( قال Bه ) قد تقدم بيان بعض مسائل الباب في البيوع فمن ذلك أن ما أنفق المضارب على نفسه في سفره لا يلحقه برأس المال في بيع المرابحة بخلاف ما أنفق على المتاع والرقيق مما لا بد منه فإنه يلحقه ويقول قام علي بكذا من غير أن يفسره لوجود العادة بين التجار في إلحاق النفقة على المتاع برأس المال دون إلحاق ما أنفقوا على أنفسهم وفي حق المشتري لا فرق بين أن يكون المتصرف مضاربا أو مالكا فكما أن المالك لا يلحق ما أنفقه على نفسه برأس المال لأن منفعة ذلك برأس المال وباعه مرابحة أو تولية على الجملة من غير بيان فذلك جناية وقد بينا أقاويلهم في الجناية في المرابحة والتولية في البيوع وفي قول زفر كقول محمد رحمهما الله ولو اشترى المضارب متاعا بألف درهم ورقمه بألفي درهم ثم قال للمشتري منه ابتعه مرابحة على رقمه فإن بين للمشتري كم رقمه فهو جائز لا بأس به لأنه صادق في مقالته فرقمه ما أخبره ولم يخبره أنه قام عليه بذلك وقد بينا في البيوع رواية أبي يوسف في الفرق بين ما إذا كان المشتري عالما بعادة التجار أو غير عالم بذلك وإن لم يعلم المشتري كم رقمه فالبيع فاسد فجهله بمقدار الثمن فإذا علم بالرقم كم هو فهو بالخيار إن شاء أخذه وإن شاء تركه لأنه إنما يكشف له الحال الآن وخيار كشف الحال قد بيناه في البيوع عند أبي حنيفة C فإن قبضه فباعه ثم علم ما رقمه فرضي به فرضاه باطل وعليه قيمته لأنه ملكه بالقبض بحكم عقد فاسد فنفذ بيعه فيه وتقرر عليه ضمان القيمة بإخراجه من ملكه فلا يتغير ذلك بعلمه بالرقم ورضاه به لأن إزالة المفسد إنما تصحح العقد إذا كان المعقود عليه قائما في ملكه والتولية في هذه كالمرابحة فإن كان المضارب ولاه رجلا برقمه ولا يعلم المشتري ما رقمه ثم باعه المضارب بعد ذلك من آخر بيعا صحيحا جاز إن لم يكن الأول قبضه لأن البيع الأول كان فاسدا ولم يملكه المشتري قبل القبض فصح البيع الثاني من المضارب وانتقض به البيع الأول ولذلك لو كان الأول علم برقمه فسكت حتى باعه المضارب من آخر بيعا صحيحا لأن بمجرد علمه لا يصح البيع الأول ما لم يرض به فإن رضي الأول بعدما علم ثم باعه المضارب من آخر بيعا صحيحا فالبيع للثاني باطل لأن البيع الأول قد تم برضا المشتري به بعد علمه فصار المبيع مملوكا للمشتري ولو كان الأول قبض المتاع من المضارب في هذه الوجوه ثم باعه المضارب من آخر كان بيعه الثاني باطلا لأن الأول بالقبض صار مالكا فما لم يسترده المضارب منه لا ينفذ بيعه من غيره وإن علم الأول بالرقم فنقض البيع لم يجز البيع الثاني أيضا لأنه سبق عود الملك إليه فلا ينفذ بعوده إليه من بعد كمن باع مالا يملكه ثم ملكه ولو كان المضارب اشترى المتاع بألف درهم ثم قال لرجل أبيعك هذا المتاع مرابحة بربح مائة على ألفي درهم ولم يسم رقما ولا غيره فاشتراه برقمه ثم علم أن المضارب كان اشتراه بألف درهم فالبيع لازم بألفي درهم ومائة درهم ولا بأس للمضارب بما صنع لأنه ما باعه مرابحة على رأس ماله فيه بل باعه مرابحة على ألفي درهم وإنما يكره أن يتكلم بالكذب أو بما فيه شبهة الكذب فأما إذا خلا كلامه عن ذلك فلا بأس ببيعه وقد باعه بثمن مسمى معلوم فيجوز وإن كان أسرف فيما أنفق على الرقيق فإنما يضم إلى رأس ماله من ذلك نفقة مثله فأما الزيادة على ذلك كالتبضع منه فلا يلحق برأس المال وإذا دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة فاشترى بها جارية ثم باعها بألفين واشترى بألفين جارية تساوي ألفي درهم من الغريم لا بأس بأن يبيعها مرابحة ولا يبين أن ثمنها كان دينا بخلاف ما إذا صالحه على هذه الجارية صلحا فإنه لا يبيعها مرابحة حتى يبين لأن الشراء مبني على الاستقصاء والصلح مبني على التجاوز بدون الحق فعند ذلك لفظ الصلح يمكن شبهة الحطيطة والشبهة كالحقيقة في المنع من بيع المرابحة لأنه مبني على الأمانة ولو اشترى بألف المضاربة جارية نسيئة سنة فهو جائز لأن في يده من مال المضاربة مثل ثمنها فلا يكون هذا استدانة على المضاربة والشراء بالنسيئة من عادة التجار كالشراء بالنقد ثم لا يبيعها مرابحة على الألف ما لم يبين لما في الشراء بالنسيئة من شبهة الزيادة على ثمن المثل وقد بينا هذا في البيوع ولو اشترى ببعض الجارية ثيابا ثم فتلها أو قصرها بأجر أو صبغها بأجر فله أن يبيعها مرابحة على الثمن والأجر لأن هذا مما جرى الرسم به بين التجار في إلحاقه برأس المال ولو مر على العاشر فعشره لم يلحق ذلك برأس المال لأن ذلك إما أن يكون زكاة فلا يحلقه برأس المال وإما أن يكون غصبا فلا بيع على ما غصب منه مرابحة ولو اشترى المتاع بجميع المال ثم قصره من ماله فهو متطوع لا يرجع به على رب المال ولا ضمان عليه إن قال له رب المال اعمل فيه برأيك أو لم يقل لأن القصارة تزيل الدرن ولا تزيد في العين شيئا من مال المضاربة فلا يصير .
هو مخالفا بما صنع لأنه زاد المتاع خيرا بما صنع وهو متطوع في ذلك لأن رب المال لم يرض برجوعه عليه بشيء في ذمته فعمله ذلك في متاع المضاربة ومتاع أجنبي آخر سواء وإذا باعه مساومة أو مرابحة كان الثمن كله على المضاربة وكذلك لو فتل الثوب أو صبغه أسود من ماله فنقصه ذلك أو لم يزد فيه وإن صبغه من ماله صبغا يزيد فيه كالعصفر والزعفران وإن كان رب المال أمره أن يعمل في ذلك برأيه فلا ضمان عليه وإن كان لم يأمره بذلك فهو ضامن للثياب لأنه خلط ماله بمال المضاربة والصبغ مال متقوم للمضارب وقد بينا أن المضارب بالخلط يصير ضامن إذ لم يقل له رب المال اعمل فيه برأيك ثم إن لم يكن فيه فضل على رأس المال فرب المال بالخيار إن شاء أخذه برأس ماله وأعطى المضارب ما زاد على الصيغ فيه يوم يختصمون وإن شاء سلم له الثوب وضمنه قيمته لأن الثوب كله لرب المال والمضارب فيما صنع بمنزلة من غصب ثوب إنسان وصبغه فإن لم يختر شيئا حتى باعها المضارب مساومة أو مرابحة جاز بيعه لبقاء عقد المضاربة بينهما في الثوب بعد الصبغ لأن المضارب في البيع كالوكيل والوكالة بالبيع لا تبطل بالخلاف من طريق الفعل وبرئ من ضمانه لأنه عاد إلى الوفاق من بعد تصرفه على المضاربة ويقسم الثمن في المساومة على قيمة الثوب وقيمة ما زاد الصبغ فيه فيكون حصة الصبغ للمضارب ويستوفي رب المال رأس ماله من حصة الثوب والباقي ربح بينهما على الشرط لأن الصبغ عين مال قائم في الثوب للمضارب وقد تناوله البيع كالثوب فيقسم الثمن عليهما بخلاف القصارة وإن كان باعه مرابحة قسم الثمن على المشتري به المضارب وعلى جر الصبغ يوم صبغ لأن الثمن في بيع المرابحة مبنى على الثمن الأول فيقسم عليه وفي بيع المساومة بمقابلة الملك فيقسم على قدر الملك وإن كان صبغه أسود فكذلك الجواب عندهما لأن السواد عندهما زيادة كالحمرة وعند أبي حنيفة السواد في الثوب نقصان فهو بمنزلة القتل والقصارة في أنه لا حصة للمضارب من الثمن ولا ضمان عليه لأنه لم يخلط مال المضاربة بمال متقوم له وإذا اشترى المضارب المتاع بألف المضاربة وقبضه ولم ينقد الثمن حتى ضاعت فإنه يرجع على رب المال بألف أخرى فينقدها إياه لأن في الشراء كان عاملا لرب المال بأمره فيرجع عليه بما لحقه من العهدة وهو في هذا كالوكيل إذا دفع إليه الثمن قبل الشراء وهلك في يده بعد الشراء فإنه يرجع على الموكل بعد الشراء لأن الوكيل لا يرجع إلا مرة واحدة فإن شراء الوكيل يوجب الثمن عليه للبائع وله على الموكل فإذا رجع على الموكل بعد الشراء صار مقتضيا ما استوجبه دينا عليه وصار مضمونا عليه بالقبض فإذا هلك يهلك من ضمانه فأما المضارب إذا رجع على رب المال فما يقبضه يكون أمانة في يده لأنه من رأس المال ( ألا ترى ) أن عند القسمة يرد على رب المال أولا جميع ما استوفى ثم يقاسمه الربح ومن شرط المضاربة أن يكون رأس المال أمانة في يد المضارب فإذا هلك ثانيا كان هلاكه على رب المال فيرجع عليه مرة بعد أخرى حتى يصل الثمن إلى البائع ولا يبيع المتاع مرابحة إلا على ألف درهم لأنه اشتراه بألف وما هلك في يده من رأس مال المضاربة فلا يلحقه برأس المال فإذا باع المتاع أخذ رب المال رأس ماله ألفي درهم لأنه رجع ذلك إلى المضارب بسبب عقد المضاربة فيكون جميع رأس ماله يرد عليه ثم الباقي ربح بينهما وكذلك لو كان اشترى بألف جارية فلم يقبضها حتى ادعى المضارب إنه قد نقد البائع الثمن وجحد البائع ذلك وحلف فإن المضارب يرجع على رب المال بألف أخرى فيدفعها إلى البائع ويأخذ الجارية فتكون على المضاربة لأن هذه عهدة لحقته في عمل باشره لرب المال وإذا اقتسموا المضاربة أخذ رب المال رأس ماله ألفي درهم لما ذكرنا والمضارب في هذا مخالف للوكيل فإن الوكيل بالشراء لو قال دفعت الألف إلى لابائع وجحد البائع غرمها الوكيل من ماله فيدفعها إلى البائع ويأخذ منه الجارية فتسلم إلى الآمر لأن الوكيل قد أقر إنه اقتضى دينه على الموكل بما قضى به دين نفسه من مال الموكل فيسلمها إلى الآمر وإقرارهما ليس بحجة على البائع في قضاء الثمن لأن ذلك دعوى منه عليه ولكنه حجة عليه في الاقتضاء لأن ذلك إقرار منه وبعدما صار مقتضيا لا يرجع على الموكل بشيء فأما المضارب يدفع الثمن إلى البائع يكون قاضيا لا مقتضيا لأنه لو صار مقتضيا كان ضامنا ورأس المال أمانة في يده فإذا لم تصح دعواه في القضاء بجحود البائع بقي المقبوض كالهالك في يده فيرجع على رب المال بألف أخرى ( ألا ترى ) أن الوكيل لو لم يدفع إليه الثمن حتى اشترى ثم قبض الثمن فهلك في يده لم يرجع على الموكل مرة .
أخرى والمضارب في مثله يرجع على رب المال ثانيا حتى يدفع الثمن إلى البائع ولو اشترى ثوبا بعشرة دراهم من مال المضاربة ثم باعه مرابحه فقال للمشتري : أبيعك هذا الثوب بربح الدرهم درهم فالثمن عشرون درهما لأنه سمى بمقابلة كل درهم من رأس المال درهما ربحا والألف واللام للجنس فيما يمكن استغراق الجنس فيه إذ لا معهود له فيه ليحمل على المعهود فهذا وقوله بربح كل درهم درهما سواء وكذلك لو قال بربح كل درهم اثنين فالثمن ثلاثون درهما ولو قال بربح العشرة خمسة أو بربح الدرهم نصف درهم كان الثمن خمسة عشر لأنه سمي بمقابلة كل درهم من رأس المال نصف درهم ربحا أو بمقابلة جميع رأس المال خمسة ربحا ولو قال أبيعك بربح العشرة خمسة عشر فالقياس أن يكون بخمسة وعشرين درهما لأنه ضم إلى رأس المال خمسة عشر درهما ربحا ولكنا نستحسن أن يكون البيع بخمسة عشر للعادة الظاهرة بين التجار فإنهم يقولون يده يا زده سود فروحب وإنما يريدون به أن الخمسة ربح والعشرة رأس مال وكذلك لو قال بربح العشرة أحد عشر أو قال يده يازده فالربح درهم واحد استحسانا لأن مطلق اللفظ محمول على معاني كلام الناس وما يتفاهمونه في مخاطباتهم وكذلك لو قال بربح عشرة أحد عشر ونصف فالربح درهم ونصف أو قال أحد عشر ودانق فالربح درهم ودانق ولو قال بربح العشرة عشرة وخمسة أو خمسة وعشرة فالثمن خمسة وعشرون لأنه عطف أحد العددين على الآخر في تسمية الربح وضم العدد إلى رأس ماله وليس بين التجار عادة في مثل هذا اللفظ فيجب حمل اللفظ على الحقيقة ويكون ربحه العددين جميعا وإن كان الثوب انتقص عنده حتى صار يساوي ثلاثة رداهم ثم باعه بوضيعة الدرهم درهم كان الثمن خمسة دراهم لأن بيع الوضيعة كبيع المرابحة فكما أن هذا اللفظ في بيع المرابحة التضعيف على الثمن الأول فكذلك في بيع الوضيعة يوجب التنصيف ولو كان بوضيعة الدرهم درهمين كان الثمن عليه ثلاثة دراهم وثلثا لأن هذا اللفظ في بيع المرابحة يوجب أن يكون الربح ضعف رأس المال ففي بيع الوضيعة نصف الثمن وإنما يكون ذلك إذا كان النقصان من العشرة ستة وثلاثين لأن في بيع المرابحة هذا اللفظ يوجب أن يكون الربح مثل نصف رأس المال ففي الوضيعة يوجب أن يكون النقصان مثل نصف الباقي في ذلك في أن يكون الباقي من الثمن ستة وثلاثين والنقصان ثلاثة وثلثا وكذلك لو قال بوضيعة العشرة خمسة عشر اعتبارا للوضيعة بالمرابحة ولو اشترى المضارب عبدا وقبضه ثم باعه بجارية وقبضها ودفع العبد لم يكن له أن يبيع الجارية مرابحة على الثمن ولا تولية إلا من الذي يملك العبد لأن بيع المرابحة والتولية بيع بمثل الثمن الأول وزيادة ربح مسمى في عقد المرابحة والعبد لا مثل له من جنسه فلو باعها مرابحة أو تولية من غير أن يملك العبد لكان هذا بيعا بقيمة العبد وطريق معرفة القيمة الحزر والظن دون الحقيقة فأما ممن يملك العبد إنما يبيعها على العبد بعينه وهو قادر على تسليمه فإن باعها تولية جاز وإن باعها مرابحة بربح عشرة دراهم جاز ويأخذ العبد عشرة دراهم وإن باعها مرابحة بربح عشرة أحد عشر لم يجز لأن هذا اللفظ يوجب أن يكون الربح من جنس رأس المال ورأس المال لا مثل له من جنسه ليضم إليه مقدار الربح من جنسه بخلاف ما إذا كان اشتراها بماله مثل من جنسه كالمكيل والموزون فإن هناك يبيعها مرابحة ممن شاء فسواء سمي مقدارا معلوما من الربح أو قال بربح عشرة أحد عشر لأنه لما اشترى بماله مثل من جنسه فهو والمشتري بالنقد سواء ولو كان الذي اشترى العبد باعه من رجل آخر أو وهبه وسلمه ثم باعه المضارب الجارية مرابحة أو تولية كان باطلا لأنه لم يبق العبد في ملكه فهو في هذا الشراء كأجنبي آخر ولو باع المضارب الجارية من الموهوب له بالغلام مرابحة أو تولية جاز ذلك لأن عين الغلام في ملكه وهو قادر على تسليمه فهو بمنزلة الواهب في المسألة الأولى ولو باع المضارب الجارية من رجل لا يملك العبد بربح عشرة دراهم على رأس المال فأجاز رب العبد البيع جاز لأنه بإجازة رب العبد قدر المشتري على التسليم للعبد فنزل في ذلك منزلة المالك للعبد فإن بملكه كان يقدر على التسليم وقد قدر على ذلك بإجازة رب العبد والمانع من جواز هذا العقد عجزه عن تسليم العبد ثم الجارية تكون للمشتري من المضارب ويأخذ المضارب الغلام ويأخذ من المشتري منه الجارية عشرة دراهم ويرجع مولى الغلام على المشتري بقيمة الغلام لأن المشتري للجارية عامل لنفسه في شرائها فنفذ الشراء عليه ولم يتوقف على إجازة رب الغلام ولكنه استقرض منه الغلام ليدفعه في ثمنها وهو بالإجازة صار .
مقرضا منه واستقراض الحيوان وإن كان فاسدا لكنه مضمون بالقيمة عند تعذر رد العين وقد تعذر رد الغلام بخروجه عن ملك المستقرض وصيرورته على المضاربة ولو كان في يد المضارب جارية من المضاربة فباعها بغلام وتقابضا ثم إن المضارب باع الغلام من صاحب الجارية بربح العشرة أحد عشر كان البيع فاسدا لأن موجب هذا اللفظ أن يكون الربح من جنس رأس المال وليس للجارية مثل من جنسها ولو باع الغلام من رب الجارية بوضيعة العشرة أحد عشر كان البيع جائزا ويعطيه المشتري من الجارية عشرة أجزاء من أحد عشر جزءا لأن موجب هذا اللفظ في الوضيعة نقصان جزء من أحد عشر جزءا من أحد عشر جزءا لأن موجب هذا اللفظ في الوضيعة نقصان جزء من أحد عشر جزءا من ثمن الأول وقد بينا ذلك في البيوع فيما إذا كان الثمن عشرة دراهم فكذلك هنا يصير في التقدير كأنه باع الغلام من رب الجارية بعشرة أجزاء من أحد عشر جزءا من الجارية ولو قال أبيعك هذا الغلام بربح عشرة دراهم كان جائزا ويأخذ الجارية وعشرة دراهم لأن ما سماه ربحا وضمه إلى الجارية دراهم معلومة ولو قال : أبيعك بوضيعة عشرة دراهم من رأس المال كان البيع باطلا لأن موجب لفظ الوضيعة النقصان وإنما ينقص من ثمن الجارية مقدار عشرة دراهم منها وذلك لا يعرف إلا بالتقويم والبيع بالوضيعة كالبيع مرابحة في أنه إذا وقعت الجارية إلى التقويم كان باطلا لأن طريق معرفة القيمة الحزر والظن .
يوضحه أنه يصير في التقدير كأنه قال : بعتك هذا الغلام بهذه الجارية إلا مقدر عشرة دراهم منها وذلك باطل وإن كانت المضاربة بألف درهم بخية فاشترى بها عبدا ثم باعه بالكوفة مرابحة بربح مائة درهم فعلى المشترى ألف درهم بخية ومائة درهم غلة نقد الكوفة ولو قال أبيعك بربح عشرة أحد عشر كان الثمن والربح كله بخية لأن موجب هذا اللفظ أن يكون الربح من جنس ثمن الأول بصفته ليكون الربح جزءا من أحد عشر جزءا من جميع الثمن الثاني واللفظ الأول لا يوجب ذلك وإنما يوجب أن يكون الربح مائة درهم كما سمي فيه وتسمية مائة درهم في البيع مطلقا ينصرف إلى غلة الكوفة ( ألا ترى ) أنه لو قال أبيعك بربح دينار كان الثمن ألف درهم بخية ودينارا من نقد الكوفة ولو كان باعه بوضيعة مائة درهم أو بوضيعة عشرة أحد عشر كانت الوضيعة من البخية لأن الوضيعة لا تكون أبدا إلا من الثمن الأول فإن طرح بعض الثمن الأول بأي لفظ ذكره لا بد أن يكون المطروح جزءا من الثمن الأول والربح ليس من الثمن الأول فلهذا افترقا وإذا دفع مالا مضاربة إلى رجل فاشترى به جارية وقبضها وباعها بغلام وتقابضا فزادت الجارية في يد المشتري أو ولدت ثم باع المضارب الغلام من رب الجارية بربح مائة درهم وهو لا يعلم بالولادة فإن كانت الزيادة في البدن أخذ الجارية ومائة درهم لأن الزيادة المنفصلة لا تعتبر في عقود المعاوضات ( ألا ترى ) أنه لو وجد بالجارية عيبا ردها مع الزيادة المنفصلة فكان وجود هذه الزيادة كعدمها وإن كانت ولدت فإن شاء المضارب أخذ الجارية ومائة درهم وإن شاء نقض البيع ولا سبيل له على الولد لأنه إنما باع الغلام بالجارية والولد منفصل عنها عند هذا العقد فلا يدخل في البيع ولكن إن كانت الولادة نقصت الجارية فلا إشكال في ثبوت الخيار للمضارب لأنه وجدها معيبة ولم يكن عالما بعيبها وإن لم يلف فيها نقصان الولادة فعلى رواية هذا الكتاب الجواب كذلك فإن الولادة في هذه الجارية على رواية هذا الكتاب عيب لازم أبدا بخلاف رواية كتاب البيوع وقد بينا وجه لروايتين ثمة والتولية في هذا كالمرابحة ومقصود بيان الفرق بين هذا وبين الرد بالعيب أنه فسخ للعقد الأول فلو جاز بقي الولد ربحا للمشتري بغير عوض وهو الربا بعينه فأما التولية أو المرابحة فلا توجب فسخ العقد الأول فيمكن تصحيح ذلك في الجارية مع سلامة الولد للمشتري وإن كانت المضاربة ألف درهم فاشترى بها جارية وباعها بألف وخمسمائة ثم اشتراها بألف باعها مرابحة على ألف درهم عند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله وعند أبي حنيفة C على خمسمائة وقد بينا هذا في البيوع أن من أصل أبي حنيفة ضم أحد العقدين إلى الآخر واعتبار الحاصل مما بقي من ضمانه فإنما يبيعه مرابحة على ذلك وذلك خمسمائة هنا ولو كان باعها بألف درهم وكر حنطة وسط أو بألف درهم ودينار ثم اشتراها بألف لم يبعها مرابحة عند أبي حنيفة لأنه إنما يبيعها مرابحة على حاصل ما بقي في ضمانه ولا يعرف ذلك إلا بالحزر والظن لأنه غرم فيها مرتين ألف درهم ورجع إليه ألف وكر حنطة أو ألف دينار فلا بد من طرح ذلك من الألفين وطرح الحنطة والدينار من الدراهم يكون باعتبار القيمة وطريق معرفتها الحزر والظن ولو كان باعها بمائة دينار وقيمتها أكثر من ألف درهم ثم اشتراها بألف درهم لم يبعها مرابحة في قياس قول أبي حنيفة لأن الدراهم والدنانير في الصورة جنسان وفي المعنى كجنس واحد ( ألا ترى ) أن في شراء ما باع بأقل مما باع قبل نقد الثمن جعل الدراهم والدنانير كجنس واحد للاحتياط وفي بيع المرابحة كذلك وإذا كانا كجنس واحد فلا بد من طرح مائة دينار من الألفين التي غرمها في ثمنها مرتين ولا طريق لذلك إلا باعتبار القيمة فلهذا لا يبيعها مرابحة عنده ولو كان المضارب باع الجارية بشيء من المكيل أو الموزون أو بعرض قيمته أكثر من ألف درهم ثم اشتراها بألف درهم فله أن يبيعها مرابحة على الألف لأن ما عاد إليه ليس من جنس ما غرم فيها حقيقة وحكما وضم بعض العقود إلى البعض كما لا يكون عند اختلاف جنس النقود بأن يكون أحد العقدين هبة فكذلك لا يكون عند اختلاف الجنس فيما غرم فيه وفيما عاد إليه وهذا بمنزلة شراء ما باع بأقل مما باع قبل نقد الثمن فإنه لو اشتراه بكر حنطة قيمته أقل مما باعه به قبل قبض الثمن كان جائزا بخلاف النقود فهذا مثله والله أعلم