( قال C ) وإذا كانت قيمة العبد ألف درهم وهو رهن بألف أو أكثر فجني على الراهن جناية خطأ في نفس أو دونها فالجناية باطلة وهو رهن على حاله لأنه بعد عقد الرهن باق على ملك الراهن وجناية المملوك على المالك فيما يوجب المال يكون هدرا لأنه لو جنى على غيره كان المستحق به ملك المولي وماليته فيه فإذا جنى عليه لا يثبت له الاستحقاق على نفسه بخلاف الجناية الموجبة للقصاص فالمستحق به دمه والمولي من دمه كأجنبي آخر ( ألا ترى ) أن إقرار المولي عليه بالجناية الموجبة للقصاص باطل وبالجناية الموجبة للمال صحيح وإقراره على نفسه بالجناية الموجبة للمال باطل .
توضيحه إن الجناية بعد عقد الرهن على المرهون غير معتبرة لحق المالك كما قبل الرهن وإنما يعتبر لحق المرتهن فقد قررنا هذا في الباب المتقدم وليس في اعتبار جنايته على الراهن منفعة للمرتهن بل فيه ضرر عليه فكان حق المرتهن في هذه الجناية كأنه ليس اعتبار الجناية بالجناية عليه وكذلك لو كانت هذه الجناية على مملوك الراهن أو على متاعه فليس في اعتبارها منفعة للمرتهن ولا يمكن اعتبارها لحق الراهن لأن المستحق به ماليته فلا يعتبر أصلا ولو كان جنى على المرتهن في نفس أو فيما دونها جناية خطأ فعلى قول أبي حنيفة C هو هدر أيضا وعلى قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله هو معتبر فيخاطبان بالدفع أو الفداء بمنزلة ما لو جنى على أجنبي آخر وجه قولهما أن المرتهن غير مالك للعين والمستحق بالجناية ملك العبد وإذا كان المرتهن منه كأجنبي آخر يعتبر جنايته عليه كما يعتبر على غيره وهذا على أصلهما مستقيم فإن عندهما جناية المغصوب على الغاصب معتبرة فكذلك جناية المرهون على المرتهن لأن كل واحد منهما ضامن غير مالك ثم في اعتبار هذه الجناية فائدة للمرتهن لأنهما إذا اختارا الدفع تملك المرتهن العين أو من يخلفه إن كان قتل وإن كان سقط حقه في الدين ولكن بضمان الدين ما كان يثبت له ملك العين فربما يكون له في ملك العين غرض صحيح فيستفيد ذلك باعتبار الجناية وربما يكون بقاء الدين مع التزام الفداء أنفع له ففي إثبات الخيار له توفير النظر عليه وقد بينا أن اعتبار الجناية لحق المرتهن صحيح وبه فارق ما لو جنى على مال المرتهن لأنه لا منفعة للمرتهن في اعتبار تلك الجناية فإنه لا يستحق بها الملك ولكن المستحق بالدين مالية العبد فتباع فيه أو يقضيها المولي وذلك مستحق له بدينه فلا فائدة في اعتبار جنايته على ماله فلهذا لا يعتبر وأبو حنيفة C يقول المرتهن في الرهن إذا كانت قيمته مثل الدين بمنزلة المالك في حكم جنايته ( ألا ترى ) أنه لو جنى على غيره كان الفداء على المرتهن بمنزلة ما لو كان مالكا فكذلك في الجناية عليه يجعل كالمالك فلا تعتبر جنايته عليه وهذا لأن أصل حق المجني عليه في بدل الفائت وهو الأرش إلا أن للمولي أن يخلص نفسه من ذلك بدفع العبد إن شاء ولا يمكن اعتبار جنايته على المرتهن في استحقاق أصل البدل لأنه لو وجب ذلك كان قراره عليه ولا يجب على نفسه أرش الجناية ولا يمكن اعتبار جنايته لمنفعة ثبوت الملك له في العبد فإن ذلك لا يكون إلا باختيار الراهن والراهن لا يختار ذلك خصوصا إذا لم يكن عليه من الفداء شيء فصار هذا وجنايته على مال المرتهن سواء ( ألا ترى ) إن في جانب الراهن سوى بين جناية المغصوب على المغصوب منه أو على الغاصب والمرهون مضمون على المرتهن كما أن المغصوب مضمون على الغاصب فسوى بينهما في جانب الضمان فقال : لا تعتبر جناية المرهون على المرتهن كما لا تعتبر جناية المغصوب على الغاصب وفرق بينهما في جانب المالك فقال ضمان الغاصب إذا تقرر وجب الملك فإذا اعتبرنا جنايته على المغصوب منه واستقر الضمان على الغاصب ثبت الملك له من وقت الغصب فتبين أن العبد جنى على غير ملكه فلهذا اعتبر فأما ضمان الرهن وإن تقرر على المرتهن فلا يوجب الملك له في العين فلا يتبين به إن جنايته كانت على غير مالكه فلهذا كان كان هدرا فصار الحاصل أن المرهون من حيث إنه مضمون المالية كالمغصوب ومن حيث إن عينه أمانة كالوديعة فلاعتبار أنه كالأمانة من وجه تجعل جنايته على المالك هدرا ولاعتبار أنه كالمغصوب من وجه تجعل جنايته على الضامن هدرا قال : ولو كانت الجناية منه على ابن الراهن أو ابن المرتهن كان كالجناية على الأجنبي يدفع بها أو يفدي بمنزلة جنايته قبل عقد الرهن قال : لأن ابن الراهن وابن المرتهن في ملك العبد وماليته كأجنبي فجنايته عليهما توجب الدفع أو الفداء وروى الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله أنه لا تعتبر جنايته على ابن الراهن ولا على ابن المرتهن إذا كان هو المستحق لتركة ابنه لأنه لو وجب الأرش هنا لوجب له فيكون بمنزلة جنايته على نفسه وكما لا تعتبر جنايته على الراهن والمرتهن لخلوه عن الفائدة فكذلك لا تعتبر جنايته على ابن أحدهما ولو كانت قيمته ألفين والدين ألفا فجنى على الراهن أو على ماله كانت الجناية باطلة لأن نصفه مضمون ونصفه أمانة وحين كان الكل مضمونا لم تعتبر جنايته على الراهن وعلى ماله لقيام ملكه هنا أولى ولو جنى على المرتهن في نفسه أو رقيقه قيل للراهن : ادفعه أو افده أما على قولهما فغير مشكل وأما على قول أبي حنيفة C فجنايته هنا معتبرة في ظاهر الرواية وروى أبو يوسف عن أبي حنيفة رحمهما الله أنه لا يعتبر لأن الكل محبوس لحق المرتهن فلا تعتبر جنايته عليه كما في المسألة الأولى ووجه ظاهر الرواية أن النصف منه أمانة هنا ولا بد من اعتبار جنايته على المرتهن في ذلك النصف .
لأنه بمنزلة الوديعة وجناية الوديعة على المودع معتبرة ولو جنى على أجنبي كان الفداء في هذا النصف على الراهن فإذا جنى على المرتهن كان في اعتبار جنايته منفعة للمرتهن فلهذا تعتبر بخلاف الأول وعن زفر C قال للمرتهن أن يبطل الرهن ثم يطالب بموجب الجناية لأن عقد الرهن ليس بلازم في جانب المرتهن من إبطاله وإذا أبطله صار كان لم يكن ولكن ليس هذا بقوي لأن النصف منه مضمون وقد صار مستحقا كفعله عند الضامن فكيف يتمكن من إبطال الرهن في ذلك النصف إلا أن يبطل حقه في ذلك النصف فحينئذ يكون لهذا الوجوب معنى ثم التخريج على ظاهر الرواية أن يقال للراهن : ادفعه أو أفده لأن الراهن هو المالك للعبد وإنما يخير المالك بين الدفع والفداء في جناية عبده فإن دفعه وقبله المرتهن بذلك صار عبدا له وبطل الدين لأن ملك الراهن تلف بفعله فهو أسوة العبد في ضمان المرتهن فيكون كالهالك في يده في حكم سقوط الدين كما لو جنى على أجنبي فدفعاه به وإن فداه كان على الراهن نصف الفداء حصة الأمانة ونصف الفداء على المرتهن حصة المضمون فتسقط حصته لأنه لا يستوجب على نفسه دينا ويستوفي من الراهن حصته من الفداء ويكون العبد رهنا على حاله لأنه فرغ من الجناية وإن قال المرتهن : لا أبقي الجناية فهو رهن على حاله لأن اعتبار الجناية لحقه فإذا سقط حقه بقي مرهونا على حاله وإذا أفسد متاعا للمرتهن وقيمته ألفان وهو رهن بألف فإن طلب المرتهن أخذه بقيمة المتاع فإنه يعرض على الراهن فإن شاء قضى عنه نصف ذلك الدين وجعل نصفه على المرتهن فإذا قضى الراهن نصف ذلك الدين فرغ حصة الأمانة منه وحصة المضمون فارغة من ذلك لأن المرتهن لا يستحق على نفسه دينا فيكون رهنا على حاله وإن كرهه بيع العبد في ذلك كله لأن النصف الذي هو أمانة يباع في الدين حين أبى المالك أن يقضي عنه وبعد بيعه لا يمكن إيفاء الرهن في النصف الآخر لأجل الشيوع فالشيوع الطارئ في الرهن كالمقارن وفي بيع الكل جملة توفير المنفعة عليهما فلهذا يباع العبد كله ويقضي منه ثمن الدين فإن بقي بعد ذلك من الثمن شيء أخذ الراهن نصفه والمرتهن نصفه قل الدين أو كثر لأن نصف ما بقي بدل الأمانة فيسلم للراهن ونصفه بدل المضمون في الدين فيستوفيه المرتهن قضاء من دينه وما زاد على ذلك من حقه تاو لتلف المالية بفعل باشره العبد في ضمانه وإذا قتل الرهن مولاه أو المرتهن عمدا فعليه القصاص في الوجهين لأن المستحق بالعمد دمه وكل واحد منهما في دمه كأجنبي آخر وإذا قتل قصاصا سقط الدين لأن ماليته تلفت بسبب باشره في ضمان المرتهن فإن كن العبد يساوي ألفين والدين ألف فقتل المرتهن عمدا فعفا أحد اثنين فإنه يقال للراهن : وللذي جنى ادفعا نصف العبد إلى الذي لم يعف أو افدياه بثلاثة أرباع نصف الدية لأن بعفو أحدهما انقلب نصيب الآخر مالا وثبت الخيار للمالك بين الدفع والفداء بمنزلة ما لو كانت الجناية موجبة للمال في الابتداء والخطاب بالدفع يكون مع المال إلا أنه لا يتمكن من الدفع إلا برضا العافي بماله من الحق فيه باعتبار الرهن على سبيل الخلافة عن المرتهن فلهذا قال يقال لهما ادفعا وإنما يدفعان نصف العبد لأن حق الذي لم يعف في نصف الجناية وقد بينا في هذه الصورة جنايته على المرتهن فيما دون النفس إنهما إذا اختار الدفع دفع جميع العبد إلى المرتهن فكذلك يدفع إلى أحد ابنيه نصف العبد وبطل نصف الدين بدفع النصف إليه كما لو دفع جميعه إلى المرتهن بطل جميع الدينه وهذا لأن نصف هذا المدفوع مما كان مضمونا بالدين فسقط نصف الدين باعتبار فواته وكان لهما على الراهن نصف الدين بينهما نصفين لأن الرهن قد بطل في النصف الآخر لأجل الشيوع فيرجعان على الراهن بنصف الدين وإن اختار الفداء فداه بثلاثة أرباع نصف الدية لأن على الراهن ربع الدية حصة الذي لم يعف من النصف الذي هو أمانة وعلى العافي عن الدية حصة نصيبه من المضمون بالدين فيكون جملة ما عليهما ثلاثة أثمان الدية فإذا فدياه بذلك فرغ العبد من الجناية فكان رهنا على حاله بالدين وإذا كان العبد رهنا بين رجلين بألف وهو يساوي ألفين فقتل أحدهما عمدا وله وليان فعفا أحدهما فإنه يقال للراهن والمرتهن الباقي وللذي عفا ادفعوا نصف العبد إلى الذي لم يعف لأن نصيبه انقلب مالا بعفو صاحبه كما في الفصل الأول فإن دفعوه بطل الرهن في جميع العبد للشيوع فبطل نصف الدين فكان نصف الراهن بينهم على حاله وإن فدوه بسبعة أثمان نصف الدية فعلى الراهن من ذلك أربعة أسهم حصة الأمانة مما انقلب مالا من الجناية وعلى المرتهن الباقي سهمان حصة المضمون بدينه من هذا النصف وعلى المولي الذي على حصة المضمون بدينه من هذا النصف وقد سقطت حصة المضمون بدين الذي لم يعف لأن ذلك وجب له على نفسه وذلك لا يجوز والله أعلم