجحود في إيجاب الضمان عليهلأجل الإقرار سواء وإذا دفع إلى رجلين مالا مضاربة فمات أحدهما وقال الآخر : هلك المال صدق في نصيبه لكونه أمينا فيه وكان نصيب الآخر دينا في تركته لأنه مات مجهلا لنصيبه فإن علم أن الميت كان أودع نصيبه صاحبه الحي فقال الحي قد هلك فهو مصدق على جميعه لأن المضارب يملك الإيداع فقول مودعه قد هلك بمنزلة قول المضارب في حياته إنه قد هلك وإن قال قد دفعت ذلك إلى صاحبي كان مصدقا مع يمينه لكونه أمينا فيه وكان ذلك دينا في مال صاحبه لأن صاحبه مات مجهلا فإنه إن ثبت وصوله إليه فلا إشكال وإن لم يثبت وصوله إليه من يد الحي فالحي كان مسلطا من جهته على الرد وإنما قبل قوله في ذلك لأجل التسليط فيكون المضارب الميت مجهلا له على كل حال فكان ذلك دينا في تركته وإذا ربح المضارب في المال ربحا فأقر به وبرأس المال ثم قال قد خلطت مال المضاربة بمالي قبل أن أعمل وأربح لم يصدق لأن الربح صار مستحقا لرب المال فهو بهذه المقالة يبطل استحقاقه ويدعي ملك جميع الربح لنفسه بالخلاف الحاصل منه بالخلط فلا يقبل قول إلا بحجة ولأن الربح نماء المال فيكون ملكا لصاحب المال باعتبار الظاهر فلا يستحقه غيره إلا بالشرط ( ألا ترى ) أن المضارب لو ادعى زيادة فيما شرط له من الربح لم يقبل قوله فيه إلا بحجة فإذا ادعى سببا يملك به جميع الربح فلأن لا يقبل قوله من غير حجة كان أولى فإن هلك المال في يده بعد ذلك ضمن رأس المال لرب المال وحصته من الربح لإقراره على نفسه بالسبب الموجب للضمان ولأنه لما زعم أنه خلطه بماله ثم ربح بعد ذلك فقد ادعى أن الربح كله ملكه والأمين إن ادعى الملك لنفسه في الأمانة يصير ضامنا وإذا أقر المضارب بدين في المضاربة لولده أو والده أو زوجته أو مكاتبه أو عبده وعليه دين أو لا دين عليه لزمه ذلك في ماله خاصة في قول أبي حنيفة C إلا ما أقر به لعبده ولا دين عليه فإنه لا يلزمه منه شيء وفي قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله إقراره لهؤلاء صحيح على المضاربة إلا لعبده أو لمكاتبه وهذا لأن المضارب نائب في التصرف كالوكيل وقد بينا في البيوع أن عند أبي حنيفة C الوكيل لا يملك التصرف مع من لاتجوز شهادته له في حق الموكل لكونه متهما في ذلك وعندهما يملك ذلك إلا في عبده ومكاتبه فالمضارب كذلك وهذا لأنه يلزمه لهؤلاء حق في مال رب المال بمجرد قوله فيكون في معنى الشاهد لهم على غيره بمال وشهادته لهؤلاء لا تقبل فكذلك إقراره إلا أن الدين بالمعاملة يجب في ذمته وهو غير متهم فيما يلزمه لهؤلاء فلذا لزمه ذلك في ماله خاصة فأما العبد الذي لا دين عليه له فهو ليس من أهل أن يستوجب دينا عليه وعندهما إقراره لعبده ومكاتبه كإقراره لنفسه لأنه يملك كسب عبده وله حق الملك في كسب مكاتبه وأما إقراره لابنه وأبيه كإقراره لأخيه من حيث أنه لا يثبت له في المقر به ملكا ولا حق ملك فيصح في حق رب المال وقال في المضاربة الصغيرة في قول أبي حنيفة إذا كان في المضاربة فضل لزم المضارب ما أقر به من حصته وهو صحيح لما بينا أنه غير متهم في حق نفسه وإن كان متهما في حق غيره ولو أقر المضارب في مرضه .
بمضاربة بعينها ثم أقر بها بعينها وديعة لآخر ثم أقر بدين ثم مات بدئ بالمضاربة لأن رب المال استحق ذلك المال بإقراره عينا كما أقر به ثم هو أقر للثاني بوديعة قد استهلكها بإقراره فيها بالمضاربة والإقرار بالوديعة المستهلكة إقرار الدين فكأنه أقر بدين ثم بدين فيتحاص صاحب الوديعة والدين فيما بقي من تركته