( قال C ) والصلح من كل جناية فيها قصاص على ما قل من المال أو كثر فيها فهو جائز لقوله تعالى : { فمن عفى له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان } ومعناه من أعطى له من دم أخيه شيء وذلك بطريق الصلح .
ولقوله A : ( من قتل له قتيل فأهله بين خيرين إن أحبوا قتلوا وإن أحبوا فأدوا ) والمفاداة بالصلح تكون ولا يتعذر بدل الصلح بالأرش عندنا خلافا للشافعي C وهي مسألة الديات واعتمادنا فيه على ما روي أن رسول الله A قضي بالقصاص على القاتل ولما رأى الصحابة Bهم الكراهية في ذلك من وجهه صلوات الله وسلامه عليه صالحوا أولياء القتيل على ديتين واستحسنه رسول الله A ولأن حق استيفاء القود قد يؤول إلى المال عند تعذر الاستيفاء فيجوز إسقاطه بمال بطريق الصلح كحق الرد بالعيب بخلاف حد القذف فإنه لا يؤول ما لا بحال ثم البدل يكون في مال الجاني حالا لأنه التزمه بالعقد ولأنه وجب اعتبار فعل هو عمد وقال A : ( لا تعقل العاقلة عمدا ولا عيبا ولو صالحه من الجرح أو الجراحة أو الضربة أو القطع أو الشجة أو اليد على شيء ثم برأ ) فالصلح جائز لأنه أسقط بهذه الألفاظ حقه بعوض وإن مات بطل الصلح في قول أبي حنيفة C وعليه القصاص في القياس وفي الاستحسان عليه الدية في ماله وإن آل الجرح إلى قتل كانت الدية على عاقلته وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله الصلح ماض ولا شيء عليه لأنه أسقط الحق الواجب له بالجراحة بالصلح وبعد الموت سبب حقه الجراحة كما بعد البرء وعند أبي حنيفة C هو إنما أسقط بالصلح قطعا أو شجة أوجبت له قصاصا وبالموت يتبين أن الواجب له القصاص في النفس لا القطع والشجة فكان هذا إسقاطا لما ليس بحقه فيكون باطلا ولهذا كان عليه القصاص في النفس في القياس ولكنه استحسن فقال يتمكن فيه نوع شبهة من حيث إن أصل القتل كان هو الشجة والقصاص عقوبة تندرئ بالشبهات ولكن المال يثبت مع الشبهات وأصل المسألة في العفو وموضع بيانها كتاب الديات ولو كان صالحه عن ذلك وما يحدث منه كان الصلح ماضيا إن مات أو عاش لأن ما يحدث منه السراية يكون هو بهذا اللفظ مسقطا حقه عن النفس بعوض والقصاص في النفس وإن كان يجب بعد الموت فإنما يجب بسبب الجناية وإسقاط الحق بعد وجود سبب الوجوب قبل الوجوب صحيح وكذلك من الجناية صحيح إن عاش أو مات لأن اسم الجناية يعم النفس وما دونها حتى لو قال لا جناية لي قبل فلان ثم ادعى عليه النفس لم تسمع دعواه بخلاف ما لو قال لا شجة لي قبل فلان والصلح باسم الجناية يكون مسقطا حقه برئ أو سرى فإن كان مريضا صاحب فراش حين صالح فهو جائز في العمد وإن صالحه على عشرة دراهم لأنه أسقط ما ليس بمال ولو أسقطه بغير عوض بالعفو لم يعتبر خروجه من الثلث فإذا أسقط بالصلح ببدل يسير أولى وفي الخطأ ما حط يكون من الثلث لأن الواجب الدية وهو مال فيكون ما حط وصية من الثلث ولا يقال هي وصية القاتل لأن الدية في الخطأ على العاقلة فيكون هذا منه وصية لعاقلة قاتله وذلك صحيح من الثلث وإذا قطع رجل أصبع رجل عمدا أو خطأ فصالحه منها على ألف درهم ثم شلت أصبع أخرى سواها فلا شيء له عليه في قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله لأنه أسقط بالصلح موجب ذلك القطع وذلك يعم الأصبع الأولى والثانية وعند أبي حنيفة C عليه أرش الأصبع الأخرى لأنه إنما أسقط بالصلح قصاصا واجبا في الأصبع فلا يتناول الصلح الأصبع الأخرى فيلزمه أرشها إلا أن هنا لا يتبين بهذه السراية إن الأصبع الأولى لم تكن مستحقة له فيبقى الصلح عنها صحيحا بخلاف الأول فإن هناك بالسراية إلى النفس يتبين أن الشجة لم تكن مستحقة له قصاصا فكان الصلح باطلا لأنه صالح من غير حقه وإذا كانت الشجة موضحة فصالحه منها على مائة درهم فصارت منقلة فلا يبقى عليه شيء عندنا لما قلنا وعند أبي حنيفة C عليه ألف وأربعمائة درهم لأن المنقلة غير الموضحة والموضحة ما يوضح العظم ولا يؤثر فيه والمنقلة ما يكسر العظم وينقله من موضعه وهو إنما أسقط من موضحة موجبة له قصاصا وقد تبين أنها لم تكن حقا له وإنما كان حقه في المنقلة وأرش المنقلة عشر الدية وذلك ألف وخمسمائة استوفى من ذلك مائة فالباقي عليه ألف وأربعمائة .
رجل قتل عمدا وله ابنان فصالح أحدهما من حصته على مائة درهم فهو جائز ولا شركة لأخيه فيها لأنه أسقط نصيبه من القود بعوض ولو أسقط بغير عوض جاز والمال عوض عن القصاص استحقه بالعقد وهو المباشرة للعقد فلا شركة لأخيه فيها باعتبار العقد ولا باعتبار الشركة في أصل القود لأن ذلك ليس بمال ثم كل ما يصلح أن يكون صداقا في النكاح يصلح أن يكون عوضا في الصلح عن القصاص لأنه مال يستحق عوضا عما ليس بمال بالعقد وعلى هذا يجوز التصرف في بدل الصلح قبل القبض وإن كان عينا كما يجوز التصرف في الصداق لأنه لم يبق في الملك المطلق للتصرف عذر حتى لا يبطل بالهلاك ولكن تجب قيمته وكذلك لو استحق العبد كان على القاتل قيمته لأن بالاستحقاق لا يبطل الصلح ولكن تعذر استيفاء العبد مع قيام السبب الموجب له فتجب قيمته كما في الصداق وهذا لأن الصلح عن القود لا يحتمل الفسخ بالتراضى كالنكاح بخلاف الصلح عن المال وكذلك إن وجد به عيبا فاحشا فرده رجع بقيمته ولا يرده بالعيب اليسير كما في الصداق ولو كان العبد حرا كان على القاتل الدية لأولياء القتيل في ماله وعلى قياس قول أبي يوسف C عليه قيمته أن لو كان عبدا وأصل الخلاف في الصداق وقد بيناه في النكاح ولو اختلفا في العبد الذي وقع الصلح عليه كان القول فيه قول القاتل مع يمينه لأن القابل للقود سقط باتفاقهما وإنما تنازعا في المال المستحق على القاتل بمقابلته فالقول فيه قوله مع يمينه كما في الخلع بخلاف الصداق عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله فإن هناك يصار إلى تحكيم مهر المثل لأن صحة النكاح موجبة مالا وهو مهر المثل فعند الاختلاف في المسمى يصار إلى موجبه الأصلي وهنا ليس لسقوط القود بالعفو موجب من حيث المال فيكون هذا نظير الخلع وإن كان القتل خطأ فصالحه أحدهما على مال كان لشريكه أن يشركه في ذلك لأن الواجب في الخطأ الدية وهو مال وجب مشتركا وصلح أحد الشريكين من الدين المشترك على شيء صحيح ولشريكه أن يشركه في ذلك ولو صالح أحدهما من نصيبه على عبد بعينه كان لشريكه أن يشركه في ذلك إلا أن يشاء المصالح أن يعطيه ربع الأرش ويمسك العبد كما في سائر الديون المشتركة إذا صالح أحدهما من نصيبه على عين وهذا لأنه يملك العبد بالعقد وهو في العقد عامل لنفسه فله أن يختص به ويعطي صاحبه ربع الأرش لأن ذلك أصل حقه فيما وقع الصلح عنه وهو نصف الأرش وإن شاء أبى ذلك وأعطاه نصف العبد لأن مبني الصلح على التجوز بدون الحق وهو يقول إنما توصلت إلى حقي لأني رضيت بدون حقي فعليك أن ترضى به أيضا وتأخذ نصف ما وقع عليه الصلح إن شئت وإلا فاتبع القاتل بحقك ولو صالحه من ذلك على عرض بغير عينه لم يجز لأن هذا العرض بمقابلة الدية يكون بيعا وبيع ما ليس عند الإنسان لا يجوز وكذلك لو صالحه على موصوف من المكيل أو الموزون مؤجلا والمكيل والموزون إذا قوبل بالنقد يكون مبيعا ولو صالحه منه على عبد بعينه فاستحق أو مات قبل أن يقبضه رجع بنصف الأرش لأن هذا صلح عن مال على مال وهو محتمل للفسخ فبالاستحقاق أو الهلاك قبل التسليم يبطل الصلح وكذلك لو وجد به عيبا صغيرا أو كبيرا رده لأن المصالح عليه بمنزلة المبيع في الصلح عن المال فيرد بالعيب اليسير والفاحش وليس له أن يتصرف فيه قبل أن يقبضه كما في المبيع وكذلك لو صالح عن الجاني غيره بإقرار أو إنكار كما في الصلح عن سائر الديون ولو صالحه من دم العمد على سكنى دار أو خدمة عبد سنة جاز لأن المنفعة المعلومة يجوز استحقاقها عوضا في الصلح عن المال ففي الصلح عما ليس بمال أولى وقد بينا أن هنا العوض بمنزلة الصداق والسكنى والخدمة إذا كانت معلومة ببيان المدة تثبت صاقا في النكاح وإن صالحه عليه أبدا أو على ما في بطن أمته أو على غلة نخله سنين معلومة أو أبدا لم يجز لأن هذا كله لا يثبت صداقا بالتسمية في النكاح فكذلك لا يستحق عوضا عن دم العمد في الصلح وهذا بخلاف الخلع وإنها لو اختلعت نفسها على ما في بطن أمتها صحت التسمية والفرق من وجهين أحدهما أن الخلع المرأة لا تستحق شيئا هو متقوم ولكن يبطل ملك الزوج عنها والبضع عند خروجه من ملك الزوج غير متقوم فكان التزامها بالوصية والإقرار وذلك صحيح مضافا إلى ما في البطن ولهذا لو اختلعت بمال في مرضعها اعتبر من ثلثها كالوصية وأما الصلح عن القود فالقاتل يستفيد العصمة والمتقوم في نفسه ولهذا لو صالح في مرضه على قدر الدية اعتبر من جميع المال فكان المال عوضا عما هو متقوم في حق من التزمه فيكون نظير الصداق لأن البضع عند دخوله في ملك الزوج متقوم فيكون الصداق عوضا عما هو متقوم في حق من التزمه والجنين لا يصلح عوضا في مثله .
يوضح الفرق أن أحد البدلين في الخلع وهو الطلاق يحتمل الإضافة فكذلك البدل الآخر والإيجاب في الجنين بمعنى المضاف إلى حال بعضها إذا جنى وهو وحده حقيقة لا يصير معلوما إلا عند ذلك فأما في الصلح فأحد البدلين وهو إسقاط القود لا يحتمل التعليق والإضافة بالشرط فكذلك البدل الآخر فلا يمكن تصحيحه في الجنس مضافا ولا يمكن تصحيحه في الحال لأنه غير معلوم الوجود والتقوم فكان كالصداق من هذا الوجه ثم على القاتل الدية لأن فساد التسمية لا يمنع سقوط القود كما أن فساد التسمية لا يمنع صحة النكاح وإذا سقط القود وجبت الدية لأن الولي ما رضي بسقوط حقه مجانا وقد صار مغرورا من جهة القاتل بما سمى له فيرجع عليه ببدل ما سلم له وهو العصمة والتقوم في نفسه وبدل النفس الدية ولو صالحه على ما في نخله من ثمرة جاز لأن الثمرة الموجودة تستحق صداقا وتستحق مبيعا فيجوز الصلح عليها أيضا بخلاف ما إذا صالح على ما يحمل نخله العام ولو صالحه على أن عفى الآخر عن قصاص له قبل رجل آخر كان جائزا لأن كل واحد منهما أسقط حقه عما له من القود وكل واحد منهما متقوم صالح للاعتياض عنه فيجوز أن يجعل أحدهما عوضا عن الآخر وهذا بخلافه فإن القصاص لا يصلح أن يكون صداقا لأن الشرط في الصداق أن يكون مالا قال الله تعالى : { أن تبتغوا بأموالكم } والقصاص ليس بمال وهنا الشرط أن يكون ما يستحق بالصلح متقوما وذلك موجود في القصاص كما قررنا ( ألا ترى ) أنه لو صالح عن القود على أقل من عشرة دراهم يجوز وإن كان ما دون العشرة لا يستحق صداقا ولو قطع رجل يد رجل عمدا فصالحه على خمر أو خنزير أو على حر وهو يعرفه فهو عفو ولا شيء للمقطوعة يده لأنه أسقط حقه بغير عوض فالخمر والخنزير والحر ليس بمال متقوم فلا يكون هو باشتراطه طالبا للعوض عن إسقاط القود ولم يصر مغرورا من جهة القاطع فلا يرجع عليه بشيء كما في الخلع إذا خالع امرأته على خمر أو خنزير أو حر وهذا بخلاف النكاح فإنه لو تزوج على خمر أو خنزير أو حر كان لها مهر مثلها لأن استحقاق مهر المثل هناك باعتبار صحة النكاح لا باعتبار تسمية العوض حتى لو لم يسم شيئا وجب مهر المثل في الخلع والصلح عن دم العمد استحقاق البدل باعتبار تسمية البدل حتى لو لم يسم له شيئا كان العفو مجانا وعلى هذا التحقيق يتبين أنه لا فرق فإنا نجعل تسمية الخمر والخنزير وجودها كعدمها في المواضع كلها وهذا لأنه يتملك الزوج بالنكاح ما هو متقوم مصون عن الابتذال فلا يملك إلا بعوض إظهار الخطر . وهنا من له القود يسقط القود ولا يملك القاتل شيئا وإسقاط القود غير مصون عن التبذل فلهذا لا يجب المال إلا باعتبار تسمية عوض هو مال متقوم وكذلك لو صالح على أن يقطع رجله فهذا عفو مجانا لأنه لو لم يسم عوضا مالا هو متقوم فكان ذكره والسكوت عنه سواء ولو كان القتل خطأ كان عليه الدية لأن هذا صلح من مال فيكون سائر صلح الديون إذا بطل بقي المال واجبا كان هو الدية ولو كان قتل عمد فصالح عنه رجل على ألف درهم ولم يضمنها له لم يكن عليه شيء لأنه متبرع بالصلح فلا يلزمه المال إلا بالتزامه بالضمان أو بإضافة البدل إلى نفسه أو مال نفسه فإذا لم يوجد ذلك توقف على إجازة القاتل ليكون المال عليه إذا أجاز كما في الخلع وإن كان القاتل هو الذي أمره بذلك كان البدل على القاتل لأن المصالح معبر عنه ( ألا ترى ) إنه لا يستغني عن إضافة العقد إليه فهو نظير الخلع ولو صالحه عنه على عبد له ولم يضمن له خلاصه جاز لإضافة الصلح إلى مال نفسه وقدرته على تسليم بدل الصلح فإن استحق العبد لم يرجع عليه بشيء لأنه ما ضمن له شيئا التزمه في ذمته وإنما التزم تسليم العين فيكون حكم الالتزام مقصورا على العين في حقه فإذا عجز عن تسليمه بالاستحقاق لم يلزمه شيء ولكن يرجع على القاتل بقيمته إن كان أمره بذلك لأن عند استحقاق العين بدل الصلح هو القيمة دينا فيكون على الأمر دون المأمور كالألف المسمى وإن كان المصالح تبرع بالصلح عليه وضمن له خلاصه ثم استحق رجع عليه بقيمته لأنه صير نفسه زعيما والزعيم غارم وعند الاستحقاق بدل الصلح قيمته وقد ضمنه فيكون مطالبا بإيفائه كما لو صالحه على ألف درهم وضمنها له فإن قيل كيف يضمن القيمة وهو إنما ضمن له خلاص العبد قلنا التزامه بالضمان إنما يصح باعتبار وسعه والذي في وسعه خلاص المالية بتسليم العين إن أمكن أو بتسليم قيمته إن استحق وهو نظير الخلع في جميع ما ذكرنا وللأب أن يصالح عن دم واجب لابنه الصغير أو المعتوه على الدية لأنه متمكن من استيفاء القود الواجب لولده في النفس وما دون النفس كهو في حق نفسه لأن الولد جزء منه وولايته عليه فيما يرجع إلى استيفاء حقه ولاية .
كاملة تعم المال والنفس جميعا بمنزلة ولايته على نفسه فإذا جاز له أن يستوفي القود جاز صلحه بطريق الأولى لأن المقصود باستيفاء القود تشفى الغيظ وذلك يحصل للصبي في الثاني إذا عقل وإذا صالح على الدية تصل إليه منفعة في الحال ثم هو بالصلح يجعل ما ليس بمال من حقه مالا فيتمحض تصرفه نظير الصبي وإن حط عنه شيئا من الدية لم يجز ما حط قل ذلك أو كثر لأنه فيما حط مسقط لحقه غير مستوف له ولاية الاستيفاء في حق الصغير وهذا بخلاف البيع فإنه لو باع ماله بغبن يسير جاز لأن البدل في البيع غير مقدر شرعا والقيمة تعرف بالحزر والظن والمقومون يختلفون فيها ففي الغبن اليسير لا يتيقن بترك النظر فيه بإسقاط شيء من حقه وهنا الدية مقدرة شرعا فإذا نقص عن المقدر شرعا فقد أسقط من حقه شيئا تيقن وذلك غير صحيح منه فعلى القاتل تمام الدية قال وكذلك الوصي فيما دون النفس له أن يستوفي وأن يصالح لأن ما دون النفس سلك به مسلك الأموال حتى تعتبر فيه المساواة في البدل ويقضي عنه بالنكول عند أبي حنيفة C كما في الأموال وللوصي ولاية التصرف في مال اليتيم استيفاء فكذلك فيما يسلك به مسلك الأموال فأما في النفس فليس للوصي أن يستوفي القود رواية واحدة لأن ولاية الوصي ولاية قاصرة تثبت في المال دون النفس والقصاص في النفس ليس بمال حقيقة ولا حكما فيكون الوصي في استيفائه كأجنبي آخر كما في التزويج وهذا لأن القصاص في النفس عقوبة تندرئ بالشبهات فالمستحق به محل هو مصون عن الابتذال من كل وجه وفي ولاية الوصي شبهة القصور فلا يتمكن به من استيفاء ما يندرئ بالشبهات بخلاف الأب وبخلاف القصاص في الطرف لأنه لا يندرئ بكل شبهة ولهذا حرز أبو حنيفة C فيه القضاء بالنكول فإن المستحق به محل غير مصون عن الابتذال وقد قدرنا ذلك في الدعوى فيمكن الوصي الاستيفاء مع قصور ولايته وليس للوصي أن يصالح من القصاص في النفس على الدية في رواية هذا الكتاب وقال في الجمع الصغير والديات للوصي أن يصالح من النفس على الدية .
وجه هذه الرواية إنه لا يملك استيفاء القود بولايته وإنما يملك الإسقاط بعوض من يكون متمكنا من الاستيفاء ووجه الرواية الأخرى أن في الصلح اكتساب المال للصبي والوصي منصوب لاكتساب المال بخلاف استيفاء القود فهو ليس من اكتساب المال في شيء وبخلاف التزويج فهو غير مشروع لاكتساب المال بل لتمليك البضع وهو مصون عن الابتذال .
توضيحه إن القصاص ليس بمال للحال وهو مال في المآل فلا يملكه الوصي وفي الصلح تحقيق ما هو المطلب في المآل وهو المال فيملكه الوصي ولا يبعد أن يكون حكم الصلح على المال مخالفا لحكم استيفاء القوى ( ألا ترى ) أن الموصي له بالثلث لا حق له في القود استيفاء ويثبت حقه إذا وقع الصلح عن القود في المال فهذا مثله وإن كان دم عمد بين ورثة فيهم الصغير والكبير فله أن ينفرد باستيفاء القود عند أبي حنيفة C وعندهما ليس له ذلك وفي مثله الديات فإن صالح عن الدية فصلحه جائز أما عند أبي حنيفة فلا يتمكن من استيفاء نصيب الصغير من القود فيتمكن من إسقاطه بالصلح على الدية كما في الأب وعندهما صلحه عن نصيب نفسه صحيح بمنزلة عفوه وبه ينقلب نصيب الصغير مالا وهو حصته من الدية لتعذر استيفاء القود عليه ولو قتل رجل عمدا ولا ولي له غير الإمام فللإمام أن يستوفي القود في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله خلافا لأبي يوسف C فأبو يوسف C يجعل الإمام في استيفاء القود كالوصي لأن ثبوت ولايته بالعقد وهو التقليد كثبوت ولاية الوصي وهما يجعلان الإمام فيما هو حق للمسلمين كالأب في حق ولده الصغير ويجوز للإمام أن يصالح على الدية بالاتفاق أما عندهما فلأنه يملك الاستيفاء فيملك الإسقاط بالصلح على الدية ومنفعة المسلمين في هذا أظهر منه في استيفاء القود وعند أبي يوسف C لم يجب القصاص بهذا القتل لانعدام المستوفي فيكون الواجب هو الدية وللإمام ولاية استيفائه لأنه حق جماعة المسلمين وذكر حديث وهب بن كيسان أن عبدالله بن عمر قتل يزدان في تهمة له في دم عمر فقال علي لعثمان Bهما : أقتل عبيدالله به فقال عثمان Bه : قد قتل أبوه بالأمس وإنما استحيى أن يقتل أبوه وأقتله هذا اليوم لا أفعل هذا رجل من أهل الأرض قتل وأنا وليه وأعفو عن هذا وأؤدي ديته فلذلك دليل جواز صلح الإمام عن القود على الدية في حق من لا وارث له وإذا قتل الحر والعبد رجلا فوكل الحر ومولى العبد رجلا بالصلح فصالح ولي الدم عنهما على ألف درهم فعلى الحر نصف الألف وعلى ولي العبد نصفها لأن الوكيل نائب عنهما فصلحه كصلحهما وهذا لأن الصلح اعتياض عن الجناية وهما في الجناية وفي موجبها سواء يعني الحر عن نفسه والمولي عن عبده فيستويان فيما يلزمهما من العوض وإذا قتل العبد رجلا وله وليان فصالح مولاه أحدهما عن نصيبه من الدم على العبد فالصلح جائز ويقال للذي صار له العبد ادفع نصفه إلى شريكك أو أفده بنصف الدية على أن يسلم لك العبد لأن المصالح أسقط نصيبه من القود بعوض وهو العبد فصح ذلك ثم تعذر على الآخر استيفاء القود فانقلب نصيبه مالا وعند انقلاب نصيبه مالا العبد في ملك المصالح فهو المخاطب بدفع نصف العبد إليه أو الفداء بنصف الدية لأن نصيبه حين انقلب مالا كان لجناية الخطأ من العبد يتعلق برقبته ويخاطب مولاه بالدفع أو الفداء وليس للعبد الآخر أن يضمن مولى العبد شيئا لأنه ما استحق مالا في ملكه وإنما استحق المال في ملك المصالح وحقه قائم لم يفوته المولي عليه فلهذا لا يضمن له شيئا ولو صالحه على عبد آخر مع ذلك لم يكن له في العبد الآخر حق لما بينا أن المصالح إنما أسقط حقه من القود بعوض فلا يكون للآخر أن يشاركه في العوض فإنما يثبت حقه في نصيب العبد الجاني لا بالصلح ثم يتعذر استيفاء القود منه وذلك غير موجود في العبد الآخر ولو صالحه على نصف العبد القاتل جاز وصار العبد بين المولي والمصالح نصفين ثم انقلب نصيب الآخر مالا واستحق به نصفا شائعا من العبد في النصفين جميعا فيدفعان نصفه إلى الولي الآخر أو يفديانه بنصف الدية ولو صالحه على دراهم أو شيء من المكيل أو الموزون حالا أو مؤجلا فهو جائز ولا حق للآخر في ذلك لأن العاقد في الصلح عاقد لنفسه ولكنه يتبع العبد القاتل حتى يدفع إليه مولاه نصفه أو يفديه بنصف الدية لأن نصيبه انقلب مالا وهو في ملك مولاه على حاله والأمة والمدبرة وأم الولد في الصلح عن قتل العمد سواء لأن الواجب عليهم القود والمنفعة في الصلح للمولي من حيث إن كسبهم يسلم له وإذا قتل العبد رجلا خطأ فصالح المولي ولي الدم من ذلك على أقل من الدية أو على عروض أو على شيء من الحيوان بعينه فهو جائز ولشركائه أن يشاركوه في ذلك المال بمنزلة ما لو كان القاتل حرا وصالحه بعض الأولياء وهذا لأن أصل الواجب بقتل العبد ما هو الواجب بقتل الحر وهو الدية فإنه بدل المتلف إلا أن المولي يتخلص بدفع العبد إن شاء وكيف ما كان فهو مال مشترك بينهم وإذا صالح أحد الشركاء عن الدين المشترك كان للباقين حق المشاركة معه فيه وإذا قتلت الأمة رجلا خطأ وله وليان ثم ولدت الأمة ابنا فصالح المولي أحد الوليين على أن يدفع إليه ابن الأمة .
بحقه في الدم فهو جائز وللآخر على المولي خمسة آلاف درهم لأن حق أولياء الجناية لا يثبت في ولدها لما عرف أن هذا ليس بحق متأكد لهم في عينها فصلح إحداهما على ولدها كصلحه على عبد آخر له وذلك منه بمنزلة اختيار الفداء واختيار الفداء في نصيب أحدهما يكون اختيارا في نصيب الآخر لأن الجناية واحدة فلا تتجزأ في اختيار الفداء ولو صالحه على أن يدفع إليه ثلث الأمة لحقه من الدم كان جائزا أو يدفع إلى شريكه نصف الأمة أو يفديه بنصف الدية فلم يجعل اختياره الدفع في البعض اختيارا في الكل في رواية هذا الكتاب وفي رواية الجامع والعتق في المرض قال اختياره في الدفع في نصيب أحدهما يكون اختيارا في نصيبهما كما في الفداء وتلك الرواية أصح وتأويل ما ذكر هنا إن أحدهما صالحه على ثلث الأمة وذلك دون حقه فمن حجة المولي أن يقول للآخر إنما اخترت الدفع في نصيبه لأنه تجوز بدون حقه وأنت لا ترضى بذلك فلا يلزمني بذلك تسليم جميع حقك إليك من الأمة ولكن في الحال في نصيبك حتى لو كان صالح أحدهما على نصف الأمة كان اختيارا منه الدفع في نصيب الآخر وما سوى هذا من الكلام فيه قد بيناه في إملاء شرح الجامع وإن قتل المدبر قتيلا عمدا فصالح عنه مولاه بألف درهم وهي قيمته جاز لأن المولي من مدبره كان بمنزلة الحر في نفسه فيصح منه التزام العوض عن القود المستحق عليه وإن قتل آخر خطأ فعلى مولاه قيمة أخرى بخلاف ما إذا كانت جنايته الأولى خطأ من قتل فإن في الخطأ المستحق نفس المملوك على المولي دفعا بالجناية وبالتدبير السابق صار مانعا دفع الرقبة على وجه لم يصر مختارا فيلزمه القيمة وهو ما منع إلا رقبة واحدة فلا يلزمه باعتباره إلا قيمة واحدة فأما منا فالمستحق بالجناية الأولى نفس العبد قودا والمولي بالتدبير غير مانع استيفاء القود منه فإنما لزمه المال بالتزامه بالصلح وهو سبب آخر سوى منع الرقبة فلا يؤثر ذلك فيما يلزمه بسبب منع الرقبة بالتدبير ولأن حق ولي الخطأ لا يثبت في بدل الصلح فلا بد من إثباته في القيمة على المولي وإذا كانت الجنايتان خطأ فحق الثاني يثبت في الجناية الأولى لاتحاد سبب استحقاقهما للقيمة وهو منع الرقبة بالتدبير السابق فلا يجب على المولي شيء آخر فإن صالح المولي الآخر على عبده ودفعه إليه ثم قتل آخر خطأ فولي الدم الآخر يتبع الذي أخذ العبد حتى يدفع إليه نصفه أو نصف قيمة المدبر لأن القيمة صارت مشتركة بينهما وقد صالح أحدهما عن جميعه على عبد وأحد الشريكين في الدين إذا صالح عن جميع الدين على عبد فللآخر أن يرجع عليه بنصف الدين إلا أن يختار المصالح دفع نصف العبد إليه وقد بينا معنى هذا الخيار فيما سبق وإذا كان ذلك بقضاء قاض أو بغير قضاء فهو سواء في قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله وكذلك في قياس قول أبي حنيفة C إن كان بقضاء قاض وإن كان بغير قضاء فلولي الدم أن يتبع المولي بنصف قيمة العبد المدبر ويرجع المولي على المصالح بنصف العبد الذي دفع إليه إلا أن يعطيه نصف قيمة العبد المدبر والخيار فيه إلى الذي في يده العبد وأصل هذا فيما إذا كان دفع القيمة إلى الأول بغير قضاء قاض وهي مسألة كتاب الديات تبيتها ثمة إن شاء الله تعالى وقيل ينبغي أن يكون الجواب هنا قولهم في الفرق بين قضاء القاضي وغير القضاء لأن الصلح وقع على خلاف الحق وهما يسويان بين القضاء وغير القضاء فيما إذا وقع إلى الأول عين الواجب وما يقضي به القاضي لو رفع الأمر إليه وهذا موجود هنا ولو كان لم يصالحه على العبد ولكن القاضي قضى له بالقيمة فاشترى به العبد ثم قتل آخر فإنه يكون له على المشتري نصف المدبر ولا خيار للمشتري في ذلك ولا ضمان على البائع فيه لأن القاضي قضي بالقيمة للأول فيتعين حق الثاني فيما قضي به القاضي للأول فلهذا لا ضمان على البائع كما لو كان دفع القيمة إلى الأول بقضاء قاض ثم على المشتري نصف قيمة المدبر هنا من غير خيار له في ذلك بخلاف ما إذا أخذ العبد بطريق الصلح لأن مبني الشراء على الاستقضاء فيصير به في معنى المستوفي بجميع القيمة فيرجع الآخر عليه بنصفه ومبنى الصلح على الإغماض عفو فقد رضي بدون حقه حين أخذه صلحا فلهذا يكون له الخيار بين أن يعطي الآخر نصف ما قبضه صلحا وبين أن يغرم له نصف قيمة المدبر .
وتوضيحه إن الشراء لا يتعلق بالدين المضاف إليه بل بمثله ثم يصير قصاصا ولهذا لو صح الشراء بالدين المظنون فصار هو بطريق الشراء مستوفيا قيمة المدبر بالمقاصة فيلزمه دفع نصفها إلى الثاني والصلح يتعلق بالدين المضاف إليه ولهذا لو صالح عن الدين المظنون ثم ظهر أنه لا دين يبطل الصلح إذا لم يرض المصالح به فهو بطريق الصلح لا يصير مستوفيا إلا للعبد فلهذا كان له الخيار بين أن يدفع نصف العبد إلى الثاني وبين أن يغرم له نصف القيمة وإذا قتل المدبر رجلا خطأ وفقأ عين آخر خطأ فعلى مولاه قيمته بينهما أثلاثا لأن حق صاحب العين في نصف الدين وحق ولي الدم في جميع الدية وعلى المولي قيمة واحدة فيضرب كل واحد منهما فيها بمقدار حقه فإن صالح المولي صاحب العين على مائة درهم وقيمته ستمائة فالمسألة على ثلاثة أوجه أحدها أن يصالح على مائة ويبرئه عن المائة الأخرى قبل القبض والقسمة والثالث أن يبرئه عن المائة الأخرى بعد القبض قبل القسمة أما إذا قبض المائة ولم يبرئه عن المائة الأخرى فإنهما يقسمان هذه المائة أثلاثا على مقدار حقهما فإن إبراءه عن المئة الأخرى بعد القسمة لا يتغير بتلك القسمة لأن جميع حقه كان ثابتا عن القبض والقسمة فبالإسقاط بعد ذلك لا تبطل القسمة كمن مات وعليه لرجل ألف درهم وللآخر ألفا درهم وترك ألف درهم فاقتسما ها أثلاثا ثم أبرأه أحدهما عن بقية دينه وأما إذا صالح على المائة وأبرأه عما بقي قبل القبض والقسمة فهذه المائة تقسم بينهما أخماسا خمسها لصاحب العين وأربعة أخماسها لولي الدم لأن القيمة الواجبة وهي ستمائة كانت بينهما أثلاثا لولي الدم أربعمائة ولصاحب العين مائتان فحق صاحب العين بقي في مائة لأنه أسقط حقه في المائة فإنما يقسم المقبوض بينهما على قدر حقهما عند القبض وعند القبض حق ولي الدم أربعمائة وحق صاحب العين في مائة فإذا جعلت كل مائة بينهما كان قسمة المقبوض بينهما أخماسا فأما إذا قبض المائة ثم أبرأه عن المائة الأخرى قبل القسمة ففي قول أبي يوسف C تقسم هذه المائة بينهما أثلاثا لأن قسمة المقبوض بينهما باعتبار القبض وعند ذلك حق صاحب العين في مائتين فوجب قسمة المقبوض بينهما أثلاثا ثم الإبراء في ذلك لا يغير الحكم الثابت في المقبوض كما لا يغير في المقسوم وهذا لأن صاحب العين قد تم استيفاؤه في مقدار نصيبه من المقبوض قسم بينهما أو لم يقسم فإنما يظهر حكم إبرائه فيما بقي ثم رجع فقال لصاحب العين خمس المقبوض لأن القسمة تكون على مقدار القائم من حق كل واحد منهما وقت القسمة وعند القسمة حق صاحب العين في المائة وحق الآخر في أربعمائة كان هذا والإبراء قبل القبض في المعنى سواء وهو قول محمد C ولو لم يقض لهما بشيء حتى صالحهما على عبد ودفعه إليهما كان العبد بينهما على ثلاثة لأنه بدل ما استوجباه من القيمة وحكم البدل حكم المبدل ولو استوفيا القيمة اقتسماه أثلاثا فكذلك إذا صالحهما على العبد وأم الولد بمنزلة المدبر في حكم الجناية لأن المولي أحق بكسبها وقد صار مانعا دفع رقبتها بالاستيلاد السابق على وجه لم يصر مختارا وكانت بمنزلة المدبر في ذلك وإذا قتل المدبر رجلا خطأ وفقأ عين آخر فصالحهما المولي على عبد دفعه إليهما فاختلفا فقال كل واحد منهما أنا ولي الدم فعلى كل واحد منهما البينة لأن كل واد منهما يدعي الزيادة في المستحق من القيمة على المولي لنفسه فإن لم تقم لهما بينة فالعبد بينهما نصفان لاستوائهما في سبب استحقاقه فكل واحد منهما في احتمال إنه ولي الدم مثل صاحبه فإن قال مولي المدبر لأحدهما أنت ولي القتل فالقول قوله مع يمينه لأن استحقاق القيمة عليه وقد أقر لأحدهما بالزيادة وإقرار المرء في المستحق عليه مقبول وقد أنكر حق الآخر في الزيادة فالقول قوله مع يمينه وإذا أقر المدبر بقتل فإقراره جائز بإقرار القن لأن المستحق نفسه قصاص وهو خالص حقه والتهمة منتفية عن إقراره لما يلحقه من الضرر في ذلك فإن صالح مولاه عنه أحد وليي الدم على ثوب فهو جائز وللآخر نصف قيمة المدبر على المولي إن قامت له بينة أو أقر المولي بذلك وإن لم تقم له بينة لم يكن له شيء لأن المولي بالإقدام على الصلح لم يصر مقرا ( ألا ترى ) أن دعوى القصاص لو كانت عليه لرجلين فصالح أحدهما مع الإنكار لا يصير بهذا الصلح مقرا للآخر بشيء وإقرار المدبر في استحقاق المال بجنايته غير مقبول لأن ذلك إقرار على المولي وبعدما صالح أحدهما المستحق للآخر حصته من المال فلا يثبت ذلك بإقرار المدبر ما لم يقر المولي بذلك أو يقيم عليه البينة وإذا قطعت المرأة يد رجل عمدا فصالحها من الجراحة على أن يتزوجها فالنكاح جائز فإن أبرأها من ذلك فهو أرش ذلك لأن القصاص لا يجري بين الرجال والنساء فيما دون النفس فإن برأ تبين أن الواجب له عليها خمسة آلاف وذلك مال يصلح أن يكون مهرا .
وكان ذلك مهرها وإن مات من ذلك فلها مهر مثلها وعليها الدية في مالها في قول أبي حنيفة C لأنه تبين أن الواجب له عليها القصاص والقصاص لا يصلح أن يكون صداقا لأنه ليس بمال فكان لها مهر مثلها لذلك ثم التزويج على اليد والضربة أو الجراحة أو القطع بمنزلة الصلح وقد بينا أن في الصلح بهذه الألفاظ يتبين بطلان الصلح بالسراية عند أبي حنيفة C وفي القياس يجب القصاص وفي الاستحسان تجب الدية وعندهما الصلح صحيح فههنا كذلك عندهما القود ساقط ولا شيء عليها وعند أبي حنيفة C عليها الدية في مالها استحسانا لأن العاقلة لا تعقل العمد وإن كان القتل خطأ فالدية على عاقلتها عند أبي حنيفة C لأنه سمى اليد في التزويج وبين أن حقه كان في النفس فلهذا كانت الدية على عاقلتها عند أبي حنيفة C وليس لها منه شيء لأنها قاتلة ولا ميراث للقاتل وإن كان تزوجها على الجناية وهي عمد ثم مات فقول أبي حنيفة C هنا كقولهما أن القود يسقط لأن اسم الجناية يتناول النفس وما دونها ولها مهر مثلها لأن القصاص لا يصلح أن يكون صداقا وكذلك لو قال علي الضربة وما يحدث منها أو الجراحة وما يحدث منها وإن مات من ذلك وهو خطأ فإنه يدفع عن عاقلها مهر مثلها من ذلك لأن التسمية صحيحة باعتبار أن المسمى مال وهو الدية وقد تناوله لفظة بدل النفس وما دونه إلا إذا كان مهر مثلها ألفا فما زاد على ذلك لا يستحقه لأنه صاحب فراش فالزيادة على قدر مهر المثل بمنزلة الوصية منه لها والوصية منه لها وصية لقاتل فالمستحق لها مقدار مهر مثلها يدفع عن العاقلة من ذلك بقدر ثلثه لأن ذلك وصية منه لعاقلتها على ما بينا أن الدية على العاقلة فيصح بقدر الثلث ولا ميراث لها لأنها قاتلة وإن طلقها قبل الدخول أخذ من عاقلتها نصف الدية لأن نصف المسمى سقط بالطلاق قبل الدخول ونظر إلى النصف الباقي فيرجع منه عن عاقلتها نصف مهر مثلها لأن الاستحقاق لها في مقدار مهر المثل صحيح وبقي نصف ذلك لها بعد الطلاق ولا تعقل العاقلة عنه لها فيدفع ذلك عنهم ثم ينظر إلى ثلث ما ترك الميت ويدفع ذلك عن العاقلة لأنه كان موجبا بذلك لعاقلتها فتعتبر من الثلث وتؤدي العاقلة ما بقي بعد ذلك فيكون لورثته ولو أن رجلا جرج رجلا جراحة عمدا فتزوجت أخت الجارح المجروح على أن مهرها الجراحة على أن ذلك لها خاصة دون أختها فالنكاح جائز وإن برئ فهو عفو ولها مهر مثلها على الزوج لأن الواجب هو القصاص وقد صار المجروح مسقطا لحقه بهذه التسمية إلا أن القصاص لا يصلح أن يكون صداقا فكان لها مهر مثلها على الزوج وإن كانت الجراحة لا يستطاع فيها القصاص أو كان ذلك خطأ فأرش ذلك مهرها في مال الزوج لأن الأرش مال يصلح أن يكون صداقا فتصح التسمية وإن كان ذلك دينا للزوج في ذمة الجارح ولكن الصداق يجب في ذمة من ثبت له الملك وهو الزوج دون الجارح وإن اشترطت العفو عن أخيها والبراءة له فلها مهر مثلها وأخوها برئ منه لأن الصداق لا يصير مملوكا لها بالتسمية فالعفو عن أختها والبراءة له لا يوجب الملك لها في شيء فيجعل في حقها كأنه تزوجها من غير تسمية المهر فلها مهر مثلها وإن طلقها قبل الدخول فلها المتعة وقد برئ أخوها بإبراء المجروح إياه في النكاح وإن كانت اشترطت أن تأخذ لنفسها فهو جائز فإن شاءت أخذته من الأخ وإن شاءت رجعت به على الزوج لأن المسمى مال يملكه بهذه التسمية فتصح التسمية وقد شرطت أن تأخذ ذلك من الجارح ولا بد من أن يجب الصداق بالنكاح على الزوج فإن شاءت أخذته من الزوج لصحة النكاح والتسمية وإن شاءت أخذته من الأخ بالشرط كما لو تزوجها على ألف درهم على أجنبي وضمن الأجنبي ذلك وإن طلقها قبل الدخول ولو شجت امرأة رجلا موضحة فصالحها على أن تزوجها على هذه الجناية فذهبت عيناها من ذلك فذلك كله مهرها لأن الواجب هو الأرش وقد بينا أن اسم الجناية يعم أصل الفعل والسراية فيكون ذلك كله مهرا لها وإن طلقها قبل الدخول تنصف ذلك كله ويرجع عليها بنصف أرش ذلك وإن كان ذلك عمدا ففي مالها وإن كان خطأ فعلى عاقلتها وإذا جرح الزوج امرأته عمدا فصالحته على أن اختلعت منه بذلك الجرح فذلك جائز إن برأت من ذلك لأنها سمت في الخلع ما هو حقها وإن ماتت فكذلك عند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله وعند أبي حنيفة C عليه الدية لأنهما سمت ما ليس بحق لها فلا تصير هي مسقطة بهذه التسمية شيئا عن الزوج فيجب عليه الدية استحسانا ولا شيء له عليها من مهر المثل لأن البضع عند خروجه من ملك .
الزوج غير متقوم وهي لم تغره في شيء فهو وما لو خالعها على خمر أو خنزير سواء بخلاف النكاح وقد بيناه وإن طلقها على ذلك طلقة ثم ماتت من ذلك فعليه الدية في قياس قول أبي حنيفة C لما قلنا وهو يملك الرجعة لأن الطلاق وقع بغير جعل حين سمت ما لم يكن حقا لها وصريح لفظ الطلاق إذا كان بغير جعل لا يوجب البينونة بخلاف ما إذا كان بلفظ الخلع كما لو كان المسمى خمرا أو خنزيرا وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله ليس عليه دية والطلاق رجعي أيضا لأن المسمى بمقابلة الطلاق قصاص والقصاص ليس بمال فلا تقع البينونة باعتباره وإن طلقها على الجناية أو الجرح وما يحدث منه فماتت وهو عمد فهو جائز والطلاق رجعي لأنه مثل العفو عن القصاص وذلك ليس بمال فإن قيل العفو عن القصاص متقوم حتى يصلح أن يكون بدلا في الصلح عن القصاص على ما بينا وإذا كان لكل واحد منهما على صاحبه قصاص فاصطلحا على أن عفى كل واحد منهما عن صاحبه جائز ذلك فكذلك يصلح أن يكون بدلا عن الطلاق فينبغي أن يكون الطلاق ثابتا قلنا وقوع البينونة عند صريح لفظ الطلاق باعتبار ملك الزوج ما له عليها وذلك لا يوجد هنا لأن العفو إسقاط والمسقط يصلح بدلا في الصلح عن دم العمد ولكن الطلاق لا يصير بائنا باعتبار الإسقاط إذا لم يكن فيه معنى التمليك كما لو كان تحت رجل امرأة وأمته تحت عبدها فطلق امرأته على أن طلق عبدها أمته فإن كل واحد من الطلاقين يكون رجعيا باعتبار هذا المعنى وإن كان الفعل خطأ فالدية على عاقلته ويرجع عليهم بالثلث من تركتها لأنها سمت المال والمريضة إذا اختلعت من زوجها بمال يعتبر ذلك من الثلث وذلك وصية منها لعاقلة الزوج فيكون صحيحا ويؤخذ منهم الباقي والطلاق بائن لأنه وقع بجعل ولا ميراث له لأنه قاتل وإذا جرح الرجل امرأة رجل خطأ فصالحها زوجها على أن طلقها واحدة على أن عفت له عن ذلك كله ثم ماتت منه فالعفو من الثلث لأنها سمت بمقابلة الطلاق ما هو ماله وهو الدية على عاقلة الجارح فيكون ذلك معتبرا من الثلث سواء كان بطريق الإسقاط أو التمليك والطلاق بائن لأنه وقع بمال إن كان عمدا فهو جائز كله والطلاق رجعي لأن الواجب هو القود والقود ليس بمال فلا يعتبر عفوها من الثلث وتسميته لا يثبت البينونة كالخمر ولو ضرب رجل سن امرأته فصالحها من الجناية على أن طلقها فهو جائز والطلاق بائن لأن الواجب مال فتسميته بمقابلة الطلاق يوجب البينونة اسودت السن أو س